لم تتوقف تداعيات وفاة الشابة الإيرانية، مهسا أميني، حتى الآن في إيران، بل ازدادت موجة الغضب، وانتقلت من الشارع الغاضب إلى الإعلام “الإصلاحي”، الذي فتح النار بشدّة على “شرطة الإرشاد”.

أبدت العديد من الصحف الصادرة اليوم الأحد في إيران، اهتماما كبيرا بقضية وفاة الشابة مهسا أميني، أول أمس الجمعة، بعد يومين من اعتقالها على يد دوريات “شرطة الإرشاد” الإيرانية في طهران، إثر تعرضها لضرب مبرح من قبل “شرطة الأخلاق”، بحسب تقارير حقوقية.

صحيفة “آرمان ملي”، وهي كبرى صحف “التيار الإصلاحي” في إيران، عنونت في مانشيت اليوم الأحد: “مطلب الشعب.. إعادة النظر بشكل جدي في مهام شرطة الأمن الاجتماعي”.

ورأت الصحيفة، أن السلطات الإيرانية اليوم بدأت تدفع فواتير االسياسات الخاطئة من قبل الأجهزة الأمنية، كما سارت في نفس الاتجاه صحيفة “مردم سالاري”، وعنونت بشكل أوضح: “أوقفوا عمل دوريات الإرشاد”.  

“الإرشاد القاتل”

مهسا أميني، دخلت بغيبوبة قبل وفاتها بساعات، إثر تعذيبها من قبل “شرطة الإرشاد” بتهمة “الارتداء السيئ للحجاب “، وتوفيت في العاصمة طهران، التي كانت تزورها مع عائلتها، وهي من كرد إيران، غربي طهران.

صحيفة “جهان صنعت” سخرت بألم من طريقة “إرشاد” الشرطة للنساء على الالتزام بالحجاب، وخصصت صفحتها الأولى لصورة من خريطة إيران بخلفية سوداء قاتمة، تعلوها صورة الراحلة مهسا أميني، وعنونت بالقول: “موت إرشادي”.

من جهتها استخدمت صحيفة “همدلي” الإصلاحية، عنوانا جريئا ضد “شرطة الإرشاد”، إزاء وفاة أميني، بقولها عنه: “الإرشاد القاتل”.  
  
في مقابل الصحف الإصلاحية، تجاهلت صحف “التيار الأصولي” والصحف المقربة من “الحرس الثوري” والمرشد الإيراني، علي خامنئي، مثل “وطن امروز”، و”كيهان”، و”جوان”، قضية وفاة أميني، إلى حد كبير.

وفي تعليق على .فاة الشابة مهسا أميني، تساءل الكاتب ومدير تحرير صحيفة “ستاره صبح”، علي صالح آبادي، عن الأهداف التي رفعتها “الثورة الإسلامية” الإيرانية، وما آلت إليه الأوضاع اليوم، لافتا إلى أن من “شعارات ثورة عام 1979، العدالة والإنسانية وصيانة حياة الإنسان المسلم وغير المسلم، ونشر الأخلاق الفاضلة”.

أبادي قال قال في هذا الخصوص: “السؤال الأساس الذي يطرح نفسه الآن: إلى أي مدى يشعر (أدعياء الثورة) بأنهم مطبقون لهذه الشعارات؟ وإلى أي مدى يلمس الناس إنجازات أدعياء الثورة في هذا الصعيد؟”.  
  
“اتضح الآن أن دوريات شرطة الإرشاد هذه كانت بلا فائدة من الأساس، فاستنادا إلى الواقع نلاحظ أن سلوك هذه الشرطة جعل الناس متشائمين تجاه النظام والدين”، بحسب تعبير أبادي.

وأشاد الكاتب بالحرية الشخصية التي كان الحكم الملكي يتيحها للإيرانيين، مقارنة مع نظام “الجمهورية الإسلامية”، بقوله إن المتدينين في السابق كانوا في تزايد ملحوظ، والمساجد ممتلئة بالمصلين والمحجبات في المدارس والجامعات والأماكن العامة في ازدياد كذلك؛ للأن الحجاب كان وفق مبدأ “الاختيار” وليس “الإجبار”.  

احتجاجات ضد خامنئي

الكاتب أبادي طالب في نهاية مقالته بشكل ضمنيي، جعل الحجاب مسألة شخصية وحرية خاصة بالمواطنين ولا دخل للسلطة الحاكمة في ذلك البتة.

منذ الجمعة، اندلعت احتجاجات كبيرة في إيران على إثر وفاة مهسا أميني، وتصاعد غضب المحتجين لاسيما في مدينة سقز، مسقط رأس الفتاة البالغة من العمر 22 عاما، حيث اندلعت احتجاجات نسائية بخلع الحجاب في إيران، أثناء تشييع جنازة الراحلة.

وهتف المشيعون في الجنازة ضد النظام الحاكم في طهران، وقالوا “الموت للديكتاتور”، و”الموت لخامنئي”، في إشارة إلى المرشد الأعلى لإيران، وأظهرت مقاطع فيديو بعد ذلك قوات الشرطة وهي تطلق النار على حشد من الناس.

وجرت مراسم الجنازة في بلدة سقز، مسقط رأس أميني، في محافظة كردستان الغربية بإيران، وتجمّع سكان المنطقة في الصباح الباكر من يوم أمس السبت، لمنع قوات الأمن الإيرانية من اقتحام مراسم الدفن سرا لتجنب الاحتجاجات.

وفق التقارير الصحفية، فإن بعض المحتجين الغاضبين ساروا نحو مكتب المحافظ للاحتجاج على الوفاة. وبحسب مقاطع فيديو نشرتها شبكة “بي بي سي” الفارسية، وتحققت منها، فقد فتحت قوات الأمن النار على المتظاهرين.

في غضون ذلك، أعلن مسؤولون إيرانيون، يوم أمس السبت، إجراء تشريح لجثة أميني. وقال مهدي فوروزيش، مدير هيئة الطب الشرعي بإيران، في حديث عبر التلفزيون الحكومي، إن النتائج ستُعلن بعد إجراء المزيد من الفحوصات من قِبل خبراء طبيين.

وذكرت وكالة الأنباء الإيرانية “إسنا”، يوم الجمعة، أن الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، أمر بفتح تحقيق في ملابسات وفاة الشابة أميني.

من جانب آخر، أعلنت الأحزاب الكردية، وولي عهد إيران السابق، رضا بهلوي، الحداد العام والإضراب اليوم الأحد وغدا الاثنين. تزامنا مع انتشار الغضب الشعبي والاحتجاجات بسبب وفاة أميني.

من هي “شرطة الإرشاد”؟

شرطة “الأخلاق أو الآداب”، اسمها بالفارسية “غاشت إرشاد”، أي دوريات الإرشاد، وتعمل عمل شرطة “الحسبة”، لدى تنظيم “داعش” الإرهابي، وهي مكلفة بتطبيق تفسيرات النظام الصارمة لمفهوم الأخلاق الإسلامية.

منذ “الثورة الإسلامية” عام 1979، كان في إيران أشكال مختلفة من “شرطة الأخلاق”، ولكن “غاشت إرشاد” تأسست في 2007، وهي حاليا الوكالة الرئيسية المكلفة بإنفاذ مدونة قواعد السلوك الإسلامية الإيرانية في الأماكن العامة.

بعد “الثورة الإسلامية”، ألزم القانون جميع النساء بغض النظر عن الجنسية أو المعتقدات الدينية بوضع حجاب يغطي الرأس والرقبة. وينصب تركيز شرطة “الأخلاق”، على ضمان الالتزام بالحجاب، وهي قواعد إلزامية تتطلب من النساء تغطية شعرهن وأجسادهن ومنع استخدام مستحضرات التجميل، وفق تقرير لموقع “الحرة” الأميركي.

إلى جانب القواعد التي تفرضها تغطية الرأس إلى أقصى حد ممكن، وارتداء ملابس فضفاضة، خاصة في حرارة الصيف، وتطال إجراءاتها أيضا الرجال بتسريحات شعر ترى أنها “غربية”.

بموجب القانون الإيراني، يحق لعناصر شرطة “الأخلاق” توجيه الاتهامات وفرض غرامات، أو حتى اعتقال من تعتقد أنهن يخالفن “القواعد”.

وفق إصلاحات يفترض أن تدخل حيز التنفيذ هذا العام، سيتم نشر 7000 عميل سري من “غاشت إرشاد”، للإبلاغ عن التجاوزات للشرطة، التي ستقرر ما إذا كانت ستتخذ إجراء ما، وفق تقرير لشبكة “بي بي سي”.

وتسند شرطة “الأخلاق” بدعم من ميليشيا “الباسيج” الإيرانية، وفق تقرير الشبكة البريطانية، ويُعتقد أن جماعة “غاشت إرشاد”، تستقطب الكثير من أفرادها من “الباسيج”، وهي وحدة شبه عسكرية متشددة. وتشمل أيضا العديد من النساء.

يجدر بالذكر، أن الرئيس الإيراني السابق، حسن روحاني، أعرب عن معارضته لـ “غاشت إرشاد”، في وقت مضى، لكن الدستور الإيراني لا يمنحه نفوذا يُذكر على قوات الأمن.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة