في الوقت الذي تشهد فيه العلاقات بين نيودلهي وبكين نزاعا حدوديا منذ أكثر من أربعة عقود، تحدث الآن مواقف تصعيدية أخرى بين الصين والهند، إثر احتدام التوتر بينهما، مؤخرا، بسبب رسو سفينة حربية صينية، في أحد موانئ سريلانكا، مما دفع الهند إلى اتهام الأخيرة بعسكرة مضيق “تايوان”.

إزاء هذا السلوك الصيني، فإن الهند منزعجة من النفوذ الصيني في سريلانكا، بالمقابل هناك نفوذ متزايد على المستوى الاقتصادي للهند في سريلانكا. لذلك، تبرز عدة تساؤلات حول احتمالات التصادم والمواجهة بين الصين، والهند بسبب سريلانكا، بالإضافة إلى مخاوف الصين من ظهور منافس اقتصادي آسيوي جديد في القارة الآسيوية وهي الهند. خاصة وأن تاريخ الصراع الحدودي بين أكبر دولتين من حيث عدد السكان في العالم، وصاحبتي أكبر جيشين وترسانتين نوويتين، لا يزال بدون أي حل، أو اتفاق رسمي، حيث تتقاتل الصين والهند على خط ترسيم غير معترف به يسمى ” خط السيطرة الفعلية “رسماه منذ عام 1962 بعد حرب مفاجئة قبل نحو عامين انتهت بهزيمة الهند وضم الصين لجزء كبير من ولاية لدّاخ الهندية الحدودية، والتي أصبحت” أكساي تشين “، وأكثر من 60 ألف جندي من كلا الجيشين منتشران الآن على جانبي خط السيطرة.

كما أن ما يثير التساؤل عن احتمال نشوب صراع بين البلدين، وإن كان محدودا، هو أن بكين لا تزال مستمرة في تعزيز مواقعها بالسيطرة على أجزاء من الأراضي الهندية، بعد عامين من الأحداث الحدودية، واشتباك عدد محدود من الجنود آنذاك؛ وأسفر ذلك عن سقوط عدد من القتلى من الجانبين في أعنف مواجهة بين البلدين منذ 45 عاما. أيضا، تهديدات الصين لتايوان خلال الآونة الأخيرة، في مسعى واضح لرغبة الصين بالتحريك نحو دول الجوار التي تطمع بكين، في السيطرة على أجزاء منها أو توطيد نفوذها فيها.

استغلال أزمة سريلانكا؟

في بيان صادر عن المفوضية الهندية العليا في سريلانكا، انتقدت الهند، الصين لقيامها بإرساء سفينة حربية صينية في شواطئ سريلانكا، وهي جزيرة في جنوب الهند، حيث تزايد نفوذ الصين فيها بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة.

وخلال شهر آب/أغسطس الجاري، كانت سفينة صينية للبحوث العسكرية، قد رست في ميناء “هامبانتوتا”، السريلانكي لمدة أسبوع، وبحسب خبراء، فإن السفينة “يوان وانغ 5” واحدة من بين مجموعة سفن يديرها الجيش الصيني، لأجل مواكبة إطلاق الصواريخ الباليستية والأقمار الاصطناعية.

وذكرت تقارير صحفية، أن رسو السفينة الصينية “يوان وانغ 5″، تأخر لعدة أيام بعد اعتراض الهند، وسط مخاوف من أن تتخذ الصين الميناء السريلانكي قاعدة عسكرية.

في غضون ذلك، أوضحت وزارة الخارجية الصينية أن السفينة تقوم بأبحاث بحرية، في إطار الاحترام الكامل للقانون الدولي، قائلة إن الأمر لا يؤثر على المصالح الاقتصادية، أو الأمنية لأي دولة.

وكانت السفينة، قد غادرت الميناء قبل نحو أسبوع، فيما أصدرت السفارة الصينية في سريلانكا، بيانات تتهم الهند باستغلال المخاوف الأمنية من أجل التدخل في أمور، هي من صميم سيادة واستقلال سريلانكا.

وفي حديث لـ”الحل نت”، يرى المحلل السياسي، زياد سنكري، المقيم في واشنطن، أن ما يشهده العالم من تحولات كبيرة مع بروز قوى اقتصادية عملاقة تريد استثمار تقدمها الاقتصادي سياسيا وعسكريا، فإنه يمكن فهم التوتر الصيني، الهندي والذي يأخذ منحى تصاعدي، لذلك، بكين تحاول استغلال الأزمة في سيريلانكا، لتوسيع نفوذها في منطقة تعتبرها الهند، أنها الحديقة الخلفية لها وتقع في مجالها الحيوي.

ووفق تقدير سنكري، فإن وصول سفينة حربية صينية إلى سيريلانكا، يحمل رسائل عديدة إلى الجانب الهندي، وخصوصا في ظل الحديث عن محاولة صينية لبناء قاعدة بحرية في سيريلانكا، مقابل مساعدات اقتصادية.

وكل هذا، وفق اعتقاد سنكري، يأتي في وقت بدأ يضيق صبر الهند من تحركات الغواصات الصينية الدائمة في المنطقة، والتي تعتبرها الهند أنها تهديد استراتيجي لها، خاصة وأن الهند هي ضمن محور بزعامة الولايات المتحدة الأميركية لمواجهة التمدد، والأطماع الصينية، وهي الدولة الوحيدة التي لديها حدود مع الصين.

