بالتوازي مع الدعوات الأممية لمواجهة انتشار مرض “الكوليرا” في سوريا، بدأت الجهات المعنية في البلاد تطبيق إجراءات، للحد من انتشار المرض، وصلت إلى تقييد المواد التي تدخل في عمل السندويش في المطاعم الشعبية.

تعميم لبائعي السندويش

مديرية الشؤون الصحية في العاصمة دمشق، عممت على كافة أصحاب المطاعم وبائعي السندويش، بضرورة الامتناع عن تقديم جميع أنواع الخضراوات الورقية تحت طائلة الإغلاق بسبب نقلها لمرض “الكوليرا”، مع التشدد على النظافة الشخصية للعمال.

وبحسب ما نقلت صحيفة “البعث” المحلية، فإن هذا التعميم أعاد طرح ملف “سقاية الخضروات بمياه الصرف الصحي“، الذي طُرح سابقا في العديد من المناسبات، دون أن يلقى استجابة من الجهات الحكومية، التي اكتفت بإطلاق الوعود لحل المشكلة.

وأكدت الصحيفة، أن عدم تدخل الجهات المعنية، ساعد على “توسع المساحات التي تعتمد في سقاية أرضها على مياه الصرف الصحي، تحت مبرر عدم وجود مياه للري أو كهرباء ومحروقات للضخّ من الآبار، وهذا الواقع ليس جديد العهد، بل هو مستمر منذ سنوات سواء في غوطتي دمشق، أو في المحافظات والمناطق الأخرى“.

كذلك أشار تقرير الصحيفة المحلية، إلى أن “وزارة الزراعة على علم بأن معظم الخضار تُسقى من الصرف الصحي، وغيرها من الجهات المعنية، دون أن تقوم بخطوات فعلية لحل ومعالجة هذه المشكلة المستعصية رغم خطورتها وتهديدها المباشر لصحة الناس“.

وتحتوي الخضروات المروية بمياه الصرف الصحي، على نسب عالية من الرصاص وبشكل يخالف الحدود المسموح بها من قبل منظمة الصحة العالمية بعشرات الأضعاف، هذا إلى جانب احتوائها على المعادن الثقيلة مثل الكادميوم والزئبق، بالإضافة إلى النتريت وغيرها من المواد الخطيرة على الصحة.

قد يهمك: علي مملوك يلتقي رئيس المخابرات التركية في دمشق.. ماذا بعد ذلك؟

وقلل مختصون من أهمية تعميم مديرية الشؤون الصحية، للحد من انتشار “الكوليرا“، لا سيما مع تدفق آلاف الأطنان من الخضار المسقية بمياه الصرف الصحي إلى دمشق، ومنها البندورة والخيار وغيرها من خارج تصنيف الخضار الورقية.

دعوات أممية

“الأمم المتحدة“، دعت قبل أيام، إلى تمويل عاجل لاحتواء تفشي وباء “الكوليرا” في سوريا، مشيرة إلى أن مصدر العدوى مرتبط بشرب المياه غير الآمنة من نهر الفرات.

السبت الماضي، أعلنت وزارة الصحة السورية عن وجود إصابات لوباء “الكوليرا” في محافظة حلب، فيما أعلنت، الإثنين الفائت، أن عدد الحالات المثبتة بلغت 26 حالة، 20 منها في محافظة حلب، وأربع في اللاذقية، وحالتان في دمشق.

أما عدد الوفيات فأكدت وزارة الصحة، أن هناك حالتي وفاة في محافظة حلب، مشيرة إلى أنهما كانتا بسبب تأخر طلب المشورة الطبية ووجود أمراض مزمنة مرافقة، وفق ما نقلته صحيفة “الوطن” المحلية.

وزارة الصحة، نفت ما يتم تداوله في بعض “وسائل الإعلام” عن وجود وفيات ناجمة عن مرض “الكوليرا” في العاصمة دمشق، مشيرة إلى أنها ستقوم بإصدار تحديث عن الوضع الوبائي يتم نشره عبر منصاتها الرسمية حول “الكوليرا“، كل ٤٨ ساعة لتسهيل الحصول على المعلومة من مصدرها المؤكد والحصري.

من جهته، قال مدير مؤسسة المياه في حلب، أحمد نور الناصر، أن المديرية تراقب بشكل مستمر المياه الموزعة في الخزانات وخطوط الأحياء، وتعمد إلى تعقيمها بالكلور “ضمن الحد الأعلى للتركيز المسموح به“، إضافة إلى أخذ عينات من مياه الشرب من المحطات ومن المصادر لتحليلها بشكل دائم، وشدد على أنه “لا يوجد أي حالة تلوث أو بكتيريا مسببة لأي مرض“، على حد وصفه للصحيفة المحلية.

مناشدة أممية

في المقابل، أعرب المنسق المقيم ومنسق الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة في سوريا، عمران رضا، عن قلقه الشديد إزاء تفشي “الكوليرا“، المستمر في سوريا، مؤكدا على ضرورة اتخاذ إجراءات سريعة وعاجلة لمنع مزيد من الإصابات والوفيات.

قال بيان لمكتب تنسيق الشؤون الإنسانية الأممي “أوتشا“، إنه بناء على تقييم سريع أجرته “السلطات الصحية والشركاء، يُعتقد أن مصدر العدوى مرتبط بشرب الأشخاص مياه غير آمنة من نهر الفرات، واستخدام المياه الملوثة لري المحاصيل، مما يؤدي إلى تلوث الغذاء“.

خطة الاستجابة لوباء “الكوليرا”

في إطار خطة الاستجابة لتفشي “الكوليرا” في سوريا، أكد مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية، على أن استجابة “منسقة وعن كثب” في مجال مياه الصرف الصحي، والنظافة الصحية، تجري بقيادة وزارة الصحة السورية، بدعم من منظمتي “الصحة العالمية” و“اليونيسيف“، وتعمل مع شبكة واسعة من الشركاء على الأرض للاستجابة لتفشي وباء “الكوليرا“.

المكتب الأممي، أشار إلى أن الشركاء الصحيون للأمم المتحدة، منذ أواخر آب/أغسطس الماضي، يعملون “بنشاط على تعزيز القدرة على التأهب والاستجابة لتفشي الأمراض المحتملة في جميع المحافظات المتضررة“.

كما وتم تكثيف مراقبة الإنذار المبكر في المناطق التي تم الإبلاغ عن تفشي المرض فيها، وفي مناطق أخرى شديدة الخطورة، بما في ذلك في المخيمات التي تستضيف النازحين السوريين.

بحسب بيان “أوتشا“، فقد سلّمت وكالات الأمم المتحدة في سوريا، أربعة آلاف اختبار تشخيصي سريع، لدعم عمل فرق الاستجابة السريعة المنتشرة للتحقيق في الحالات المشتبه فيها، كما تم إيصال السوائل الوريدية، وأملاح معالجة الجفاف عن طريق الفم إلى المرافق الصحية حيث يتم قبول المرضى المؤكدين.

ازدياد الفجوة

كل ذلك يأتي في وقت تنحسر فيه أهم الأنهار في سوريا؛ نهر الفرات الذي حبست تركيا حصة سوريا منه، متجاهلة المعاهدات الدولية ببناء السدود والقنوات وإنشاء بحيرات صناعية، مما أدى إلى جفاف وزيادة التصحر، وتغير بيئي في طبيعة الشمال السوري، وما خلق في أوقات سابقة من أزمات صحية محلية.

كذلك، فإن هناك سياسات حكومية جائرة تمثلت خلال السنوات الماضية، بقطع المياه لأيام طويلة في مختلف المحافظات، ما دفع المواطنين إلى شراء المياه من الصهاريج، مجهولة المصدر، والتي أدت إلى وقوع حالات تسمم، والتهاب كبد وبائي “أ”، فضلا عن غياب الإشراف والرقابة على معامل صنع الثلج، والتي غالبا ما تستخدم فيها المياه غير المعقّمة.

ما زاد من فجوة الضعف في القطاع الصحي بشكل عام، هو انقطاع الأدوية وارتفاع أسعارها، وغياب الدعم من قبل الحكومة السورية، فضلا عن هجرة الأطباء من مختلف التخصصات، بالإضافة إلى إغلاق المعابر الحدودية الإنسانية، نتيجة الفيتو الصيني-الروسي، مما أدى إلى اقتصار تمرير المساعدات عبر حكومة دمشق. ولأجل ذلك، يتوقع انتشار مرض “الكوليرا” إلى مختلف المحافظات السورية، الأمر الذي يُنذر بكارثة “إنسانية“، يهدد حياة الملايين من السوريين.

اقرأ أيضا: بعد سوريا.. أحداث تهز لبنان والأردن

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.