ربما حلم مصطفى الكاظمي، رئيس وزراء العراق الحالي بولاية ثانية صار أبعد من أي وقت مضى، لاسيما بعد تراجع حظوظ حليفه وداعمه زعيم “التيار الصدري” مقتدى الصدر في كسب صراع تشكيل الحكومة، ومع ما تشهده الساحة السياسية من حراك يشي بتقدم خطوات ولادة حكومة جديدة تقودها أطرافا تضمر له العداء، ما يقرب المشهد من تحوله إلى ميدان السياسة كقائد لحزب أو جماعة.

توقعات يعززها ابتعاد حلفاء الصدر عنه من الكرد والسنة، بعد جولة من الصراع السياسي الذي امتد إلى 11 شهرا من انتهاء الانتخابات المبكرة الي فازت بها “الكتلة الصدرية” أولا، مع تحالف “الإطار التنسيقي” الذي يضم قوى شيعية مقربة من إيران، والتي تمكنت من تعطيل مشروع حكومة “الأغلبية الوطنية” التي سعى لها الصدر وحلفائه، وإصرارها على تشكيل حكومة “توافقية” جديدة، أول شروطها استبدال الكاظمي.

ظل الكاظمي الذي حملته أحداث 2019 التي شهدت حراكا احتجاجيا واسعا في العراق، من رئاسة جهاز المخابرات إلى منصب رئاسة الوزراء بصدفة مازالت محل نقاش، لاسيما وهو الشخصية التي لم يكن لها وقعها في المشهد قبل ذلك الموعد، بعد استقالة حكومة عادل عبد المهدي، ليستمر حتى الآن بعد أن كان متفقا على قيادته مرحلة انتقالية تقتصر على إجراء انتخابات مبكرة، غير أن الصراع الذي نتج عن تلك الانتخابات دفعه بالمنصب لمدة أطول ويبدأ منها بحلم الولاية الثانية.

حلم الكاظمي استند على زعيم “التيار الصدري” الذي ظل يناغمه ويتودد له، لاسيما وهو التيار الذي يمتلك قاعدة جماهيرية واسعة مخلصة لزعيمها، فضلا عن جناح مسلح يمكن أن يحقق بعضا من التوازن في معادلة السلاح المنفلت الذي تسيطر عليه القوى المنخرطة في تحالف “الإطار“، الذي يعكف على إزاحته من المشهد، خاصة بعد تحميله مسؤولية تزوير الانتخابات، وهي التهمة التي ظل “الإطار” وحده يرددها ومقتنعا بها، خاصة وأن الانتخابات الأخيرة هي الأكثر اتزانا بين سابقاتها منذ عام 2005.

لكن جهود الصدر بالإبقاء على الكاظمي في المنصب يبدوا باتت أبعد عن الواقع، بعد فشله في فرض إرادته، واستنفاذه لكل الخيارات، التي بدأت من تشكيله تحالفا طوليا مع الكرد والسنة، ومن ثم فضه وتوجيه كتلته بالاستقالة من البرلمان، ونزول أنصاره إلى الشارع وتعطيل البرلمان بالاعتصام داخله لمدة شهر.

اقرأ/ي أيضا: “الكاظمي” يُعاني مع الكهرباء: هكذا يسأل نفسه وهكذا يُجيبُها!

الكاظمي وتطورات الأزمة السياسية

حتى إعلان اعتزاله السياسية نهائيا وهو الإعلان الذي سينتقل بالمشهد إلى مواجهات مسلحة، تنتهي بـ 37 قتيلا و700 جريح، والعودة إلى المسارات التي رسمها “الإطار” منذ اللحظة الأولى للصراع، لكن هذه المرة معهم الكرد والسنة الذي فسر مراقبون تأكيدهم يوم أمس الأحد، على ضرورة عودة عمل البرلمان في الوقت الذي يطالب فيه حليفهم الصدر بحله، هو انقلاب على التحالف، وتقارب جديد مع الغرماء، سيدفع بالكاظمي بالاستسلام أمام حلم الولاية الثانية والانتقال إلى ميدان السياسة.

لجوء الكاظمي إلى العمل السياسي ليس خيار مفاجئا، لاسيما وأنه كانت لديه نوايا تشكيل حزبا سياسيا قبيل الانتخابات الماضية، وفعلا مضى في ذلك وأسس حزبا سمي بالـ “المرحلة“، قبل أن يتراجع ويلتزم بعهده الذي قطعه قبل تسلمه المنصب في 2020 بعدم الاشتراك بالانتخابات، وهو المتعارف في عراق ما بعد 2003 أن كل من يشغل منصب رئاسة الحكومة يتيح له ذلك في تأسيس مشروعا سياسيا، ليفتح ذلك السؤال الآن: هل سيمضي الكاظمي دون عودة إلى المشهد؟ أم سيتبع كل من سلفه في تأسيس مشروعه الخاص؟

وفي هذا الشأن يقول مقداد الخزرجي لموقع “الحل نت“، إن “مصطفى الكاظمي حتى اللحظة قد نجحت مخططاته طالما هو في المنصب، الذي كان من المفترض أن لا تتجاوز خدمته فيه أبعد من عام واحد، في حين الآن نحن أصبحنا في العام الثالث“.

لكن “الكاظمي عندما سيشعر بأن الأبواب أغلقت بوجهه تماما، لا أشك بذهابه نحو تشكيل حزبا سياسيا يكمل من خلاله مشروعه السياسي، لاسيما في ظل المقبولية التي يحظى بها بين طيف واسع من القوى الناشئة وبين المثقفين والجهات المدنية“.

