لعله يكون أمرا مؤجل، إذ ينذر احتدام المماحكات السياسية بين الأطراف الشيعية التي تحولت مؤخرا إلى صدامات مسلحة بعودة مسلسل الاغتيالات إلى الواجهة، لاسيما وأنه سلوك طالما كان حاضرا في الصراعات على السلطة.

حيث جددت المواجهات المسلحة التي شهدتها العاصمة العراقية بغداد يوم الاثنين وحتى صباح الثلاثاء الماضي، بين أنصار “التيار الصدري” بزعامة مقتدى الصدر والقوات الأمنية المكلفة بحماية المنطقة الخضراء التي تضم مباني حكومية ومقار البعثات الدبلوماسية، المخاوف من عودة التصفيات، لاسيما وأن التيار يتهم جماعات مسلحة موالية لإيران ومنخرطة في قوات “الحشد الشعبي” بالضلوع بصدامات الخضراء.

خاصة وأن أحداث الخضراء التي اندلعت على إثر اعتزال الصدر الفائز أولا في الانتخابات المبكرة التي أجريت في العاشر من تشرين الأول/أكتوبر الماضي، السياسة نهائيا، بعد أن عطل تحالف “الإطار التنسيقي” على مدى أكثر من 10 أشهر جهوده بتشكيل حكومة “أغلبية وطنية“، انسحبت على مستوى صدامات بين ميليشيا “سرايا السلام” جناح الصدر المسلح، وميليشيات أخرى تنضوي في “الحشد” في عدد من محافظات وسط وجنوب البلاد.

المواجهات تطورت، بعد اقتحام أنصار الصدر المعتصمين داخل الخضراء منذ 30 تموز/يوليو الماضي، وبعد إعلان زعيمهم الاعتزال السياسي للقصر الحكومي – الجمهوري، ما دفع القوات الأمنية بفتح النار عليهم مع فصائل “الحشد” بمحاولة لتفريقهم، ما أسفر عن قتلى وجرحى، وتحول المشهد إلى اشتباكات مسلحة استخدم فيها أسلحة ثقيلة ومتوسطة وخفيفة من قبل “سرايا السلام” التي نزلت إلى الشارع بدعوى حماية متظاهريهم.

فوضى استهدف خلالها أنصار الصدر مقار الأحزاب المنخرطة في تحالف “الإطار” والميليشيات الموالية لها مثل عصائب أهل الحق وبدر وحرقها، ليبادر مسلحين ينتمون إلى جماعة العصائب المصنفة على لائحة الإرهاب بقيادة قيس الخزعلي، بمهاجمة مقر لـ “سرايا السلام” في محافظة البصرة أقصى جنوب البلاد، لتندلع مواجهة خلفت ستة قتلى ونحو 20 جريحا.

https://twitter.com/fady48389406/status/1565782674979131398?s=21&t=ZSi9bskQ1TpkMQA7SUP-1w

اقرأ/ي أيضا: العراق.. عامان على اغتيال هشام الهاشمي والقتلة في إيران

ضحايا ما قبل مسلسل الاغتيالات

في حين خلفت الموجهات الأخيرة، جراء العنف المسلح 37 قتيلا و700 جريح، وانتهت اعتصامات الجمهور الصدري بعد شهر من خروجها أمام البرلمان للمطالبة بحله وإجراء انتخابات مبكرة جديدة.

أحداث من شأنها أن تدفع عجلة الاغتيالات للعودة لدواران خلف من يتهم بضلوعه بالمواجهات الأخيرة، لاسميا بعد توعد ذوي القتلى بالثأر، وهو أمر قد عانت منه عدة محافظات جنوبية خلال فترات مختلفة، وأبرزها ميسان وذي قار والبصرة.

إذ شهدت محافظة ميسان جنوبي العراق، مطلع فبراير/شباط الماضي، موجة اغتيالات متبادلة بين الفصيلين المسلحين أودى بحياة عدد من الأشخاص، ولم تنتهي إلا بتدخل مباشر من زعيمي الجماعتين، مقتدر الصدر وقيس الخزعلي، وتشكيل لجنة صلح بين “التيار الصدري” وجماعة “عصائب أهل الحق“، توسط لأجلها رجال دين ومسؤولون أمنيون.

ويرى مراقبون أمنيون أن سقوط قتلى وجرحى من “التيار الصدري” وفصائل مسلحة حليفة لإيران، كفيل بفتح صفحة أخرى من التصفيات لأشخاص متهمين بالخوض في الاشتباكات الأخيرة في بغداد والبصرة، خاصة مع تحذير برقية أمنية وصلت من بغداد، تفيد بأخذ الاحتياطات من أي اختلالات أمنية، تتمثل بمحاولات استهداف بعض القيادات وعناصر الفصائل المسلحة أو التيار الصدري.

الوثيقة التي صدرت عن قيادة عمليات بغداد يوم الجمعة الماضي، أشارت إلى أقسام وشعب الاستخبارات، تلقي معلومات عن “نية مجاميع مسلحة خارجة عن القانون، القيام بعمليات اغتيالات داخل العاصمة“، كما بينت أن “العمليات قد تنفذ بواسطة عجلات لا تحمل لوحات مرورية وعجلات مظلة، ودرجات نارية يستقلها أكثر من شخص واحد“، داعية إلى “تدقيق المعلومات واتخاذ الإجراءات اللازمة“.

اقرأ/ي أيضا: عودة مسلسل اغتيال الضباط في الأمن العراقي للواجهة

مشهد خطير أوله الاغتيالات

مروان العزاوي، وهو متابع للشأن العراقي، تحدث لموقع “الحل نت“، وقال إن “الأوضاع في البلاد على حافة الهاوية، وأن ما حصل من أحداث في الأيام القليلة الماضية قد تدفع إلى تطور المشهد، وتكوت البداية من تنفيذ عمليات اغتيال“.

الاغتيالات قد تكون بدافع الانتقام، أو بدافع فرض الإرادات وإخراج عناصر مهمة من دائرة الصراع الحاصل، حسب العزاوي، الذي لفت إلى أن أحداث مشابهة فيما سبق انتهت بصراعات مسلحة واسعة.

كما أشار إلى أنه “من المحتمل أن يكون هناك طرف ثالث يحاول الاستثمار بالأزمة من خلال تأجيج الأوضاع عبر الاغتيالات“، مبينا أن “القوات الأمنية تحتاج إلى جهود مضاعفة للسيطرة على الأوضاع إلا ستذهب إلى منحنى خطير“.

وتواصل قوات الأمن العراقية ممثلة بالجيش والشرطة وأفواج الطوارئ عملية انتشار واسعة منذ نحو أسبوع في عدد من مدن جنوبيّ البلاد، وذلك بالتزامن مع بدء توافد ملايين الزائرين الدينيين إلى مدينتي النجف وكربلاء، لإحياء مراسم “أربعينية الإمام الحسين“، التي توافق الـ17 من الشهر الحالي، وتتوقع السلطات توافد ما لا يقلّ عن خمسة ملايين شخص من خارج البلاد وداخلها إلى المدينتين.

ما يجدر ذكره، أن الأزمة السياسية العراقية، اشتدّت في 30 تموز/ يوليو الماضي، بعد أن اقتحم جمهور “التيار الصدري“، المنطقة الخضراء حينها، وأقاموا اعتصاما مفتوحا من داخلها وأمام مبنى البرلمان العراقي، بعد 72 ساعة من الاقتحام الأول لهم للخضراء، الذي لم يتجاوز 5 ساعات قبل أن ينسحبوا بتوجيه من زعيم “التيار“، مقتدى الصدر وقتئذ.

أزمة تدفع العراق نحو فصل الاغتيالات

الأزمة جاءت نتيجة لصراع سياسي دام لأكثر من 10 أشهر منذ انتهاء الانتخابات المبكرة الأخيرة، وفوز الصدر فيها وخسارة “الإطار” الموالي لإيرلن، الذي وقف بوجه مشروع “التيار الصدري“، عندما سعى إلى تشكيل حكومة “أغلبية“.

بعد الانتخابات المبكرة، ذهب “التيار الصدري” بقيادة الصدر، إلى تشكيل تحالف ثلاثي مع الحزب “الديمقراطي الكردستاني” وتحالف “السيادة” الجامع لأغلب القوى السنية، وسمي بتحالف “إنقاذ وطن“.

“إنقاذ وطن“، أصر بـ 180 مقعدا نيابيا على الذهاب نحو تشكيل حكومة “أغلبية” تستثني مشاركة كل “الإطار التنسيقي” أو بعض أطرافه، في وقت استمر الآخير بالدعوة إلى حكومة “توافقية” يشترك فيها الجميع، وذلك ما لم يقتنع به الصدر، ولم ينجح في ذات الوقت بتمرير مشروعه.

الفشل في تمرير مشروع حكومة الأغلبية، جاء بسبب عدم تمكن التحالف الثلاثي من حشد النصب القانوني لجلسة انتخاب رئيس الجمهورية في 3 مناسبات، والذي تكمن أهمية انتخابه في تكليف مرشح الكتلة الأكبر بتشكيل الحكومة، ودونه لا يمكن المضي بحكومة جديدة.

سبب الفشل كان إلزام “المحكمة الاتحادية العليا” -التي لجأ إليها “الإطار” صاحب 83 مقعدا نيابيا بالتصدي لمشروع الأغلبية- البرلمان العراقي بعقد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية بحضور ثلثي أعضاء المجلس، أي 220 نائبا من أصل 329، وفقا للدستور.

بعد ذلك، شهد العراق انسدادا سياسيا أضطر الصدر للانسحاب من العملية السياسية، وتوجيه أعضاء كتلته بالاستقالة من البرلمان في 12 حزيران/ يونيو الماضي، لتستبشر قوى “الإطار” بعدها بسهولة تشكيل الحكومة، وهذا ما لم يحدث إلى الآن.

ما منع “الإطار” من تشكيل الحكومة، توجيه الصدر لأنصاره بالنزول إلى الشارع، مجرد أن أعلن “الإطار” توصله إلى تفاهمات داخلية أفضت لترشيح السياسي محمد شياع السوداني، لرئاسة الحكومة لتشكيلها وفق عملية التوافق والمحاصصة، وهو الأمر الذي رفض الصدر تكراره جملة وتفصيلا.

اقرأ/ي أيضا: العراق.. توجه برلماني لفتح ملف “اغتيال” الناشطين والمتظاهرين

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.