تصريحات غربية حديثة، لاسيما الصادرة عن “الوكالة الدولية للطاقة الذرية”، وكذلك التصريحات الإيرانية المقابلة لها، تنظر بمصير سلبي لمفاوضات فيينا النووية. حيث جدّدت إيران مطالبتها بإغلاق تحقيقات “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” بشأن أنشطتها النووية، ضمن مطالبها لإحياء “الاتفاق النووي” المبرم عام 2015 مع السداسية الدولية، والذي ينص على تقليص كبير لـ “البرنامج النووي” الإيراني، مقابل رفع العقوبات المفروضة على طهران.

“الوكالة الدولية للطاقة الذرية” أكدت الأربعاء أنها لا تستطيع ضمان أن “البرنامج النووي الإيراني” سلمي حصرا، بسبب عدم رد طهران على مسألة المواقع غير المعلنة والمشتبه في أنها شهدت أنشطة غير مصرح عنها. وأعربت الوكالة عن أسفها لعدم وجود ردود تتسم “بالصدقية” من جانب طهران بشأن آثار اليورانيوم.

لا يستبعد الكاتب والمحلل السياسي، زكريا ملاحفجي، خلال حديثه لـ “الحل نت” إرجاع ملف إيران النووي إلى مجلس الأمن، إذا لم تنصاع طهران، للقرارات الدولية وخاصة للوكالة “الدولية للطاقة الذرية”.

اقرأ أيضا: محادثات فيينا حول الملف النووي الإيراني: هل ستتنازل واشنطن وطهران عن شروطهما الأساسية للتوصل لاتفاق؟

ويضيف بأن إيران ستواجه مشاکل كثيرة جراء ذلك، مستدلا بالتصريحات الكثيرة مؤخرا على لسان المسؤولين الغربيين، لاسيما منسق السياسة الخارجية لـ “الاتحاد الأوروبي” جوزيل بوريل، حول خيبة الأمل حيال المفاوضات، حيث صرح الأخير، يوم الاثنين الفائت، إنه أصبح أقل تفاؤلا حيال التوصل إلى اتفاق سريع على إحياء “الاتفاق النووي” الإيراني، وذلك عما كان عليه قبل وقت قصير.

بناء على عينات بيئية أجرتها في إيران، أعلنت “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” أنها عثرت على آثار يورانيوم في 3 مراكز غير نووية وغير معلنة، في “ماريوان”، و”تورقوزآباد” بضواحي طهران، و”ورامين”، وطالبت إيران بتوضيحات في هذا الصدد.

“الوكالة الدولية للطاقة الذرية” تضغط على إيران، لتفسير ما حدث في المواقع الثلاثة المرتبطة على ما يبدو ببرنامجها النووي، حيث أظهرت العيّنات العلمية المأخوذة في هذه المواقع، وجود يورانيوم على معدات يحتمل أن تكون قادمة من باكستان. وحتى الآن، لم تكن “الوكالة” راضية عن التفسيرات الإيرانية. بحسب سايمون هندرسون، مدير برنامج الخليج وسياسة الطاقة في “معهد واشنطن”.

“إنهاء تحقيقات الوكالة، جزء من الضمانات التي نسعى إليها من أجل التوصل إلى اتفاق نووي مستدام” هذا ما جاء في حديث ناصر كنعاني، المتحدث باسم وزارة الخارجية، في مؤتمر صحفي بثه التلفزيون الإيراني في مطلع أيلول/سبتمبر الجاري.

الرئيس الإيراني خلال مؤتمره الصحفي الأول بحضور وسائل إعلام أجنبية، اعتبر أن حل مسألة تحقيق “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” هو ركيزة لأي اتفاق نووي وبدونه “لا معنى للحديث عن اتفاق”، وتابع بالقول، إنه لا يمكن أن نتوصل إلى اتفاق قبل حسم الملفات العالقة بين طهران و”الوكالة الدولية للطاقة الذرية” بشكل أساسي.

وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، صرح خلال زيارته إلى موسكو، الأربعاء الماضي، أن “وكالة الطاقة الذرية” يجب أن تتخلى عن تحقيقاتها ذات الدوافع السياسية، بشأن أنشطة طهران النووية، فيما ختمت “الترويكا” الأوروبية، (بريطانيا وألمانيا وفرنسا) الموقف في بيانها يوم السبت الفائت، حيث وصفت فيه الوضع الحالي لتوسيع “البرنامج النووي” الإيراني بأنه “يفتقر إلى مبررات مدنية”.