كما لا أشك أنه “سيذهب باتجاه تهيئة رئيس يخلفه يكون على مقاساته، أو على الأقل يراعي مصالحه، ويمكن أن يدعم مشروعه السياسي في حال أطلقه ما بعد مغادرته المنصب، واتوقع له نجاحه في حال العمل على مشروع سياسي لما يمتلكه من علاقات داخلية وخارجية جيدة، كما أن تواجده في رئاسة الوزراء طيلة هذه المدة خدمه في تعزيز حضوره“.

اقرأ/ي أيضا: الكاظمي في السعودية.. ما علاقة إيران؟

الكاظمي شاهدا على سياق الأزمة

وكانت الأزمة السياسية العراقية، قد اشتدت منذ الـ30 تموز/يوليو الماضي، بعد أن اقتحم جمهور “التيار الصدري“، المنطقة الخضراء حينها، وأقاموا اعتصاما مفتوحا من داخلها وأمام مبنى البرلمان العراقي، بعد 72 ساعة من الاقتحام الأول لهم للخضراء، الذي لم يتجاوز 5 ساعات، قبل أن ينسحبوا بتوجيه من زعيم “التيار“، مقتدى الصدر وقتئذ.

وعاد المشهد ليتطور في 29 آب/ أغسطس الماضي، بعد أن شهدت بغداد تصعيدا صدريا، على إثر إعلان زعيم “التيار الصدري“، مقتدى الصدر، اعتزاله الحياة السياسية نهائيا، من خلال اقتحام أنصاره للمنطقة الخضراء، والقصر الجمهوري – الحكومي، قبل أن يتطور المشهد لصراع مسلح.

الصراع جاء بعد أن هاجمت القوات الحكومية مع فصائل تابعة لـ “لحشد الشعبي“، وموالية لـ “الإطار” أنصار الصدر لتفريقهم وإخراجهم من الخضراء، فتدخل فصيل “سرايا السلام“، التابع للصدر للدفاع عن المتظاهرين الصدريين، واندلعت مواجهة مسلحة داخل الخضراء، انتهت عندما دعا الصدر في اليوم التالي من خلال مؤتمر صحفي، أتباعه للانسحاب وإنهاء اعتصاماتهم.

جراء العنف المسلح سقط 37 قتيلا و700 جريح، وانتهت اعتصامات الجمهور الصدري، بعد شهر من خروجها أمام البرلمان للمطالبة بحله وإجراء انتخابات مبكرة جديدة.

تأتي الأزمة السياسية العراقية، نتيجة لصراع سياسي دام لأكثر من 10 أشهر، منذ انتهاء الانتخابات المبكرة الأخيرة، وفوز الصدر، فيها وخسارة “الإطار“، الموالي لإيران، الذي وقف بوجه مشروع “التيار الصدري“، عندما سعى إلى تشكيل حكومة “أغلبية“.

الصدر ومحاولات التجديد للكاظمي

بعد الانتخابات المبكرة، ذهب “التيار الصدري” بقيادة الصدر، إلى تشكيل تحالف ثلاثي مع الحزب “الديمقراطي الكردستاني” وتحالف “السيادة” الجامع لأغلب القوى السنية، وسمي بتحالف “إنقاذ وطن“.

“إنقاذ وطن“، أصر بـ 180 مقعدا نيابيا، على الذهاب نحو تشكيل حكومة “أغلبية“، تستثني مشاركة كل “الإطار التنسيقي“، أو بعض أطرافه، في وقت استمر الأخير بالدعوة إلى حكومة “توافقية“، يشترك فيها الجميع، وذلك ما لم يقتنع به الصدر، ولم ينجح في ذات الوقت بتمرير مشروعه.

الفشل في تمرير مشروع حكومة الأغلبية، جاء بسبب عدم تمكن التحالف الثلاثي من حشد النصاب القانوني لجلسة انتخاب رئيس الجمهورية في 3 مناسبات، والذي تكمن أهمية انتخابه في تكليف مرشح الكتلة الأكبر بتشكيل الحكومة، ودونه لا يمكن المضي بحكومة جديدة.

سبب الفشل كان إلزام “المحكمة الاتحادية العليا” -التي لجأ إليها “الإطار” صاحب 83 مقعدا نيابيا بالتصدي لمشروع الأغلبية- البرلمان العراقي بعقد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية بحضور ثلثي أعضاء المجلس، أي 220 نائبا من أصل 329، وفقا للدستور.

بعد ذلك، شهد العراق انسدادا سياسيا أضطر الصدر للانسحاب من العملية السياسية، وتوجيه أعضاء كتلته بالاستقالة من البرلمان في 12 حزيران/ يونيو الماضي، لتستبشر قوى “الإطار“، بعدها بسهولة تشكيل الحكومة، وهذا ما لم يحدث إلى الآن.

ما منع “الإطار” من تشكيل الحكومة، توجيه الصدر لأنصاره بالنزول إلى الشارع، مجرد أن أعلن “الإطار“، توصله إلى تفاهمات داخلية أفضت لترشيح السياسي محمد شياع السوداني، لرئاسة الحكومة لتشكيلها وفق عملية التوافق والمحاصصة، وهو الأمر الذي رفض الصدر تكراره جملة وتفصيلا.

اقرأ/ي أيضا: العراق.. لغة الإشارة تفضح مخرجات لقاء الكاظمي والحكيم

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة