يبدو أن روسيا في ورطة، في ملف علاقاتها مع كل من إسرائيل وإيران، لا سيما في ظل سعيها لتوطيد العلاقة مع طهران، واقترابها بشكل مستمر من تل أبيب، الأمر الذي يتعارض مع مصالح “حليفيها”، إسرائيل وإيران، اللذين بينهما مواجهة عسكرية في سوريا، فمن ستختار موسكو في النهاية؟

علاقة استراتيجية مع إسرائيل؟

استمرار التواصل وتطوير علاقات روسيا مع إسرائيل، يعني بحسب ما أكد محللون، نسف أي جهود لتقوية العلاقة الروسية الإيرانية، التي تعاني أصلا من أزمة ثقة، في حين يرى المحللون أن روسيا في مأزق مع استمرار تصاعد التوتر وبينها وبين الغرب وأميركا، ما يجعلها أمام عقبة اختيار أحد الجانبين، اللذان يتداخلان معها في الملف السوري على وجه الخصوص.

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، اعتبر أن “لموسكو، مصلحة استراتيجية في تطوير العلاقات مع إسرائيل”، في مؤشر على زيادة شدة أزمة الثقة بين الجانبين الروسي والإيراني.

وقال لافروف خلال خطابه في “يوم المعرفة” في معهد موسكو للعلاقات الدولية: “بالرغم من بعض التقلبات في العلاقات مع إسرائيل ومع الحكومة الإسرائيلية الحالية، فإننا بالطبع لدينا مصلحة استراتيجية في تطوير العلاقات مع هذا البلد وبناء مؤسسة اقتصادية وتكنولوجية وثقافية وصحية”.

روسيا في مأزق

كلام لافروف قد يضع روسيا في مزيد من المآزق، لا سيما أن العلاقة بين روسيا وإسرائيل، قد لا تصل لحد وصفها بـ”الاستراتيجية”، وذلك في ظل العلاقة القوية التي تربط إسرائيل مع الولايات المتحدة الأميركية.

الكاتب والمحلل السياسي باسل معراوي، يرى أن لإسرائيل أهمية كبيرة بالنسبة لروسيا، مشيرا إلى أن الدور الروسي، يمكن ألا يتجاوز دور الوسيط بين إسرائيل وإيران، بدون الوصول لما وصفها لافروف بـ”العلاقة الاستراتيجية”.

ويقول معراوي في حديث خاص مع “الحل نت”: “لإسرائيل أهمية كبرى لروسيا لعدة أسباب، أولها أن إسرائيل تعتبر بوابة ضرورية للوصول لمواقع القرار الأميركي، ولأن الصناعات الحربية الروسية تعتمد على تكنولوجيا دقيقة تصدرها لها إسرائيل، كما تملك إسرائيل جالية كبيرة في روسيا، إذ أن مجتمع اليهود الروس يضم الكثير من الكفاءات الضرورية للصناعة والاقتصاد الروسي”.

قد يهمك:بين إسرائيل وتركيا.. ما الذي تريده موسكو من دمشق؟

ويوضح معراوي أن: “العلاقة الشخصية التي نشأت وتوطدت بين الرئيس بوتين ورئيس الوزراء الاسرائيلي السابق (وزعيم المعارضة الحالي والمتوقع فوزه بالانتخابات القريبة القادمة)، كان لها أثر بارز بتوطيد العلاقة بين البلدين، وقد ازدادت عرى تلك العلاقة قوة بعد الاحتلال الروسي لسوريا حيث كان التنسيق الاسرائيلي الروسي ضروريا لتنفيذ الأجندة الاسرائيلية في سوريا”.

ويعتقد معراوي أن العلاقة الروسية الإسرائيلية، لا ترقى لتكون تحت مسمى “استراتيجية”، بسبب العلاقة الاستراتيجية التي تجمع إسرائيل مع الولايات المتحدة الأميركية

 وحول ذلك يضيف: “إسرائيل تمتاز بعلاقات استراتيجية مع الولايات المتحدة، وهي عضو في القيادة المركزية العسكرية الأميركية الوسطى بعد نقلها من القيادة العسكرية الأميركية في أوروبا، وهي حليف للناتو من خارجه”.

التأثير على الملف السوري

كذلك يعتبر المحلل السياسي أنه ومن خلال، علاقات موسكو مع كافة الأطراف المتدخّلة بشكل مباشر في سوريا، كتركيا وإيران وإسرائيل، فإنه “ستحتاج ايران واسرائيل للوسيط الروسي الضابط لإيقاع المعركة بينهما، خوفا من انفلاتها أو تغيير قواعد الاشتباك”.

