تصدرت بريطانيا المشهد مؤخرا بعد كثرة التحركات الرامية إلى ترحيل بعض من اللاجئين على أراضيها إلى رواندا، ودون شك أن السياسة التي تتبعها بريطانيا تنتهك الاتفاقيات والقوانين الدولية المتعلقة بطريقة التعامل مع طالبي اللجوء، والفارين من مناطق الحرب، وعلى الرغم من الانتقادات الكبيرة التي تواجهها الحكومة البريطانية نتيجة تطبيقها سياسة جديدة في معالجة قضية الهجرة غير الشرعية، إلا أنها تصر على المضي قدما في سياستها وترحيل طالبي اللجوء إلى كيجالي عاصمة رواندا.

وتنظر محكمة لندن العليا، اليوم الإثنين، في الاستئناف المقدم ضد الخطط الحكومية لإرسال طالبي اللجوء إلى رواندا، في وقت يخيم فيه الخوف على عشرات من طالبي اللجوء السوريين المقيمين في فندق إيبيس، والذين يخشون من نهاية سيئة لرحلة لجوئهم إلى المملكة المتحدة.

مصير مجهول!

صحيفة “الغارديان” البريطانية أفادت في تقرير لها يوم أمس، الأحد أن طالبي اللجوء يتحدثون عن أنهم يعيشون في خوف شديد من أن يؤول الأمر إلى ترحيلهم إلى كيجالي عاصمة رواندا، وهم جميعا جدد في بريطانيا، وبالتالي يعرفون أنهم من بين المرشحين الأوائل للترحيل إذا حكم قضاة المحكمة العليا أن خطة الحكومة قانونية.

من جانبها، وزارة الداخلية البريطانية لم تنشر معايير محددة لاختيار المرحَّلين إلى رواندا، لذلك يظن كل طالب لجوء في الفندق أنه معرض لخطر الترحيل قبل غيره.

عبد الله وهو شاب سوري يبلغ من العمر 21 عاما ولاجئ في بريطانيا، يضيف للصحيفة البريطانية: “نقول جميعا في الفندق إن قتل أنفسنا خيرٌ لنا من الذهاب إلى رواندا”. أي أنهم يفضلون الموت على الذهاب إلى رواندا.

في حين، أصيب عبد الله برصاصة في فخذه الأيمن حينما داهم جنود قوات الحكومة السورية في سوريا قريته في عام 2014 وأخذوا يطلقون النار على الناس، على حد وصفه.

وأردف عبدالله إلى أنه لم يتمكن من الحصول على العلاج في أي مستشفى قريب؛ لأن جميع المستشفيات في منطقته كانت مغلقة آنذاك بسبب الحرب، وقد هرب بعد ذلك إلى تركيا، لكنه “عجز عن بلوغ العلاج الطبي هناك أيضا”.

ووفق الصحيفة البريطانية، فقد لجأ عبد الله بعد ذلك إلى المهربين للسفر إلى أوروبا، ومن ثم الانتقال إلى ليبيا وبعدئذ غادرها على متن قارب مكتظ إلى جزيرة لامبيدوسا الإيطالية.

اللاجئون في بريطانيا يخشون من ترحيلهم إلى رواندا – Getty Images

قضى عبد الله أربعة أيام في جزيرة لامبيدوسا، وبعدها شق طريقه إلى مدينة كاليه الفرنسية، ويقول: “كنا نعيش في خيام نُقيمها بالحدائق، لكن الشرطة كانت تأتي وتمزق الخيام فوق رؤوسنا”.

دفع عبد الله للمهربين 1000 جنيه إسترليني أي نحو 1148 دولارا أميركيا للعبور من فرنسا إلى بريطانيا في قارب صغير. وقد وصل إلى المملكة المتحدة قبل بضعة أسابيع. ويضيف: “أنا خائف من الماضي والحاضر والمستقبل. لم يعد بي طاقة لشيء”.

وأشار تقرير صدر حديثا عن منظمة “العدالة الطبية” إلى أن تهديد طالبي اللجوء بالترحيل القسري إلى رواندا يزيد من خطر الإقبال على الانتحار بينهم.

ووفق تقارير صحفية بريطانية، فإن طالبي اللجوء الذين نُقلوا بالطائرة في أول رحلة ترحيل إلى رواندا في 14 حزيران/يونيو 2022، والتي أوقفت بسبب قبول الاعتراض القانوني عليها، هددوا بإيذاء أنفسهم والانتحار، واستُخدمت معهم تقنيات الضبط و”تخفيف الألم” بعد توسلهم الشديد بعدم الترحيل من بريطانيا.

قد يهمك: أهداف سرية من نقل اللاجئين السوريين إلى رواندا

ما أهداف الترحيل؟

تبرز العديد من التساؤلات حول الاتفاقات التي تصر بعض الدول الأوروبية على تنفيذها بترحيل طالبي اللجوء إلى رواندا (شرق أفريقيا). وتترافق هذه التساؤلات مع بروز دعوات عدة تبيّن حجم الانتهاك القانوني الذي ستمارسه هذه الدول في ظل إصرارها على ترحيل اللاجئين في بلدانهم وعلى رأسهم السوريين.

الباحث السياسي السوداني، محمد تورشين، كشف في حديثه السابق لموقع “الحل نت” عن الأهداف والخبايا التي تقف وراء هذه الاتفاقية، فيقول: “في تقديري، أن الحكومة البريطانية مصممة على تنفيذ هذه الخطوة، مهما كانت التكاليف السياسية والاقتصادية، من أجل إيصال رسائل إلى مهربي البشر، وكذلك جميع طالبي اللجوء الذين يبحثون عن فرص الحياة، وبطبيعة الحال معظم هؤلاء قد ضاقت بهم الحياة؛ لذا يهاجرون سواء إلى بريطانيا أو الدول الأوروبية، وبالتالي فإن الحكومة البريطانية تقوم الآن بتنفيذ هذه الخطوة بإصرار”.

وأردف تورشين، بأن “رواندا استضافت عددا كبيرا جدا من اللاجئين في وقت سابق، وهذه ليست المرة الأولى التي تتقدم كيجالي فيها طلبا لدولة مثل بريطانيا لاستقبال اللاجئين، فقد تقدمت سابقا بطلب لدولة النيجر والسودان لاستقبال اللاجئين الذين وصلوا إلى أراضيهم نتيجة الأوضاع في ليبيا وغيرها، وبالتالي أعتقد بأن رغبة رواندا باستقبال اللاجئين من بريطانيا نابعة من الأطر والمقاربة السياسية، حيث أنها عازمة على ترسيم وتقديم صورة جديدة لها تطغى على جميع السلبيات التي ارتبطت بتاريخها السابق، والمتمثلة في جرائم الحرب والإبادة الجماعية التي حدثت خلال الحرب، إلى جانب ذلك، فهي راغبة للتعبير عن أنها الدولة الأفريقية القادرة على دمج هؤلاء اللاجئين واستيعابهم معا دون أي تمييز وتفرقة، وأنها استفادت من ظروف الحرب الأهلية الرواندية (1990-1993) (الحرب القبلية بين التوتسي والهوتو)”.

لاجئين في بريطانيا “وكالات”

أيضا، ستكتسب رواندا وفق تورشين قدرات وخبرات جديدة من خلال استضافة هؤلاء اللاجئين، على اعتبار أن هؤلاء اللاجئين لديهم عدد من الخبرات والكفاءات، خاصة معظمهم من الفئة الشابة. لذلك، ستستفيد رواندا من قدراتهم على زيادة الإنتاجية في بلدها، خاصة وأن عدد سكان رواندا محدود، وفق تعبير الباحث السياسي السوداني.

وتستفيد كيجالي من هذه الصفقة ماليا التي يعتبر منتقديها أنها أُبرمت على حساب حقوق المهاجرين. وتجني منها هذه الدولة الأفريقية، بموجب اتفاق مع لندن مبلغ 120 مليون جنيه إسترليني (144 مليون يورو) كتمويل أولي للخطة.

انتهاك للقانون

ضمن إطار الجانب القانوني، قال المحامي السوري المعتصم الكيلاني، إن خطة الحكومة البريطانية، من خلال اتفاقها مع الحكومة في رواندا، لنقل طالبي اللجوء الذين دخلوا بريطانيا بشكل غير قانوني، تنتهك شروط اتفاقية اللجوء لعام 1951 وبروتوكولاتها الإضافية لعام 1967، وكذلك تتعارض مع اتفاقيات جنيف الأربع والبروتوكولين الإضافيين لعام 1977، بالإضافة إلى أحكام الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان التي تنظم عمل المجلس الأوروبي، والتي لا تزال بريطانيا عضوا ولديها التزامات باحترام أحكام الاتفاقيات الموقعة.

وأردف الكيلاني في حديثه السابق لـ”الحل نت”، “هنالك قاعدة آمرة في القانون الدولي، وهي عدم جواز الإعادة القسرية بأي شكل من الأشكال، لذلك استندت الحكومة البريطانية على جانبين؛ الأول كسب شارع اليمين المتطرف الراغب في الحد من الهجرة واللجوء، والثاني اقتصادي بحت، لذلك ستنخفض تكلفة الحكومة البريطانية بنسبة 10 بالمئة من قيمة ما تنفقه على اللاجئين في حال تطبيق الخطة”.


ارتفع عدد الأشخاص الذين يعبرون القنال الإنجليزي هذا العام – Getty Images

وخلُص الكيلاني حديثه بالقول: “إضافة إلى كل ما ذكر علينا أن لا ننسى بأن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في المادة 14 رقم (1) أعطى الحق لكل فرد حق التماس ملجأ في بلدان أخرى والتمتع به خلاصا من الاضطهاد”.

وفي نيسان/أبريل الماضي، أقرت الحكومة البريطانية قانونا جديدا يقضي بترحيل طالبي اللجوء الواصلين إلى المملكة منذ مطلع العام الحالي إلى رواندا، بموجب تطبيق قانون الهجرة البريطاني الجديد. وتزامن القانون البريطاني مع إعلان رواندا عن توقيعها اتفاقية بملايين الدولارات مع لندن، لاستقبال طالبي لجوء ومهاجرين إلى المملكة المتحدة على الأراضي الرواندية.

قد يهمك: نفوذ صيني يمتد إلى سريلانكا.. تهديد جديد للأمن الدولي؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.