الخبز هو أحد عناوين معاناة السوريين خلال السنوات الثلاث الأخيرة، حيث النقص الكبير في المخصصات وسوء التصنيع في الكثير من الأحوال، والبيع بأسعار مختلفة ومرتفعة في معظم الأوقات، ومعاناة خاصة مع معتمدي التوزيع الذين يتحكمون بالأهالي في توزيع المخصصات لتكون آخر أعمالهم اقتطاع جزء من المخصصات لبيعها بالسعر الحر أو للمطاعم.

احتيال علني

تقرير لصحيفة “الوطن” المحلية، اليوم الإثنين، أوضح أن معتمدي الخبز يعمدون إلى التلاعب بالخبز بعد أن زادوا في سعر ربطة الخبز ليصبح ضعف سعرها الرسمي ويبلغ 500 ليرة، حيث بدؤوا بلعبة أخرى تتلخص بعدم بيع المستهلك سوى بطاقة واحدة وربطتين فقط مع قيامهم باختصار الزيادة في الربطات لمصلحتهم ليبيعوها بالسعر الأسود حسب مصدر الخبز؛ أو حسب حاجة المستهلك ليبلغ سعر الربطة إذا كان المخبز آليا ألف ليرة، بينما يتراوح سعرها إذا كان مصدرها الأفران الاحتياطية بين 1500 ليرة وألفي ليرة.

ونقلت الصحيفة شكاوى مواطنين، بأن جميع معتمدي بيع الخبز في ريف دمشق أصبحوا يبيعون الربطة بسعر 500 ليرة، مبينة أن هذا أصبح واقعا كما لوحظ عند معتمدي جرمانا، والزاهرة ومناطق أخرى اشتكى سكانها من ذلك، كما أكدوا في شكواهم أنهم لا يستطيعون الحصول على كامل مخصصاتهم من مادة الخبز على البطاقة، حيث يقوم المعتمد ببيع المستهلك فقط ربطتين من أصل 3 أو أربع ربطات حصتهم وخصوصا يوم الخميس.

الصحيفة أشارت إلى أن الشكاوى ذاتها تكررت، وبين المستهلكون أن بعض المندوبين أصبحوا يعتبرون أنفسهم أصحاب سلطة يتحكمون من خلال الخبز برقاب المستهلكين، فلا موعد ثابت للحصول على الخبز من المعتمد ولا تسعيرة معلنة، يضاف إلى كل ذلك أن المعتمدين أصبحوا يعتمدون جملة “سكّر الجهاز” في دليل على أن كمية الربطات المفترض قطعها على الجهاز قد اكتملت لدى المعتمد، في حين أن عشرات الربطات مازالت موجودة في مكانها من دون بيع.

وبحسب المستهلكين، فإن هذه الربطات المتبقية تم قطعها من مخصصات المستهلكين الذين لم يعطوا كامل مخصصاتهم، وبالتالي أصبحت من حق المعتمد الذي يقوم ببيعها بالسعر الحر للمستهلكين أو لأحد المطاعم المتفق معها.

من جهة ثانية، نقلت الصحيفة عن مواطنين تساؤلهم عن السبب وراء اختصار البيع المباشر في بعض الأفران بعد أن كانت تستمر إلى الرابعة عصرا، مبينين أنهم كمستهلكين لم يعودوا يستطيعون الحصول على مخصصاتهم ومؤكدين أن جودة الخبز أصبحت متدنية كثيرا عما كانت عليه في السابق.

إقرأ:دخل بائع الخبز على الطرقات يتجاوز 4 ملايين

توطين الخبز لم يخفض الأسعار

بحسب تقرير سابق لـ”الحل نت”، فقد أعلنت وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، في منتصف نيسان/أبريل الماضي، بدء آلية “توطين المخابز” في محافظتي دمشق وريفها، حيث يمكن للمواطن الذي صدرت بطاقته في ريف دمشق، إذا أراد شراء خبزه من المخبز مباشرة، فيشتريه من مخابز ريف دمشق.

أما من كانت بطاقته “الذكية” الإلكترونية صادرة من مدينة دمشق، فيشتري الخبز من مخابز دمشق، باستثناء الشراء من المعتمدين مفتوح للبطاقات الصادرة من الريف والمدينة، وجاء إعلان الوزارة لهذه الخطوة لتكون سبيلا لتخفيف الأزمة الحاصلة.

وبعد البدء بعملية توطين المخابز في دمشق وريفها بأيام، ارتفع سعر ربطة الخبز عبر “البطاقة الذكية” عند معتمدي الخبز في دمشق وريفها ما بين 350 و500 ليرة، فمنهم من يبيع الربطة بسعر 350 ليرة وهؤلاء قلة، ومنهم من يبيعها بسعر 400 ليرة، وآخرون بسعر 450 ليرة، ونسبة لابأس منهم لم يعد يرضى بسعر 400 أو 450 ولا يرضى بأقل من 500 ليرة للربطة الواحدة.

ووفق التقرير، فإن الاستغلال بات واضحا عند نسبة كبيرة من معتمدي بيع الخبز، خصوصا في ظل الازدحام الحاصل لدى المعتمدين بعد تطبيق التوطين الذي بات ذريعة للمعتمد كي يبيع ربطة الخبز بأسعار غير منطقية وأعلى بكثير مما حددته وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك وهو 250 ليرة للربطة الواحدة.

من جهتهم، يبرر معتمدو الخبز بشكل مستمر رفع أسعاره عن القيمة المحددة، بسبب ارتفاع تكاليف النقل ودفع مبالغ عالية لقاء نقل الخبز إلى بقالياتهم لذا اضطروا إلى رفع سعر ربطة الخبز، وذلك في الوقت الذي يؤكد فيه العديد من المواطنين أن الخبز عند نسبة كبيرة من المعتمدين ليس من النوعية الجيدة، ونتيجة لعدم تخصيص أماكن محددة في البقاليات تخضع لشروط التهوية ووضع الخبز فوق بعضه الآخر، انخفضت جودة الخبز وبات من النوعية الرديئة.

ولفت التقرير أنه بعد تطبيق التوطين حصل ازدحام عند المعتمدين وفي كثير من الأحيان يقصد المواطن المعتمد في التوقيت المحدد فيجد أنه قد باع الكميات المخصصة له، مما يضطره لشراء الربطة من باعة أمام الأفران بسعر 1500 ليرة، ومعظم المعتمدين رفعوا سعر الربطة تحت ذريعة ارتفاع تكاليف نقل الخبز.

قد يهمك:طريقة جديدة لبيع الخبز في دمشق

الخبز بطلب إلكتروني

مأساة السوريين في تأمين مقومات الحياة، وصلت مؤخرا إلى رغيف الخبز، بعد عجز الحكومة عن إيجاد آلية من شأنها إيصال مادة الخبز إلى المواطنين، دون الحاجة إلى الوقوف في طوابير طويلة والانتظار لساعات طويلة، حتى وصل الأمر إلى الحاجة لتقديم طلب إلكتروني من أجل الحصول على الرغيف!

فلا تزال حكومة دمشق مستمرة في قراراتها الخاصة، برفع الدعم الحكومي عن شرائح مختلفة من السوريين، حيث تطال بين الحين والآخر شريحة جديدة من المواطنين. في الآونة الأخيرة، اسُتبعد المهندسون والمحامون، ومن ثم الصيادلة من قائمة الدعم الحكومي، وقبل نهاية حزيران/يونيو الفائت، رُفع الدعم عن أطباء الأسنان، ووصل الحرمان أيضا إلى الأطباء بعدّة اختصاصات مختلفة.

وتشهد البلاد منذ أشهر أزمة في توزيع مادة الخبز، في مؤشر يرسم واقعا معيشيا قاتما، مع ارتفاع صعوبة الحصول على الرغيف في سوريا، في حين يتخوف الأهالي من هذه الخطط، التي قد تكون مؤشرا، أو تمهيدا لرفع أسعار الخبز خلال الفترة القادمة.

وبحسب تقارير سابقة لـ“الحل نت” فإن “ربطة الخبز المكونة من 12 رغيفا، تُباع على بعد أمتار قليلة من المخابز بأربعة آلاف ليرة، أي عشرة أضعاف سعرها المدعوم، وبكثير من الأريحية، وعلى عينك يا تاجر“.

ويضطر الأهالي للتوجه إلى الباعة المتجولين، للحصول على الخبز بشكل أسرع، وذلك بسبب الازدحام الكبير، والطوابير الطويلة أمام المخابز، حيث يضطر المواطن للوقوف حتى خمس ساعات يوميا للحصول على مخصصاته من المادة.

إقرأ أيضا:سوريا.. الحصول على رغيف الخبز بطلب إلكتروني

أزمة غذاء تلوح في الأفق

خطر داهم يحيط بالسوريين إزاء أزمة غذاء قاسية تنتظرهم خلال الفترة المقبلة، فالأمر يتجاوز تأمين رغيف الخبز، الذي يحتاج القمح المنهك بفعل الغزو الروسي لأوكرانيا. هذه الأزمة وإن كانت تتخطى حدود سوريا لتصل إلى العالمية، غير أن سوريا كبلد يعاني من الحرب وإرهاصاتها، سيكون وقع تلك الأزمة كبيرا عليها، بما يتجاوز حدود التقديرات الدولية التي حذرت مؤخرا، وبشكل متكرر من “مجاعة” تهدد السوريين، بحسب “الحل نت”.

في سوريا، يشعر الأشخاص الأكثر ضعفا، والذين يعتمد نظامهم الغذائي بشكل كبير على الخبز المصنوع من القمح بالتأثير السلبي للأزمة الأوكرانية على الأمن الغذائي، ومع دخول البلاد عامها الثاني عشر من الركود الاقتصادي، وصلت الاحتياجات الإنسانية إلى أعلى مستوياتها، حيث ساهم السياق الاجتماعي والاقتصادي المتدهور في أن يعيش حوالي 90 بالمئة من السكان في فقر، ووصل انعدام الأمن الغذائي إلى مستويات تاريخية مرتفعة حيث يقدر أن 60 بالمئة من السكان يعانون من انعدام الأمن الغذائي.

إقرأ:بعد توطين الخبز في دمشق وريفها.. ارتفاع أسعاره للضعف

يذكر أن المحاولات التي تعلن عنها حكومة دمشق من أجل حل أزمة الخبز لا تعدو كونها دعايات تثبت فشلها يوما بعد يوم، وذلك في الوقت الذي تزداد فيه معاناة السوريين في كل نواحي حياتهم.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.