ارتفاع الأسعار في سوريا، لا يزال ذلك الهم الذي يستيقظ السوريون عليه منذ عدة سنوات دون أن يجدوا تفسيرا لما يجري، أو إجابة واضحة تبيّن لهم حقيقة الارتفاعات المتتالية وغير المنطقية حتى باتت الفجوة بين دخل السوريين والأسعار يصعب ردمها.

من جانبها تتذرع الحكومة في كل مرة بحجج مختلفة لتبرير ارتفاع الأسعار، كما تقدم مقترحات ووعود لخفضها، ولكن في الحقيقة تشير غالبية المعطيات إلى أن الخلل هو في المؤسسات الحكومية وغرف التجارة والجهات المختصة، التي من المفترض أن تعمل جمعيا وفق منظومة واحدة وبخطط محددة حتى تتمكن من تحقيق نتيجة، إلا أن هذا غير موجود أبدا ما جعل الحكومة تغرد في واد بعيد عن معاناة السوريين، التي أصبحت كمستنقع يشدهم ليغرقوا أكثر فأكثر.

كل شي نار

الأسعار المرتفعة لا تقتصر على مادة أو مادتين، فكل شيء ارتفع سعره ومستمر بالارتفاع، فالاحتياجات من حيث المبدأ لا يمكن أن تتجزأ، لكن نظرا للواقع فكل شيء ممكن.

أحد أسواق دمشق يظهر فيه عدم الإقبال على الشراء نتيجة ارتفاع الأسعار “وكالات”

أبو يحيى، رب أسرة خمسيني من درعا، يعيش في مدينة درعا مع أسرته المكونة من ستة أشخاص، نظرا لوجود أمه في نفس المنزل، يتحدث عن معاناة الأسعار إلى “الحل نت”، قائلا: “في السابق كنا نتمكن من شراء احتياجاتنا المنوعة وإن كانت بكميات محدودة، ولكن الآن كل شيء اختلف، فأنا أعمل سائق تكسي، ومردود العمل يجب أن يقسم بين التكسي نفسها، وخاصة البنزين الذي ألجأ إلى شرائه بشكل حر بـ6 آلاف ليرة لليتر، ومصروف المنزل الذي أستدين كل شهر من أقاربي لأتمكن من إكماله”.

ويتابع أبو يحيى، “بالنسبة للأسعار، كل شي نار، الرز بـ9 آلاف ليرة، والقصير بـ6 آلاف، كيلو الطحين بـ4500 ليرة، السكر بـ6 آلاف، البرغل بـ7 آلاف، ليتر زيت القلي بـ16 ألف، علبة السمنة 2 كغ سعرها اليوم 40 ألف، أما الخضار، البندورة والخيار بـ2200 والبطاطا بـ2000 ليرة، الخبز العادي الحر بـ2500 ليرة والسياحي بـ3500 ليرة، البيض بـ16 ألف، ولحم العجل بـ25 ألف، كيلو الدجاج بـ9 آلاف، أما كيلو الحليب بـ3آلاف والجبن بـ15 ألف، البنزين الحر بـ9 آلاف، وجرة الغاز بـ140 ألف، يعني بحسبة صغيرة بدنا بمليون ليرة مستلزمات شهريا”.

إقرأ:ارتفاع أسعار البنزين فائدة للسوريين.. تصريحات صادمة تؤكد ذلك!

الحياة صارت هم

ارتفاع الأسعار لم ينعكس فقط على القدرة المعيشية للسوريين، وعلى جيوبهم، إنما زاد من همومهم وأثّر على الحالة النفسية لهم بشكل سلبي للغاية.

غيداء، سيدة ثلاثينية متزوجة ولديها طفل واحد وتعيش مع زوجها الذي يعمل في أحد المستوصفات التابعة لوزارة الصحة في منطقة نهر عيشة، تتحدث إلى “الحل نت”، عن واقع الحياة قائلة، “راتب زوجي لا يتجاوز 140 ألف ليرة، ويعمل بعد الظهر في محل لبيع الأدوات المنزلية في الحي الذي نسكن فيه، ويتقاضى راتبا يصل إلى 100 ألف أيضا، ولكن كل ما يجنيه لا يكفي حتى منتصف الشهر، فنحن ندفع أجرة المنزل المكون من غرفتين ومطبخ وحمام 100 ألف ليرة شهريا، وما تبقى لا نعلم كيف نقوم بصرفه، هل هو للطعام والشراب أو دواء إذا مرض أحدنا، أما إذا كان هناك نية لشراء قطعة ملابس، فهنا لا بد من عمل دراسة كاملة حتى نتمكن من ذلك”.

تضيف غيداء، “في الشهر الماضي مثلا فرغت جرة الغاز، ولم يكن في وقتها الغاز المدعوم قد وصلت رسائله بالاستلام، والغاز الحر يصل سعره أحيانا إلى 200 ألف ليرة حسب مزاجية البائع، ولم نتمكن من شراء جرة، ما دفعنا ذلك لاستخدام (ببور الكاز) لمدة أسبوعين تقريبا، الحياة صارت عبارة عن تعب وهم”.

أسباب ارتفاع الأسعار

عضو مجلس إدارة غرفة تجارة دمشق، محمد الحلاق، بيّن، أن المشكلة الرئيسية التي تؤدي إلى ارتفاع الأسعار اليومي، هي قلة توفر المواد وانعدام التنافسية، وقال: “لن نستطيع الخروج من مشكلة ارتفاع الأسعار أو فقدان المواد ما لم يتم الاتفاق على إستراتيجية وطنية مشتركة تضم وزارات المالية والتجارة الخارجية والتجارة الداخلية ومصرف سوريا المركزي وسواه”، مضيفا: “لكن للأسف مازالت كل جهة من هذه الجهات تعزف على الوتر الذي يناسبها وكل جهة أو وزارة، تعمل وفق أولوياتها من دون الأخذ بعين الاعتبار البوصلة الرئيسية وهي المستهلك”، وذلك بحسب تقرير لصحيفة “الوطن” المحلية، يوم أمس الأحد.

وبحسب الحلاق، فإن قرار رفع سعر صرف الدولار من المصرف المركزي مؤخرا يجب ألا يكون له تأثير من حيث المبدأ على الأسعار بأكثر من 3 بالمئة، موضحا أن أعضاء غرفة التجارة على اطلاع دائم على واقع السوق ويسعون للوصول إلى تقاطعات بالنسبة للسوق، مبيّنا أن هناك الكثير من التجار أو المستوردين عزفوا عن الاستيراد لعدة أسباب منها الربط الإلكتروني، وتخوف قطاع الأعمال من هذا الربط إضافة إلى صعوبات التمويل، ودفع قيم البضائع من قِبلهم أكثر من مرة وتأخر التسديد فضلا عن التسعير وعدم توافقه مع التكاليف الحقيقية، وأسباب أخرى متعددة منها زيادة التهريب، وهذا يمكن ملاحظته حاليا في السوق، كما أشار إلى ازدياد التهريب الذي بات ينافس المستورد الحقيقي، ويؤدي إلى عزوفه عن الاستيراد والعمل.

من جهته، عضو غرفة تجارة دمشق، فايز قسومة، بيّن أن تكاليف المواد تتغير بشكل يومي من حوامل طاقة وكهرباء وأجور نقل وتكاليف أخرى، الأمر الذي يؤدي إلى ارتفاع الأسعار بشكل يومي، كما أن الرسوم الجمركية ارتفعت بنسبة 12 بالمئة، منذ أكثر من أسبوعين الأمر الذي انعكس على أسعار المواد وأدى إلى ارتفاعها.

وأوضح قسومة، أن الفجوة بين الدخل والأسعار باتت كبيرة جدا، مشيرا إلى أن التسعيرة التموينية التي يتم وضعها لمعظم المواد غير منطقية حاليا، ولا تتناسب مع التكاليف الحقيقية.

أما نائب رئيس جمعية حماية المستهلك في دمشق وريفها، ماهر الأزعط، اعتبر أن المواطن دخل في حالة سبات وبات بحاجة للإنعاش، نتيجة معاناته اليومية التي تزداد في ظل غلاء الأسعار اليومي وعدم تناسبها مع دخله المنخفض.

وأكد، أنه بعد قرار رفع سعر صرف الدولار من المصرف المركزي ارتفعت الرسوم بشكل تلقائي بنسبة 10 بالمئة، والبضائع الموجودة في الأسواق تم احتكارها نوعا ما من بعض التجار، موضحا أن ارتفاع سعر صرف الدولار ليس هو فقط العامل الوحيد الذي أثّر على الأسعار كما يظن البعض إنما ارتفاع الرسوم الجمركية كذلك.

وبيّن أن الأسعار في سوريا باتت اليوم أغلى من كل دول الجوار، مشيرا إلى أنه في حال لم تتدخل الحكومة ،وتقوم بتخفيض الرسوم الجمركية بما يتناسب طردا مع أسواق الدول المجاورة ستزداد معاناة المواطن بشكل أكبر، لافتا إلى أن أسعار حوامل الطاقة بازدياد مستمر والضرائب كذلك، ورأى أن همّ وزارة المالية الوحيد اليوم، هو جباية أموال طائلة من الضرائب ولا يهمها المواطن وارتفاع الأسعار، كما أشار إلى أن وزارة التجارة الداخلية تضع تسعيرة للمواد بشكل آني وغير صحيح ولا تتناسب مع التكاليف، لذا فالأسعار في السوق دائما أعلى من التسعيرة التموينية.

تضاعف كلفة المعيشة

بالعودة لتقارير سابقة لـ”الحل نت”، فإن تكلفة المعيشة خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة قد تضاعفت بشكل كبير ولافت للنظر.

فمع تردي سعر صرف الليرة والتضخم الاقتصادي الناتج عن ذلك، فقد تضاعفت فاتورة الأسرة السورية في العام 2020 إلى مليون ليرة محد أدنى، لترتفع إلى مليون ونصف في آذار/مارس 2021.

ومؤخرا تضاعفت هذا الفاتورة بنسبة 100 بالمئة، خلال عام واحد لتبلغ 3 ملايين ليرة سورية شهريا، وتأتي هذه الارتفاعات في تكلفة المعيشة وسط انخفاض كبير في مستوى الدخل لا يتناسب أبدا معها.

ارتفاع الأسعار بسوريا يختلف عن العالم

على الرغم من الاستقرار في الآونة الأخيرة للأسعار العالمية التي ارتفعت بُعيد الغزو الروسي لأوكرانيا، وتوقف سلاسل التوريد العالمية، والتي عادت مؤخرا بعد اتفاق استئناف تصدير الحبوب، بقيت الأسعار تميل للارتفاع بشكل مستمر في سوريا، دون وجود أي مبرر لذلك.

تقرير سابق لـ”الحل نت”، أشار إلى قرار وزارة المالية الصادر منذ أيام قليلة، والذي رفع الحد الأدنى للأسعار الاسترشادية للسكر والزيوت النباتية المستوردة، والتي تعد من المواد الغذائية الأساسية، حيث أصبح الحد الأدنى للسكر الخام 500 دولار للطن الواحد، و600 دولار للسكر المكرر، ورفع السعر الاسترشادي لزيت عباد الشمس إلى 1500 دولار، ولزيت النخيل إلى 1300 دولار، ليليه قرار آخر لوزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، برفع سعر السكر (النادر وجوده في الأسواق) إلى 4400 ليرة سورية للكيلوغرام المعبأ، مع توقعات برفع سعر الزيت لاحقا.

وأوضح التقرير، أنه ما بين دراسة التخفيض وقرار الرفع، لم يكن لأسعار مختلف المواد الغذائية سوى أن ازدادت بنسب كبيرة ومتسارعة، فضلا عن نقص في المخازين وندرة بعض المواد في الأسواق، ليشهد الأسبوع الأخير بمفرده ارتفاعا جديدا على مختلف السلع دون أي مبّرر، حتى حجة التأثر بالأزمات العالمية ومشكلات الشحن لم تعد تنفع بعد استقرار الأسعار العالمية، بما فيها أسعار البورصات العالمية وأسواق النفط.

التقرير، أشار إلى أنه بعد خروج أول سفينة محمّلة بالحبوب من ميناء أوديسا، إثر الاتفاق الروسي الأوكراني، بدأت أسعار المواد الغذائية في العالم بالعودة إلى ما كانت عليه، إلا محليا، فهي آخذة بالارتفاع دون مبرر اقتصادي، فالإجراءات والقرارات التي تُتخذ محليا لا مثيل لها في العالم مما جعل من سورية واحدة من أغلى دول العالم بالمعيشة، معتبرا أن ما يجري هو “أزمة إجراءات”، تصدر بهدف معين لتعطي نتائج معاكسة على مختلف القطاعات، وكمثال على ذلك قرارات تجفيف السيولة مقابل تثبيت سعر الصرف، نجحت نظريا بتثبيت السعر الرسمي، إلا أن أسعار السلع بمختلفها ترتفع تقريباً  25بالمئة، تحسبا لأية ارتفاعات بسعر السوق السوداء.

تسعى الحكومة لتغطية العجز هذا بالضرائب ورفع الرسوم الجمركية وابتزاز المواطن، ولا إجراءات حكومية ايجابية في هذا السياق، وبالإضافة لذلك فإن التحكم في سعر صرف الدولار ينعكس على كلفة هذه البضائع أضعاف مضاعفة مقابل الحفاظ على مخزون استراتيجي من العملة الصعبة حسب ادعاءات البنك المركزي، وهذا عار عن الصحة لأن فرق سعر الصرف يدخل جيوب المسؤولين لا البنك المركزي.

تحديد الربح ليس الحل

تقرير سابق لـ”الحل نت”، أشار إلى أن وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، حددت في وقت سابق الحد الأقصى للربح في إنتاج أو استيراد عدد من المواد ولكافة حلقات الوساطة التجارية، حيث تم تحديد هامش الربح لحوالي 50 مادة، وتراوح الحد المسموح به بالربح بين 4 – 10بالمئة، للمستورد وتاجر الجملة، وبين 5 – 13بالمئة، لبائع المفرق.

طابور من السوريين بانتظار الحصول على الغاز بالسعر المدعوم “وكالات”

كما تم تحديد الحد الأقصى للربح بـ9بالمئة، لتاجر الجملة في حال أُنتج أو استورد هذه المواد، (السمن والزبدة الحيوانية والزيت النباتي وزيت الزيتون والملح، والنشاء واللحوم والحليب المجفف كامل الدسم وخالي الدسم، وحليب الأطفال ومستحضرات أغذية الأطفال، والمتة والمشروبات الغازية والكحولية، والطحين المنتج والخبز السياحي والصمون والكعك، والبقوليات والبرغل والفريكة ومكعبات الثلج والمخللات، وأنواع من الأسمدة والبذور الزراعية، والمستورد من الألبسة المدرسية)، ويكون هامش الربح لبائع المفرق بهذه المواد بين 5 إلى 13بالمئة.

أما المواد التي كان هامش ربحها أقل من ذلك، فهي (الأرز والسكر ومعلبات اللحوم والسمسم والطحينة والحلاوة، والشاي المستورد والبن بأنواعه والطحين المستورد والدفاتر المدرسية)، ويكون هامش الربح لبائع المفرق بهذه المواد بين 5 إلى 9بالمئة.

قد يهمك:ارتفاع مفاجئ في أسعار اللحوم البيضاء بسوريا.. الكيلو  بـ26 ألفاً

ارتفاع الأسعار، المأساة الكبيرة التي يراها السوريون حاليا ويعيشونها دون القدرة على التّكيف معها، بالتزامن مع فشل حكومي ذريع في التعاطي مع هذا الواقع إلا باختلاق حجج مختلفة يحاولون من خلالها الإيحاء للسوريين أنهم يسعون للتخفيف عنهم.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.