بعد الهزائم المتتالية التي مُنيت بها القوات الروسية في أوكرانيا، وسحب روسيا للعديد من قواتها من سوريا، يبدو أن دمشق في طريقها لخسارة جزء كبير من النفوذ الروسي على أراضيها، في ظل أن البديل الإيراني، ملاحق من قِبل الصواريخ الإسرائيلية، فضلا عن خسارة دمشق، لحضورها العربي بعد تأكيد عدم عودتها للجامعة العربية في القمة المقبلة.

روسيا والانسحاب من سوريا

مع تصاعد وتيرة الحرب نتيجة الغزو الروسي لأوكرانيا، فإن موسكو معرّضة لسحب المزيد من قواتها من الأراضي السورية، وسط توقعات بأن تلجأ دمشق، إلى طهران لسد الفراغ الروسي، ذلك ما يعني مزيد من القصف الإسرائيلي للبلاد.

التوسع الإيراني في سوريا، سيعني بالضرورة تراجع العديد من الدول العربية، التي اتجهت مؤخرا لطريق عودة العلاقات مع دمشق، وبالتالي زيادة العزلة العربية عن الحكومة السورية، والرئيس السوري بشار الأسد.

وما يعزز احتمالية تورط دمشق في حال فسح المجال لإيران لسد الفراغ الروسي، هو تعطل محاولات إعادة إحياء الاتفاق النووي الإيراني، بعد العراقيل التي وضعتها طهران مؤخرا، حيث لا أفق واضحة لإعادة تفعيل الاتفاق في المرحلة الراهنة.

الباحث في الشأن الإيراني مصطفى النعيمي، يرى أن الضربات الأوكرانية مؤخرا ضد الجيش الروسي، ألقت بظلالها على الوجود الروسي العسكري في سوريا، ما يعني بالتأكيد تراجع النفوذ الروسي على الأراضي السورية.

ويقول النعيمي، في حديث خاص مع “الحل نت“: “الانحسار الكبير للجيش الروسي على جبهات أوكرانيا، تطلب من الجيش الروسي إعادة حساباته، فبدأ التغيير في سوريا منذ سحب منظومة الدفاع الجوي الروسية من طراز اس 300، وذلك للحاجة الماسة لتلك المنظومة، بعدما بدأ الدعم الاستخبارات الغربي يتضح ميدانيا لأوكرانيا“.

قد يهمك: بين إيران وإسرائيل.. خيارات روسيا في سوريا؟

ويضيف: “مع تقدم الجيش الأوكراني لمسافات، ومساحات تزيد عن 6 آلاف كيلو متر مربع، بدا واضحا حجم وزخم السلاح المقدم للقوات الأوكرانية، على صعيد مضاد الطائرات المحمول على الكتف من طراز ستينجر وغيرها من مضادات الدروع، وكذلك مدفعية هاي مارس، التي كان لها الدور الأبرز في تحقيق انتصارات ميدانية، والسبب يعود لقدراتها على استهداف القوات الروسية بمسافات تتراوح بين الثمانين كيلو متر، ما أجبر القوات الروسية على الانسحاب التدريجي في الجبهات التي تشهد مقاومة كبيرة من قبل الجيش الأوكراني“.

خيارات دمشق

وحول الانسحابات المتتالية للجيش الروسي من سوريا، يوضح النعيمي، أن: “عمليات الانسحاب المتتالية من سوريا، تؤكد حالة الاستنزاف الكبيرة، لدى الجيش الروسي في الجبهات القتالية مع الجيش الأوكراني، لكن السؤال اليوم من سيملأ الفراغ الروسي في سوريا، حتما لا يوجد هناك بديل سوى الإيرانيين، وهم من سيقومون بإدارة المناطق التي ينسحب منها الروس ربما في المرحلة الحالية سيملؤون الفراغ الروسي“.

ويعتقد النعيمي، أن التموضع الإيراني المحتمل، سيكون بمثابة أهداف لسلاح الجو الإسرائيلي، لا سيما وأن الضربات الإسرائيلية الأخيرة في دمشق وحلب، تؤكد أن تل أبيب، ماضية في سياستها المتبعة في سوريا، في ملاحقة المواقع العسكرية التابعة لإيران“.

وحول ذلك يزيد بالقول: “هنا أتحدث عن التموضع العسكري، خاصة في المناطق التي تتواجد فيها قطاعات عسكرية للنظام السوري، وتتخذ منها إيران، كمستودعات لتخزين وتجميع الاسلحة الإيرانية، إضافة إلى استقدام المسيرات لتلك المواقع، فأصبحت أهداف شرعية بالنسبة للجانب الإسرائيلي، وباتت هذه النقاط التي تتمركز فيها إيران، عرضة لاستهدافات الإسرائيلية“.

ويوضح النعيمي، أن إيران تعمل على بناء قواعد عسكرية جديدة في سوريا، في محاولة للضغط على الجانب الإسرائيلي، للقبول بالشروط الإيرانية، بشأن مفاوضات النووي الإيراني، ويقول: “هنالك معلومات تم رصدها تشير، إلى أن الحرس الثوري الإيراني يعمل على إنشاء قاعدة عسكرية ضخمة شرقي سوريا، وبالتحديد في محيط مزارع عين علي، ببلدة القورية، على غرار قاعدة الإمام علي، وسط تعتيم اعلامي كبير، واستقدمت آليات الحفر من مدينة دير الزور، وسط تعزيزات أمنية ورقابة مكثفة خشية معرفة وجهة الآليات وطبيعة التحركات، وهذا يشير إلى أن إيران، باتت تدرك تماما حجم المتغيرات على الساحة السورية، وتسعى إلى تعزيز قدراتها العسكرية من خلال إنشاء قواعد عسكرية، وحفر أنفاق في الجبال لتخزين السلاح“.

وفيما يخص خيارات دمشق، أمام الانسحاب الروسي، يرى من جانبه الباحث في العلاقات الدولية حسن النيفي، أن حكومة دمشق تدرك تماما أن إعادة تأهيلها كما كان الوضع عليه قبل 2011، هو أمر مستحيل.

وحول ذلك يقول في حديث خاص لـ“الحل نت“: “النظام السوري بات يدرك أنه حتى لو حقق انفتاحا سياسيا على العالم، فإن ملفات حقوقية كثيرة تقف له بالمرصاد، ولا بد أن تظهر الى العلن في يوم ما، لذلك فإنه يحاول مشاغلة الجميع ويتطلع للعودة الى الاندماج في المجتمع الدولي، ولكن لا أعتقد أن هذا سوف يشكل له مخرجا دائما من أزمته“.

شروخ داخلية جديدة

كان الانسحاب العسكري الجزئي السابق من سوريا، أولى المؤشرات التي تدلل الآن بعد الخسارات الروسية، إلى ضعف الحضور الروسي في سوريا، والذي سيكون في الفترة المقبلة أضعف وأضعف، إذ إن الخسارات المتلاحقة للجيش الروسي في أوكرانيا، أدت إلى تزايد إضعاف الحضور الروسي في سوريا.

موقف روسيا في سوريا خلال الفترة المقبلة على وقع الخسارات المتلاحقة للروس في أوكرانيا، بدا واضحا داخل مجلس “الدوما” الروسي، والذي انعكس على الشأن المحلي، بحسب ما رواه الخبير والمحلل السياسي الروسي، فاتسلاف ماتوزوف، لـ“الحل نت“.

إن الانتكاسات الروسية في ميدان المعركة في أوكرانيا، أدت إلى زعزعة التأييد لإدارة فلاديمير بوتين، للحرب بين المؤيدين، إن لم يكن دعم الغزو نفسه، وهو ما سينعكس على دخلات روسيا خارجيا.

ضرب طموحات موسكو في سوريا

من المحتمل جدا أن تكون الخسائر غير المعلنة للجيش الروسي في أوكرانيا، مؤشرا على فشل المجمع الصناعي العسكري الروسي وبالتالي السياسية الروسية، والذي من المحتمل أن يكون له جذور عميقة وتداعيات خطيرة للغاية على نفوذ موسكو في سوريا.

في تطور عسكري لافت من قِبل روسيا، قامت الأخيرة مؤخرا بسحب منظومة الدفاع الجوي الصاروخية “إس 300″، من سوريا وأعادت شحنها إلى روسيا.

من الواضح أن روسيا، لم تكتف فقط بسحب جزء من منظومة صواريخ “إس 300″ من سوريا، فقد سبق ذلك سحب أنواع أخرى من العتاد الروسي من سوريا، إلى روسيا بحسب تقرير سابق لـ“الحل نت“.

ونقل تقرير سابق لصحيفة “تايمز أوف إسرائيل”، عن أحد مسؤولي الاستخبارات الأوروبية، إن “شحنات روسيا، من سوريا من المرجح لتغذية لوجستياتها الشمالية، حيث يتم نقلها إلى ميناء نوفوروسيسك، ومن هناك لإعادة إمداد القواعد في شبه جزيرة القرم، ومن ثم إلى منطقتي خيرسون، وزابوريزهجيا جنوبي أوكرانيا“.

أما بالنسبة لتبعات سحب هذه الصواريخ من سوريا، فيرى العديد من الخبراء، أنها محدودة وغير مؤثرة لعدم اعتماد روسيا عليها في سوريا، وعدم حصول مواجهات مع روسيا تستوجب استخدامها، بالإضافة إلى اعتمادها على أنظمة أخرى أكثر أهمية.

قد يهمك:بين إسرائيل وتركيا.. ما الذي تريده موسكو من دمشق؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.