تجارة المخدرات الأفغانية: ما علاقة خشخاش أفغانستان بالمشروع الإيراني في المنطقة؟

تجارة المخدرات الأفغانية: ما علاقة خشخاش أفغانستان بالمشروع الإيراني في المنطقة؟

تعتبر تجارة المخدرات الأفغانية من أهم القضايا السياسية والأمنية حالياً. لأنها تغذي عدم الاستقرار وتساعد على نمو الشبكات الإرهابية حول العالم. إذ توفر تجارة المخدرات لعدة أطراف، داخل أفغانستان وخارجها، الغطاء والمال. في طريق طويل لزراعة وتصنيع وتوزيع المخدرات، يمتد حول العالم.

ضمن هذا السياق تطرح أسئلة كثيرة عن دور إيران، جارة أفغانستان الغربية، في تجارة المخدرات الأفغانية. فبعد فترة من التوتر الشديد، بين الحكومة الأفغانية السابقة الموالية للولايات المتحدة، والحكومة الإيرانية، التي تم اتهامها بدعم الإرهاب في أفغانستان، تحسّنت العلاقات الإيرانية الأفغانية تدريجياً، على مدى السنوات القليلة الماضية. وصولاً  لسقوط كابل بيد حركة طالبان، التي يبدو أنها تتمتع بعلاقات ممتازة مع طهران. فإلى أي مدى تورّطت إيران في دعم الإنتاج الأفغاني للمخدرات وترويجه؟ وما الأهداف السياسية والأمنية من الدعم الإيراني المحتمل للمخدرات الأفغانية؟

الحكومة الإيرانية هي الداعم الأساسي لطالبان

وفي سياق الحديث عن النفوذ الإيراني في أفغانستان وعلاقته بتجارة المخدرات في أفغانستان يقول “على أخلاقي”، الإعلامي والخبير في الشؤون الأفغانية، لـ«الحل نت» إنّ «نفوذ إيران في أفغانستان كان قوياً قبل دخول الولايات المتحدة الأميركية إليها عام 2001. وحاولت إيران باستمرار زيادة نفوذها هناك، من خلال دعم عدة حركات داخل البلاد. أبرزها طالبان، واللواء الأفغاني “فاطميون”، مالياً وعسكرياً».

مضيفاً: «يمكن إرجاع الدعم الإيراني للجهاديين الأفغان إلى عام 1979. عندما بدأت طهران في دعم المقاتلين الإسلاميين الذين يقاتلون ضد الاتحاد السوفيتي. ويمكن اعتبار “الحزب الإسلامي”، الذي أسسه “برهان الدين رباني” و”أحمد شاه مسعود”، وكيلاً لإيران في أفغانستان. وقد أقامت طهران علاقات وثيقة مع هذه الجماعة، والفصائل الأخرى في جميع أنحاء أفغانستان. واستخدمتها وكلاءً لتصدير أيديولوجيتها الإسلامية الثورية».

وطبقاً لحديث “أخلاقي” فإن «الدعم الإيراني استمر لهذه الجماعات بعد سقوط نظام طالبان في عام 2001. ومن عام 2006 إلى عام 2014 تم تقديم ما لا يقل عن مئة وعشرين مليون دولار من المساعدات الإيرانية للمقاتلين الأفغان. وكذلك فقد اتهم رئيس وكالة مكافحة الإرهاب الباكستانية إيران بتمويل الهجمات الإرهابية في جميع أنحاء باكستان. بما في ذلك هجوم “كويتا” في نيسان/إبريل 2021. الذي تبنّته حركة طالبان في باكستان، وأسفر عن مقتل خمسة أشخاص».

وأشار “أخلاقي” إلى أن «إيران هي الدولة الوحيدة، التي لا تزال تدعم حركة طالبان علناً. ومسؤولو المخابرات الإيرانية يعتقدون أن الاستثمار في الوضع الأفغاني هو استثمار في الأمن والاستقرار الإقليميين لإيران. لأن العديد من أعضاء تنظيم “داعش” يفرون من العراق وسوريا إلى أفغانستان. بعد هزيمتهم على يد قوات التحالف هناك».

كل هذا يشير إلى إمكانية فعلية لدى طهران للسيطرة على تجارة المخدرات في أفغانستان. وليس فقط المشاركة فيها.

اهتمام إيران بتجارة المخدرات في أفغانستان

“أخلاقي” يؤكد أنّ «إيران هي إحدى دول العبور الرئيسية للمخدرات الأفغانية في المنطقة. إذ أن الاقتصاد الأفغاني في حالة اضطراب مستمر، ويتأثّر بشدة بالتقلّبات السياسية في البلاد. الأمر الذي تسبّب في تحوّل أفغانستان إلى ملاذ آمن لإنتاج المخدرات، الذي يخلق فرص عمل كبيرة لكثير من الأفغان. وتدرّ تجارة المخدرات الأفغانية حوالي ثلاثين مليار دولار سنوياً».

وبحسب التقارير الدولية فإن «أفغانستان تنتج أكثر من 90٪ من الهيروين في العالم. ومن عام 1999 إلى عام 2014 زاد إنتاج الخشخاش الأفغاني بأكثر من 2000٪».

يعلّق “أخلاقي” على هذا بالقول: «كثير من أموال تجارة المخدرات الأفغانية تذهب مباشرة إلى إيران. لأن أفغانستان ليس لديها بنية تحتية قوية مثل البنوك، أو طرق فعالة، مثل بطاقات الائتمان، لإجراء المعاملات النقدية الدولية».