المتحدثة باسم “البيت الأبيض” كارين جان، أكدت خلال مؤتمر صحفي، في مطلع الشهر الجاري، أنه ينبغي ألا يكون هناك أي ربط بين معاودة تنفيذ خطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي) والتحقيقات المتعلقة بالتزامات إيران القانونية بموجب معاهدة حظر انتشار “الأسلحة النووية”.

بحسب ما نقلت صحيفة “معاريف” الإسرائيلية على لسان السفير الأميركي لدى تل أبيب توم نيدز، إن الإدارة الأميركية لن تسمح بالتوقيع على اتفاق يشمل إغلاق ملفات التحقيق التي فتحتها “الوكالة الدولية للطاقة النووية” والتي تتعلق باكتشاف آثار لليورانيوم المخصب في مواقع نووية غير معلن عنها.

إيران مطالبة بالتوضيح

موقع “أكسيوس” الأميركي، أورد في آب/أغسطس الفائت، أن واشنطن أبلغت طهران، بأنَّ الربط بين تحقيقات “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” في الأنشطة النووية غير المعلنة، وبين إعادة إحياء “الاتفاق النووي” قد يؤخر رفع العقوبات الأميركية.

وبحسب مسؤول أميركي مطلع، إن طهران أرادت تعهدا بإغلاق تحقيقات “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” من أجل العودة للاتفاق النووي، إلا أن واشنطن وحلفاءها رفضوا ذلك، وفق ما نقله موقع قناة “العربية”.

يمثل مطلب إيران بإغلاق تحقيقات تجريها “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” منذ فترة طويلة تتعلق بالعثور على آثار ليورانيوم مخصب في ثلاثة مواقع غير معلنة، كشرط لاستعادة “الاتفاق النووي” لعام 2015، عقبة كبيرة تعرقل التوصل إلى اتفاق، بحسب صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية، نقلا عن دبلوماسيين غربيين.

أوراق ضغط ليس إلا

الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون حظيت، في حزيران/يونيو الفائت، بتأييد ساحق في مجلس محافظي “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” لتوجيه اللوم لإيران، وحثوا طهران على التعاون مع الوكالة بشأن تلك التحقيقات. وكانت روسيا والصين الدولتين الوحيدتين اللتين عارضتا القرار.

واشنطن تستخدم العلاقة ما بين “هيئة الوكالة الدولية للطاقة الذرية” والحكومة الإيرانية كورقة ضغط أميريكية في مفاوضات فيينا النووية، بالإضافة لأوراق أخرى كالعقوبات الاقتصادية، وفي حال الاتفاق سيتم غض النظر عنها وعن جميع نتائجها مهما كانت، وفق حديث، الصحفي فراس علاوي، لـ “الحل نت”، أما في حال تعقد المفاوضات، فإنها ستكون وسيلة للتصعيد تجاه إيران، وستستخدمها واشنطن للضغط على إيران.

العلاوي نوه لمخاطر التغاضي عن تحقيقات الوكالة في حال توقيع الاتفاق، بحيث تشجع طهران الدول التي ترى فيها نموذجا للتمرد على “المنظومة الدولية”، ومنها “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” وبالتالي تفرّغ القرارات الخاصة، بالحد من انتشار الأسلحة النووية من مضامينها.

“الوكالة الدولية للطاقة الذرية” أكدت في وقت سابق، أن حجم احتياطات إيران من اليورانيوم بتركيز 60 بالمئة زاد إلى درجة أنه في حالة التخصيب الإضافي، سيكون كافين لصنع قنبلة ذرية، وفي تقريرها الأخير في أيار/مايو الفائت، قالت الوكالة، بحسب ما أورده موقع “اندبندنت عربية”، إن إيران تمتلك 43.1 كيلوغرام من اليورانيوم المخصب بنسبة 60 في المئة؛ وتتطلب صناعة القنبلة النووية 25 كيلوغراما من اليورانيوم المخصب بنسبة 95 في المئة.

تقرير للوكالة ذاتها، أورد أن احتياطات إيران من اليورانيوم منخفض التخصيب تزيد 19 مرة عن الحد الافتراضي المحدد في “الاتفاق النووي” في تموز/يوليو 2015، وأن إيران خزّنت حوالي 3940 كيلوغراما من احتياطات اليورانيوم منخفض التخصيب حتى 21 آب/أغسطس، وهو ما يزيد بنحو 132 كيلوغراما عن مايو من هذا العام.

لذا لا يتصور ملاحفجي، تكرار ما حصل عام 2015 وطي تحقيقات الوكالة الدولية للطاقة الذرية ضمنا بالاتفاق المراد إحيائه، لا سيما مع التصعيد الإيراني في مشروعها النووي ورفع التخصيب من 3,67 بالمئة إلى 60 بالمئة بعد إقرار “مجلس الشورى” الإيراني للخطة الاستراتيجية لمواجهة ما أسموه الحظر الأميركي في شباط/فبراير 2021، وإلزام الحكومة العمل بمقتضاها.

