فوضى وتوترات أمنية مستمرة في محافظة درعا جنوب سوريا، إذ لم تتوقف عمليات الاغتيال منذ اتفاق التسوية في 2018، حيث تتداخل في عمليات الاغتيال عدة أطراف أبرزها الأجهزة الأمنية، والميليشيات الإيرانية، عبر عناصر محلية، بالإضافة إلى توظيف هذه الأطراف لتنظيم “داعش” في عمليات الاغتيال سواء كان بشكل مباشر، أو غير مباشر عبر إيصال رسائل للتنظيم حول شخصيات معينة ليتم اغتيالها لاحقا.

ومن جهة ثانية، لا تزال درعا، بمثابة خاصرة رخوة بشكل مقصود من قبل حكومة دمشق، والميليشيات الإيرانية التي تعمل على بسط سيطرتها عليها، وهذا ما يسهّل تنقل عناصر “داعش”، تحت أعين الأجهزة الأمنية، إضافة لتنقل الميليشيات الإيرانية.

وفي ظل هذه الظروف، لم تفِ حكومة دمشق، بتعهداتها التي أقرت به باتفاق التسوية، وعلى رأسها إطلاق سراح المعتقلين، والعمل على القيام بإصلاحات اقتصادية تُعيد الانتعاش للمحافظة من بينها إعادة تأهيل بنيتها التحتية، ليبقى التساؤل المطروح بشكل مستمر، حول هذه التوترات ونتائجها إلى متى سوف تستمر، بالإضافة إلى الاستقرار الذي بات يراه أبناء المحافظة بعيدا على الأقل في المرحلة الحالية.

عمليات الاغتيال

منذ اتفاق التسوية في تموز/يوليو 2018 تشهد درعا عمليات اغتيال، لم تتوقف منذ ذلك الوقت، حيث ترك الاتفاق الباب مفتوحا لدخول الميليشيات الإيرانية، بقوة إلى المحافظة، كما شهدت عودة تنظيم “داعش”، بدعم إيراني من خلال إطلاق سراح العديد من عناصر وقادة التنظيم من سجون حكومة دمشق، بعد اعتقالهم قبيل التسوية، وذلك لتنفيذ عمليات أمنية على رأسها التصفيات في المحافظة.

فالاغتيالات عنوان ارتبط بدرعا بشكل كبير، حتى باتت هذه العمليات تؤرق الأهالي وتحرمهم من التحرك والحياة بأمان، وسط تساؤلات مستمرة حول من يقف خلفها وإلى متى سوف تستمر.

ميليشيات تابعة لإيران في درعا “وكالات”

الصحفي سمير السعدي، يرى خلال حديثه لـ”الحل نت”، أن “عمليات الاغتيال لها أشكال وتستهدف المعارضين وغير المعارضين، كما أن بعضها يستهدف تجار المخدرات والمتعاونين مع الأجهزة الأمنية الحكومية، ولكن المسؤول المباشر عنها والمستفيد الأول هما حكومة دمشق، وإيران بطبيعة الحال، لأن القاتل والمقتول من أبناء المنطقة وبالتالي هذا أمر إيجابي بالنسبة لإيران، وحكومة دمشق في منطقة جغرافية بالغة الأهمية بالنسبة لهما، خاصة أن هذه المنطقة هي من أشعل أهلها فتيل الاحتجاجات، والحراك الشعبي ضد دمشق”.

لذلك وبحسب السعدي، فإن استمرار عمليات الاغتيال مرهون أولا وآخرا بقدرة إيران، وحكومة دمشق على فرض السيطرة بشكل كامل على المحافظة، وهذا ما لم يتمكنوا من تحقيقه حتى الآن لعدم وجود رغبة شعبية بوجودهم، ووجود غيرهم من تنظيمات وعلى رأسها “داعش”، ففي حال تمكنتا من فرض السيطرة عندئذ ستنخفض العمليات تدريجيا حتى تنتهي وذلك بتحقيق إيران، ودمشق غرضهم من خلال القضاء على كل المعارضين.

وبحسب تقرير سابق لـ”الحل نت”، بعد عملية التسوية في درعا، تم إنشاء ما بات يُعرف بمكتب أمن الفرقة الرابعة، بقيادة المقدم محمد العيسى، وهو ضابط في الفرقة الرابعة، ومتهم بارتكاب جرائم حرب في الغوطة الغربية لدمشق، ويعتبر مع العميد غياث دلا، قائد قوات الغيث أبرز رجال إيران.

وحسب مصدر لـ”الحل نت”، في وقت سابق، فإن العيسى، قام بتجنيد عدد من أبناء درعا من أجل عمل دراسات شاملة عن الشخصيات المعارضة، وقادة الفصائل الرافضين للتسوية، من أجل رفع هذه الدراسات لقيادة الفرقة الرابعة، وللأجهزة الأمنية لتقييمها، وتحديد الأشخاص الخطرين وفقها، مضيفا أن هذه الدراسات تسهم إلى حد كبير بتحديد الشخصيات المعارِضة التي يجب أن تتم تصفيتها.

ويعتمد مكتب أمن الفرقة الرابعة، والأجهزة الأمنية، على تحديد بعض الأهداف بشكل غير دقيق، أو مضلل أحيانا، فالمكتب يعرف بوجود بعض المسلحين التابعين للمعارضة المناهضين للحكومة، لذلك يحاول أن يوصل لهم معلومات خاطئة حول بعض الأشخاص بأنهم يعملون مع الأجهزة الأمنية، في حين أن هذا الأمر غير صحيح، وهذا ما جعل المعارضين يتورطون في بعض العمليات.

إقرأ:استمرار الاغتيالات في درعا.. التأثيرات والأهداف الحقيقية منها

كيف توظف إيران “داعش” في درعا؟

مؤخرا وفي تموز/يوليو الماضي، برز أسلوب الخطف قبل القتل في الأيام القليلة الماضية، ليبدو تكتيكا جديدا تستخدمه المجموعات العاملة في القتل، وبحسب مصدر خاص لـ”الحل نت”، فإن انتهاج هذا الأسلوب جاء لسببين. الأول، كي لا يتم التعرف إلى الجهة المنفذة، والثاني، لتقليل احتمال الخطأ في عمليات الاغتيال، ما ينتج عنها عدم قتل الهدف المطلوب.

حيث نُفذت عدة عمليات اغتيال وفق أسلوب تنظيم “داعش”، وهو أسلوب النحر الذي استخدمه التنظيم خلال سيطرته سابقا على جزء من المحافظة.

وبحسب مصادر خاصة لـ”الحل نت”، فإن الميليشيات الإيرانية، باتت توظف تنظيم “داعش”، لتحقيق أهداف مختلفة، منها تصفية المعارضين للتواجد الإيراني وتواجد حكومة دمشق، ومن جانب آخر جعلهم ذريعة لاقتحام ومداهمة بعض المدن والمناطق من خلال وجودهم فيها، أو في محيطها.

ولذلك وللتخلص من هذه الذريعة، بدأ عناصر معارضون في درعا في الآونة الأخيرة باستهداف عناصر تنظيم “داعش” في المحافظة، وذلك بعد التأكد أنهم أحد الأذرع الطويلة للميليشيات الإيرانية، في تنفيذ الاغتيالات.

فقبل يومين، عُثر على جثة أدهم جبر الهيشان، شمال بلدة المزيريب بريف درعا الغربي، حيث أكد مصدر لـ”الحل نت”، أن الهيشان عنصر سابق في تنظيم “داعش” في حوض اليرموك، وأنه اعتقل عام 2018 من قِبل الأجهزة الأمنية السورية، ثم أطلق سراحه فيما بعد ليعمل ضمن خلايا الاغتيال التي توجهها الميليشيات الإيرانية.

وسبق ذلك اغتيال عدد من عناصر التنظيم، والعناصر التابعين للميليشيات الإيرانية، ثبت تورطهم بعمليات اغتيال لصالح الميليشيات الإيرانية والأجهزة الأمنية، كما ثبت تورط بعضهم بعمليات تهريب وتجارة المخدرات.

سمير السعدي، يشير إلى أن أهالي درعا يرفضون بشدة تواجد عناصر “داعش”، بينهم، وقبل التسوية حاصرت فصائل المعارضة، التنظيم في منطقة محددة لفترة طويلة، مبيّنا أن استهداف عناصر وقادة التنظيم الذي يتم حاليا هو من أبناء المنطقة، وعملية مقتل قائد التنظيم أبو سالم العراقي في الشهر الماضي دليل على ذلك، حيث تمت محاصرته من قِبل عناصر معارضين، وهذا على عكس ما تدعيه حكومة دمشق، أنها تحارب التنظيم الذي يُعتبر وجوده مصلحة كبرى لها، ولإيران لإيجاد ذريعة للتوسع والسيطرة على المحافظة.

قد يهمك:قتل على طريقة داعش في درعا.. ماذا يحصل؟

متى تستقر درعا؟

مؤخرا بدأت حكومة دمشق، عبر أجهزتها الأمنية بحل “اللجان المركزية” في درعا، وعلى رأسها لجنة درعا البلد، حيث أعلنت اللجنة بعد ضغوطات أمنية ومن شخصيات محسوبة على دمشق حل نفسها، وإيقاف كل نشاطاتها.

وفي نفس الوقت بدأت القوات الحكومية بحصار بعض المناطق، لإثارة توترات جديدة حيث حاصرت هذه القوات برفقة ميليشيا “العرين”، التابعة لـ”الحرس الثوري”، مدينة طفس، على مدى أسبوعين انتهت باتفاق حول إخراج عدد من المطلوبين من المدينة، ثم قامت الأجهزة الأمنية بمهاجمة لجنة طفس بعد اجتماع جمعها مع العميد لؤي العلي، رئيس فرع الأمن العسكري نتج عنها مقتل 5 من القياديين في طفس.

عناصر من “داعش” إبان سيطرتهم على مناطق في درعا “أرشيف”

ومنذ أيام تحاصر القوات الحكومية، مدينة جاسم، في ريف درعا الشمالي، بحجة وجود مطلوبين، ويوم أمس جرى اجتماع في المدينة جمع عددا من وجهائها مع العميد العلي، انتهى بتهديد الأخير للأهالي بقصف المدينة ما لم يتم إخراج المطلوبين.

وبحسب مصدر من المدينة لـ”الحل نت”، فإن العلي، يتهم أبناء المدينة بإيواء عناصر من تنظيم “داعش”، نافيا أن يكون هناك أي من هذه العناصر في المدينة.

وأشار المصدر إلى أن ذريعة “داعش”، هي الذريعة الرئيسية التي تعتمدها دمشق، لحصار أي مدينة وذلك لفرض واقع جديد يسمح بسيطرة دمشق، والميليشيات الإيرانية.

ما يجري في درعا، يثبر التساؤل حول ما إذا كانت المحافظة قابلة للاستقرار، وما هو المستقبل الذي ينتظرها، وما هو مصير “داعش”، والميليشيات الإيرانية.

وفي هذا السياق، يعتقد سمير السعدي، أن أي استقرار في درعا خلال المدى المنظور أمر مستحيل، فهناك عدد من الأطراف في ساحة المحافظة، وعمليات الاغتيال لا تزال مستمرة، وحكومة دمشق، والإيرانيون يرون أن كل من يرفض مشروعهم يشكل خطرا عليهم ويجب التخلص منه، وبالتالي فإن لم يحدث تدخل خارجي “عربي” كإقامة منطقة آمنة في المحافظة، أو إعادة تسليح فصائل معارضة جديدة وبأهداف محددة، فإن هذا الواقع سيستمر لسنوات طويلة.

ومن جهة ثانية، يمكن أن يكون الاستقرار مرهونا بإيجاد حل سياسي شامل للأزمة السورية، يتم بموجبه إبعاد إيران وميليشياتها، والتنظيمات الإرهابية، إضافة إلى جمع السلاح من كافة الأطراف ووضع برامج فاعلة للسلم الأهلي، وهذا الأمر لا يبدو أنه يمكن أن يتحقق حاليا.

إقرأ أيضا:اغتيالات في درعا بسبب النفوذ الإيراني.. ما احتمالات التصعيد العسكري؟

من الواضح أن إيران ونتيجة لتغلغلها الكبير في المحافظة بعد الانسحابات الروسية، لن تسمح بحصول استقرار في درعا، حيث تشكل التوترات الأمنية والفوضى بيئة ملائمة لها لتمرير مشروعها التوسعي، واستمرار عمليات تصنيع، وتهريب المخدرات.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة