من يدري أن جعفر الصدر، الذي لم يحالفه الحظ بأن يكون رئيسا لحكومة عراقية جديدة تحت عباءة مقتدى الصدر، قد يكون رئيسا للحكومة العراقية في المستقبل بأدواته الخاصة وبزعامة من نوع خاص.

كل شيء جائز في العملية السياسية العراقية، وتحركات السفير العراقي الأخيرة بأسلوب هادئ تلمح إلى ما يفكّر به نجل مؤسس “حزب الدعوة”، محمد باقر الصدر، آخرها حضوره لجنازة ملكة بريطانيا الراحلة، إليزابيت الثانية.

عدسات الكاميرا التي تبث جنازة الملكة، أظهرت حضور السفير العراقي لدى بريطانيا في مراسم الجنازة وبرفقته زوجته ناهدة ملحم، في خطوة من النادر أن يفعلها رجل ينتمي لعائلة دينية شيعية عريقة.

جعفر الصدر مع زوجته في مراسم جنازة الملكة إليزابيث الثانية

حضور جعفر الصدر برفقة زوجته لجنازة الملكة إليزابيث الثانية، هي رسالة صريحة وجّهها لجهات عدة حضرت هذا المجمع الدولي وملايين من الناس راقبت الحدث عبر الشاشات، بحسب الأكاديمي والباحث السياسي، علاء مصطفى.

تسويق للزعامة

جعفر الصدر، هو ابن عم مقتدى الصدر ونجل المفكر والمرجع الديني الراحل محمد باقر الصدر، مؤسس “حزب الدعوة”، الذي أعدمه نظام صدام حسين مع شقيقته نور الهدى عام 1980.

يقول علاء مصطفى، إن جعفر الصدر ومن خلال مسيره بهدوء بعيدا عن الإعلام في المناصب السياسية، حتى وصوله لدرجة سفير فوق العادة لدى بريطانيا، يمشي بخطوات محبوكة ومدروسة بشكل دقيق جدا.

السفير العراقي، هو من تولد عام 1970، وهو حاصل على البكالوريوس والماجستير في علم الاجتماع، اختصاص علم المعرفة من الجامعة اللبنانية.

يحاول جعفر الصدر، من كل خطواته، التسويق لنفسه كزعامة سياسية من عائلة دينية عريقة، وزعامة مجتمعية مؤثرة، لكن بوجه حضاري وبشخصية وسطية ومعتدلة، على حد قول الباحث السياسي، علاء مصطفى.

لدى المرشح السابق لرئاسة الحكومة العراقية -التي لم تلد بعد- شهادة في الدراسات الدينية من حوزتي النجف العراقية وقم الإيرانية، وذلك بين عامي 1995 و2007.

وجود جعفر الصدر كسفير لدى بريطانيا، ليس لغرض وظيفي من الأساس، بحسب مصطفى، بل هو تمهيد لما هو أكبر من ذلك، بتفصيل أدق، هو تمهيد لمشروع الزعامة السياسية، ولتولي رئاسة الحكومة مستقبلا، عبر دعامة دولية غربية.

إرث موسى الصدر

جعفر الصدر عمل بعد 2003، مستشارا لرئيس الجمهورية الراحل، جلال طالباني، عام 2009، ثم فاز بعضوية مجلس النواب العراقي عام 2010، لكنه استقال لاحقا، احتجاجا على “تردي الخدمات” في البلاد.

التركيز على جعفر الصدر قد لا ينحصر من زاوية كونه شخصية عراقية، بل كونه يحمل إرث المغيّب موسى الصدر، باعتبار أن الأخير خال الأول، خصوصا وأن المجتمع البريطاني، مجتمع أرستقراطي، يهتم بموضوعة النسب ومكانة العائلة، وفق علاء مصطفى.

وجوده في المملكة المتحدة وانصهاره مع المجتمع البريطاني، سيدفع بحسب مصطفى، لدعمه وتسويقه دوليا من قبل المملكة المتحدة والغرب، خصوصا وأنه نزع العمامة الدينية وارتدى البزة المدنية، وفكره وسطي، وطموحه مدني ليبرالي، لا يستند لأيديولوجيا إسلامية.

شغل جعفر الصدر العديد من المناصب، إذ أصبح ممثلا دائما للعراق لدى المنظمة البحرية الدولية “IMO” منذ شباط/ فبراير 2020، وسفيرا بوزارة الخارجية العراقية – رئيس دائرة المنظمات والمؤتمرات الدولية، منذ نيسان/ أبريل 2019 وحتى تشرين الأول/ أكتوبر 2019.

فيما بعد، عُيّن جعفر الصدر، سفيرا فوق العادة للعراق لدى المملكة المتحدة منذ تشرين الأول/ أكتوبر 2019، وهو مستمر بمنصبه كسفير للعراق في لندن حتى هذا اليوم.

يرى علاء مصطفى في نهاية حديثه، أن جعفر الصدر يسير بخطى نحو زعامة من نوع خاص، ينصهر فيها الإرث الديني والأسري والعمق المجتمعي والرؤية الليبرالية، وبالتالي التطلع لصورة جديدة تحاكي شخصية لم يحالفها الحظ سياسيا، كونها قد فقدت قوتها بأحداث العنف الأخيرة.

صورة مغايرة لمقتدى الصدر

الشخصية التي فقدت الكثير من قوتها، تتمثل بزعيم “التيار الصدري”، مقتدى الصدر، الذي اعتزل الحياة السياسية،، بعد فشله بتشكيل حكومة أغلبية برئاسة ابن عمه جعفر الصدر، نتيجة عرقلة خصمه “الإطار التنسيقي” لمشروعه، عبر الثلث المعطل.

الثلث المعطل، سببه “المحكمة الاتحادية العليا”، التي ألزمت أن يكون عدد حضور النواب لجلسة انتخاب رئيس الجمهورية الممهدة لتشكيل الحكومة، بأغلبية مطلقة، أي بثلثي أعضاء البرلمان، وليس بأغلبية النصف + واحد.

يبلغ مجموع أعضاء مجلس النواب، 329 عضوا، ووفق أغلبية الثلثين، يجب حضور 220 نائبا، بينما لم يتمكن الصدر سوى من إحضار 200 نائب للجلسة، فعطّل “الإطار” عبر ثلثه اليتيم مشروع الصدر، ما دفع الأخير بتوجيه نوابه للاستقالة من البرلمان.

جعفر الصدر ومقتدى الصدر

بعد ذلك، وصل بدلاء عن المستقيلين من “الإطار” الموالي لإيران، وحاول تشكيل حكومة محاصصاتية، فتظاهر الصدريون ضد ذلك عند المنطقة الخضراء، ليتطور الأمر لعتف وصدام مسلّح بعد فتح ميليشيات “الإطار” النار على المتظاهرين الصدريين.

أعقب ذلك، تدخل فصيل “سرايا السلام” التابع للصدر لحماية المتظاهرين، ودخل في اشتباكات مع الميليشيات “الولائية” داخل المنطقة الخضراء، طوال ليلة 29 آب/ أغسطس المنصرم، أودت بمئات من الجرحى والقتلى، كادت أن تجر العراق لحرب أهلية، قبل أن يأمر الصدر أنصاره بالانسحاب الفوري.

نتيجة ذلك، يبدو أن جعفر الصدر يسير بصورة مغايرة عن ابن عمه مقتدى الصدر، وهو بفكر وثوب مدني بعيدا عن الزعامة الدينية، وبتسويق مخطط لشخصيته عند الغرب، كي يدخل العملية السياسية العراقية، بزعامة من طراز خاص.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.