ويقدّر تقرير مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة لعام 2017 أن إيران «تتلقى ما بين أربعمئة مليون دولار ومليار دولار سنوياً من إنتاج الخشخاش الأفغاني».

وكشف “أخلاقي” أنّه «منذ عام 2006 اكتشفت القوات العسكرية الأميركية ما لا يقل عن ثلاثين معملاً للمخدرات في أفغانستان. كانت إيران تستخدمها لإنتاج الهيروين والمورفين. واحتوت المنشآت على معدات متطوّرة لإنتاج هيروين خالٍ من الشوائب. كان يديرها أفراد من قوات الحرس الثوري الإيراني. وخلال السنوات السابقة لخروج واشنطن من كابل وجدت القوات الأميركية ثماني عشر منشأة تستخدمها تجارة المخدرات الأفغانية. كان يديرها الحرس الثوري، ويموّلها النظام الإيراني بميزانية سنوية. تتراوح من مئتي مليون إلى سبعمئة مليون دولار سنوياً.  وفي نهاية عام 2020 قتل قائدٌ في الحرش الثوري الإيراني خلال مواجهة مع القوات الأميركية، في واحدة من تلك المنشآت».

لواء فاطميون: “جيش الظل” في تجارة المخدرات الأفغانية

ويقدّر “علي أخلاقي” حجم إنتاج الأفيون الأفغاني، في المزارع التي ترتبط بإيران، بنحو عشرة آلاف طن، بقيمة تقدّر بـ 1.4 مليار دولار.

كما يؤكد أن «”لواء فاطميون يلعب دوراً حيوياً في تجارة المخدرات الأفغانية. فبعض عناصر اللواء يتلقون رواتب نقدية مقابل عملهم. ويحصل آخرون إلى جانب هذا على مخدرات، مثل الأفيون والهيروين، بأسعار مخفّضة للغاية».

ولواء فاطميون الأفغاني هو مجموعة مسلّحة من اللاجئين الشيعة الأفغان في إيران، الذين جنّدهم الحرس الثوري الإيراني للقتال في سوريا والعراق. وكان اللواء من أنجح الوحدات القتالية التابعة لإيران في سوريا. ولعب دوراً رئيسياً في المساعدة على استمرار حكم الرئيس السوري بشار الأسد. من خلال توفير دعم المشاة، وحراسة المدن القريبة من دمشق، وعلى طول الحدود السورية مع لبنان.

التدخلات العسكرية لإيران في الشرق الأوسط ليست سراً. ولواء فاطميون الأفغاني أحد أهم الأمثلة على ذلك. ولكن حاجة النظام الإيراني للأموال، في ظل الأزمة الاقتصادية التي تجتاحه بسبب العقوبات الدولية، جعلته يتجه نحو تطويع المقاتلين الأفغان الموالين له في تجارة المخدرات الأفغانية. لا سيما بعد انسحاب أميركا من أفغانستان.

ووفقاً لـ”أخلاقي” فإنّ «لواء فاطميون هو جزء مهم من “جيش الظل” الإيراني في أفغانستان، الذي يلعب دوراً متزايداً في تجارة المخدرات الأفغانية. وإحدى الوسائل التي اتبعتها إيران هي إعادة بعض المجندين من مقاتلي اللواء في سوريا إلى كابل. للعمل في زراعة وبيع المخدرات برواتب مغريه».

وعرضت طهران، وفقاً لحديث “أخلاقي”، على مقاتلي اللواء «تجنيس عائلاتهم في إيران. في المقابل وقّع مقاتلو اللواء عقود عمل لمدة عشرين عاماً لمصلحة الحرس الثوري الإيراني. ومن ضمن هذا “العمل” المشاركة في تجارة المخدرات الأفغانية. وهنالك مقاتلون آخرون تم تجنيدهم للقتال إلى جانب طالبان. بوصف ذلك عربون صداقة بين النظام الإيراني وحركة طالبان».

إيران تهدد السلم العالمي عبر المخدرات الأفغانية

 دور إيران في تجارة المخدرات الأفغانية لا يقتصر على منطقة الشرق الأوسط. إذ تعتبر الحدود الإيرانية الأفغانية طريقاً رئيسياً لتهريب المخدرات المتجهة إلى روسيا وأوروبا. ما يجعل إيران أكبر مصدري المخدرات الأفغانية إلى الدول الغربية. بحسب “علي أخلاقي”.

ويتابع الخبير في الشؤون الأفغانية أنّ «تجارة المخدرات الأفغانية هي إحدى المشاكل الجوهرية للمجتمع الدولي، والتي سيكون من الصعب إيقافها دون مساعدة خارجية من دول مثل أميركا والاتحاد الأوروبي. وبصرف النظر عن كون إيران دولة عبور، فإنّها أصبحت الآن دولة منتجة للمخدرات أيضاً. لتصبح إحدى الدول الأساسية في هذا المجال. إلى جانب كولومبيا والمكسيك».

للقراءة أو الاستماع: المخدرات في الجنوب السوري: كيف أصبح “كريستال ميث” الإيراني من أسباب القتل والوفاة في السويداء

ويرى “أخلاقي” في ختام حديثه أنه «مع انسحاب الولايات المتحدة عسكرياً من أفغانستان يجب على المجتمع الدولي تشكيل تحالف ضد تجارة المخدرات في أفغانستان، التي تتبناها إيران، وأصبحت تشكل خطراً أمنياً كبيراً. خصوصاً بعد تغلغلها في الدول العربية مثل العراق ولبنان وسوريا واليمن. والدور الذي تلعبه عائداتها في دعم الميلشيات والجماعات الإرهابية. وتجنيد الأنصار للمشروع الإيراني في المنطقة».

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.