قد يهمك: غزو صيني لـ تايوان.. ما الاحتمالات؟

أفضلية المواجهة مع واشنطن؟

المفوضية العليا للهند في العاصمة كولومبو، أفادت يوم السبت الفائت، إن سريلانكا “بحاجة إلى الدعم، وليس الضغط غير المرغوب فيه، ولا إلى العداء غير الضروري من أجل خدمة أجندات دولة أخرى”.

وأردف البيان الهندي، إلى ما اعتبره تصريف أجندات عن طريق القروض، في إشارة إلى أن الصين تحاول التدخل في سريلانكا، من خلال ميناء “هامبانتوتا”، الذي قامت بتمويله.

ومن خلال العمل على مشروع “الحزام والطريق”، تريد الصين من خلاله مد نفوذها إلى مناطق جديدة في منطقة القارة الآسيوية، وتهيمن على بلدان عدة. حيث بلغت حجم الديون التي قامت الصين بإقراضها من خلال الحكومة، والشركات التابعة لها نحو 1.5 تريليون دولار أميركي على شكل قروض مباشرة، وائتمانات تجارية لأكثر من 150 دولة حول العالم. وتشير الدراسات إلى أن هذا الحجم من الديون، حوّل الصين إلى أكبر دائن رسمي في العالم.

كما أن الصين تسعى جاهدة للاستحواذ على أكبر المحطات في هذا المشروع “طريق الحرير”، أو كما يسمى “الحزام والطريق”. واستدل الباحث الأكاديمي، والسياسي في مركز “لندن”، للدراسات السياسية والاستراتيجية مايكل مورغان، ذلك في وقت سابق لـ”الحل نت”، بالقول: ”كما شهدنا في سريلانكا عندما لم يسددوا الديون، استولت الصين على الموانئ وأهم المنافذ الاستراتيجية هناك بقيمة مليارات الدولارات في ميناء هامبانتوتا، في جنوب سريلانكا، الذي يتوسط أكثر طرق الملاحة النشطة والمزدحمة بين الشرق والغرب”.

وتشكل القروض الممنوحة من قبل الصين نحو 10 في المئة، من إجمالي ديون سريلانكا، ولكن ابتداء من هذا العام، بادرت الهند بدورها بإقراض سريلانكا، ما يقرب من 3.8 مليار دولار، من أجل مساعدتها في التغلب على الأزمة الاقتصادية.

كما أن الصين متهمة من قبل العديد من الخبراء، والمراقبين بتقديم قروض سخية لبعض الدول النامية، من أجل الإيقاع بها فيما يصفونه بـ”الفخ”، حتى تصبح “أدوات مطيعة” في يدها.

وبالعودة إلى المحلل السياسي، زياد سنكري، فإنه أشار إلى أن هذا التوتر بين نيودلهي، وبكين ليس الأول، فالدولتين لا تزالا في خلاف حدودي في الهمالايا، وهذا الخلاف أخذ منحى عسكري، ومواجهة مباشرة بين جيشي البلدين وتم تطويقه ولكن حتى الآن لم تفلح العديد من جلسات التفاوض من حل هذا الخلاف، حيث يبقى الطرفين في حالة تأهب عسكري على الحدود، على حد تعبيره.

واستبعد سنكري، حدوث مواجهة عسكرية شاملة، بل وقال إنه ليس مطروحا في الأساس، وعزا ذلك بأن الصين، لن تستنزف وتهدر قدراتها العسكرية مع الهند، وهي تفضل أن تبقى جاهزة لأي مواجهة غير محسوبة مع أميركا، خاصة وأن العلاقات تأزمت مؤخرا بسبب الملف التايواني.

لكن، رغم ذلك، يبقى أن هذا التوسع الصيني لن يتوقف في المستقبل القريب، وهذا ما يقلق القيادة الهندية، وهذا ما يخشى المحللون والخبراء من أن يؤدي الضغوط المستمرة، وأي تحرك وخطوة غير مدروسة إلى إشعال مواجهة مباشرة بين البلدين اللتين تملكان قدرات عسكرية وتكنولوجيا، واقتصادية هائلة، في ختام حديث سنكري لـ”الحل نت”.

ورست السفينة الصينية في ميناء “هامبانتوتا”، بعد أسبوع فقط من إكمال البلاد لمناورات عسكرية واسعة النطاق حول تايوان، في رد على الزيارة التي قامت بها رئيسة مجلس النواب الأميركي، نانسي بيلوسي.

ومنذ انتهاء هذه المناورات، والنشاط العسكري الصيني في تواصل، وهو ما يصفه بعض المراقبين بالواقع الجديد، بينما تصر الصين على أنها لن تقبل بأي تقسيم لمضيق تايوان، الذي تعتبره جزءا من مياهها الإقليمية.

وفي الوقت الذي أدانت فيه الولايات المتحدة الأميركية، والعديد من الدول الغربية المناورات العسكرية الصينية الأخيرة، اكتفت الهند بتصريحات غامضة، قائلة إنها “قلقة بشأن التطورات الأخيرة”، في إشارة إلى خفض التصعيد، وتجنب الإجراءات الأحادية لتغيير الوضع القائم.


قد يهمك: ما قصة منافسة اليابان للصين في القارة الإفريقية؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.