في الوقت الذي تشهد فيه العديد من المدن الإيرانية احتجاجات مناهضة للمرشد الإيراني علي خامنئي، إثر مقتل الشابة مهسا أميني على يد شرطة الأخلاق بحجة سوء ارتدائها للحجاب، حرك النظام الديني أنصاره في مسيرات مساندة له، محتكما للشارع في مواجهة مضادة لموجة السخط الشعبي العارم، في وقت ارتفع فيه عدد ضحايا التظاهرات إلى 50 شخصا، بحسب منظمات إيرانية مختصة في مجال حقوق الإنسان.

مع توسع رقعة التظاهرات العامة في إيران ووصولها لأكثر من 80 مدينة، تزايد تضامن بعض الدول والشخصيات العالمية المختلفة مع تلك الاحتجاجات، وقد دخلت الجهود المبذولة لتوفير الإنترنت عبر الأقمار الصناعية، لمواجهة حملة الرقابة الإيرانية.

واشنطن أعلنت في 24 من الشهر الجاري، بأنها خففت قيود تصدير التكنولوجيا المفروضة على إيران لتوسيع الوصول إلى خدمات الإنترنت التي قيدتها الحكومة بشدة، وسط حملة لقمع التظاهرات المستمرة ضدها منذ أسبوع، احتجاجا على وفاة شابة أثناء احتجازها لدى شرطة الأخلاق.

اقرأ أيضا: ما بعد الثورة الإسلامية الإيرانية.. نحن جيل مهسا أميني!

وزارة الخزانة الأميركية اعتبرت أن قطع طهران للإنترنت، محاولة لمنع العالم من مشاهدة حملتها العنيفة ضد المتظاهرين السلميين، وقال نائب وزير الخزانة والي أدييمو، في بيان له إن الإجراء الجديد سيسمح لشركات التكنولوجيا بتوسيع نطاق خدمات الإنترنت المتاحة للإيرانيين، ومع تزايد خروج المحتجين إلى الشارع، ستضاعف الولايات المتحدة دعمها لتدفق المعلومات بحرية إلى الشعب الإيراني.

الاحتجاجات الإيرانية ستنعكس على الوضع العراقي خاصة ما يتعلق بملف تشكيل الحكومة، والأمر سيلقي بظلاله أيضا على الأطراف السياسية والميليشيات الموالية لطهران، بحسب مختصين.

التظاهرات المستمرة في المدن الإيرانية ستنعكس بشكل إيجابي على الأوضاع العراقية، بحسب حديث مسؤول العشائر العربية في العراق، ثائر البياتي، لـ “الحل نت”، لأن إيران كانت دائما تصدر مشاكلها لدول الشرق الأوسط مثل العراق وسوريا ولبنان والبحرين واليمن، بهدف إبعادها عن مدنها وترتيب وضعها الداخلي، لكنها الآن منشغلة جدا وتهتم فقط بكيفية إيجاد السبل لإنهاء الاحتجاجات الداخلية عبر استخدام جميع الطرق، ومنها القمع المفرط.

الضعف الإيراني سيؤثر على القوى الموالية لطهران في العراق، وفق البياتي، وسيفقدها خيار تشكيل الحكومة وهذا الأمر سيخدم الصدر وفريقه.

“الإطار التنسيقي” الذي يضم القوى السياسية الموالية والمقربة من إيران، رشح محمد شياع السوداني، لمنصب رئاسة الحكومة العراقية، لكن هذا الترشيح لاقى ردود فعل غاضبة في الوسط السياسي والشعبي، فـ “التيار الصدري” الذي يتزعمه مقتدى الصدر، يرفض هو وأنصاره تولي السوداني رئاسة الحكومة، ويصر على حل البرلمان العراقي وإجراء الانتخابات الجديدة، ويتهم “الإطار التنسيقي” بأنه مواليا لإيران.

إيران ومعها “الحرس الثوري”، تقوم بدعم مجموعة من الميليشيات العراقية، أبرزها “كتائب حزب الله” و”عصائب أهل الحق” و”حركة النجباء”، وميليشيات أخرى تتواجد في العراق وسوريا وتتمتع بنفوذ واسع في العراق.

في حال ضعف النظام الإيراني أو انشغل بترتيب أوضاعه الداخلية، فأن هذا الأمر سيؤدي حتما لضعف دور الميليشيات العراقية، وقلة نفوذها وانحسار دعمها.

منظمات غير حكومية تنشط من خارج إيران، نددت بالعنف الذي تتبعه الأخيرة في قمع المحتجين، بينما تشهد شبكة الإنترنت في كل أنحاء البلاد اضطرابات وانقطاعات متكررة، حيث وثقت منظمة “حقوق الإنسان لإيران”، غير الحكومية ومقرها في أوسلو، مقتل ما لا يقل عن 50 شخصا في حملة تشنها قوات الأمن الإيرانية لقمع الاحتجاجات الأخيرة، وقالت إن ارتفاع الحصيلة جاء بعد مقتل ستة أشخاص بنيران قوات الأمن في بلدة ريزفانشهر في محافظة غيلان، مساء الخميس الفائت، مع تسجيل وفيات أخرى في بابل وآمل.

الاحتجاجات شملت نحو 80 مدينة منذ بدء التظاهرات قبل أسبوع، بحسب المنظمة، وهنالك منظمات حقوقية أخرى أشارت  إلى سقوط قتلى في محافظة كردستان (شمال) التي تنحدر منها أميني، مطالبة المجتمع الدولي بالوقوف إلى جانب الشعب الإيراني في مواجهة أحد أكثر الأنظمة قمعية في العالم.

مطالب المنظمات الحقوقية، جاءت عقب تحذيرات شديدة اللهجة من قوات “الحرس الثوري” الإيراني ووزارة الاستخبارات. انضم إليها الجيش الإيراني الذي قال في بيان له، بإنه سيتصدى للأعداء الذين يقفون وراء الاحتجاجات، في تحرك قد يشير إلى القمع الذي سحق احتجاجات في الماضي.

فرصة للقوى المعارضة

الاحتجاجات الإيرانية ستكون فرصة مهمة للقوى الوطنية العراقية، للوقوف بوجه الميليشيات الموالية لطهران، وفق حديث الكاتب والمحلل السياسي، ريبين سلام، لـ “الحل نت” والذي يرى بأن الميليشيات معتمدة في نفوذها وقوتها على الدعم الإيراني، لذلك فأن هذه الاحتجاجات هي فرصة لـ “قوى تشرين” والتحالفات السياسية الأخرى، للوقوف بوجه “الإطار التنسيقي” الذي يريد فرض إرادته.

كلما انشغلت إيران بوضعها الداخلي، ضعف دور الميليشيات والقوى الموالية لها في العراق ودول المنطقة، وهذا الأمر مهم جدا لمنع تشكيل الحكومة الجديدة وفقا للأهواء والرغبات الإيرانية، بحسب سلام.

عشية عودته إلى طهران في 22 من الشهر الحالي، قال الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، خلال مؤتمر صحافي على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، بإنه سيتم بالتأكيد فتح تحقيق في حادثة مقتل أميني وأن تقرير الطبيب الشرعي لم يشر إلى انتهاكات ارتكبتها الشرطة، مضيفا إذا كان هناك طرف مذنب فلا بد من التحقيق في الأمر بالتأكيد. بحسب ما نقله موقع “مونت كارلو الدولية”.

الاستعانة بالميليشيات العراقية

إيران استعانت بمجموعة من الميليشيات العراقية، أبرزها كتائب “حزب الله” و”النجباء”، لغرض قمع الاحتجاجات في المدن الإيرانية، ومنها الأهواز، وفق مصادر “الحل نت” في المنطقة.

في ظل تواصل التدهور الاقتصادي وارتفاع معدلات الفقر في إيران، ارتفعت حدّة الاحتجاجات في البلاد، وفق ما كشفت تقارير صحفية في 23 من أيلول/سبتمبر الحالي، إذ تحدثت عن موجة مظاهرات جديدة وإضرابات عمّت مختلف مناطق البلاد وقطاعاتها الحيوية.

الاحتجاجات والإضرابات تواصلت وسط شرائح مختلفة، بدءا من طلاب المدارس في الأهواز، وإلى المزارعين والطلبة الجامعيين في أصفهان، إضافة إلى تجمعات احتجاجية في العاصمة طهران وغجساران.

مدينة أربيل عاصمة إقليم كردستان العراق، شهدت أيضا احتجاجات أمام مقر “الأمم المتحدة” من قبل الجالية الإيرانية في العراق، للتضامن مع ما يجري في الأراضي الإيرانية، والوقوف ضد سياسة طهران.

وتخطى وسم مهسا أميني باللغتين الفارسية والإنجليزية حاجز 30 مليون تغريدة على تويتر، في رقم قياسي لجميع التغريدات المتعلقة بإيران.

مناضلو إحدى الحركات الثورية الإيرانية، أحرقوا في مدخل مدينة شيراز بطهران الكبرى، لافتة كبيرة تحمل صورا لخميني وخامنئي، مرددين مطالباتهم بـ ”الموت لخامنئي”، وفق ما أفاد به تقرير لـ “منظمة مجاهدي خلق”  الإيرانية المعارضة.

الأزمة السياسية في العراق تشهد استمرارا للخلافات الداخلية، نتيجة عدم الاتفاق، وخاصة بين “الإطار التنسيقي” و”التيار الصدري” بزعامة مقتدى الصدر، على تشكيل الحكومة الجديدة.

الصدر يرفض مشاركة “الإطار التنسيقي” بالحكومة، فيما شهد العراق مؤخرا تظاهرات شعبية واحتجاجات كبيرة داخل “المنطقة الخضراء” التي تضم مباني حكومية ومقر البرلمان العراقي.

اقرأ أيضا: كيف يوظف النظام الإيراني الاحتجاجات في استمرار بقائه؟

هذا وتنتشر مجموعة من الميليشيات العراقية على الشريط الحدودي بين العراق وسوريا، ووجهت لهم اتهامات مختلفة بالقيام بمجموعة من جرائم القتل والخطف في عدد من المناطق في العراق.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.