تبرز العديد من التساؤلات حول الاتفاقات التي تصر بعض الدول الأوروبية على تنفيذها بترحيل طالبي اللجوء إلى رواندا (شرق أفريقيا). وتترافق هذه التساؤلات مع بروز دعوات عدة تبيّن حجم الانتهاك القانوني الذي ستمارسه هذه الدول في ظل إصرارها على ترحيل اللاجئين في بلدانهم وعلى رأسهم السوريين.

تصدرت بريطانيا والدنمارك المشهد مؤخرا بعد كثرة التحركات الرامية إلى ترحيل بعض من اللاجئين على أراضيها إلى رواندا. إن السياسة التي تتبعها هذه الدول تنتهك دون شك الاتفاقيات, والقوانين الدولية المتعلقة بطريقة التعامل مع طالبي اللجوء ,والفارين من مناطق الحرب، ويبدو أن هذه الدول تحاول الالتفاف على القوانين من خلال الادعاء أن هناك حياة جيدة وفرصا مناسبة في البلدان الأفريقية لاسيما في رواندا.

إزاء ذلك، تزداد احتمالية أن تبدأ دول أوروبية أخرى إجراءات مماثلة، خاصة وأن الموقف الأوروبي من المهاجرين قد تغير، وليس كما كان عليه في عام 2015، لأسباب عديدة، بما في ذلك اليمين المتطرف، ومزاعم أخرى لبعض الدول مثل تركيا ,والتي يمكن اعتبارها أو وضعها تحت بند “المصالح السياسية”.

الدنمارك أول دولة سعت لترحيل اللاجئين وبينهم سوريين إلى رواندا، فقد ظهرت اتفاقية سرية عقدت بين الدنمارك ورواندا، نهاية شهر نيسان/أبريل 2021، بعد زيارة وزيري الهجرة والاندماج الدنماركي إلى رواندا، وتوقيعهما اتفاقية مع نظام سياسي تصفه الصحافة الدنماركية بنظام “شبه ديكتاتوري”.

نصّ الاتفاق آنذاك على إرسال طالبي اللجوء الذين يصلون للدنمارك إلى رواندا، والتي ستتحول إلى مقر “لدراسة طلبات اللجوء”. ويقضي الاتفاق، بنقل طالبي اللجوء بطائرات إلى رواندا. وفي حال تم قبول لجوء المقيمين في معسكرات الانتظار، يبقى طالبو اللجوء في رواندا. وفي حال الرفض، تتحمّل رواندا ترحيلهم إلى بلدهم الأصلي.

هدفين للترحيل إلى ” كيجالي”

كذلك، أواخر نيسان/أبريل الماضي، تحدثت صحيفة هولندية عن احتمالات إعادة هولندا لاجئين سوريين، على خطى الدنمارك، واليوم تسير بريطانيا على خطى الدنمارك وهولندا ولكن بشكل حازم أكثر، فرغم الانتقادات الكبيرة التي تواجهها الحكومة البريطانية نتيجة تطبيقها سياسة جديدة في معالجة قضية الهجرة غير الشرعية، إلا أنها تصر على المضي قدما في سياستها وترحيل طالبي اللجوء إلى كيجالي عاصمة رواندا.

الباحث السياسي السوداني، محمد تورشين، كشف في حديثه الخاص لموقع “الحل نت” عن الأهداف والخبايا التي تقف وراء هذه الاتفاقية، فيقول: “في تقديري، أن الحكومة البريطانية برئاسة بوريس جونسون مصممة على تنفيذ هذه الخطوة، مهما كانت التكاليف السياسية والاقتصادية، من أجل إيصال رسائل إلى مهربي البشر، وكذلك جميع طالبي اللجوء الذين يبحثون عن فرص الحياة ,وبطبيعة الحال معظم هؤلاء قد ضاقت بهم الحياة؛ لذا يلجأون سواء إلى بريطانيا أو الدول الأوروبية، وبالتالي فإن الحكومة البريطانية تقوم الآن بتنفيذ هذه الخطوة بإصرار”.

وأردف في حديثه، بأن “رواندا استضافت عددا كبيرا جدا من اللاجئين في وقت سابق، وهذه ليست المرة الأولى التي تتقدم كيجالي فيها طلبا لدولة مثل بريطانيا لاستقبال اللاجئين، فقد تقدمت سابقا بطلب لدولة النيجر والسودان لاستقبال اللاجئين الذين وصلوا إلى أراضيهم نتيجة الأوضاع في ليبيا وغيرها، وبالتالي أعتقد بأن رغبة رواندا باستقبال اللاجئين من بريطانيا نابعة من الأطر والمقاربة السياسية، حيث أنها عازمة على ترسيم وتقديم صورة جديدة لها تطغى على جميع السلبيات التي ارتبطت بتاريخها السابق، والمتمثلة في جرائم الحرب والإبادة الجماعية التي حدثت خلال الحرب، إلى جانب ذلك، فهي راغبة للتعبير عن أنها الدولة الأفريقية القادرة على دمج هؤلاء اللاجئين واستيعابهم معا دون أي تمييز وتفرقة، وأنها استفادت من ظروف الحرب الأهلية الرواندية (1990-1993) (الحرب القبلية بين التوتسي والهوتو)”.

أيضا، ستكتسب رواندا وفق تورشين قدرات وخبرات جديدة من خلال استضافة هؤلاء اللاجئين، على اعتبار أن هؤلاء اللاجئين لديهم عدد من الخبرات والكفاءات، خاصة معظمهم من الفئة الشابة. لذلك، ستستفيد رواندا من قدراتهم على زيادة الإنتاجية في بلدها، خاصة وأن عدد سكان رواندا محدود، وفق تعبير الباحث السياسي السوداني.

وبالمثل ستدعم السلطات البريطانية الدولة الرواندية من عدة جوانب، لا سيما الجانب الاقتصادي، معتبرة أن الأخيرة ستستقبل هذه الأعداد من اللاجئين وبالتالي سيتم دمجهم واستيعابهم في المجتمع الرواندي، وبالتالي تتطلب مرحلة إعادة التأهيل والاندماج تعليم اللغة، واللغة الرواندية هي كينيرواندية بالإضافة إلى اللغتين المنتشرتين هناك (الإنكليزية والفرنسية) لكي يدخلوا مجال العمل دون عوائق، قدرات اقتصادية كبيرة.

وتستفيد كيجالي من هذه الصفقة ماليا التي يعتبر منتقدوها أنها أُبرمت على حساب حقوق المهاجرين. وتجني منها هذه الدولة الأفريقية، بموجب اتفاق مع لندن مبلغ 120 مليون جنيه إسترليني (144 مليون يورو) كتمويل أولي للخطة.

وخلال مؤتمر صحفي في كيجالي، قالت المتحدثة باسم الحكومة يولاند ماكولو إن هذا الاتفاق يشكل “حلا لنظام اللجوء العالمي الفاشل”. وأضافت “لا نرى أن من غير الأخلاقي أن نمنح الناس منزلا”، مشيرة إلى أن رواندا ستكون “سعيدة” باستقبال “آلاف المهاجرين”.

هذا وألغيت مساء الثلاثاء الفائت أول رحلة جوية كان يفترض أن ترحّل مهاجرين من بريطانيا إلى رواندا في إطار الصفقة المتبادلة بين لندن وكيجالي، بعد مراجعات قضائية جرت في اللحظات الأخيرة.

من جانبها، ذكرت تقارير صحفية بريطانية، نقلا عن مصادر حكومية في لندن، الثلاثاء أن الرحلة الجوية ألغيت بسبب قرارات أصدرتها في اللحظات الأخيرة المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان. لكن يبدو أن الحكومة البريطانية مصرة على المضي قدما في سياستها، حيث أكدت وزيرة الداخلية بريتي باتيل أنه “لن تثبط عزيمتنا عن فعل الشيء الصحيح وتنفيذ خططنا للسيطرة على حدود بلادنا”.

ويتشابه واقع الحياة في رواندا مع سوريا إلى حد بعيد، خصوصا السياسية منها ومقياس الحريات فيها، بحسب تقارير حقوقية صادرة عن منظمة “هيومن رايتس ووتش“.

قد يهمك: أول دفعة لاجئين بأوروبا في طريقها إلى رواندا.. ما مصير السوريين؟

الجانب القانوني

ضمن إطار الجانب القانوني، قال المحامي السوري المعتصم الكيلاني، إن خطة الحكومة البريطانية، من خلال اتفاقها مع الحكومة في رواندا، لنقل طالبي اللجوء الذين دخلوا بريطانيا بشكل غير قانوني، تنتهك شروط اتفاقية اللجوء لعام 1951 وبروتوكولاتها الإضافية لعام 1967، وكذلك تتعارض مع اتفاقيات جنيف الأربع والبروتوكولين الإضافيين لعام 1977، بالإضافة إلى أحكام الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان التي تنظم عمل المجلس الأوروبي، والتي لا تزال بريطانيا عضوا ولديها التزامات باحترام أحكام الاتفاقيات الموقعة.

وأردف في حديثه لـ”الحل نت”، “هنالك قاعدة آمرة في القانون الدولي، وهي عدم جواز الإعادة القسرية بأي شكل من الأشكال، لذلك استندت الحكومة البريطانية على جانبين؛ الأول كسب شارع اليمين المتطرف الراغب في الحد من الهجرة واللجوء، والثاني اقتصادي بحت، لذلك ستنخفض تكلفة الحكومة البريطانية بنسبة 10 بالمئة من قيمة ما تنفقه على اللاجئين في حال تطبيق الخطة”.

وبالطبع وفق المحامي السوري، نتيجة لعدم شرعية الخطة البريطانية، جاء قرار المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان استجابة للمادة 16 من اتفاقية عام 1951، التي تجيز للاجئ بالحق في رفع دعوى أمام المحاكم، وبعد استنفاد فرص التقاضي المحلية أمام القضاء البريطاني أصبح هنالك فرصة مواتية للتقدم إليها.

وأضاف “يعتبر ذلك القرار كنصر هام ولكنه غير كافي بعد لقضية اللاجئين في إثبات انتهاك الحكومة البريطانية للاتفاقية الأوروبية، وهنالك فرصة مهمة للمحكمة العليا في لندن التي ستبحث في مراجعة القضايا السياسية للحكومة البريطانية في شهر تموز/يوليو القادم وستدرس صحة قراراتها فيما يخص قضية النقل إلى رواندا”.

وخلص الكيلاني حديثه بالقول: “إضافة إلى كل ما ذكر علينا أن لا ننسى بأن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في المادة 14 رقم (1) أعطى الحق لكل فرد حق إلتماس ملجأ في بلدان أخرى والتمتع به خلاصاً من الاضطهاد”.

وفي نيسان/أبريل الماضي، أقرت الحكومة البريطانية قانونا جديدا يقضي بترحيل طالبي اللجوء الواصلين إلى المملكة منذ مطلع العام الحالي إلى رواندا، بموجب تطبيق قانون الهجرة البريطاني الجديد.

وقال حينها رئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون، إن عشرات الآلاف من المهاجرين غير المصرّح لهم الذين يبحثون عن ملاذ في المملكة المتحدة، سيتم نقلهم جوا لمسافة تزيد على 4000 ميل إلى رواندا بموجب مجموعة جديدة من سياسات الهجرة الجديدة.

وتزامن القانون البريطاني مع إعلان رواندا عن توقيعها اتفاقية بملايين الدولارات مع لندن، لاستقبال طالبي لجوء ومهاجرين إلى المملكة المتحدة على الأراضي الرواندية.

وعليه، فإن الحكومتين البريطانية والدنماركية وكل من ينوون انتهاج مثل هذه الخطط سيواجهون مشكلة عميقة من الناحية القانونية والأخلاقية، وفقا لمراقبين، نظرا لأن “العديد من المهاجرين المرحلين قد يعرضون أنفسهم للأذى الجسدي مثل الانتحار”، رفضا للقرار “التعسفي”. وهكذا يبقى مصير آلاف اللاجئين مجهولا وشبح الترحيل القسري يطاردهم ما لم تضع الهيئات الدولية حدا لهذه المخططات، وبالتالي تخشى نسبة كبيرة من اللاجئين السوريين في الدول الأوروبية من أن تتبع سلطات البلدان المتواجدين فيها نفس خطط البريطانيين والدنماركيين لاحقا. ليبقى مصير وآمال قسم كبير منهم معلقا، دون أي أفق في المستقبل المنظور.

قد يهمك: ازدياد مخاطر رفض اللاجئين السوريين في أوروبا

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.