وحول تأثير العلاقات الثلاثية على الملف السوري، يزيد معرواي: “لاحظنا بالأشهر الستة الأولى من الغزو الروسي لأوكرانيا، كيف سحب الجيش الروسي نخبة ضباطه والكثير من أسلحته واخرها تفكيك وشحن منظومة الدفاع الجوي إس 300 لروسيا لحاجتها إليها”.

ويختم حديثه بالقول: “أظن مع مرور الوقت والغوص الروسي أكثر بالمستنقع الأوكراني، ستضطر روسيا لسحب المزيد والمزيد، والتركيز على حربها في أوكرانيا، مما يؤدي في النهاية الى انحدارها الكامل وهذا مرهون بطول وضراوة الحرب في أوكرانيا”.

معاداة أميركا والغرب

وتسعى روسيا مؤخرا لزيادة التقارب مع إيران، وذلك في ظل عداء الجانبان للغرب والولايات المتحدة، بسبب الغزو الروسي للأراضي الأوكرانية، وعرقلة إيران لجهود إحياء الاتفاق النووي الإيراني.

الباحث المشارك في مركز “تحليل السياسات الإيرانية”، مصطفى النعيمي، رأى أن العلاقة بين روسيا وإيران، ستشكل مواقف أكثر صلابة ضد الجانبين، وبالتأكيد ستنعكس سلبا على الاتفاق النووي.

وقال النعيمي في حديث سابق مع “الحل نت”: “اللقاء الروسي الإيراني، سيسفر عن مواقف أشد صلابة بالنسبة للدول الأخرى باتجاه الجانبين، خاصة إيران، في ظل محاصرة إيران وسعيها لاستكمال برنامجها النووي، فلا يوجد بالنسبة لها حليف أفضل من روسيا التي تتعاون معها في مجال البرنامج النووي بشكل كبير”.

عملت روسيا على استغلال ملاحقة الصواريخ الإسرائيلية للميليشيات الإيرانية في سوريا، للسيطرة على المواقع التي تتعرض للقصف الإسرائيلي بحجة حمايتها، ووقف هجمات تل أبيب على تلك المواقع كما حصل في ميناء اللاذقية أواخر العام الفائت.

وبحسب تقارير لمحللين في العلاقات الروسية الإيرانية، فإن موسكو استغلت تعثر الاتفاق النووي الإيراني، للمضي في توطيد العلاقات مع طهران، لا سيما وأن التقدم في الاتفاق النووي، سيعني بالضرورة “إحداث صدع في التحالف الاستراتيجي بين الروس والإيرانيين، عبر تقديم إغراءات اقتصادية وجيوسياسية لطهران، بأن تضمن لها وفرة مالية ،والمزيد من إطلاق يدها في الإقليم، بهدف سحبها تدريجيا للمحور الغربي، ومن ثم تجريد موسكو، من أحد أعمدتها الأساسية في الشرق الأوسط، ما يحد من نفوذها في المنطقة“.

الباحث السياسي صدام الجاسر أكد أن روسيا وإيران تسعيان إلى إنشاء “تحالف قوي مع عدة قوى دولية، بسبب انجرارهم للمواجهة مع أوروبا والولايات المتحدة الأميركية، فضلا عن المصالح العديد المشتركة بين الجانبين مؤخرا“.

وقال الجاسر في حديث سابق مع “الحل نت“: “المرحلة دقيقة جدا على الروس والإيرانيين، المرحلة مهمة لإيران في تعثر الملف النووي، ومهمة لروسيا في تعقيد المشهد في أوكرانيا، واحتمال فتح جبهات أخرى“.

ويرى الباحث السياسي، أن التنسيق بين موسكو وطهران يمكن أن يفضي إلى تصعيد عسكري في المنطقة خلال الفترة القادمة، لا سيما في الأماكن التي يتداخل فيها النفوذ الإيراني مع النفوذ الأميركي.

وحول ذلك أضاف: “روسيا ستطلب من إيران التنسيق على المستوى السياسي، زيادة الضغوط على الأميركان في المناطق التي تتداخل فيها النفوذ الإيراني والأميركي خصوصا في الخليج، و من الممكن أن نشهد تصعيدا في بعض دول الخليج، تفعيل الخلايا النائمة أو هجمات بالطيران المسير، فالأمور مرشحة للتصعيد“.

إقرأ:تهديدات إيرانية لواشنطن بسبب إسرائيل.. أكاذيب وأوهام طهران؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.