في ظل ارتفاع معدلات الفقر وتراجع قيمة رواتب العناصر الأمنية إلى حدود مقلقة في لبنان، تتصاعد المخاوف في لبنان من انفلات أمني يؤدي إلى فوضى قد تكون القوى الأمنية غير قادرة على ضبطها، لاسيما مع تجاوز سعر صرف الدولار الواحد عتبة الـ 38 ألف ليرة لبنانية.

مؤشر آخر على تلك المخاوف، برز من خلال ما شهدته البلاد خلال الأسبوع الماضي من اقتحامات لعدد من المصارف من قبل مودعين احتجزوا رهائن من أجل استحصال ودائعهم التي تمتنع البنوك من تسليمها إلى أصحابها منذ العام 2019.

 هي ظاهرة يرجح كثيرون أن يكون من الصعب ضبطها بعدما بات القسم الأكبر من هؤلاء المودعين على يقين أنهم لن يحصلوا على أموالهم في وقت قريب في ظل تلكؤ الحكومة، بعد مرور 3 سنوات على الأزمة، في إقرار خطة اقتصادية مالية واضحة تحدد مصير ودائعهم.

بالتوازي مع تلك الأحداث والمؤشرات، تتفاقم معدلات السرقة والسلب، مع ترجيح مصدر نيابي في تكتل نواب “التغيير” أن ترتفع هذه المعدلات مع ارتفاع سعر الصرف وبلوغه مستويات غير مسبوقة.

سيناريوهات من المحتمل قد تدفع إلى فوضى أمنية غير مسبوقة في البلاد، وذلك ما أكده مصدر لبناني مطلع في حديث لصحيفة “الشرق الأوسط” وتابعه موقع “الحل نت“، قائلا إنه “في أثناء طلب البنك من عدد من الخبراء إعداد دراسة عن السيناريوهات المحتمل حدوثها في لبنان في ظل استمرار الأزمة، فقد تم وضع ثلاث سيناريوهات“.

اقرأ/ي أيضا: مقترح نهائي لحل الخلاف الإسرائيلي– اللبناني حول حقل “كاريش”

لبنان قريب من انفلات أمني؟

المصدر الذي فضل عدم الكشف عن اسمه، بين أن “السيناريو الأول فقد تم تجاوزه منذ عامين، أما الثاني فقد بلغته البلاد منذ نحو 6 أشهر، أما السيناريو الثالث؛ وهو أسوأ السيناريوهات التي نخشاها، يتمثل بفلتان أمني كبير قد يجتاح البلاد“.

وأوضح أيضا أن “الانفلات الأمني قد ينطلق من مدينة طرابلس ويمتد إلى المخيمات الفلسطينية على أن يطال كل المناطق، فتعجز القوى الأمنية عن ضبطه وإلقاء القبض على المطلوبين، خصوصاً في ظل الأوضاع المعيشية السيئة جدا التي يرزح تحتها العناصر الأمنيون“.

الصحيفة نقلت كذلك عن المصدر قوله، إن “نواب التغيير وأثناء جولتهم على القوى السياسية ضمن إطار شرح مبادرتهم الرئاسية، نبهوا القيادات السياسية من هذا السيناريو بحيث نكون بصدد أمن ذاتي وزعماء أحياء، والسبيل الوحيد لمنع الوصول إلى هذه المرحلة من الانهيار المسارعة لانتخاب رئيس وتشكيل حكومة وإقرار خطة التعافي وتوقيع اتفاق مع صندوق النقد، وبخلاف ذلك نكون نتجه إلى الفوضى“.

سيناريو، تدعمه تحذيرات وزير الداخلية اللبناني في حكومة تصريف الأعمال بسام المولوي، التي أطلقها في تصريحات صحفية، أشار من خلالها إلى أن “الأزمات الاجتماعية الناتجة عن الواقع المالي والاقتصادي المعروف تجعلنا نتحسب لإمكانية حدوث فوضى“، مشيرا في الوقت ذاته إلى أن “التقارير الأمنية حتى الآن لا تشير إلى حدوث فوضى“.

في مقابل ذلك، اعتبر رئيس مركز “الشرق الأوسط والخليج للتحليل العسكري – أنيغما” رياض قهوجي، أن “القفزات الكبيرة للدولار وبشكل مفاجئ من دون اتضاح أي سقف للارتفاع عوامل فاقمت أوضاع الناس الصعبة أصلاً نتيجة إفلاس الخزينة، وغياب المداخيل وتراكم الديون“.

 قهوجي قال في تصريحات صحفية، إنه “وبعدما أصبحت الرواتب من دون قيمة تذكر، وفي ظل عجز الحكومة عن إعادة النهوض بالبلد والتوجه لتذويب ودائع الناس، بات الخوف حقيقيا من فوضى، سواء تكون نتيجة رد فعل الناس على مآسيهم، أو نتيجة سعي فرقاء داخليين لتأزيم الوضع في مرحلة نهاية العهد لخلق مبررات لإبقاء الرئيس الحالي بالقصر أو تشكيل حكومة بشكل مشوه“.

اقرأ/ي أيضا: بعد سوريا.. تعليمات جديدة لدخول العراقيين إلى لبنان

وجهات نظر تدعم سيناريو الفوضى في لبنان!

رئيس مركز “الشرق الأوسط والخليج للتحليل العسكري – أنيغما” نبه كذلك، إلى أن “الوضع خطير، ويزداد خطورة مع مرور الأيام ما يهدد بخسارة الدولة هويتها وبتداعي كيانها“، وهذا ما اتفق معه رئيس “مركز الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية“، العميد المتقاعد الدكتور هشام جابر.

جابر وعلى الرغم من اعتباره، أن “ما يحصل بموضوع المصارف طبيعي ومنتظر، ومتوقع أن يستمر، وأنه ليس مؤشرا على فوضى أمنية“، لكنه يلفت إلى أن “لانفلات أمني سيزداد يوما بعد يوم ككرة ثلج تكبر بسبب الفقر والحاجة، لكن ما نحن واثقون منه أن الجيش وقوى الأمن قادران على منع الفوضى“.

كما أضاف أنه “كنا ننتظر أسوأ من ذلك أمنيا في السنوات الـ3 الماضية“، مبينا أن “انتخاب رئيس جديد وتشكيل حكومة جديدة وحده يمكنه من استيعاب الوضع ومنع تدهوره“.

يشار إلى أن لبنان يخوض تحديات متواصلة منذ الانتخابات الأخيرة في أيار/ مايو الماضي، نتيجة عدم تشكيل حكومة جديدة حتى الآن، يضاف لها عدم الاتفاق بعد على رئيس جديد للجمهورية، مع اقتراب انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون، وضرورة انتخاب بديل له قبل نهاية المهل الدستورية.

ولا تفصل البلاد سوى أيام معدودة عن موعد بدء المهلة الدستورية لانتخاب رئيس جديد للجمهورية؛ لأن ولاية الرئيس الحالي تنتهي مع نهاية تشرين الأول/أكتوبر المقبل، وحينها ستدخل البلاد في فراغ بمنصب الرئاسة ما لم يتم اختيار رئيس جديد للبنان.

خيار واحد أمام لبنان لتدارك حدوث فوضى

إن تحدي اختيار رئيس جديد للبلاد، يرافقه وجود تحدي تشكيل حكومة جديدة، خلفا لحكومة تصريف الأعمال، التي يترأسها نجيب ميقاتي، المكلف بتشكيل حكومة جديدة في أواخر حزيران/ يونيو المنصرم، لكنه لم ينجح بعد بتشكيلها، نتيجة الصراعات السياسية على شكل الكابينة الوزارية.

تكمن ضراوة الخلافات على تشكيل حكومة جديدة بين المكلف ميقاتي ورئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل، الذي يطالب بتوسعة الكابينة الوزارية لتشمل 30 وزيرا بدلا من 24 وزيرا، في وقت يرفض ميقاتي تلك التوسعة.

مع أزمة الحكومة المقبلة، لا تقل أزمة رئاسة الجمهورية الحالية عن حدتها؛ بسبب عدم الاتفاق على مرشح توافقي للرئاسة، خصوصا مع تعدد الأسماء المطروحة، آخرها ترشح سفيرة لبنان السابقة لدى الأردن، ترايسي شمعون، حفيدة الرئيس اللبناني الأسبق كميل شمعون، للسباق الرئاسي.

وتتوزع الرئاسات الثلاث في لبنان على قاعدة طائفية، عبر منح رئاسة الجمهورية للموارنة من المسيحيين، ورئاسة مجلس النواب للشيعة، ورئاسة مجلس الوزراء للسنة.

وانتخب الرئيس الحالي ميشال عون في تشرين الأول/ أكتوبر 2016 رئيسا للجمهورية بعد عامين ونصف من شغور المنصب، بدعم من “حزب الله“، القوة السياسية والعسكرية النافذة في البلاد، في إطار تسوية سياسية بين أبرز زعماء الطوائف.

ومن شأن الوضع في لبنان الغارق منذ 3 سنوات في انهيار اقتصادي غير مسبوق، أن يتدهور أكثر في حال حصول شغور في منصب رئاسة الجمهورية مجددا، كون ذلك سيزيد من شلل المؤسسات الرسمية المنهكة أساسا.

اقرأ/ي أيضا: مواجهة عسكرية قريبة بين إسرائيل و”حزب الله”؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.