متعة سكان ريف دمشق بالتيار الكهربائي البارحة لم تستمر أكثر من ثلاث ساعات عادت بعدها الأوضاع إلى سابق عهدها، هذا الأمر فتح الأبواب أمام تجاهل وزارة الكهرباء للطريقة التكنولوجية المتبعة في تنظيم مشاريع فواتير عادلة، استنادا إلى الاستخدام الفعلي لكل أسرة، حتى أنها لم تلمح لها ولو كإيحاء، لا سيما بعد صدور فواتير بآلاف الليرات رغم التقنين المتبع.

تجاهل للعدادات الكهربائية؟

كانت زيارة وزير التربية والتعليم ومحافظ ريف دمشق على وجه الخصوص إلى أشرفية صحنايا، أمس الإثنين، سببا للحفاظ على الإمداد بالكهرباء، وهذه ليست المرة الأولى التي يحدث فيها شيء كهذا، فهذا هو حال جميع الجولات الرسمية، حيث يتم رسم واقع منفصل أمام كاميرات التلفزيون التي تتابع نجاح الجولة وابتساماتها وخطبها الإفتراضية.

في تقرير لصحيفة “البعث” المحلية، نشر اليوم الثلاثاء، دافع مدير عام مؤسسة نقل وتوزيع الكهرباء عن الأرقام العالية للفواتير التي يدفعها المواطنون، والأخرى التي ترد بقيمة صفر، بعدم قراءة العداد، مشيرا إلى وجود نقص كبير في عدد كوادر الوزارة، إلا أن الصحيفة رأته فشل في نشر الحلول الإلكترونية التي نفذتها دول أخرى حول العالم.

وتابعت الصحيفة، “على الرغم من أن وزراء الكهرباء كانوا يعرفون منذ عقدين أنه يستحيل تعيين موظفين لقراءة العدادات بناء على الاحتياجات الفعلية لمدينة كبيرة كدمشق أو حلب، لم يبادر أي وزير إلى تقديم مشروع متكامل للحكومة للانتقال إلى العدادات الذكية”.

وبحسب التقرير، فلا يمكن حل الكثير من المشاكل التي تواجه وزارة الكهرباء، ولا سيما “السرقات”، عبر الآليات التقليدية، ولا عبر الحملات المستمرة أو الفورية لمكافحة التأجير غير المشروع، بل عبر الحلول الإلكترونية المتاحة منذ سنوات والتي لم تذكرها الوزارة بعد.

واستطرد التقرير، إلى أن شكوى المواطن واضحة، بعدم قراءة مؤشر العداد في كل دورة، بإلاضافة إلى أن بعض القراءات تكون معدومة أو لديها إحصاءات إستهلاك تراكمي عالية جدا مقارنة بالدورات السابقة.

الحل الذي طرحته وزارة الكهرباء، يكمن في أن يقدم المعترض طلب تحليل الاستهلاك، والمشكلة ليست في قبول الطلبات، بل في انشغال الموظفين والمواطنين بقضايا يمكن القضاء على أسبابها بالتشغيل الآلي والعدادات الذكية، أي بإلغاء قارئي العدادات لأنهم السبب بما يعانيه المستهلك سواء لنقص عددهم أو بسبب التقنين الذي يمنعه من قراءة العدادات في الوقت المحدد.

واقترحت الصحيفة، مع عدم توفر الطاقة الكهربائية في جميع ساعات اليوم، على وزارة الكهرباء الانتقال إلى عصر العدادات الذكية، الذي يتيح سرعة التحصيل ويمكن للسكان إدارة استخدامهم للكهرباء بالاعتماد على دخلهم.

عدادات ببطاقة الشحن

لا يمكن لوزارة الكهرباء بعد هذه السنوات، ألا تكون على علم تام بالعدادات الذكية وأماكن استخدامها، وتدرك أنها قد تصنع محليا، وبالنسبة للشخص العادي الذي لم يسمع بها قط، فآلية عملها مماثلة تماما لآلية بطاقة الهاتف الخلوي المدفوعة مسبقا.

وبشكل أكثر تحديدا، يتيح العداد الذكي إمكانية القراءة والفوترة بشكل تلقائي، كما يتيح للمواطنين مراقبة استهلاكهم للطاقة وتحديد نمط الاستهلاك بما يناسب دخلهم، واستعادة الخدمة عن بعد لدفع المستحقات المالية، كما يقضي العداد الذكي على الحاجة إلى قراءات يدوية كل بضعة أشهر، إذ يسجل استهلاك الكهرباء بمعدل تردد معين كل ساعة أو نصف ساعة، ويخزنها في ذاكرة مدمجة، وينقلها إلى شركة الكهرباء مرة واحدة على الأقل في اليوم، مما يوفر تحليلا دقيقا لأوقات استهلاك المشترك للكهرباء، وفي حال حدوث عطل ما، يقوم المقياس الذكي بإبلاغ مزود الكهرباء.

ولعل أهم ميزة للعدادات الذكية، أن شركة الكهرباء تستطيع أن تكشف أي استعمال غير قانوني للكهرباء من قبل المشترك فورا، وأن تقطع الخدمة عن بعد، أي آليا، دون الحاجة إلى حملات التفتيش والمداهمة، فضلا عن إرسال موظف لتفكيك العداد، كما هو الحال حاليا مع العدادات الميكانيكية.

واستشهد التقرير، بتجربة مصر التي بدأت منذ سنوات مشروع العداد الذكي، حيث تم نصب 250 ألف عداد كتجربة تحضيرية للانتقال إلى شبكة كهربائية بعدادات ذكية أو “مسبقة الدفع”، التي تشبه كثيرا آلية عمل الهواتف النقالة.

ويمكن أن تعمل العدادات الذكية، بالبطاقات النقالة مسبقة الدفع، بتكنولوجيا بطاقات إعادة الشحن لضمان تجميع قيم الاستهلاك بشكل أفضل وأسرع، كما هو الحال في العديد من الدول العربية.

الواقع الخدمي والشفافية

لا شك زيارة المسؤولين السوريين إلى أشرفية صحنايا، جلبت الكثير من الحالات المثيرة، ففي الوقت الذي حاول فيه محافظ ريف دمشق توضيح الواقع الصعب الذي تعيشه المحافظة في بعض القطاعات الخدمية كالكهرباء والماء والتموين والوقود والزراعة، كان هناك مسؤولون آخرون، سواء في المحافظة أو على مستويات أعلى، يضللون الحقائق ويعمقون فجوة الثقة والمصداقية بين المؤسسات والمواطنين.

تقرير الصحيفة، نوه إلى أن “أهم خطوة في سبيل تطوير تواصل فعال مع المواطنين هي الشفافية، التي تكمن وراء عشرات التساؤلات حول حق هؤلاء الناس في الحصول بشكل غير قانوني على ساعات إضافية من الكهرباء، واتهامهم للمؤسسات الحكومية مسؤولية ذلك”.

وبيّنت الصحيفة، أن المدهش في الأمر هو أن كل المسؤولين في ريف دمشق، يؤكدون أنه لا توجد مشاكل في الواقع الخدمي بل هناك تحسن واضح في جودته واستدامته، وهذا يطرح تساؤلا حول مآلات رسائل وشكاوى المواطنين التي تقدم يوميا.

الجدير ذكره، أن الحكومة السورية قدمت خلال السنوات الماضية عشرات الوعود بتحسين واقع التيار الكهربائي، إلا أن ما حصل كان العكس ومع تقدم الوقت تزيد ساعات التقنين في سوريا. فيما قدرت وزارة الكهرباء السورية في العام 2021 تكلفة إعادة بناء الإنتاج والنقل في القطاع بـ 2.4 مليار دولار، إذ وصل تقنين الكهرباء في سوريا، خلال العام ذاته إلى عشر ساعات لكل ساعة أو نصف ساعة من الكهرباء.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.