“يريدلَه وْلِيد مني”. قد لا يشكل الزواج الثاني مفاجأة لدى العراقيين، لكن اللافت هو الارتفاع الكبير لحالات الزواجات الثانية مؤخرا، وتعدّد أسبابه، غير أن غرابة بعض تلك الأسباب، تكون “لا عَالبال ولا عُالخاطر” في بعض الأحيان.

من بين القصص الغريبة والعجيبة، هو بحث بعض الأزواج عن مولود ذكر؛ رغم أن الزوجة الأولى ليست بعاقر مطلقا، وهذا ما واجهته مع زوجها، مريم عادل، التي تقطن محافظة ميسان، جنوبي العراق.

سجلت السلطات القضائية العراقية، 3961 حالة زواج من امرأة ثانية، خلال النصف الأول من العام الجاري 2022، حسب بيان لإعلام “مجلس القضاء الأعلى”، نُشر اليوم الخميس.

“مسحور”

محافظة نينوى شمالي العراق، حلّت أولا بـ 618 حالة زواج من امرأة ثانية، تلتها محافظة صلاح الدين بـ 440 حالة، ثم البصرة جنوبي البلاد، جاءت ثالثة بـ 432 حالة زواج من امرأة ثانية، فيما حلّت كربلاء أخيرا بـ 74 حالة فقط.

“جبتله 3 بنيّات، بس يريدله وليد”، تقول مريم التي تبلغ من العمر 40 عاما، لتردف بالكلمات التالية: “گتله اليجي من الله خير، بس هو راكب راسه، ومصر إنو آنه ما أجيبله الوليد لو شما يصير”.

قرّر علي جاسم، الزواج للمرة الثانية لتحقيق مبتغاه بمولود ذكر؛ نتيجة قناعته، بأن مريم لن تلد له أي ذكر، وأنه مهما قرّرا الإنجاب ستلد له المزيد من البنات. “لو مسحور لو الخرافات راكبته “، تقول مريم لـ “الحل نت” عن زوجها.

ارتأت مريم الطلاق من زوجها، لكن أهلها رفضوا ذلك، وتعزو السبب إلى الحالة المادية العسيرة لدى أهلها، مقارنة بزوجها المقاول والتاجر، فاضطرت مرغمة أن تبقى معه، خاصة وأنه أسكن زوجته الثانية في بيت آخر.

القضاء العراقي، أرجع بعض أسباب ارتفاع الزواج الثاني، في بيانه الذي نشره اليوم الخميس، إلى “العقم أو الإصابة بالأمراض المزمنة والمشاكل الصحية التي تعاني منها الزوجة.

علاقة المحاكم

هنالك أسباب أخرى متعلقة بالزوج تدفعه للزواج الثاني، وهي الرغبة بالزواج والقدرة المالية والجسدية على الزواج من زوجة أخرى، حسب تقرير أوردته صحيفة “القضاء” العراقية، نهاية شهر حزيران/ يونيو المنصرم.

تتحمل المحاكم العراقية، المسؤولية الكبرى إزاء ارتفاع الزواجات الثانية للرجال من النساء، بحسب القانوني ليث التميمي، الذي يردف بأن المحكمة لا تهتم لرأي الزوجة الأولى إن رفضت أن يتزوج عليها زوجها.

المحكمة لا تأخذ رأي الزوجة الأولى على محمل الجد، تأخذه للاستئناس فقط، وما يجعلها توافق على الزواج الثاني للرجل، هو مردوده المادي، إن كان بمقدوره الصرف على عائلة ثانية، ستوافق على زواجه مباشرة، وفق التميمي.

تلك الحالة مرّت بها الشابة نور سالم، التي تقف على أعتاب الـ 30 عاما، عندما رفضت أن يتزوج عليها زوجها، فلم تنظر لها المحكمة بعين الاعتبار. “القانون وما يحمينا، شنو اللي بدينا بعد”.

“بطران”، بتلك العبارة تتحدث نور التي تسكن العاصمة العراقية بغداد، عن زوجها بعد زواجه بشابة تصغرها 5 أعوام عليها. تقول لـ “الحل نت”: “فلوسه مكوّمة وما يعرف وين يودّيها، وراح تزوّج عليّة”.

تعديلات “البعث”

“العقلية الذكورية، والسعي لتطبيق الشريعة الإسلامية”، هي أسباب كانت وراء عودة ظاهرة الزواج من امرأة ثانية في العراق، على حد تعبير العضوة السابقة في “لجنة المرأة” النيابية، ريزان الشيخ دلير، في تصريح صحفي سابق.

لا يملك العراق إلى الآن أي قانون يضمن أو يعاقب على العنف الأسري، وفق دلير التي تحدثت أيضا، عن آثار الوضع الاقتصادي الذي “يلعب دورا مهما في هذا الجانب، حيث تدفع العائلات الفقيرة بناتهم إلى الزواج تحت أي ظرف”.

الباحثة الاجتماعية، فيروز فريد، تؤكد لـ “الحل نت”، أن العراق يحتاج لسن قوانين تتعلّق بظاهرة الزواج الثاني، عبر منع زواج القاصرات والزواج الثاني، وتعديل أو إلغاء المواد القانونية التي تسمح للرجل بالزواج الثاني دون موافقة الزوجة الأولى.

سابقا، كان لا يجوز الزواج بأكثر من امرأة واحدة في قانون الأحوال الشخصية العراقي رقم 188 لسنة 1959، إلا بإذن المحكمة، والتي تشترط إعطاء الإذن وفقا لتحقق شرطين، الأول أن تكون للزوج كفاية مالية لإعالة أكثر من زوجة واحدة، والثاني أن تكون هناك مصلحة مشروعة.

لكن “مجلس قيادة الثورة”، إبان حكم نظام “حزب البعث” بقيادة صدام حسين، أجرى تعديلات قانونية، سمحت لمن يتزوج على زوجته بأرملة أو يعيد مطلقة إلى عصمته بعد أن كان قد تزوج بالأخرى، الزواج دون حاجة للحصول على إذن من المحكمة، واستمرت تلك التعديلات حتى اليوم.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة