لقد أصبحت المساحات الفنية الصغيرة التي يديرها السوريون في إسطنبول ومن خلال الموسيقى قناة للتواصل بين السكان المحليين واللاجئين، وسط المشاعر المعادية للاجئين في جميع أنحاء البلاد.

في البداية ضرب جوكسل بكتاغير، الأوتار الحادة لقانونه، ثم أدخل الأصوات المتنافرة لليقطين والطبل والأورغ. ليبدأ صوت أصغر إخوة هاكي الثلاثة في التموج عبر الغرفة، مما يؤسس مساحة لحلقة رقص متزامن تتبعه.

ففي إسطنبول، حيث يعيش ما يصل إلى 25 مليون شخص، كان حوالي 25 شخصا معظمهم موسيقيون سوريون وأتراك، بالإضافة إلى الجمهور وطاقم التصوير، مجتمعين في أستوديو صغير في الطابق السفلي. وقد كانت هذه الحفلة، التي أقيمت في 30 حزيران/يونيو الماضي، أول أداء مباشر لمشروع In the Studio ، وهي مبادرة يقودها منذ بداية الوباء عازف الكلارينيت سركان حقي، الشاب السوري الذي ينحدر من مدينة حلب. وهو في مهمة لاستخدام جلسات التسجيل لربط المستمعين بموسيقى الأستوديو. “كنا جميعنا نطير في الجلسة. هذا الأستوديو تقريبا منزلي”، يقول حقي.

بعد تجربة التنسيق والصوت والمرئيات وإتقانها خلال العام الماضي، يرى حقي بأن الفريق على استعداد للبناء على هذا الأداء النموذجي والترحيب بالمزيد من الموسيقيين والجمهور.

ويهدف مشروع In the Studio في جوهره إلى تقريب الضيوف والفنانين من بعضهم البعض، من خلال تجربة صوتية غامرة وحميمية، بحسب كريم العثماني، وهو شاب من دمشق ومؤسس آخر للمشروع. وهو يرى في المشروع انحراف متعمد عن أماكن الحفلات الموسيقية في اسطنبول التي تستوعب آلاف الجماهير، مما يجذب أيضا الكثير من كبار الفنانين، مثل بكتاغي، أستاذ القانون التركي الذي ليس لديه مشكلة في تغيير فكرة قاعات الموسيقى أو تجاهلها بحد ذاتها. “لقد كان منفتحا على الأداء أمام مثل هذا الجمهور الصغير لقاء توطيد علاقته أكثر مع الجمهور”، يقول العثماني لـموقع “المونيتور” من خلال تقرير ترجمه موقع “الحل نت”.

لطالما جمعت العروض الموسيقية الناس سوية، إلا أنها توقفت خلال عمليات الإغلاق التي تسببت بها جائحة كورونا في تركيا. فخلال الربيع الماضي، تم إلغاء سلسلة من الحفلات والمهرجانات الموسيقية في جميع أنحاء البلاد، الأمر الذي وصفه البعض بـ “الحرب الثقافية” الأكبر للحكومة التركية والتي تكتسب زخما قبل الانتخابات العامة خلال العام القادم.
طوال الليل، جرب الأخوة حقي السوريون الثلاث ومايسترو القانون التركي نوع جامبو من الأرابيسك يلتقي بيل ويذرز بنشوة مخدرة. ونظرا لأن موضوع الهجرة يهيمن على الخطاب اليومي في تركيا، فإن هذا الفضاء الإبداعي يحمل ثمار المجتمع الأممي (المواطنة العالمية)، حيث تعمل الموسيقى كصلة وصل رائعة. والجمهور، الذي كان في غالبه من الأتراك، انطلق خلال جلسة التسجيل واندفع للحديث إلى الموسيقيين قبل الاستراحات وبعدها. وقد قدم محمد باسداغ، أحد المستمعين، الموسيقى وحضر حفلات موسيقية في اسطنبول على مدار 30 عاما، إلا أن تلك الليلة كانت خاصة بالنسبة له، حيث يقول: “لم أختبر شيئا كهذا من قبل”.

ومشروع In the Studio ليس المساحة الوحيدة الذي يديره السوريون والذي يخلق مزيدا من مساحات الأداء الموسيقي الشخصية في اسطنبول. ويمكنك حضور العروض الأسبوعية مثل Jingle Bell Jam في YoloArt في أيام الثلاثاء أو Jam Session في Arthere أيام الجمعة. كذلك يستضيف مركز Ad.dar حفلات موسيقية منتظمة.

وتدفع هذه الحفلات المحلية أيضا إلى تعزيز الجهود العالمية المستمرة من خلال مشاريع الوسائط المتعددة لتسليط الضوء على التاريخ الموسيقي النابض بالحياة في سوريا، من الموسيقى المعاصرة لأسمهان إلى الفنان صباح فخري إلى الدبكة الشعبية التي أشاعها عمر سليمان.

وبالرغم من الحدود المشتركة ووجود ما يزيد عن 4 مليون لاجئ سوري في الشتات، إلا أن الثقافة السورية ليست واضحة جدا في تركيا، بحسب أسلي بيلج، المؤسسة المشاركة لمنظمة غير حكومية مقرها أورفا تعمل مع السوريين على الصناعات الإبداعية السورية في جميع أنحاء البلاد. “أنا أقصد أنني أبحث عن هذه الأشياء ولدي صعوبة في العثور عليها. تخيل ما يعرفه الأتراك العاديون؟”، تقول بيلج لـ “المونيتور”.

ولكن، وبخلاف أنواع الفن الأخرى، يمكن لفن الأداء أن يكسر العوائق الاجتماعية. فعلى سبيل المثال، تدرب إبراهيم مسلماني، من حلب، على الإيقاع. وعند وصوله إلى تركيا، أسس Nefes والتي تعني التنفس باللغتين التركية والعربية، لتعليم الموسيقيين الشباب أهمية التراث الموسيقي المشترك. “هناك دائما أخذ وعطاء في الموسيقى. والآن نحن نحاول إعادة تعريف هذه الأهمية وإبراز الوحدة الجمالية التي جمعت الموسيقيين من المجتمعين لمئات الأعوام”، يقول مسلماني لـ”المونيتور”.

وبالعودة إلى الأستوديو، يختتم العثماني حديثه بالقول: “نعتقد أنه لا توجد مدينة أفضل من اسطنبول لننطلق منها. إنها مركز موسيقي وفني، خاصة أن معظم الموسيقيين الذين نعمل معهم ينتمون لخلفيات مختلفة. لذا من الضروري البدء من مكان تلتقي فيه جميع الثقافات”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.