حسب بعض الدراسات العلمية، فإن زواج الأقارب يورث أكثر من 82 مرضا، مثل الإجهاض المتكرر، والإعاقات المتعددة، والتلاسيميا، وفقر الدم المنجلي. ونتيجة لقلة الوعي لدى المقبلين على الزواج لمواجهة هذا الواقع الخطير، وارتفاع تكاليف الفحوصات الطبية قبل الزواج، ازدادت نسبة هذه الأمراض، وأشار المجلس العلمي لاختصاص التوليد وأمراض النساء في سوريا، إلى أنه من 60 إلى 70 بالمئة من الإعاقات في سوريا ناتجة عن زواج الأقارب.

إحصائيات

إحدى ضحايا زواج الأقارب، تحدثت لصحيفة “البعث” المحلية، يوم أمس الإثنين، عن معاناتها من مرض التلاسيميا، نتيجة زواجها من عمها. فقالت: “حياتنا عبارة عن غرفة عمليات في مشفى، حالة طوارئ مستمرة، ومراجعة أسبوعية للطبيب، وعلاج يومي بتكلفة كبيرة، كل هذا لأنني تزوجت ابن عمي، وكلانا حامل للتلاسيميا، لتتحول حياتنا وحياة طفلينا إلى جحيم”.

من جانبه، أوضح مدير مركز التلاسيميا في دمشق د. ياسر مخللاتي أنه ووفقا لآخر إحصائية فقد بلغ عدد مرضى “فقر الدم المنجلي والتلاسيميا” الذين يتلقون علاج نقل الدم على امتداد سوريا 5800 مريض، منوّها إلى عدم وجود إحصائيات تبيّن العدد الحقيقي لحَملة التلاسيميا أو كما يُعرف بـ”الحامل الصامت” الذي لا يظهر إلا عند الفحص.

رئيس المجلس العلمي لاختصاص التوليد وأمراض النساء في سورية د. رفائيل عطا الله، فقد أكدن أنه من 60 إلى 70 بالمئة، من الإعاقات في سوريا سببها زواج الأقارب، وأن التلاسيميا وفقر الدم المنجلي، من الأمراض الأكثر انتشارا في سورية، لافتا إلى ضرورة تضمين الفحص الطبي قبل الزواج التحليل الطبي الخاص بهما.

عطا لله، بيّن أن المريض يبدو سليما ظاهريا، أما فعليا فقد يكون حاملا للمرض، ولا يتم ملاحظة أي مشكلة لديه، إلا عند زواجه من إحدى قريباته الحاملة للمرض، وعندها ستكون النتيجة 25 بالمئة، من الأولاد مصابين و25 سليمين، و50 بالمئة، حاملين للمرض كأبويهما، وبالتالي ظهور المشكلة ذاتها عند هؤلاء الأطفال مستقبلا عند زواجهم من إحدى قريباتهم، على حد وصفه للصحيفة المحلية.

قد يهمك: المخابر تخاف من الدولار وتحاليل زواج السوريين بـ100 ألف

الفحوصات غير كافية؟

في السياق ذاته، أشار عطا الله، إلى أن الفحص الطبي يمكن أن يكشف التلاسيميا والمنجلي، بينما لا يمكنه كشف باقي الأمراض، ووفق عطا لله، فقد شدد على ضرورة الإقلال من زواج الأقارب من أجل حماية الأولاد من الأمراض الناجمة عن هذا الزواج، والتي يصل عددها إلى 1000 مرض وراثي، وخاصة مع عدم توفر التحاليل اللازمة لكشفها.

من جانبه، قال مدير مركز التلاسيميا في دمشق د. ياسر مخللاتي، أن مرض التلاسيميا خطير ورحلة العلاج طويلة وصعبة، وبالتالي يحذّر من زواج الأقارب، خاصة أن بعض الأطفال قد لا يستجيبون للأدوية، لأسباب مختلفة، والنتيجة ستكون حتما حياة غير طبيعية.

ولفت مخللاتي، إلى قصر أعمار المرضى، حيث لا تتعدى أعمار الذين تجاوزوا الـ50 ممن يتلقون العلاج في المركز وفق ملاحظاته أصابع اليد، فالأغلبية من المرضى يتوفون بأعمار تتراوح ما بين 25 و30 سنة، على حد وصفه للصحيفة المحلية.

قد يهمك: 10 اختصاصات طبية مفقودة في مشفى سوري.. ما الذي يحصل؟

طرق إنهاء المرض

في سياق إنهاء هذا المرض أو التقليل منه، أوضح مخللاتي، أنه بالإمكان ذلك عن طريق إجراء تحليل بسيط لا تتجاوز تكلفته 30 ألف ليرة، هو “رحلان خضاب كهربائي”، لكشف المرض، وأكد أن هناك حالات تصادفهم كثيرا أثناء عملهم، فالبعض وعلى الرغم من معرفتهما بوجود المرض إلا أنهما يتزوجان، وخاصةً في بعض البيئات التي تكون فيها ابنة العم لابن عمها منذ الصغر، ما يجعل الفحص الطبي قبل الزواج في مثل هذه البيئات تحصيل حاصل، لعدم الاعتراف به أو أخذ نتيجته على قدرٍ من المسؤولية.

كما وشدد مخللاتي، على ضرورة اتخاذ خطوة مهمة بالتعاون مع المحاكم الشرعية، تتمثل بمنع تسجيل وتثبيت الزواج في المحكمة في حال كان الطرفان حاملين للمرض، علما أن تطبيق هذا الإجراء يتخلله الكثير من الصعوبات، لأن البعض يكتب كتابه (عرفي أو شيخ) ويحدث حمل، ليضطر القاضي لاحقا لتثبيت الزواج حتى لو كانا مريضين.

مخللاتي، أوضح أن أكثر المناطق انتشارا لفقر الدم المنجلي في سوريا، هي “الجنوبية والجولان والمنطقة الساحلية”، بينما تنتشر التلاسيميا على كامل الجغرافية السورية، لافتا إلى انتشار أمراض أخرى، ناجمة عن زواج الأقارب، كمشكلات نقص السمع أو الصمم.

في المحصلة، قانونيا لا يوجد ما يمنع هذا الزواج لأسبابٍ مرضية، على الرغم من الأرقام المرعبة لضحاياه، لذلك يجب على المواطنين أخذ الأمر على محمل الجد، وأن تأخذ الجهات المعنية على عاتقها توعية الناس لمخاطر زواج الأقارب على الأسرة والمجتمع، من خلال الندوات والمحاضرات وغيرها.

قد يهمك: ارتفاع غير مسبوق للتحاليل الطبية بسوريا

تحاليل الزواج

في سياق متّصل، أكد رئيس هيئة المخابر الطبية السابق غسان شنان، أن ارتفاع أسعار الخدمات والتحاليل في المخابر الطبية، يعود إلى أن “معظم المواد المستخدمة في المخابر هي مستوردة، وتتأثر بسعر صرف الدولار أمام العملة المحلية“.

شنان، أضاف في لقاء سابق مع إذاعة “شام إف إم” المحلية، إن زيارة المخابر من قِبل المرضى تراجعت كثيرا خلال السنوات الماضية، وذلك على الرغم من أهمية عمل المخابر في مساعدة الأطباء على تشخيص الأمراض وتحديد حالة المريض بدقة.

وأردف شنان، “المواطن غير قادر على تحمل كلفة المخابر الطبية، ونتيجة لارتفاع الأسعار أصبحت بعض المخابر تستخدم مواد رخيصة وذات جودة منخفضة، ما تسبب بتراجع مستوى الخدمات المقدمة في المخابر“.

ولفت شنان، إلى غياب الرقابة على عمل المخابر، وذلك بسبب إلغاء هيئة المخابر الطبية بقرار من وزارة الصحة، الأمر الذي “لا يوجد له مبرر” حسب قوله.

وحول أسعار التحاليل في المخابر، أوضح شنان، أن تكلفة تحليل “ما قبل الزواج” أصبحت تصل إلى مئة ألف ليرة سورية، فيما تبلغ كلفة تحليل السكر 2500 ليرة، بعدما كان لا يتجاوز مئة ليرة قبل عام 2011، في حين تبلغ كلفة تحليل فيتامين سي 30000 ليرة، وتحليل فيتامين “ب12” 30 ألف، أما تحليل هرمونات الدرق بـ18000 ليرة.

مخبر مشفى “باسل” “إنترنت”

من جانب آخر، وفي ظل اعتماد المستشفيات والمخابر السورية، في الوقت الحالي على الأجهزة الطبية المستعملة المستوردة من الخارج بوسائل غير نظامية، قال مدير المختبرات في وزارة الصحة السورية، مهند خليل، في تصريحات صحفية سابقة، إن المخابر السورية تمر بصعوبات مما يؤدي إلى ظهور نتائج خاطئة في بعض الاختبارات المخبرية، مشيرا إلى أن عدم وجود ضوابط “كونترولات”، يعني أن نتائج التحليلات ليست مضمونة بنسبة 100 بالمئة.

الجدير ذكره، أن القطاع الطبي الحكومي يشهد، أوضاعا سيئة، تتمثل بـ“الإهمال في تقديم الرعاية اللازمة للمرضى“، كما أن الهجرة في القطاع الطبي، طالت مؤخرا الممرضين، إلى بلدان أخرى كالعراق ولبنان، وبعض المستشفيات فقدت ما يقارب 50 بالمئة، من موظفيها خلال العشر سنوات الماضية.


قد يهمك: “عشر سنوات لجمع المَهر”.. عن التكاليف الباهظة للزواج في سوريا

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.