لم يعد التدخل الإيراني في الملف العراقي بالأمر الخفي، فقد أكده “الإطار” الذي حاول نفي التدخل، وتأكيده لتدخل طهران جاء من حيث يدري ولا يدري، فيما توضح من جهة أخرى حسم مرشح رئاسة جمهورية العراق، ولكن بالخفاء حتى الآن.

في التفاصيل، أراد علي الفتلاوي، عضو “تحالف الفتح”، وهو الجناح العسكري لميليشيا “بدر”، نفي أي تدخل لطهران في الشآن العراقي، لكنه كشف من خلال تفيه، عن تدخل علني لإيران بالملف العراقي.

الفتلاوي قال في لقاء متلفز، ليلة البارحة، إن “إيران لم تتدخل بالعملية السياسية خلال الفترة الماضية مطلقا”، لكنه استدرك بإشارته إلى أنها طلبت من بغداد، كبح جماح تركيا والسعودية والإمارات وبريطانيا وأميركا من التدخل في العراق، وهو ما يؤكد أن طهران باتت تتدخل بشكل علتي بالملف العراقي.

وبحسب الفتلاوي، فإن “الإطار التنسيقي” متمسك بترشيح محمد شياع السوداني، لرئاسة حكومة عراقية جديدة؛ كون أن “الإطار” من حقه الاختيار؛ لأنه يتواجد في الساحة السياسية، ودستوريا يحق له ترشيح رئيس للحكومة، معتبرا ترشيح السوداني لا يحمل أي رسالة استفزازية لمقتدى الصدر.

حديث الفتلاوي يخالف الواقع، كون أن زعيم “التيار الصدري”، مقتدى الصدر، رفض شياع السوداني، منذ أن رشّحه “الإطار” لرئاسة الحكومة، نهاية تموز/ يوليو المنصرم، بل وخرج الجمهور الصدري بتظاهرات رافضة للسوداني.

لقاء مرتقب في الحنّانة

من المفترض أن يلتقي القيادي في “الإطار”، هادي العامري، ورئيس إقليم كردستان، نيجرفان بارزاني، ورئيس البرلمان العراقي، محمد الحلبوسي، بزعيم “التيار الصدري”، مقتدى الصدر في منزله بالحنّانة في النجف خلال الأيام القادمة، لبحث إشكالية الأزمة السياسية الراهنة، ووالسعي لأخذ مباركته بتشكيل حكومة جديدة.

في السياق، اجتمع مرشح “الإطار” لرئاسة الحكومة الجديدة، محمد شياع السوداني، أمس الثلاثاء، مع 60 نائبا من مختلف الكتل السياسية في كافتريا البرلمان العراقي، لمناقشة مشروعه الحكومي، قائلا في بيان، إن اامخرجات كانت إيجابية.

ويرجح مراقبون، رفض الصدر مباركة حكومة يقودها السوداني، خاصة مع التحشيد الكبير من التشرينيين وجمهور “التيار الصدري”، للخروج بتظاهرات كبرى مطلع الشهر المقبل في ساحة التحرير ببغداد، رفضا منهم لتشكيل أي حكومة إطارية مقبلة؛ لأنها ستسلم العراق بحسبهم، إلى إيران.

“الإطار التنسيقي” يرغب بعودة عقد جلسات البرلمان مجددا، سعيا منه لتشكيل حكومة إطارية توافقية محاصصاتية جديدة، قبل موعد التطاهرات المرتقبة، في وقت يرجح مراقبون صعوبة حدوث ذلك الأمر، نظرا لضيق الوقت.

في سياق ذات الملف، تواصل القوات التابعة لحمايات عدد من مسؤولي وقيادات “الإطار”، بناء حواجز كونكريتية كبيرة على طول المنطقة الخضراء، وخلفها سياج حديدي، لتأمين الحاجز الكونكريتي الثالث عند مدخل مبنى البرلمان العراقي، بهدف عرقلة اقتحام المنطقة الحكومية في حال قرر المتظاهرون العبور من ساحة التحرير نحوها.

مِنَ “البارتي” أم “اليكتي”؟

فيما يتعلق بملف المرشح لرئاسة الجمهورية، الذي هو من حصة الكرد، يبدو أن المنصب قد حُسم بالخفاء، وتلاشى الصراع الشرس سابقا بين الحزبين الكرديين على المنصب، وهما “البارتي” بزعامة مسعود بارزاني، و”اليكتي” بقيادة بافل طالباني.

ما يؤشر لحسم المرشح لمنصب الرئاسة، تصريح للقيادي في “البارتي”، وفاء محمد، ليلة البارحة، بقوله في لقاء تلفزيوني، إن الطرفين توصلا لاتفاق على مرشح بالتوافق بينهما، مبينا أن نسبة 70 بالمئة سيكون المرشح من قبل “اليكتي”، ولكن ليس برهم صالح.

كان “البارتي” رشح وزير داخلية إقليم كردستان، ريبر أحمد لمنصب رئاسة الجمهورية، فيما رشّح “اليكتي”، الرئيس الحالي برهم صالح للمنصب مجددا، قبل أن يتم التخلي عنهما على ما يبدو لصالح مرشح مقبول من الحزبين الكرديين.

وفاء محمد، أكد أن المرشح جاهز للمنصب، لكن لن يتم الإعلان عنه، لحين نجاح “الإطار التنسيقي”، بعقد جلسة برلمانية، بعد حسمه لملف تشكيل الحكومة المقبلة، وما أن تُعقد الجلسة، سيتم الإعلان عن اسم المرشح الرئاسي بشكل فوري داخل قبة البرلمان.

واشتدّت وتيرة الأزمة السياسية العراقية، في 30 تموز/ يوليو الماضي، عندما اقتحم جمهور “التيار الصدري”، المنطقة الخضراء حينها، وأقاموا اعتصاما مفتوحا من داخلها وأمام مبنى البرلمان العراقي، بعد 72 ساعة من الاقتحام الأول لهم للخضراء، الذي لم يتجاوز 5 ساعات قبل أن ينسحبوا بتوجيه من زعيم “التيار“، مقتدى الصدر وقتئذ.

قتلى وجرحى بالمئات

العاصمة العراقية بغداد، شهدت في 29 آب/ أغسطس الماضي، تصعيدا صدريا على إثر إعلان زعيم “التيار الصدري” مقتدى الصدر، اعتزاله الحياة السياسية نهائيا، من خلال اقتحام آنصاره لكل بقعة في المنطقة الخضراء، وأهمها القصر الجمهوري، قبل أن يتطور المشهد لصراع مسلح.

الميليشيات “الولائية” هاجمت أنصار الصدر لتفريقهم وإخراجهم من الخضراء، فتدخل فصيل “سرايا السلام” التابع للصدر للدفاع عن المتظاهرين الصدريين، واندلعت مواجهة مسلحة داخل الخضراء منذ ليل 29 آب/ أغسطس، وحتى ظهر 30 آب/ أغسطس، عندما دعا الصدر في مؤتمر صحفي، أتباعه للانسحاب وإنهاء اعتصاماتهم.

جراء العنف المسلح، سقط 40 قتيلا و700 جريح، وانتهت اعتصامات الحمهور الصدري بعد شهر من خروجها أمام البرلمان للمطالبة بحله وإجراء انتخابات مبكرة جديدة.

تأتي الأزمة السياسية العراقية، نتيجة لصراع سياسي دام لأكثر من 10 أشهر منذ انتهاء الانتخابات المبكرة الأخيرة، وفوز الصدر فيها وخسارة “الإطار” الموالي لإيرلن، الذي وقف بوجه مشروع “التيار الصدري“، عندما سعى إلى تشكيل حكومة “أغلبية”.

بعد الانتخابات المبكرة، ذهب “التيار الصدري” بقيادة الصدر، إلى تشكيل تحالف ثلاثي مع الحزب “الديمقراطي الكردستاني” وتحالف “السيادة” الجامع لأغلب القوى السنية، وسمي بتحالف “إنقاذ وطن“.

فشل “إنقاذ وطن”

“إنقاذ وطن”، أصر بـ 180 مقعدا نيابيا على الذهاب نحو تشكيل حكومة “أغلبية” تستثني مشاركة كل “الإطار التنسيقي” أو بعض أطرافه، في وقت استمر الآخير بالدعوة إلى حكومة “توافقية” يشترك فيها الجميع، وذلك ما لم يقتنع به الصدر، ولم ينجح في ذات الوقت بتمرير مشروعه.

الفشل في تمرير مشروع حكومة الأغلبية، جاء بسبب عدم تمكن التحالف الثلاثي من حشد النصب القانوني لجلسة انتخاب رئيس الجمهورية في 3 مناسبات، والذي تكمن أهمية انتخابه في تكليف مرشح الكتلة الأكبر بتشكيل الحكومة، ودونه لا يمكن المضي بحكومة جديدة.

سبب الفشل كان إلزام “المحكمة الاتحادية العليا” -التي لجأ إليها “الإطار” صاحب 83 مقعدا نيابيا بالتصدي لمشروع الأغلبية- البرلمان العراقي بعقد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية بحضور ثلثي أعضاء المجلس، أي 220 نائبا من أصل 329، وفقا للدستور.

بعد ذلك، شهد العراق انسدادا سياسيا أضطر الصدر للانسحاب من العملية السياسية، وتوجيه أعضاء كتلته بالاستقالة من البرلمان في 12 حزيران/ يونيو الماضي، لتستبشر قوى “الإطار” بعدها بسهولة تشكيل الحكومة، وهذا ما لم يحدث إلى الآن

ما منع “الإطار” من تشكيل الحكومة، توجيه الصدر لأنصاره بالنزول إلى الشارع، مجرد أن أعلن “الإطار” توصله إلى تفاهمات داخلية أفضت لترشيح السياسي محمد شياع السوداني، لرئاسة الحكومة لتشكيلها وفق عملية التوافق والمحاصصة، وهو الأمر الذي رفض الصدر تكراره جملة وتفصيلا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.