ارتفاع الأسعار والتدهور الاقتصادي بات يثقل كاهل السوريين، سواء كانوا مستهلكين أم منتجين، حيث تحولت السوق السورية إلى لعبة بيد فئة محددة تتحكم بأسعار المواد الأولية وأسعار المنتجات المباعة للمستهلك.

مشتقات الحليب هي الأخرى تحولت إلى نوع من الرفاهية لدى السوريين، فقد ولى زمن شراء الألبان والأجبان بالكيلو أو الرطل أو التنكة، وتحول إلى الشراء ربما لوجبة أحيانا، وفي بعض الأحيان يتم تناسي وجودها.

اللبنة والجبنة بالصحن

من الصعب على معظم العائلات السورية اليوم شراء اللبنة والجبنة بالكيلو، إضافة لبقية المواد التي يتم تحضير وجبة الفطور منها، لم يعد أي شيء كما كان في السابق.

صناعة الأجبان في سوريا “وكالات”

أم سامي، ربة منزل أربعينية في حماة، تروي لـ”الحل نت” كيف تغيرت “لمة” الفطور عن السابق قائلة: “اعتدنا في السابق أن تكون وجبة الفطور رئيسية وخاصة يوم الجمعة حيث تكون لمة العائلة، كانت أصناف طعام الفطور متنوعة وكثيرة، ابتداء من اللبنة والجبنة وحتى البيض والفول وغير ذلك، أما اليوم فكل ذلك أصبح من الماضي، فلا يمكن أن يكون هناك أكثر من صنفين، فاللبنة بتنا نشتريها بالصحن والذي يكلف نحو 2000 ليرة، وكذلك الجبنة الوقية بـ3000 ليرة”.

وتتابع أم سامي: “نقوم في كل أسبوع مرة، إما بشراء اللبنة أو الجبنة، والأكثر اللبنة من أجل عمل سندويشات للأولاد عند ذهابهم إلى المدرسة، كل الأسعار ارتفعت وهي مواد أساسية وصحية، حتى البيض صار غالي وفوق قدرتنا، فسعر صحن البيض 16 أو 17 ألف ليرة، وإذا استمرت الأسعار بهذا الشكل سوف ننسى أن هذه الأصناف موجودة”.

إقرأ:“الله يرحم أيام زمان” .. سوريون يتخوفون من ارتفاع الأسعار قبل موسم المونة والمدارس

الكلفة غالية عالكل

لا يقتصر ارتفاع أسعار مشتقات الحليب على المستهلكين فقط، إنما يعاني أصحاب المحال التي تبيع هذه المنتجات من الأسعار وأمور أخرى دفعت العديد منهم لإغلاق محالهم.

موسى المصطفى، ثلاثيني يمتلك محلا لبيع الألبان والأجبان في ريف درعا الغربي، يتحدث لـ”الحل نت”، حول معاناته فيقول: “تبدأ المعاناة من أسعار الحليب حيث يبلغ سعر الكيلو 3000 ليرة، وشراء كمية نحو 50 كيلو تكلف كثيرا، وبعد ذلك نحتاج إلى الغاز للغلي، وبعد ذلك تقسيم الكمية إلى لبن رائب، ولبنة، وجبنة، وهنا تزداد التكاليف فجرة الغاز نشتريها بـ140 ألف، والكهرباء غير موجودة لذلك نضطر إلى تشغيل مولدة كهرباء صغيرة تعمل على البنزين، ويبلغ سعر الليتر نحو 9000 ليرة، وبعملية حسابية بسيطة تبلغ تكلفة كيلو الجبن نحو 13 ألف ليرة على الأقل، ونحن نبيعها بـ14 ألف ليرة، ماذا بقي لنا من مربح؟”.

يضيف المصطفى: “هناك العديد من الذين يعملون بنفس المهنة اضطروا لإغلاق محالهم أو تغيير مهنتهم خاصة في المدينة والمدن الكبرى، نظرا لتعددها أما بالنسبة لي ما يجعلني قادرا على الاستمرار حتى الآن هو أن محلي هو الوحيد في بلدتنا”.

فوضى في الأسعار

تقرير لصحيفة “الوطن” المحلية، اليوم الأربعاء، نقل عن عضو الجمعية الحرفية لصناعة الألبان والأجبان، أحمد السواس، أن هناك فوضى في أسعار الألبان والأجبان في السوق، مبيّنا أن أسعار الأعلاف ارتفعت مؤخرا لكن ارتفاعها ليس يوميا.

و أكد السواس، أنه منذ نحو الشهر ونصف الشهر سعر كيلو الحليب يرتفع أسبوعيا ما بين 75 و100 ليرة، مبينا أن بعض المعامل الكبيرة المنتجة للألبان والأجبان، هي المسؤولة اليوم عن التسعير في السوق وهي التي تحدد سعره، والحرفي ملزم بالتسعيرة التي تضعها هذه المعامل من أجل الحصول على مادة الحليب، وفي حال لم يقم بذلك فإن هذه المعامل ستقوم باستجرار إنتاج الحليب بالكامل من المزارع، وهي قادرة على استيعاب كامل الإنتاج باعتبار أن منتجاتها تصدر إلى السوق الخارجية، موضحا أن تحديد سعر الحليب من قِبل هذه المعامل انعكس على أسعار كل مشتقاته في السوق.

وبيّن السواس، أن الجمعية الحرفية لصناعة الألبان والأجبان باتت اليوم في حالة يأس بالنسبة لموضوع صدور تسعيرة تموينية جديدة للألبان والأجبان، والحرفي أصبح من الناس المهضوم حقهم بكل معنى الكلمة، مشيرا إلى أن هناك نشرات تموينية أسبوعية للفروج وأجزائه على حين أنه لم تصدر أي نشرة سعرية من قِبل التموين للألبان والأجبان، منذ شهر نيسان من العام الحالي وهذا الأمر غير معقول.

 وأوضح أن الجمعية الحرفية ترفع بيانات تكلفة لمديرية التموين بدمشق بشكل دائم، وخلال الفترة الماضية تم رفع بحدود 3 بيانات تكلفة للألبان والأجبان، ولا أحد من التموين أخذ بالحسبان هذا الموضوع، لافتا إلى أن التموين تقوم بمخالفة الحرفي اليوم بناء على الأسعار الصادرة في نشرة شهر نيسان وهذا الأمر غير منطقي، مبيّنا أن أسعار الألبان والأجبان ارتفعت منذ نيسان ولغاية تاريخه أكثر من 30 بالمئة.

واعتبر أن عدم وضع تسعيرة تموينية دورية للألبان والأجبان أمر يضر بالحرفي، وينعكس على المستهلك الذي يدفع ضريبة الفوضى في الأسعار اليوم.

اختلاف الأسعار والحلول

حول أسعار مبيع الحليب من مربّي الأبقار، بيّن السواس، أن أسعار الحليب عند المربينَ في المنطقة نفسها لا تختلف وممكن أن تختلف بين مرب ومرب آخر موجود في منطقة أخرى، وهذا الأمر ليس له تأثير واضح على أسعار الألبان والأجبان.

ورأى أن الحل لضبط الأسعار هو دعم المزارع وتأمين الأعلاف له إضافة إلى تأمين حوامل الطاقة للمنتجين، مشيرا إلى أن مؤسسة الأعلاف لا تدعم المزارع بالأعلاف لذا يضطر لشرائها من السوق السوداء بسعر مرتفع.

من جهته، أوضح مدير الأسعار في وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، نضال مقصود، أنه ليس من مهمة وزارة التجارة الداخلية إصدار نشرات سعرية للألبان والأجبان، إنما تسعّر ضمن مديريات التجارة الداخلية والمكاتب التنفيذية الموجودة في المحافظات، بحسب “الوطن”.

وعن أسباب عدم صدور نشرات سعرية منذ مدة طويلة، أكد مقصود، أنه من المعروف أن هناك ارتفاعا كبيرا حصل اليوم في الأسعار وللحرفيين معطياتهم بالنسبة للأسعار، مضيفا أن التوجيهات هي دراسة التكلفة وتحديد الأسعار وفق التكلفة الفعلية الحقيقية.

وأوضح أنه في حال وجود أي مشكلة بالنسبة للأسعار لدى المعنيين في جمعية الألبان والأجبان عليهم مراجعة الوزارة، ومن ثم سيتم إرسالهم إلى مديرية التجارة الداخلية في دمشق من أجل التنسيق مع المعنيين هناك بخصوص الأسعار من أجل حل جميع مشاكلهم.

أما مدير المؤسسة العامة للأعلاف، عبد الكريم شباط، فأكد أن المؤسسة توزّع الأعلاف لكل أنواع الثروة الحيوانية، مبينا أن الذي يحكم أسعار الألبان والأجبان اليوم هو العرض والطلب، وأسعار الأعلاف عالميا مرتفعة جدا وليس الغلاء فقط في سوريا إنما في جميع دول العالم.

ولفت إلى أنه منذ عدة أشهر وأسعار المواد العلفية باستثناء كسبة الصويا ارتفعت، إذ إن أسعار الأعلاف ارتفعت منذ بداية شهر شباط/فبراير، عندما بدأت الغزو الروسي لأوكرانيا، وحينها تم إغلاق الموانئ ونتيجة لذلك ارتفعت مادة الذرة الصفراء في السوق من 1700 ليرة للكيلو، إلى 2500 ليرة ومن ثم انخفضت الأسعار إلى 2050 ليرة.

تخفيض الكميات

تقرير سابق لـ”الحل نت”، نقل عن بعض أصحاب المحلات أنهم خلال الفترة الماضية خفضوا الكميات التي يشترونها من الحليب بنسبة كبيرة، خوفا من تلف المواد نتيجة الانقطاعات الطويلة للكهرباء وعدم استطاعتهم تحمل تكاليف تشغيل المولدة الفترات طويلة بالتوازي مع صعوبة تأمين مادة المازوت للمولدات وغلاء سعر المادة في السوق السوداء، ناهيك عن ارتفاع سعر اسطوانة الغاز الصناعي في السوق السوداء والذي وصل لأرقام مرتفعة.

كما أوضح آخرون أن المواطن بات يشتري كميات قليلة من مشتقات الحليب تكفي حاجته اليومية، خوفا من أن تكون تالفة وغير صالحة للاستهلاك نتيجة زيادة ساعات التقنين خلال الفترة الحالية.

وأضاف التقرير، أن حرفة صناعة الألبان والأجبان باتت للأقوياء فقط، القادرين على تشغيل المولدات، والذين يملكون رأسمال كبير، لافتا إلى أن الحرفي الذي لا يملك رأسمال كبير وغير القادر على تشغيل مولدة ترك مهنته وخرج من الخدمة اليوم.

بحسب التقرير، فإنه نتيجة الانقطاع المتواصل للتيار الكهربائي وازدياد ساعات التقنين وارتفاع التكاليف، خرج عن الخدمة أكثر من 25 بالمئة، من حرفيي صناعة الألبان والأجبان، إضافة إلى أن سعر الحليب يرتفع أسبوعيا خلال الفترة الأخيرة، كذلك حوامل الطاقة ترتفع وهذه التكاليف الزائدة لا يستطيع الحرفي تحمّلها لذا يضطر للخروج عن الخدمة كي لا يدخل بمتاهة التكاليف المرتفعة وتبقى البضاعة لديه، ولا يستطيع تصريفها وبيعها.

كما أن الحرفي الذي يعمل بصناعة الألبان والأجبان والذي يعتبر من الحرفيين المتواضعين، يتوقف عن الإنتاج حاليا ويلجأ لشراء الألبان والأجبان من حرفي أقوى منه وإنتاجه أكبر، من أجل أن يستمر بالعمل وتأمين متطلبات معيشته.

خسائر في قطاع الألبان

تقرير سابق لـ”الحل نت”، نقل عن عضو مجلس إدارة الجمعية الحرفية للألبان والأجبان، أحمد السواس، فإن قطاع الألبان والأجبان يتعرض لخسائر كبيرة نتيجة التقنين الطويل تصل نسبتها إلى 25بالمئة، وأغلب الحرفيين ليس باستطاعتهم تحمل نفقة المولدات للسيطرة على الخسائر لذا خرج عن الخدمة حوالي 10بالمئة، من العاملين في قطاع الأجبان والألبان.

بيع مشتقات الحليب بسوريا “وكالات”

ووفق السواس، فإن مادة الحليب مادة أساسية لا يمكن الاستغناء عنها، واليوم الحرفي عند تخفيفه من مادة الحليب للمنشأة يعني أنه خرج عن الخدمة وذهب الحليب إلى منشأة أخرى، مشيرا إلى أن أغلب الحرفيين يضطرون للوقوف عن الخدمة أو تخفيض إنتاجهم بنسبة 50بالمئة، ليتداركوا الوضع.

وبحسب التقرير، فإن قطاع الألبان والأجبان في سوريا تضرر بشكل ملموس خلال الآونة الأخيرة، حيث وصلت نسبة الضرر إلى جوانب متعددة، كما ازدادت خسائر الحرفيين في هذا القطاع إلى نسب عالية، نتيجة لفترات تقنين الكهرباء الطويلة ودرجات الحرارة العالية. إذ يعتمد عمل حرفيي صناعة الألبان والأجبان بشكل أساسي على حوامل الطاقة من المولدات الكهربائية التي تعمل بدورها على المازوت، وبالتالي يضطر الحرفي إلى شراء المازوت من السوق السوداء، حيث يتراوح سعر اللتر الواحد بين 5 و6 آلاف ليرة سورية.

ونتيجة لارتفاع أسعار المازوت، فإن نسبة كبيرة من حرفيي صناعة الألبان والأجبان توقفوا عن العمل، حيث تراوحت نسبتهم بين 20 و 25 بالمئة، الأمر الذي ينذر بارتفاع قريب في أسعار الألبان والأجبان في الأسواق السورية، في ظل الارتفاعات المتكررة لأسعار المواد المتعلقة بصناعة الألبان والأجبان، وبناء على ذلك فإنه من المرجّح حدوث موجة غلاء جديدة في هذا القطاع.

عضو الجمعية الحرفية لصناعة الألبان والأجبان، أحمد السواس، كشف في تصريح سابق عن السبب الأبرز لفوضى أسعار الألبان والأجبان في الأسواق، وهو ارتفاع التكاليف، لافتا إلى أن الارتفاع لا يشمل الألبان والأجبان فقط، إنما هناك أصناف أخرى من الألبان والأجبان المعلبة ارتفعت كذلك، بحسب متابعة “الحل نت”.

وأردف السواس، أنه نتيجة لارتفاع درجات الحرارة وموجة الحر الشديدة التي شهدتها البلاد في الفترة الماضية، تلجأ الأبقار إلى شرب كميات أكبر من المياه، وبالتالي تنخفض نسبة الدسم في الحليب ونتيجة لذلك يصبح إنتاج الجبنة واللبنة يحتاج لكمية أكبر من الحليب قياسا بفترات الشتاء والطقس المعتدل.

 وأشار السواس، إلى أنه خلال فصل الشتاء أو الأيام التي يكون فيها الطقس معتدلا، فإن كل 6 كيلوغرامات من الحليب تنتج كيلوغراما من الجبن وكل 3.5 كيلوغرام من الحليب تنتج كيلوغراما من اللبنة، لكن في أيام الحرارة الشديدة ينتج كل 7.5 كيلوغرام من الحليب ينتج عنها كيلوغراما من الجبن، و كل 4 كيلو من الحليب أو أكثر تنتج كيلوغراما من اللبنة.

قد يهمك:أسباب متعددة لارتفاع الأسعار في سوريا.. هموم المواطن في تزايد!

تجدر الإشارة إلى أن السوريين بجميع أطيافهم باتوا متضررين بشكل غير مسبوق من ارتفاع الأسعار، فالحرفيون وأصحاب المحال يعانون من ارتفاع التكلفة، والمستهلكون يعانون من الأسعار المرتفعة، وفوضى الأسعار مستمرة منذ أكثر من عام ولا حلول أو انفراجات تلوح في الأفق.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.