قد يهمك: الملف النووي الإيراني على جدول اجتماعات وزراء خارجية الاتحاد الاوروبي

العامل الدولي والأميركي الداخلي، يساهم في تعزيز هذا التصور، بحسب ملاحفجي، من خلال تراجع شعبية إدارة الرئيس الأميركي الديمقراطية، وهي على أبواب انتخابات الكونغرس النصفية، وضغوط الجمهوريين عليها بهدف تصليب مواقفها حيال إيران، التي أصبحت على مقربة من “العتبة النووية”؛ بالإضافة لوجود أطراف دولية وإقليمية تعمل ليل نهار من أجل إيقاف “المشروع التوسعي” الإيراني، بما فيه “البرنامج النووي” وزعزعة أمن واستقرار المنطقة.

مراوغة إيرانية

إيران دأبت على الادعاء بأن برنامجها “النووي” ذو طابع سلمي، إلا أن قوى غربية وإقليمية، بالإضافة لـ “وكالة الدولية للطاقة الذرية”، تقول إن تأكيدات الادعاءات الإيرانية لا تقنعها.

إن و”كالة الطاقة الذرية” هي من يحدد ماهية “البرنامج النووي” الإيراني، بحسب علاوي، وهل هو لأغراض سلمية أم عسكرية. في حين تستخدم واشنطن هذه الورقة بين الاثنين للضغط على إيران سلبا أو إيجابا، ضمن نهج أميركي يضع إيران في مواجهة “المنظومة الدولية” في حال فشل المفاوضات، عبر تقارير الوكالة، وتُظهر إيران في موقع المتمرد على العالم، وبذلك لا تكون واشنطن وحيدة في مواجهة إيران حينها.

من جهتها، تضغط إسرائيل باتجاه عدم التوصل لاتفاق أو لاتفاق يكون في مصلحتها في حال التوصل إليه. لذلك تدفع للتصعيد مع إيران، سواء بالتنسيق مع الولايات المتحدة أو “الترويكا” الأوروبية والمجتمع الدولي، وترى أن من مصلحتها إصدار تقارير سلبية من قبل “الوكالة الدولية” بحق إيران، ما يمنحها الذريعة في حال قيامها باستهداف “المفاعلات النووية” الايرانية لاحقا. وفقا للعلاوي.

بموجب مسودة الاتفاق المقدمة من قبل الاتحاد الأوروبي، يتم التنفيذ على عدة مراحل. ولن ينتقل الطرفان إلى المرحلة التالية إلّا بعد التنفيذ الكامل للخطوات التي تعهدا باتخاذها، بحسب ما نقله موقع “أكسيوس” عن مصادر مطلعة.

من المتوقع أن تتم المرحلة الثالثة (يوم إعادة التنفيذ) بعد 4 أشهر من توقيع الاتفاق، لإتاحة الفرصة للتوصل إلى اتفاق بين “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” وإيران بشأن التحقيقات المفتوحة، بحسب “أكسيوس”.

في ظل النظرة السلبية العامة عن إيران، لا يرجح الموقع موافقتها على منح “الوكالة الدولية” التوضيحات التي تحتاجها الوكالة، مما يؤدي في النهاية لتعليق تنفيذ الاتفاق (في حال التوصل إليه).

لا تفتأ إيران بالمطالبة بمطالب لا علاقة لها بـ “الاتفاق النووي” المراد إحيائه في المفاوضات الجارية في فيينا. فبعد التراجع عن مطلب رفع “الحرس الثوري” الإيراني عن قوائم المنظمات الإرهابية الأجنبية لدى الولايات المتحدة، دفعت طهران بمطلب طي التحقيقات الخاصة بـ “الوكالة الدولية للطاقة الذرية”، حول ثلاث مواقع إيرانية غير معلن عنها، معتبرة أن تلك التحقيقات قد تم دفنها ضمنا في تربة اتفاق 2015، مع قبول مجلس محافظي “الوكالة الدولية للطاقة الذرية”، بموجب إيحاء أمريكي من قبل إدارة أوباما حينها، على طيها. غير أن الإدارة الحالية تبدو قد استفادت من أخطاء الماضي في التعامل مع “الملف النووي” الإيراني، وإغلاق الثغرات التي قد تستفيد منها طهران للعبور لأهدافها الخبيثة، ما يدعو للتساؤل حول إمكانية نسف المفاوضات النووية بصاعق تحقيقات “الوكالة الدولية”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.