بعد سنوات من القطيعة، أعلنت حركة “حماس” الفلسطينية، الخميس، في بيان رسمي، عزمها على بناء وتطوير “علاقات متينة” مع دمشق، في إطار قرارها باستئناف العلاقات معها، ويبدو أن إعادة هذه العلاقات التي أخذت أشهر عدة من المشاورات وتبادل للتصريحات بين الطرفين، كانت برعاية “حزب الله” اللبناني، الموالي لإيران. خاصة بعد تصريحات الأمين العام لـ “حزب الله” اللبناني، حسن نصر الله، منذ وقت ليس ببعيد، حول ضرورة تسوية العلاقة بين “حماس”، ودمشق.

وبالتالي، لا شك أن عودة العلاقات مع “حماس”، يأتي برغبة مصالحية من طهران، وحديث حسن نصر الله، دليل على ذلك، حيث تسعى طهران، ومثلها التنظيمات الإسلاموية على تنحية الكتل الصلبة التي تعرقل اصطفافاتهم السياسية، المؤقتة والعَرضية، لجهة تحقيق مآلات، ومصالح إقليمية مشروطة وغير استراتيجية، دون مراعاة الأعباء الأيديولوجية وغيرها من التبعات على المنطقة.

بالتزامن مع هذه التحركات، اشتدت حدة الاستهداف الإسرائيلي على نقاط تابعة للمليشيات الإيرانية في سوريا، واستهدفت هذه المرة مواقع موالية لـ “حزب الله” اللبناني، ومكتب فيلق لبنان، فريق دمشق لـ “الحرس الثوري” الإيراني، وفق مصادر خاصة لقناة “العربية الحدث”. كما استهدفت الضربات الإسرائيلية مشروع الصواريخ الدقيقة، ومنع ميليشيا “حزب الله”، من تهريب معدات وأجهزة تحديد المواقع “جي بي إس” ، التي تسمح للمصانع في سوريا بتحويل الصواريخ “الغبية”، إلى صواريخ دقيقة.

معدل القصف الإسرائيلي بات يتراوح بين ضربة واحدة، أو اثنتين خلال الأسبوع الواحد، وبات يطال مواقع حساسة؛ مثل مطاري دمشق وحلب. من هنا تُثار تساؤلات جمة حول اشتداد التصعيد الإسرائيلي ضد سوريا خلال الفترة الأخيرة، وما إذا كانت دمشق ستدفع ثمن المصالحة مع حركة “حماس”، من خلال زيادة الضربات الإسرائيلية، خاصة خلال الفترة المقبلة، وما إذا كانت إسرائيل ستتبع استراتيجيات جديدة ضد الميليشيات الإيرانية في سوريا، وتداعيات ذلك على البلاد.

“حماس” ورقة إيرانية؟

صحيفة “يديعوت أحرونوت”، قالت إن الغارات الإسرائيلية الأخيرة على دمشق، كانت مختلفة تماما لأنها استهدفت مواقع تابعة لقوات الحكومة السورية تعمل على تدريب الميليشيات الإيرانية القادمة من إيران وأفغانستان، وأسفرت عن مقتل خمسة عناصر بينهم ضابط.

معلق الشؤون الأمنية والعسكرية في الصحيفة الإسرائيلية، رون بن يشاي، بيّن أن الهجوم على مطار دمشق، كان يهدف لمنع وتعطيل مشروع الصواريخ الدقيقة لميليشيا “حزب الله” اللبنانية، بينما كان استهداف منطقة الكسوة، يسعى إلى إحباط محاولة إيرانية جديدة لتأسيس ميليشيات تابعة لـ”الحرس الثوري” قرب الحدود الإسرائيلية.

بن يشاي، نوّه في تعليقه إلى أن الغارات الإسرائيلية تهدف إلى تحذير الرئيس السوري بشار الأسد، للكف عن إيواء الميليشيات الإيرانية وتأمين الغطاء المدني لها عبر فتح الملاحة الجوية لـ”الحرس الثوري”، ومنع استنساخ تجربة “حزب الله” في سوريا.

في هذا الإطار يرى الكاتب الصحفي والمحلل السياسي فراس علاوي، أنه فيما يتعلق بإعادة العلاقات بين حركة “حماس” ودمشق، فإنها جاءت بضغط من طهران، ومن المعروف أن “حماس”، ورقة إيرانية يستخدمها القادة الإيرانيون من أجل الضغط على إسرائيل وأيضا الولايات المتحدة الأميركية، في إطار الملف النووي الإيراني.

وأردف علاوي، في حديثه لـ”الحل نت”، أن عملية إعادة العلاقات بدأت منذ أشهر، من خلال زيارة قادة “حماس”، إلى طهران، ثم زيارة الأسد الأخيرة إلى طهران، حيث جرى الحديث عن إعادة العلاقات مع “حماس”، كما وكانت هناك أوامر إيرانية صريحة بإعادة هذه العلاقة. ومن جانبها، “حماس” أعادت هذه العلاقات تدريجيا، تحسبا وخوفا من رد فعل الشارع العربي، وخاصة السوريين، لكن عودة هذه العلاقات كانت متوقعة ومؤكدة، وهذا ما حدث بالفعل.

قد يهمك: كيف سينتهي سيناريو القصف الإسرائيلي للمطارات السورية؟

زيادة التصعيد

أما بالنسبة لإعادة هذه العلاقات بين “حماس” ودمشق، فهي وفق اعتقاد علاوي، مصلحة إيرانية بالدرجة الأولى، ومن ثم تريد “حماس”، استغلال التوتر الروسي مع إسرائيل، خاصة في الوقت الحاضر مع انشغال موسكو بغزوها لأوكرانيا، بغية تحصيل دعم من الجانب الروسي، وهذا ما يفسر زيارة قادة “حماس” لموسكو، مؤخرا.

أما استراتيجية إسرائيل في استهداف النفوذ الإيراني في سوريا، فهي شبه ثابتة منذ عام 2013، وهي تتزايد وتنخفض بحسب وتيرة الأحداث، وبنك الأهداف والمعلومات الاستخباراتية المتوفرة حول تحركات الميليشيات الإيرانية هناك، وفق تعبير علاوة.

يرى علاوي، أن عودة أو إعادة تفعيل مواقع “حماس”، إلى العمل أو التدريب، أو كما كانت في السابق في سوريا، ستكون مستهدفة من الجانب الإسرائيلي وستزيد من وتيرة تصعيد الضربات الإسرائيلية بشكل عام.

وفي النهاية وجود “حماس” هو ضرورة إسرائيلية، من أجل الإبقاء على ذريعة استهداف قطاع غزة الفلسطيني، وأيضا الحصول على المزيد من الدعم الغربي.

“لا شك أن عودة العلاقات ستجعل مواقع النظام السوري، هدفا لمرمى الاستهدافات الإسرائيلية، الأمر الذي سيزيد من حدة التصعيد ضد النفوذ الإيراني داخل الأراضي السورية، على الأقل في الوقت الحالي”. وفي النهاية، فإن وجود “حماس” ضرورة إسرائيلية، من أجل الإبقاء على ذريعة استهداف قطاع غزة الفلسطيني، وكذلك للحصول على مزيد من الدعم الغربين في ختام حديث علاوي لـ”الحل نت”.

من جانب آخر، قال “المرصد السوري لحقوق الإنسان”، إن سبعة من قوات وميليشيات “حزب الله”، وإيران، قتلوا جراء الاستهداف الإسرائيلي على منطقة مطار دمشق الدولي وجنوب دمشق، فجر يوم أمس السبت.

وأضاف، أن “إسرائيل قصفت محيط مطار دمشق الدولي، والسيدة زينب. الصواريخ الإسرائيلية وصلت أهدافها رغم محاولة الدفاعات الجوية التصدي لها”.

القصف الإسرائيلي لمطار “دمشق”

وتابع: “كما ذكرنا سابقا فإن الميليشيات الإيرانية تعيد انتشارها داخل الأراضي السورية، المنطقة (المستهدفة) يتواجد فيها مستودعات ومنظومة دفاع جوي، وطائرات مسيّرة جميعها يشرف عليها حزب الله اللبناني، والميليشيات الإيرانية”.

من جانبها، أعلنت وكالة الأنباء السورية “سانا”، مقتل خمسة جنود سوريين، فجر السبت، في “هجوم جوي إسرائيلي قرب مطار دمشق”.

قد يهمك: “الموساد” في دمشق.. اهتراء في الجيش أم عصر جديد لـ”حزب الله”؟

ثلاثة أهداف للهجوم الإسرائيلي

معلق الشؤون الأمنية والعسكرية في الصحيفة الإسرائيلية، بن يشاي، نوّه إلى ثلاثة أهداف للهجوم المزدوج الأخير على مطار دمشق ومنطقة الكسوة، تشمل سعي إسرائيل إلى “منع وتعطيل مشروع الصواريخ الدقيقة، وأيضا معاقبة السوريين لاستمرارهم في السماح باستخدام الطيران المدني لنقل معدات قتالية من إيران”.

أما الهدف الثاني، فقد أشار بن يشاي، إلى أنه “لمنع نشوء ميليشيات شيعية، أفغانية وعراقية بشكل أساسي وكذلك محلية، تعمل في سوريا لصالح الحرس الثوري الإيراني”، بينما يركز الهدف الثالث على “إضعاف منظومة الدفاع الجوي للحكومة السورية”.

وشدد بن يشاي، على أن “حزب الله” يحاول تهريب معدات وأجهزة تحديد المواقع التي تسمح للمصانع في سوريا بتحويل الصواريخ “الغبية” إلى صواريخ دقيقة، مستخدما الطيران المدني لنقلها، بسبب صغر حجمها وسهولة إخفائها في حقائب السفر.

قد يهمك: “حماس” تُعيد علاقاتها مع دمشق رسمياً.. ما الذي يحصل؟

معلومات استخباراتية؟

في كلمة ألقاها بعد ساعات من الهجوم الإسرائيلي الأخير على دمشق، بعث الأمين العام لـ”حزب الله”، حسن نصرالله، برسالة تعزية إلى الحكومة السورية، مفادها أن “توحيد قوى المقاومة في المنطقة مطلوب، لأن هذا هو السبيل الوحيد الذي من خلاله سيحصل اللبنانيون، والفلسطينيون، والسوريون على أراضيهم ويستعيدون ثرواتهم من جديد”.

ومنذ العام 2013، يقاتل “حزب الله” اللبناني المدعوم من طهران، بشكل علني في سوريا دعما لقوات الجيش السوري في دمشق. وضمن هذا السياق، أكد مدير “المرصد السوري لحقوق الإنسان”، لموقع “الحرة” الأميركي، إنه يستجيب لمعلومات تحصل عليها إسرائيل تتعلق بنشاط بعض الميليشيات الموالية لإيران.

وأضاف، أن إسرائيل لديها معلومات عن نشاط تلك الميليشيات والسلاح المنتشر هناك، ورجّح أن تكون الهجمات “ربما جاءت استجابة لما لدى إسرائيل من معلومات استخباراتية جعلتها تستهدف تلك المناطق بعينها”.

الجدير ذكره، أن إيران تنفي أي صلة لها بالميلشيات المستهدفة بهذه الضربات الجوية الإسرائيلية في سوريا، بينما تؤكّد وجود عناصر من قواتها العسكرية في سوريا في مهمات استشارية فقط.

مطار “دمشق” تعرض للقصف الإسرائيلي في حزيران/يونيو 2022

ولأجل ذلك كله، وبحسب محللين سياسيين تحدثوا في وقت سابق لموقع “الحل نت”، فإن طهران تريد استخدام “حماس”، تحت بند مصالحها، تماما كما كانت طهران في وقت سابق حاضنة لعناصر وزعماء “القاعدة”، من حيث تحقيق مصالحها المحلية والإقليمية، وتحديدا فيما يتعلق باستخدامها كأداة الضغط ثم التفاوض (والابتزاز في كثير من الأحيان)، ضد الأطراف المتضادة معها.

وأن دمشق واعتمادها على إيران تستثمر باستمرار في علاقتها مع قوى الإسلام السياسي، وبالتالي فإن إعادة العلاقات مع “حماس”، ستكون في إطار توظيفها من أجل القيام بأدوار عدة من حيث الحصول على الدعم من إيران، وأيضا لغرض التحالفات السياسية والإقليمية بينهما، إلى جانب تعبئة دمشق، ذلك في رصيد دعمه للقضية الفلسطينية.

قد يهمك: انسحابات إيرانية من سوريا.. ما حقيقتها؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.