ثلاثة أيام قضاها أحمد العبسي، وهو يبحث عن مسكّن للأورام في صيدليات مدينة حلب، وهو دواء اعتادت والدته على أخذه، لكنه فُقد مؤخرا من الصيدليات، حيث يؤكد العبسي، أنه يعاني كثير خلال الأشهر الماضية للحصول على بعض الأدوية من الصيدليات.

فقدان تام لبعض الأدوية

ويقول العبسي، في حديث مع “الحل نت“: “بعض الأدوية فُقدت تماما من الصيدليات فضلا عن الأسعار الخيالية، بالأمس هناك صيدلي وعدني بتأمين الدواء المطلوب ولكن عن طريق التهريب، العديد من الأصناف أصبحت تباع بشكل غير نظامي، ويتم إدخالها مهرّبة وبأسعار تزيد عن أسعارها الرسمية“.

انتشرت مؤخرا ظاهرة تهريب العديد من أصناف الأدوية، منها الأدوية النفسية ومسكنات “الأورام الخبيثة“، إضافة إلى أصناف استهلاكية توقفت المعامل المحلية عن إنتاجها لأسباب عديدة، أبرزها ارتفاع تكاليف الإنتاج.

من جانبها أفادت صحيفة “الوطن” المحلية، بأن مفارز الجمارك السورية، نفّذت جولات على صيدليات في العاصمة دمشق لمصادرة الأدوية المهربة، حيث انتشرت ظاهرة بيع الأدوية في الصيدليات، إلا أن نقابة الصيادلة تدخّلت لوقف دخول دوريات الجمارك إلى الصيدليات.

وأكد العديد من الصيادلة أن حجم الأدوية في معظم الصيدليات لا يتجاوز 10 بالمئة، وسبب وجودها هو طلب الأطباء هذه الأنواع من الأدوية.

وبحسب ما نقلت الصحيفة المحلية عن الصيادلة، فإن: “مطالبة الجمارك للصيدلي في البيان الجمركي غير منطقية لأن هذه البيانات يحتفظ بها المستورد، وتطلب منه عند إدخال البضائع وليس من الصيدلاني، وهو ما يستدعي التركيز على مدخلي الأدوية المهرّبة للسوق المحلية ومتابعة مستودعاتهم وعدم التركيز على النافذة الأخيرة في مبيع الأدوية، خاصة أن دخول الجمارك للصيدلية يثير استغراب المواطنين كما يثير الشائعات والشبهات حول الصيدلية، وهو ما يتسبب بضرر مباشر للصيدلية.”

قد يهمك: ظروف صعبة على الصناعة السورية.. “الحال واحد عالكل“!

باستياء واضح يعبّر العبسي، عن استغرابه من فقدان بعض الأدوية التي قد تنقذ حياة إنسان من الصيدليات، ويزيد بالقول: “والدتي تنتظرني منذ ثلاثة أيام لإحضار دوار المسكّن، هل من المعقول أنني سأضطر للجوء للمهربين للحصول على الأدوية!“.

تقرير “الوطن”، أشار نقلا عن مصادر في الجمارك، أن الفترة الماضية، “شهد ضبط كبيرة لتخزين الأدوية قبل ترحيلها وبيعها في السوق المحلية ومنها مستودعات بريف دمشق، حيث تبيّن أن الأدوية في المستودع من دون بيانات جمركية أو بيانات قديمة تعود لسنوات، وتم استغلالها لإدخال كميات إضافية من الأدوية“.

ارتفاع قادم للأسعار

ويتخوف الأهالي من ارتفاع محتمل لمعظم أصناف الأدوية خلال الفترة القادمة، لا سيما مع توقّف المعامل عن إنتاج العديد من الأصناف، تزامنا مع انتشار الأدوية المهرّبة.

“الصيادلة تطلب أسعار مضاعفة لبعض الأصناف وحليب الأطفال” تقول مها السيد، في معرض حديثها عن معاناتها في إيجاد بعض مضادات الالتهابات وحليب الأطفال من الصيدليات، إذ تعاني الأسواق من فقدان شديد لحليب الأطفال خلال الفترة الماضية.

وتقول السيد، في حديثها لـ“الحل نت“: “حتى حليب الأطفال فُقد من الصيدليات، آخر ثلاث علب اشتريتها كانت بسعر 22 ألف ليرة سورية للعلبة الواحدة، قبل نحو 10 أيام، في حين أن الأسعار كانت لا تتجاوز 17 ألف قبل شهر فقط“.

كذلك تشير السيد، إلى أنها وجدت صعوبة قبل أسبوع في الحصول على بعض المضادات الحيوية، إلى أن أخيرا اشترته من صيدلية، حيث قال لها إن الدواء مهرّب لذلك عليه زيادة في سعره بنسبة 20 بالمئة.

وتعبّر السيد، عن مخاوفها من احتمالية رفع أسعار حليب الأطفال وبعض أصناف الأدوية خلال الفترة القادمة، وتقول: “تعودنا على أن أي مادة يتم فقدانها في الأسواق، فهي مقدمة لتوفيرها لاحقا لكن بأسعار مختلفة، أسعار الأدوية ارتفعت أكثر من أربع مرات منذ بداية العام الجاري“.

وكانت نقابة صيادلة طرطوس، أكدت قبل أيام، أن منتجات “نستله“، مقطوعة حاليا، في الصيدليات وهي حليب “نان، وكيكوز، ونيدو“، لكن هذا لا يعني أن جميع أنواع حليب الأطفال مقطوعة، إذ ثمة بدائل كثيرة أخرى عربية وأوروبية.

وبحسب ما أوضح أحد الصيادلة لـ“الحل نت“، فإن فقدان هذه المنتجات جاء نتيجة ارتفاع سعر الدولار، وبالتالي ارتفاع تكاليف هذه المنتجات، ما جعل معظم الصيادلة يعزفون عن شراءه وبيعه بالأسعار الواردة في النشرات الرسمية، التي لا تتناسب مع الأسعار الحقيقية.

أصبح تأمين الدواء بالنسبة للمرضى في سوريا، هاجسا يهدد حياة أصحاب الأمراض المزمنة والنفسية، وذلك بين فقدان العديد من أصناف الأدوية، وبين ارتفاع أسعارها، الأمر الذي يعرّض المرضى للابتزاز من أجل الحصول على دواء قد ينقذ حياتهم.

واردات الأدوية

سبب تضرر واردات الأدوية يعود بحسب الصيادلة، للتخفيضات الكبيرة في ميزانية الصحة الحكومية منذ عام 2011. بالإضافة إلى انخفاض قيمة الليرة السورية، مما جعل بعض الأدوية باهظة الثمن. وما يعقّد الوضع، أن سوريا لا تملك المال لاستيراد الأدوية. كما أن وكالات الأمم المتحدة تكافح للحصول على مساعدات بنحو 1.4 مليار دولار للحصول على الأدوية والمعدات الطبية.

تعاني المشافي في سوريا، من عدم توافر الكثير من المستلزمات الطبية التي تحتاجها المشافي والمراكز الصحية لتوفير خدماتها للمريض، حيث أكد بعض المرضى أن الكوادر الطبية، تطلب منهم تأمين بعض المستلزمات الطبية والأدوية من خارج المشفى لإتمام أي خدمة طبية.

بدوره أكد معاون مدير مشفى ابن النفيس في دمشق، وجود نقص في العديد من أصناف الأدوية والمستلزمات الطبية في المشافي، وقال: “هناك مواد غير موجودة منذ فترة طويلة بسبب الاستجرار المركزي المطبق في كل المؤسسات الصحية في البلاد منذ سنوات“.

كذلك أشار رئيس قسم الإسعاف في المشفى، ظافر سلوم، في تصريحات صحفية سابقة، إلى أن “هناك مواد مضى على فقدانها أكثر من عامين، ومنها القساطر التي يحتاجها عمل قسم الإسعاف، إضافة إلى الكفوف المعقّمة، حيث يقوم الأطباء بخياطة الجروح، وهم يضعون على أيديهم كفوف نايلون عادية لا تصلح لذلك“.

وحول المواد المفقودة، أضاف سلوم: “هناك فقدانا للسيرومات السكرية، وأحيانا تنقطع السيرومات المختلطة والملحية لفترات طويلة، حتى المشارط غير متوافرة، وهناك أربطة الشاش الخماسية، وما هو موجود من أربطة شاش سيئ، ومضت سنتان لم يكن الجبس متوافرا ولكن الآن تم توفيره، وهناك فقدان في مادة الأتروبين أدريانيين لفترة، والآن عادت إلى التوافر بشكل قليل“.

ونتيجة لانهيار الوضع الاقتصادي، وغياب التدخل الحكومي الإيجابي في أزمة القطاع الطبي، يسعى معظم الأطباء والعاملين في المجال الطبي، للبحث عن فرصة للهجرة، والعمل بأجور أفضل خارج سوريا.

تضييق مشافي الحكومة

تقارير إعلامية تحدثت من معاناة الكوادر الطبية، لا سيما العاملين في قطاع المشافي الحكومية، ففضلا عن ضعف الرواتب، حيث يعاني الأطباء من ضغط كبير في العمل والمناوبات، والتي تصل في بعض المشافي إلى أربع أو خمس مرات أسبوعيا، ما يعني أن الطبيب محروم من ممارسة أي عمل آخر.

عشرات الأطباء المقيمين في المشافي، اشتكوا إلزامهم من قبل إدارات المشافي، بالعمل لأيام متواصلة، وسط ظروف سيئة تعيشها الكوادر الطبية في المشافي، فضلا عن ضعف الدخل والرواتب.

ويشهد القطاع الطبي حالة من النزيف للكوادر الطبية، حيث هاجر نحو 50 ألف طبيب، من أصل 70 ألف، كانوا موجودين في سوريا، بحسب ما أكد نقيب الأطباء السابق كمال عامر، في شباط/فبراير من العام 2021.

الهجرة وصلت للممرضين

مسؤول السلامة المهنية في مشفى “الباسل” بدمشق، سعد الدين الكردي، أكد أن الهجرة في القطاع الطبي، طالت مؤخرا الممرضين، إلى بلدان أخرى كالعراق ولبنان، لافتا إلى أن بعض المشافي فقدت ما يقارب 50 بالمئة، من موظفيها خلال العشر سنوات الماضية.

وأوضح الكردي، في تصريحات سابقة، أن “الكوادر الطبية لا تحصل على الأجور والتعويضات اللازمة“، ما دفع العاملين في القطاع الطبي إلى البحث عن أي فرصة للهجرة والعمل في دول أخرى. ونتيجة لهجرة الممرضين لفت الكردي، إلى أن بعض المشافي شهدت تأدية المستخدمين، أو أشخاص غير مؤهلين ليقوموا بعمل الممرضين بسبب النقص، وحول أجور الممرضين اعتبر، أن “الممرض عليه أن يعمل ثلاثة أيام حتى يشتري وجبة طعام“.

وفي هذا السياق، تُعد هجرة الأطباء بمختلف اختصاصاتهم من الملفات المهمة التي تحتاج إلى حلول بعد تزايدها خلال الآونة الأخيرة، والمؤسف أن نزيف الهجرة لم يتوقف حتى الآن، بل تضاعف، ولم تعد هجرة الأطباء مقتصرة على الدول العربية، ولا على كبار الأطباء، بل بدأت الهجرة إلى بلدان أوروبية في ظل العديد من الإغراءات العلمية والمادية، حسب صفحة “صاحبة الجلالة” المحلية.

قد يهمك: الأسواق في سوريا لـ“الفرجة والمفاصلة” فقط؟!

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.