بعد تصاعد حدة أزمة الطاقة في أوروبا بشكل غير مسبوق، نتيجة لإغلاق شركة “غازبروم” الروسية، مؤخرا، خط الأنابيب “نورد ستريم 1″، الذي ينقل الغاز الروسي إلى أوروبا إلى أجل غير مسمى، أعلنت المفوضة الأوروبية للطاقة، يوم أمس الثلاثاء، أن روسيا “تحرق الغاز، لأن خزاناتها ممتلئة”، الأمر الذي يُنذر بكارثة بيئية على اعتبار أن حرق الغاز مضر للغاية بالبيئة.

بروكسل غاضبة

المفوضية الأوروبية للطاقة، كادري سيمسون، قالت إن روسيا التي علّقت تسليم الغاز إلى الاتحاد الأوروبي عن طريق خط أنابيب “نورد ستريم1″، “تحرق الغاز، لأن خزاناتها ممتلئة”.

في غضون ذلك، تحدثت عدة دول أوروبية عن مسألة ترشيد الطاقة مع ارتفاع التكاليف خاصة، وأن شركة الطاقة الروسية التي تديرها الدولة واصلت إغلاقها لخط أنابيب “نورد ستريم1” الذي ينقل الغاز الطبيعي إلى الدول الأوروبية، فيما يراه المسؤولون الألمان لعبة قوة سياسية.

هذا، يتزامن ذلك مع تحذير رئيس الوزراء الإسباني، بيدرو سانشيز، من أنه يجب الاستعداد للسيناريو الأسوأ المتمثل في قطع جميع إمدادات الغاز الروسي. من جانبها، حذرت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك، من مغبة اعتماد بلادها مجددا على ما وصفتها “بأنظمة استبدادية” في بحثها عن مورّدين للطاقة.

وأضافت كادري سيمسون، للصحافيين خلال زيارة للعاصمة الإندونيسية جاكرتا، للمشاركة في اجتماع لمجموعة العشرين حول الطاقة، “نرى أن روسيا وشركاتها تستخدم الغاز الطبيعي كسلاح. لقد أوقفوا الشحنات إلى أوروبا، لكن ليس لديهم خطوط أنابيب غاز أخرى إلى مناطق أخرى من العالم، وخزاناتهم الجوفية ممتلئة”.

وزادت: “لقد سجلت أقمارنا الاصطناعية تسربا للغاز وحرقا للغاز الطبيعي، لكن هذا مضر للغاية بالبيئة، لأن غاز الميثان هو ثاني أكثر الغازات الضارة بين الغازات الدفيئة”.

المفوضية الأوروبية للطاقة “كادري سيمسون”

وأردفت، “تبحث روسيا عن أسواق جديدة وهي مستعدة لبيع منتجاتها البترولية بأسعار بخسة لمن يرغب في شرائها”. بينما اقترحت على إندونيسيا، والهند، والصين، تحديد سعر للغاز الروسي.

وأشارت سيمسون، في مقابلة مع وكالة “أسوشيتد برس”، إلى أن اجتماعا استثنائيا لوزراء الطاقة في الاتحاد الأوروبي سيُعقد في بروكسل، يوم الجمعة المقبل لمناقشة حزمة من الحلول على مستوى الاتحاد لارتفاع تكلفة سوق الطاقة.

وبيّنت، أن المفوضية الأوروبية تتوقع اعتماد الحزمة الثلاثاء المقبل، وأنه من المتوقع أن يتم فصل أسعار الغاز والطاقة، وزيادة السيولة في السوق، وخفض الطلب.

ووفق سيمسون، يمكن أن يشمل ذلك وضع حد أقصى لسعر الغاز المستخدم في إنتاج الكهرباء، وتعديل قواعد التجارة في تبادل الطاقة وإجراءات منسقة لخفض الطلب مثل تلك التي شوهدت خلال الصيف.

كارثة بيئية؟

الدول الأوروبية سعت جاهدة على التفكير في بدائل الطاقة. أحد الحلول قصيرة الأجل هو ما يقرب من 20 محطة، عائمة تستقبل الغاز الطبيعي المسال من دول أخرى وتحويله إلى غاز طبيعي للمنازل والشركات.

ومع أول محطات عائمة، من المقرر أن تبدأ في توصيل الغاز بحلول نهاية العام الجاري، دقت الخطة ناقوس الخطر بين الخبراء، الذين يخشون العواقب طويلة المدى على البيئة. ويحذرون من أن تلك المحطات ستديم اعتماد أوروبا على الغاز الطبيعي، والذي يطلق غاز الميثان وثاني أكسيد الكربون، اللذين يتسببان في ارتفاع درجة حرارة المناخ عند إنتاجه ونقله وحرقه، وفق ما ذكره موقع “يورونيوز”.

حقل نفطي في روسيا (أرشيفية – رويترز)

ووفق المفوضية الأوروبية للطاقة كادري سيمسون، فقد أكدت عند سؤالها عن المخاوف البيئية أن هذا يعني أن هناك حاجة إلى بعض الاستثمارات غير العادية. واعترفت سيمسون بأن التكلفة العالمية المتزايدة للغاز دفعت بعض الدول إلى اللجوء إلى مصادر طاقة أرخص ولكنها أكثر تدميرا للبيئة.

هذا ويلتزم الاتحاد الأوروبي بخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بنسبة 55 بالمئة، على الأقل بحلول عام 2030 والوصول إلى صفر انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بحلول عام 2050.

قد يهمك: كيف ستواجه أوروبا سطوة الغاز الروسي؟

أزمة حادة

في سياق متّصل، قد تواجه الدول الأوروبية نقصا حادا في الغاز هذا الشتاء، بعد توقف خط أنابيب الغاز “نورد ستريم 1” عن تزويد أوروبا بالغاز، بينما عزا الكرملين وقف تسليم الشحنات عبر خط أنابيب الغاز الاستراتيجي هذا، إلى العقوبات التي فرضها الغرب بعد غزو روسيا لأوكرانيا.

وعلى إثر ذلك، أعلنت الدول الأعضاء في مجموعة السبع الجمعة الماضي، سعيها لوضع سقف لسعر النفط الذي تصدّره روسيا للحد من الإيرادات التي تجنيها موسكو.

من ناحية أخرى، قالت وزيرة التحول البيئي الإسبانية، تيريزا ريبيرا، إن وزراء الطاقة بالاتحاد الأوروبي، ربما يقررون هذا الأسبوع وضع سقف لسعر الغاز الطبيعي الروسي.

ونقلت وكالة “بلومبيرغ” للأنباء، عن ريبيرا، المسؤولة عن سياسة الطاقة في إسبانيا، قولها إن تطبيق حد سعري على مستوى أوروبا أمر محتمل، وأعتقد أننا سنُجري مناقشة كبيرة لتحديد توجه المفوضية الأوروبية.

إحدى ناقلات الغاز الروسية في بحر البلطيق “رويترز”

فيما اقترح رئيس الوزراء الإيطالي، ماريو دراجي، في السابق أن تتفق دول الاتحاد الأوروبي على سقف لسعر الغاز المستورد من روسيا، لكن محللين قالوا إن بعض دول الاتحاد تشعر بقلق حيال تلك الفكرة، بالنظر إلى خطر أن ترد روسيا بقطع إمدادات الغاز إلى أوروبا. وقال الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، الإثنين، إنه سيدعم مثل هذا المقترح.

من جانبها، أشارت وزيرة الخارجية الألمانية، إلى إنه “من الضروري مستقبلا أن يكون هناك شركاء موثوقون. لا يمكننا للمرة الثانية أن نعوّل على مبدأ الأمل الذي يرى أن الأمر لن يكون على هذا النحو من السوء مع هذه الحكومات الاستبدادية”.

كما اتهمت بيربوك الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بالقيام بمحاولات ابتزاز على نحو علني، مشيرة إلى أن الكرملين “يعتقد أن له اليد العليا في هذا لكننا لن نقبل هذا الابتزاز”.

من جانبه، قال المستشار الألماني، أولاف شولتز، إن بلاده حققت أعلى نسبة تخزين للغاز تجاوزت 85 بالمئة، وقد تكون قادرة على اجتياز الشتاء، منوها إلى أنه لا يعتقد بفرضية اندلاع احتجاجات لأن ألمانيا، لديها “اقتصاد قوي وديمقراطية مستقرة”.

هذا ويُعد خط أنابيب “نورد ستريم 1” شريانا رئيسيا ينقل إمدادات الغاز الروسية الضخمة إلى أوروبا، والذي تم من خلاله نقل 35 بالمئة، من إجمالي واردات أوروبا من الغاز الروسي العام الماضي. كما ويتدفق الغاز “نورد ستريم 1″، مباشرة إلى ألمانيا، أكبر اقتصاد في أوروبا، والتي تعتمد بشكل خاص على غاز موسكو لتزويد منازلها وصناعاتها الثقيلة بالطاقة.

وتأتي هذه المواجهة في مجال الطاقة بين روسيا، وأوروبا منذ أن غزت الأولى أوكرانيا في أواخر شباط/ فبراير الماضي، وكانت روسيا قد هددت بالفعل بالانتقام من خلال حظر صادرات النفط إلى الدول التي تطبق سقفا للسعر.

وكان خط أنابيب “نورد ستريم 1″، أيضا مركزيا للصراع الاقتصادي المستمر بين روسيا، والغرب. فمنذ حزيران/يونيو الماضي، قلّصت “غازبروم”، التدفقات عبر “نورد ستريم 1″، إلى 20 بالمئة فقط من طاقتها.

قد يهمك: روسيا توقف نقل الغاز لأوروبا عبر “نورد ستريم 1”.. ما البدائل؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.