على الرغم من إطلاق حكومة دمشق وعودا، تتعلق بضبط أسعار السلع الأساسية والمواد الغذائية، بعد قرار رفع سعر صرف الدولار في البنك المركزي، انعكس قرار البنك على الأسواق بشكل سلبي، في مؤشر على عجز الحكومة عن التدخل إيجابيا في الأسواق.

تقرير لصحيفة “الوطن” المحلية، أكد أن قرار رفع سعر الدولار، ألقى بظلاله على الأسواق السورية، حيث شهدت الأسعار ارتفاعا يتراوح بين 300-500 ليرة، لأغلب السلع كالألبان والأجبان والمواد الغذائية المعلّبة.

ارتفاع في الأسعار

الجهات المعنية في الحكومة، وكأنها تعيش في عالم موازي، حيث أصدرت أول أمس الإثنين بيانا، أكدت فيه أن قرار البنك المركزي في سوريا، لن يؤثر على أسعار المواد الأساسية، كالقمح والأدوية النوعية، وحليب الأطفال، المستوردة من مؤسسات الدولة فقط.

بدوره أوضح مدير الأسعار في وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، نضال مقصود، أنه لم يصدر أي تعديل على الصكوك السعرية وعلى نشرات الأسعار الصادرة أبدا عقب رفع سعر الصرف من البنك المركزي، مؤكدا أن الأسعار تُعدل وفق التكاليف الفعلية والسعر يُبنى على التكلفة الفعلية، لافتا إلى أنه أي مخالفة للأسعار الصادرة من التجار سيتم ضبطها من مديريات حماية المستهلك.

كذلك بيّن نائب رئيس جمعية حماية المستهلك في دمشق وريفها، ماهر الأزعط، أنه بشكل تلقائي، أي قرارات تصدر عن الحكومة بالنسبة للأسعار ومنها قرار رفع سعر صرف الدولار من البنك المركزي، سيؤثر في الأسعار وليس بناء على نسبة الارتفاع الحاصلة.

قد يهمك: حليب الأطفال في سوريا.. رفاهية مسبقة الدفع!

ولفت، إلى أن نسبة كبيرة من التجار بدأوا بعمليات الاحتكار عقِب قرار رفع سعر الصرف لحين أن تتضح الصورة بشكل أكبر بالنسبة لهم، مشيرا إلى أن توقيت رفع سعر الصرف غير مناسب حاليا، وخصوصا أن هناك تغيرات بشكل يومي في أسعار المواد.

لكن تصريحات المسؤولين الحكوميين، لم تمنع أسعار السلع من القفز خلال الأيام القليلة الماضية، الأمر الذي اعتبره الخبير الاقتصادي والأستاذ في كلية الاقتصاد بجامعة دمشق، الدكتور شفيق عربش، “أمر متوقّع جدا“.

وأضاف عربش، في تصريحات للصحيفة المحلية: “رفع سعر صرف الليرة أمام الدولار يؤدي حتما إلى رفع سعر صرف الدولار الجمركي، وهذا بدوره يؤثر في كل رسوم عمليات التخليص الجمركي للبضائع المستوردة، وبالتالي ستكون النتيجة ارتفاعا كبيرا بالأسعار “.

ووصف عربش، وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك بأنها أدارت ظهرها للحقيقة ورأت فقط ما تريد أن تراه عندما أصدرت تعميمها الأخير، لأن الواقع مختلف تماما عمّا نشرته، مشيرا إلى أنه لم يكن هناك أي مبرر لرفع سعر الصرف لأنه مخالف للسعر الذي اعتمدته الحكومة في موازنة عام 2022.

وتابع الأستاذ الجامعي: “فإذا كانت مبررات الحكومة هي إحداث تقارب ما بين السعر الرسمي للصرف وسعر السوق الموازي، فكان من الأولى أن يكون السعي متجها نحو تخفيض سعر السوق الموازي ليقترب من السعر الصادر عن مصرف سوريا المركزي، وإن كانت سياسة الحكومة هي التضييق على السيولة في سبيل منع المضاربة فهذا يسمى موقف الشخص العاجز عن التأثير بالسياسة النقدية، ويدل على أن إجراءات السوق السوداء وطريقة التعامل فيها أقوى بكثير من إجراءات الحكومة“.

وفي سياق متصل، أكد عضو مجلس الشعب زهير تيناوي، أن توقيت رفع سعر الصرف من مصرف سورية المركزي لم يكن مناسبا وموفقا، وخصوصا في ظل الظرف الحالي الذي نشهد فيه موجة كبيرة من الغلاء، وعدم تناسب الدخل مع متطلبات الحياة والمعيشة حيث إن الفجوة بين دخل المواطن والأسعار توسعت بشكل أكبر بعد قرار رفع سعر الصرف، مشيرا إلى أن حالة التضخم الموجودة حاليا لا تتناسب بالمطلق مع مستويات الدخول والمعيشة.

وأضاف بأنه، لا وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك ولا مديرياتها في المحافظات قادرة على ضبط الأسعار في الأسواق دون أن تتأثر بالمجمل برفع سعر الصرف “وأنا أراهن على هذا الأمر»، والفلتان في الأسواق بدأ يظهر بشكل جلي حاليا“.

وأوضح لـ“الوطن”، أن التسعير في الأساس يتم بناء على سعر الصرف في السوق السوداء وليس بناء على سعر الصرف في المصرف المركزي، ولكن اليوم أصبح هناك مبرر من أجل أن تزداد المضاربة بسعر القطع الأجنبي الموجود في السوق السوداء.

وزاد بالقول: “حتى بالنسبة للمواد التي يشملها تعديل السعر بما يوازي التعديل الذي أصدره المصرف المركزي، هي مواد غذائية وأساسية ستطرح في الأسواق مثل القمح الذي ينتج عنه الدقيق والخبز والمعجنات والصمون والكعك وغيره، وبالتالي ستتأثر أسعارها وترتفع عِقب رفع سعر الصرف من المركزي، إضافة إلى أسعار الأدوية ومتطلباتها من مواد أولية لازمة لصناعة الدواء ستتأثر كذلك برفع سعر الصرف، إضافة إلى الزيوت بكل أنواعها عدا زيت الزيتون وبعض المواد الغذائية الأخرى“.

وحول ما ذكرته وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، بأن رفع سعر الصرف لن يؤثر إلا في المواد التي يتم تمويلها من المصرف وهي حصرا القمح، والأدوية النوعية، وحليب الأطفال، توقّع عربش، ألا يكون هناك زيادة في أسعار هذه المواد ولكن سيتم تعويض هذا الفرق من خلال رفع أسعار سلع مدعومة والمرشح للارتفاع، هو أسعار المشتقات النفطية.

بنك سوريا المركزي رفع الإثنين، سعر الصرف الرسمي إلى 3015 ليرة للدولار، في حين أن سعر السوق السوداء المستخدم في معظم الأنشطة الاقتصادية هو حوالي 4575 ليرة، وكان السعر الرسمي لليرة قبل الخفض 2814 للدولار

في هذا السياق، وحول وضع سعر الصرف الرسمي في المصرف المركزي السوري، لا يعتقد الدكتور في العلوم المالية والمصرفية والباحث الاقتصادي، فراس شعبو، أن يكون هناك أحد اليوم يتعامل مع أسعار المركزي السوري، أو أي ورقة رسمية تابعة لحكومة دمشق، وخاصة الحوالات الخارجية، مستدركا بالقول: “فمثلا سعر الصرف في البنك المركزي ثلاثة آلاف، بينما في السوق السوداء حوالي أربعة آلاف ونصف، فمن هو العاقل الذي سيبدل الـ 4.5 آلاف بـ 3 آلاف“. علما أن كلا المكانين مفتوحين، ولا توجد قيود صارمة على السوق السوداء.

وفي حديث سابق لـ “الحل نت“، اعتبر شعبو، أن هذا اعتراف واضح من قِبل المصرف المركزي السوري، بأن السعر الذي يحدده، هو سعر “غير حقيقي“، حتى لو كان خجولا، لكنه اعتراف ضمني بأن السعر الذي يضعه “غير واقعي“، وغير متداول به في البلاد.

تداعياته على الواقع المعيشي

في سياق تأثير هذا الانخفاض على قيمة الليرة السورية، قال شعبو، إن هذا الأمر سينعكس على الأسواق بشكل عام، من ارتفاع الأسعار إلى مستويات كبيرة، على الرغم من أن ارتفاع الأسعار لا يزال يحدث بطريقة دراماتيكية، وعدم قدرة البنك المركزي على التدخل، أو إبداء أي قدرة على استخدام أي وسيلة للسيطرة على أسعار الصرف، مما يعني أن المركزي غير قادر على فعل أي شيء بشأن الليرة، الأمر الذي سيُلقي بظلاله على المشهد السوري الحياتي بالتأكيد.

قد يهمك: الأسواق في سوريا لـ“الفرجة والمفاصلة” فقط؟!

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.