بعد الفوز الكبير الذي حققه تحالف الأحزاب اليمينية في السويد والذي دفع رئيسة الوزراء مجدلينا أندرسون إلى الاستقالة، عادت قضية اللاجئين والمهاجرين إلى الواجهة السياسية في البلد، الذي ما يزال يتربع على عرش أوروبا كأحد أكثر البلدان مقصدا للقادمين عبر الحدود باسم اللجوء.

عقب فرز النتائج تقدمت مجدلينا أندرسون، رئيسة الوزراء السويدية والتي خسرت كتلتها (الوسط واليسار) أكثرية نيابية لصالح تكتل اليمين بأحزابه الأربعة باستقالتها، حيث أوكلت مهمة تشكيل الحكومة لرئيس البرلمان (الريكسداج) برئيسه أندرياس نورلين، للإشراف على العملية.

 من ناحيته يشدد تكتل اليمين الفائز بالأغلبية النيابية بواقع 176 مقعد على الاتفاق الذي التفّت حوله الأحزاب الأربعة، وهي حزب “ديمقراطيي السويد” وحزب “المحافظين” و”الحزب المسيحي الديمقراطي” إضافة للحزب “الليبرالي”، هذا الاتفاق الذي يضع محددات عامة لسياسة الهجرة في الحكومة الجديدة من خلال مجموعة من القرارات والإجراءات، كالحد والعمل على إيقاف منح الإقامة الإنسانية لطالبي اللجوء، وأيضا إضافة تقوية شرط اللغة ومعرفة المجتمع السويدي وذلك في سبيل الحصول على الإقامة الدائمة، كما أن الاستثناءات المتعلقة بشروط الإقامة الدائمة أكد التحالف بأنها ستكون محدودة للغاية، وهو الأمر ذاته المتعلق باستثناءات متطلبات الدخل في موضوع لم الشمل وتشديد متطلبات الإعالة فيها.

انتصار اليمين فتح الباب أمام التكهنات والتساؤلات حول سياسة الحكومة الجديدة، خاصة فيما يتعلق بملف اللاجئين، والذي يعتبر من أكثر الملفات سخونة في السويد وتحديدا بعد أزمة العام 2015. حيث شددت الحكومة سابقا على وجوب ترحيل كل من لا يحق لهم البقاء في السويد، وتشديد إجراءات قبول طلبات اللجوء فيما رفض تلك التي يثبت عدم أحقيتها. كان رئيس حزب المحافظين والذي سيتولى رئاسة الوزراء للحكومة الجديدة، قد تحدث على أن التحالف الحزبي عازم على الحد من الهجرة ضمن خطة من 7 نقاط، والتي بدوره وصفها رئيس حزب “ديمقراطيو السويد” جيني أكيسون، بأنها “حدث تاريخي”.

واقع يزداد صعوبة

لا شك بأن صعود اليمين في دول أوروبا مؤخرا، يعد مؤشرا على التوجه العام في القارة ومستقبلها في واقع عالمي متأزم ألقى بظلاله على الأوروبيين، والذي وجد البعض في اليمين ملاذا من أزمات تعصف بالعالم ومنها أزمة اللجوء. يقول باسم، أحد الشباب السوريين المقيمين في السويد والذي حصل على الجنسية السويدية مؤخرا، خلال حديثه لـ “الحل نت” بإنه لا يتوقع أن يحدث هذا التغيير الكبير في السياسة السويدية في موضوع اللجوء، حيث يرى أن الحكومات السابقة شددت أساسا قضايا الهجرة، فالحكومات السابقة وحتى حكومة أندرسون الأخيرة، لم تكن منفتحة في موضوع اللجوء، بل أن هناك حالات كثيرة تم رفضها أو تعليقها كانت بالسابق مجرد روتين يحصل من خلالها طالب اللجوء على إقامته وبعدها على الجنسية. وعن أصوات اللاجئين يرى باسم والذي صوّت للحكومة الحالية كونها غير “كارهة” للاجئين بحسب تعبيره، بأن هناك فئات من اللاجئين أنفسهم صوتت لليمين، هؤلاء ومثلهم كثيرون يساهمون في زيادة حالة الكراهية للاجئين، مع أنهم كانوا نفسهم لاجئين ويعلمون معاناة من جاء إلى هنا، أستغرب حقيقة كيف يمكن أن يصوت البعض لمن يشتمهم في برامجه الانتخابية.

لا يرى أمجد، أحد الشبان السوريين المقيمين في السويد، خلال حديثه لـ “الحل نت” بصعود اليمين مؤشرا إيجابيا على السوريين واللاجئين بشكل عام، حيث يرى أن تشديد الشروط يعني زيادة الصعوبات والمتطلبات حول الإقامة الدائمة ومن ثم الجنسية، ويعيد دائرة المعاناة للسوريين.

 انتخاب اليمين بهذا الشكل الكبير يعني خطرا على اللاجئين وإقاماتهم، وفق أمجد، قد لا يحدث ترحيل مباشر لكن بالتأكيد هناك تضييقات، ومع هذا الواقع أصبح الحال صعبا حقا علينا، أصبحنا نشعر بعدم الرغبة بوجودنا من خلال قوانين متتالية لا تنتهي عن اللاجئين وشروط إقاماتهم التي لا تتوقف.

لم أعد أرى هذه البلاد بأنها مأوى حقيقي منذ زمن، لكننا جئنا هربا وطلبا لحياة أفضل يقول أمجد، فوجدنا أنفسنا نغرق بشروط ومحددات للحياة، باتت صعبة حقا على الأجنبي الذي يعيش في هذا البلد، فكيف والآن جاء حزب يميني يعادي اللاجئ من الأساس.

أمل سعيفان، سورية تعمل محاسبة في أحد المخازن، تقول في حديثها لـ “الحل نت” إن السياسة الجديدة تستهدف من وصفتهم “بالعاطلين” الذين يستغلون الدولة ومزايا اللاجئ، دون أن يطوروا من أنفسهم أو يساهموا في العمل أو حتى إتقان اللغة، من خلال تجربتها صادفت سعيفان كثير من الأشخاص الذين لم يتعلموا اللغة السويدية حتى الآن، بل أنهم لا يعرفون بأبسط قواعد المجتمع والحياة هنا، هؤلاء يشكلون عبئا على الدولة هنا وعلى اللاجئين الآخرين أيضا، بحسب تعبيرها.

 لا أعتقد أن أحدا يعمل أو أتقن اللغة واندمج أو يدرس سيتم ترحيله أو حتى التعرض إليه، بحسب سعيفان. الأصوات المتصاعدة ضد اللاجئين كثيرة نعم وتزداد، لكنها بغالبيتها موجهة ضد أولئك الذين يتقوقعون على أنفسهم، يستفيدون من الدولة دون أن يقدموا شيئا إما في دراسة أو في عمل.

جيمي أكسون، رئيس حزب “ديمقراطيو السويد”، كان قد تحدث في وقت سابق، أنه على بلاده العمل على إعادة المهاجرين لبلادهم في حال كانوا يستفيدون من معونات الدولة دون أن يندمجوا، حيث نشرت صحيفة “أفتون بلاديت” نقلا عن أكسون، وعن المتحدث باسم سياسة اللجوء لوفديك أسبلنج، قولهم بإنه، منذ العام 2010 منحت السويد تصريح إقامة لأكثر من 1.2 مليون ما يعادل أكثر من سكان ستوكهولم نفسها، بينما البطالة بين صفوف الذين ولدوا في الخارج هي خمسة أضعاف أولئك الذين ولدوا في السويد.

يمين متطرف يواصل زحفه في القارة

زحف اليمين واليمين المتطرف، بات واقعا يصعب مواجهته حتى سياسيا مع الوقت، مع قدرة هذه الأحزاب على اجتذاب الناخبين والأصوات على الرغم من تطرف بعضها. يعزو السيد بنجامين غوريس، أستاذ العلاقات الدولية في معهد العلوم السياسية في باريس، في حديثه لـ “الحل نت” هذا النجاح اللافت إلى زيادة الشرخ بين المجتمعات الأوروبية والمجتمعات المهاجرة، مع ازدياد أعمال العنف من قبل بعض الشرائح من المهاجرين. هناك بطبيعة الحال نوع من التململ من ممارسات بعض المهاجرين، ينعكس ذلك بطريقة سريعة على المستوى السياسي من خلال اللجوء إلى الأصوات اليمينية المعارضة لوجود هؤلاء المهاجرين، يغذيها الخطاب العنصري المتعالي من هذه الأحزاب

اقرأ أيضا: الدنمارك تستعد لنقل لاجئين إلى رواندا.. ما خطر ذلك على السوريين؟

 للظروف الاقتصادية دور هام بحسب غوريس، في صعود اليمين والذي يراه كثير من الأوروبيين سواء في السويد أو بلد آخر أحد نتائج موجات اللجوء المتعاقبة، أيضا الواقع الاقتصادي الصعب الذي يعيشه العالم ينعكس على خيارات الناس، فالصعوبات الاقتصادية ترمي بثقلها على هذه العلاقة من خلال أن المهاجر بنظر الأوروبي اليميني، هو إنسان يشاركه حياته ولقمة عيشه، وأنه لا يعمل بالتالي هو يعيش على حسابه والظروف الاقتصادية الحالية لا تساعد.

 يلعب المهاجرون دورا بطبيعة الأحوال برسم شكلهم في المجتمعات التي تستضيفهم، فبعيدا عن الأصوات اليمينية بطبيعتها والتي تتبنى الفكر المتطرف، فإن هذه الصورة تشكل العامل المهم في قبول الإنسان السويدي أو الأوروبي عموما للمهاجر، من خلال تعاطيه مع البلد المضيف وثقافته.

يرى غوريس أن المستقبل يشي بمكانة واسعة لليمين المتطرف في أوروبا، نرى كيف استطاع اليمين أن يكسب الانتخابات في السويد، وهنا في فرنسا لأول مرة يستطيع التجمع الوطني الدخول بـ 96 نائب في الجمعية العمومية الوطنية، أيضا في إيطاليا هناك اليمين يعتلي السلطة قريبا، هذا تحد ليس فقط أمام اللاجئين بل حتى الأوربيين أنفسهم في تساؤل عن طبيعة نظمهم السياسية في ظل عودة الأفكار اليمينية بقوة، وأيضا النظم المجتمعية مع أصوات تدعو إلى إغلاق الباب المفتوح للهجرة، ما يعني بعض الإشكالات المجتمعية الممكنة.

سحب للإقامات

في دراسة أجرتها مجلة “نافوس” السويدية ونشرت على موقع الـ “بي بي سي” في أيلول/ سبتمبر الماضي، أظهرت أن حوالي الـ 80 بالمئة من اللاجئين كانوا قد أمضوا إجازاتهم في بلدانهم الأصلية من سوريين وعراقيين وغيرهم. هذه الظاهرة التي وصفتها المجلة بأنها باتت تستدعي إعادة النظر في فكرة منح الإقامات والحماية طالما أنه هناك من يذهب لبلده وهو فار منها بحسب المجلة. في حديثها لـ “الحل نت” وصفت السيدة سيلفي براكستون، والتي تعمل في مؤسسة الهجرة السويدية “ميجراشن سفيركت” الوضع وكأنه نزهة بالنسبة لبعض اللاجئين الذين يذهبون في الإجازات لبلادهم وهم يحملون إقامات لجوء منها. من الصعب والمضحك معا أن يكون هناك من يحمل إقامة لجوء وتم منحه إقامة، لأنه هارب من بلده إما بسبب الحرب أو أنه مُلاحق، ثم يذهب ويقضي إجازته هناك.

 في الحقيقة يشكل ذلك حالة من الإلحاح لمراجعة الملفات، وتجريد من لا يستحق من حقه في الإقامة لو أن ذلك قد يبدو غير إنساني، لكنه يبدو ضروريا في بعض الأحيان، وفق براكستون، فمن غير المعقول أن يتم دراسة ملف بأكمله من قبل أجهزة المؤسسة المعنية باللاجئين والموافقة على الإقامات وما يترتب عن ذلك من تجهيزات منزلية وبرامج تعليم واندماج، ثم يتبين أنه لا يوجد سبب لهذه الحماية.

 وعن صعود اليمين ورؤيته للمهاجرين واللاجئين وإعادتهم تقول براكستون، لا أحبذ أن يتم معاقبة اللاجئين بشكل جماعي، واتخاذ خطط ستؤثر سلبا على حياة كثيرين فيما لو تم اتخاذها فعلا، الأمور ليست بهذه السهولة فهناك إجراءات طويلة وروتينية، لكن يبدو أن الحكومة الجديدة المزمع تشكيلها تضع الهجرة واللجوء كأولوية لها، والأصوات التي حصلت عليها كبيرة وملفته.

تلك الإجراءات المزمع تطبيقها من الحكومة الجديدة لا يراها المستشار القانوني روماني بطرس، بأنها قابلة للتطبيق بالحذافير حين قال في حديث سابق أن آلية تشكيل القوانين ومداتها الزمنية في السويد والتي تمتد بين طرح مشروع القانون وإقراره، تتراوح بأقل تقدير لسنة لذا فإن فكرة ترحيل اللاجئين أو أي تغيير في سياسة اللجوء تبقى مستبعدة.

 أرى أنه هناك مبالغات في موضوع التشكيل الحكومي والتخوف من قبل اللاجئين، أو حتى من حصلوا على الجنسيات والحديث بأنه سيتم سحب الجنسيات، أقول هذا الكلام غير صحيح وغير قابل للتطبيق، قانونا يمكن أن يتم سحب الإقامات سواء دائمة أو مؤقتة، لكن ذلك يتطلب قائمة طويلة من الشروط وليس بالسهولة التي يتم تداولها بين الناس ووسائل التواصل.

وعن الآلية القانونية يرى بطرس، أنه ليست كل القوانين قابلة للتطبيق بسلة واحدة، إضافة إلى أن الآراء داخل المجتمع تؤخذ كلها بعين الاعتبار. هنالك قوانين عدة تُناقش ويُشطب بنود منها كما هو الحال بالنسبة للتعديل الأخير بقانون الهجرة، حيث تم النقاش حول شرط اللغة من أجل الإقامة الدائمة، لكن الشرط لم يعمل به وتم تجميده بعد خلاف حول آلية تطبيق الشرط وقياسه.

يأخذ اليمين المتطرف خطواته المتسارعة في السياسة الأوروبية، فالسويد ليست الأولى ولا يبدو أنها الأخيرة في أوروبا التي ستفتح بابها لليمين المتطرف والفكر القومي الشعبوي، ما يعني أن قضية اللجوء واللاجئين في طريقها لأن تواجه مزيد من الصعوبات والتعقيدات والقوانين التضييقية بحقهم، بعد سنوات من أزمات مهاجرين متتالية كانت ذروتها في العام 2015 والتي بدأت مخرجاتها تطفو على طاولة التقييم الأوروبي لسياسة الاستقبال التي فتحتها على مدى العقد الماضي خاصة للسوريين.

اقرأ أيضا: السويد تنافس تركيا في تجنيس السوريين.. القصة الكاملة

ومع الأرقام العالية للعاطلين عن العمل، إضافة لبعض الإشكالات المتعلقة بطبيعة الحياة الخاصة بمجتمعات اللاجئين، ونسب الولادة المرتفعة، إلى جانب عدم الاندماج الواسع بسوق عمل منتظم، كل هذا جعل من اللاجئين قضية إشكالية في السياسة الأوروبية، جعلت من أحزاب اليمين تحرز تقدما وقبولا أكبر لدى الناخب الأوروبي.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.