انتشار المخدرات في العراق بات أسرع من السيطرة عليها أو الحد من انتشارها مؤخرا، فبعد سيطرة عناصر الميليشيات بشكل شبه كامل على الحدود الجنوبية الشرقية المفتوحة مع إيران، تحول العراق تدريجيا إلى مخزن للمخدرات الإيرانية. إذ لا يكاد أن يمر يوم إلا وتلقي فيه القوات الأمنية العراقية القبض على تاجر أو مروج لها في مختلف المحافظات، فضلا عن السيطرة على كميات كبيرة من أنواع مختلفة من المخدرات التي تهرب إلى داخل العراق، عبر الطرق البرية من سورية وإيران.

في وقت تكافح فيه السلطات العراقية ظاهرة انتشار المخدرات بشكل متزايد في البلاد، إلا أن جهودها توصف بالضعيفة من قبل مراقبين، وليست بمستوى المعضلة، فهي تقتصر على مكافحة صغار التجار وعدم ملاحقة كبار المتورطين فيها، لارتباطهم بجهات سياسية نافذة وميليشيات مسلحة.

المصدر الرئيسي لها

إيران تعد المصدر الرئيسي لدخول المخدرات إلى العراق مستخدمة ميليشياتها التي باتت تهيمن على أغلب أجهزة الدولة، حيث قامت بحسب مصادر إعلامية ومراقبين في الشأن العراقي بتدريب تلك الميليشيات على هذه التجارة الدخيلة على المجتمع العراقي، وعلى أنواع أخرى من الأنشطة الممنوعة كالتهريب والإتجار بالبشر، وتجارة الأسلحة والممنوعات التي توفر عائدات كبيرة لها، تمكنها من تمويل عملياتها المشبوهة في المنطقة.

 العراق يعد من بين أكثر دول المنطقة تعاطيا وترويجا للمخدرات بحسب ما صرح به رئيس “مركز حقوق الإنسان في العراق”، علي العبادي، لـ “الحل نت “، محملا الحكومة العراقية المسؤولية الكاملة لتزايد الأرقام، كما أن 80 بالمئة من تلك المخدرات تدخل عن طريق إيران إلى البلاد، مرجعا الأمر إلى عدم جدية الجهات الأمنية والمعنية للحد من ظاهرة انتشارها.

أحزاب مدعومة بغطاء سياسي تسيطر على ملف ترويج المخدرات بين المحافظات العراقية، وتتخذ من ذلك مصدرا ماليا لتطوير قاعدتها الحزبية ونفوذها السياسي، وفق العبادي.

“المجلس الأعلى الإسلامي العراقي”، وميليشيات “منظمة بدر” المرتبطة به، ضالعان في تجارة المخدرات، ويملكان مراكز ومخازن من أجل ذلك، حيث تصل المخدرات من إيران في سيارات تتمتع بحماية خاصة من قبل ميليشيا “الحرس الثوري” الإيراني، لتستقر في مخازن شديدة الحراسة، تتبع للميليشيات في العراق، بحسب تقرير لموقع “سكاي نيوز عربية”.

الميليشيات النافذة تنقل المخدرات من إيران للعراق، وتحاول أن تصدرها لدول الخليج، وتجنبا لتعرضهم للاختطاف أو القتل، أصبح تجار المخدرات الذين يسيطرون على السوق، يتعاونون مع الميليشيات وينسقون معا عمليات التهريب في جنوب العراق والعاصمة بغداد، بحسب التقرير.

طرق إدخالها إلى العراق

المخدرات تدخل إلى العراق إما محمولة عبر طائرات “الدرون” أو يتم إخفاؤها في عجلات سيارات الشحن وعبر طرق أخرى لا تعد ولا تحصى، بحسب ما أفاد به المتحدث باسم المنافذ الحدودية العراقية، علاء القيسي، خلال حديثه لـ “الحل نت”.

عمليات ضبط أنواع مختلفة من المخدرات تجري بشكل يومي في جميع المنافذ الحدودية، حيث أن الرقابة الشديدة التي فرضت عليها خلال الأيام الماضية أسهمت في عملية تقليل دخول المخدرات إلى البلاد، لأن الطرق البرية هي العامل الأكبر في عملية دخول المخدرات وبكميات كبيرة إلى المواطنين في مختلف المحافظات.

مثّل فتح معبر القائم الحدودي مع سوريا في أيلول/سبتمبر 2019، بعد ثماني سنوات من إغلاقه، مكسبا لإيران حليفة كل من العراق وسوريا، ما عزز نفوذها المتنامي على ممر أرضي يمتد من طهران إلى بيروت.

تجارة المخدرات ترتكز على قاعدة قوية مدعومة بالسلاح والأموال، فيما يحتمي تجارها بالفصائل المسلحة والعشائر في حال تعرضت عملياتهم لأي معوقات، أو محاولات للكشف عن الشخصيات الكبيرة التي تقود عمليات التجارة بالمواد المخدرة.

العراق كان ممرا رئيسيا لتهريب المخدرات من إيران وإلى دول الخليج خصوصا عبر مناطق الجنوب، إلا أنه أصبح الآن مستهلكا للمواد المخدرة التي لاقت رواجا كبيرا في الأحياء الشعبية والفقيرة خاصة تلك المتواجدة في محيط بغداد ومحافظات جنوب العراق.

غطاء ديني لنشرها؟

توجه خطير يحتمي بغطاء الدين يسلكه تجار ومروجي المخدرات لنشرها في محافظات جنوب العراق، عبر منع بيع المشروبات الكحولية بصورة رسيمة في تلك المناطق ما يؤدي إلى ارتفاع أسعارها والتوجه إلى تناول المواد المخدرة التي أصبحت بديلا سهل المتناول عن المشروبات الروحية. بحسب علاء القيسي.

الخطر الأكبر يكمن في وجود “تجار كبار” للمواد المخدرة في جنوب العراق، يصعب جدا الوصول إليهم، أو إلقاء القبض عليهم، وهم بدورهم يقومون بحماية المروجين والموزعين لتك المواد على الأحياء والمناطق، وأن عددا ليس بالقليل من قيادات القوات الأمنية تعرضوا إلى تهديدات بالقتل وحرق المنازل وتصفية أفراد من عوائلهم، بعد كشفهم لخيوط جرائم تجارة المخدرات ومعرفتهم بأسماء “كبار تجار” تلك المواد، وفق القيسي.

وزارة الداخلية سبق أن أعلنت عن تأسيس قاعدة بيانات متكاملة عن طرق وأساليب ومناطق ودخول المواد المخدرة وأكثر المواد انتشارا في العراق، وأكدت الوزارة في بيان سابق لها أن “مادتي “الكريستال” والحشيشة تنتشران في وسط وجنوب العراق وتدخلان عن طريق محافظة ميسان والبصرة (الحدوديتين مع إيران)، أما “الكبتاغون” والمؤثرات العقلية الأخرى، فتنتشر في غرب وشمال العراق وتدخل من محافظة الأنبار (الحدودية مع سورية)، وأن أغلب المواد المخدرة تدخل إلى العراق عبر الطرق والمنافذ غير الرسمية والأهوار، والشريط الحدودي والصحراء من الجهة الغربية.

السلطات العراقية تمكنت من إحباط عدة محاولات لتهريب كميات كبيرة من حبوب “الكبتاغون” المخدرة، قادمة من جهة الحدود مع سوريا، وبالتحديد عند منطقة التنف وبلدة القائم الواقعة في محافظة الأنبار غربي العراق، وفق تقارير صحفية.

 تقرير أصدره، معهد “نيو لاينز” للأبحاث، ومقره واشنطن، في نيسان/أبريل الفائت، جاء فيه أن العقوبات الدولية المفروضة على سوريا، خلال سنوات الحرب، دفعت بعض المتنفذين السوريين إلى استخدام هذه التجارة وسيلة للبقاء سياسيا واقتصاديا.

التقرير اتهم أيضا شخصيات مرتبطة بدمشق ومجموعات مسلحة متنوعة تنشط على الأراضي السورية، من بينها “حزب الله” اللبناني، بتنظيم تجارة “الكبتاغون”.

 بحسب التقرير تعد سوريا المصدر الأبرز لـ “الكبتاغون” منذ ما قبل اندلاع الحرب عام 2011، إلا أن النزاع نشط تصنيعه وجعله أكثر رواجا واستخداما وتصديرا.

عائدات تهريب “الكبتاغون” باتت تفوق بشكل كبير عائدات الصادرات السورية الأخرى، ما دفع إلى اعتبار سوريا “دولة مخدرات” عالمية، ويعد العراق واحدا من أبرز الدول المحيطة بسوريا تأثرا بذلك.

اقرأ أيضا: من يقف خلف تهريب المخدرات في العراق؟

 عقوبات الإتجار بالمواد المخدرة في القانون العراقي تصل إلى حدود الإعدام، فالمستورد يحكم بالإعدام، ومن يقوم بالزراعة أو الصناعة أو الاستيراد والتصدير فيعاقب بالسجن المؤبد أو المؤقت، أما بالنسبة إلى متعاطي تلك المواد فتصل العقوبات إلى السجن لمدة لا تقل عن سنة واحدة ولا تزيد على ثلاث سنوات، وغرامة مالية لا تقل عن خمسة ملايين دينار ولا تزيد على عشرة ملايين، وللمحكمة بدلا من فرض العقوبة المنصوص عليها في القانون، أن تودع من يثبت إدمانه في المؤسسات العلاجية أو مراجعة عيادات نفسية واجتماعية. بحسب تصريح صحفي لمدير قسم العلاقات والإعلام في مديرية مكافحة المخدرات في الوزارة العراقية، العقيد بلال صبحي في تموز/يوليو الماضي.

المديرية وضمن جهودها للحد من ظاهرة انتشار المخدرات، كشفت عن مقترحات لتعديل قانون مكافحتها ونيتها تشديد العقوبات. المقترحات تضمنت تشديد العقوبة على متعاطي المواد المخدرة إلا أنها رُفضت كون القانون ووزارة الصحة ينظران للمتعاطي بأنه مريض وليس مجرما، بحسب صبحي، الذي أشار إلى وجود مقترح بتحديد الكمية التي تحدد من خلالها أن يكون الشخص تاجرا أو متعاطيا.

إحصائيات رسمية

إحصائية الملقى القبض عليهم خلال الأشهر الستة الماضية بلغت 8200 متهم بالتجارة والتعاطي، بينهم 200 امرأة، بالإضافة إلى أكثر من 200 حدث من الذكور والإناث، وتعد هذه الإحصائية مؤشرا خطيرا فيما يخص التعاطي للنساء والأحداث، وأن النسبة الأكبر للمتعاطين تقع ضمن صفوف الذكور. وفق صبحي.

المديرية العامة لمكافحة المخدرات بوزارة الداخلية العراقية تمكنت من القاء القبض خلال شهر على أكثر من 1350 متهما، وهي مستمرة في عملياتها لمحاربة ومطاردة تجار المخدرات، حيث أن العدد الكلي خلال الأشهر الماضية أصبح 11 ألف متهم بالتجارة والترويج والتعاطي، بحسب صبحي، فضلا عن ضبط كميات مهولة من حبوب “الكبتاغون” والمؤثرات العقلية.

فرق مكافحة المخدرات في مركز شرطة القناة في العاصمة بغداد، قالت في بيان تابعه موقع “الحل نت” في تموز/يوليو الماضي، إن السجن يضم حاليا 217 مدمنا وتاجرا لمخدر “الكريستال”، وأكد الضباط أن أعداد المدمنين ارتفعت بشكل كبير منذ 2017 في ظل تردي الوضع المعيشي وانخفاض سعر “الكريستال”.

المركز سجل زيادة بنسبة 40 بالمئة في أعداد المدمنين منذ عام 2017، وزيادة بنسبة 30 بالمئة في أعداد تجار المخدرات، وبسبب توافر مخدر “الكريستال”، انخفضت الأسعار.

تم اعتقال أكثر من 6 آلاف شخص في جميع أنحاء البلاد العام الماضي بتهم تتعلق بالمخدرات، كما صادرت السلطات أكثر من 120 كيلوغراما من مخدر “الكريستال”، فيما أشارت وزارة الداخلية إلى قيام القوات الأمنية بالقبض على 1000 عسكري و200 موظف و100 طالب بتهم تتعلق بالمخدرات، إضافة إلى 6000 شخص يعملون بمهن مختلفة.

المتعاطون البالغون يمثلون النسبة الأكبر من الأحداث، في وقت تعجز فيه الجهات الصحية المتمثلة عن استيعاب الأعداد الهائلة للمتعاطين.

طرق مكافحة خجولة

انتشار المخدرات في العراق آفة خطيرة بدأت تفكك المجتمع العراقي بشكل متزايد، وتنذر بكارثة تهدد الأجيال الحالية والمستقبلية، وأن عصابات الجريمة المنظمة تواصل ترويج المخدرات ونشر سمومها بين الشباب على وجه الخصوص. بحسب تصريح صحفي لعضو مجلس النواب العراقي، عادل خميس المحلاوي في شباط/فبراير الماضي، تابعه “الحل نت”.

وعن الموقف الحكومي قال المحلاوي، إن الجهد الحكومي ضعيف جدا في مجال مواجهة آفة المخدرات، فضلا عن طرق مكافحته متواضعة الإمكانيات والدليل الزيادة الكبيرة في انتشاره بالمجتمع، حيث تشير تقارير مختصة إلى نسب مخيفة جدا في تعاطيه بين الشباب.

المحلاوي، عدّ تعاطي المخدرات من الأسباب الأساسية للمشاكل الدخيلة في المجتمع العراقي، كالانتحار والعنف الأسري وغيرها، محذرا من المؤشرات الخطيرة جدا وهي تحتاج من الجميع التفكير بها بجدية، وتحتاج أيضا من صانع القرار وقفة جادة تجاهها.

 العراق وفي السنوات الأخيرة أصبح من بين أكثر البلدان انتشارا للمخدرات، رغم جهود القوات الامنية وقيامها بتنفيذ حملات واسعة ومتلاحقة ضد عصابات وتجار المخدرات في البلاد، إلا أنها لم تساهم في الحد أو القضاء على هذه الآفة المستفحلة والتي تعد تجارتها عالميا ثاني أخطر جريمة بعد الإرهاب.

قد يهمك: المخدرات في العراق: لماذا لا تتمكن القوى الأمنية من إيقاف المهربين والمروجين؟

الفساد المستشري في كل مفاصل الدولة إضافة إلى عدم ضبط المعابر الحدودية والظروف المعيشية الصعبة مجتمعة، جعلت من العراق الملاذ الآمن لمُصدري المخدرات واستغلال الشباب العراقي، وتحويلهم أداة لتحقيق مصالهم وأنشطتهم التي قاربت أن تدمر البلد بأكمله.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة