خلال الأسابيع القليلة المقبلة، من المفترض أن شركة بريطانية تعمل لصالح إسرائيل، في استخراج الغاز من حقل “كاريش” المتنازع عليه بين لبنان وإسرائيل، وسط تهديدات متبادلة بين الجانبين باستخدام الحل العسكري لإنهاء النزاع على ترسيم الحدود، فما هي احتمالات وقوع حرب إسرائيلية لبنانية بسبب النزاع على النفط والغاز في المتوسط؟.

تصاعد التهديدات

التهديدات الإسرائيلية تصاعدت مؤخرا، بعد رفض الجانب الإسرائيلي لملاحظات قدّمها لبنان، على مسودة الاتفاق التي أعدتها تل أبيب، خلال المرحلة الأخيرة من المفاوضات، التي تتوسط فيها الولايات المتحدة الأميركية.

فوض المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغّر “الكابينت“، أمس الخميس، رئيس الوزراء يائير لابيد ووزير الدفاع في حكومته بيني غانتس، بإدارة “صراع محتمل” مع لبنان على الحدود الشمالية، في حال فشل إبرام اتفاقيات ترسيم الحدود البحرية مع لبنان.

 الصحفي والمتابع لملف المفاوضات اللبنانية الإسرائيلية ربيع دمج، يستبعد حدوث حرب مفتوحة بين إسرائيل و“حزب الله”، رغم التهديدات المتبادلة بين الجانبين، بسبب الخلاف على ترسيم الحدود.

ويقول دمج، في حديث خاص مع “الحل نت“: “لن تنشب حرب إسرائيلية لبنانية، لكن لا يمكن للبنان أو إسرائيل أن يخوضا الحرب، إسرائيل تهدد، لكن الأوضاع فيها لا تسمح بأن تخوض البلاد حرب، الوضع السياسي وكذلك الأمني ليس بأفضل حالاته، وبالتالي لا يمكن لإسرائيل خوض حرب الآن“.

ويضيف: “لا يوجد شيء يدل على بوادر حرب، إيران كذلك غير مستعدة لمساعدة حزب الله من جانب لبنان، في حرب مفتوحة ضد إسرائيل، لا سيما في ظل التوتر الداخلي في إيران وانشغالها، بالتالي الحرب مستبعدة“.

قد يهمك: تقدم على مستوى تشكيل الحكومة وترسيم الحدود في لبنان

ويتنازع لبنان وإسرائيل على منطقة بحرية غنية بالنفط والغاز في البحر المتوسط تبلغ مساحتها 860 كيلومترا مربعا، وتتوسط واشنطن في مفاوضات غير مباشرة بينهما لتسوية النزاع وترسيم الحدود.

أواخر عام 2020، انطلقت مفاوضات غير مباشرة بين بيروت وتل أبيب برعاية الأمم المتحدة بهدف ترسيم الحدود، وعُقدت 5 جولات كان آخرها في مايو/أيار 2021، ثم توقفت نتيجة خلافات جوهرية قبل أن يتم استئنافها.

خطة جاهزة

وفق المعطيات المتوفرة، هناك خطة أصبحت جاهزة عن كيفية انطلاق عملية رسم الحدود برا وبحرا، خاصة وأن إسرائيل أبدت مؤخرا حماسة لحل الموضوع بأقرب وقت، بحسب حديث المتخصصة في شؤون الطاقة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لوري هايتيان، لـ “الحل نت“، وبحسب المعلومات فقد وافقت اسرائيل على إعطاء لبنان مساحة 860 كيلومتر مربع، مع السماح لهم أيضا بالأفضلية في التنقيب بحقل “قانا“، ولكن ذلك لن يكون مجانا، إذ تسعى إسرائيل في الحصول على نقطة رأس الناقورة البرّية والمنطقة التي تقع فوقها (هي أخر نقطة لبنانية مع الحدود الإسرائيلية)، والتي لطالما كانت نقطة اختلاف بين البلدين.

للأسف فإن خط 23 لا ينطلق من رأس الناقورة، بحسب هايتيان، وبالتالي اعتبرت اسرائيل أن من حقها المطالبة به، وهنا تكمن العُقدة التي قد تعرقل نوعا ما خاتمة تلك المفاوضات. لبنان متمسك بالمساحات البرية التي تفصل بين الناقورة والحدود الإسرائيلية، لذا الأمر ليس سهلا.

وبحسب حديث الصحفي ربيع دمج، فإن عوائق إتمام اتفاق ترسيم الحدود، تتعلق بنقطة الناقورة الواقعة على الحدود اللبنانية الإسرائيلية من الجانب اللبناني، التي تسعى إسرائيل إلى الحصول عليها، مقابل إعطاء لبنان مساحة 860 كيلومتر مربع في المتوسط، مع السماح لبيروت أيضا بالأفضلية في التنقيب بحقل “قانا“.

قناة “كان” الإسرائيلية، أفادت بأن اجتماع تم عقده من قبل “الكابينت“، لمناقشة احتمالات التصعيد المحتمل مع لبنان، في أعقاب التطورات الأخيرة فيما يتعلق باتفاقيات ترسيم الحدود البحرية بين إسرائيل ولبنان، تمخضت عن تفويض “الكابينت” لحكومة لابيد بإدارة تصعيد محتمل على الحدود الشمالية في حال حدوثه“.

بحسب القناة الرسمية، “سمح لحكومة لابيد بوضع سيناريو تصعيد على الحدود الشمالية دون الحاجة إلى انعقاد الكابينت مرة أخرى“.

وبحسب “كان“، فقد حضر الجلسة مسؤولون أمنيون، من بينهم رئيسا جهازيّ “الموساد” و“الشاباك” الإسرائيليان، فيما نقلت القناة عن مسؤول لم تسمه، قوله إن: “اتفاقات ترسيم الحدود البحرية مع لبنان، باتت على فراش الموت، لذا يجب الاستعداد للمواجهة“.

ونتيجة للظروف الداخلية لإسرائيل، ينظر بعض المسؤولون في تل أبيب، بحذر إلى خيار الحرب، ذلك ما أكدته صحيفة “يديعوت أحرنوت“، نقلا عن وزراء في “الكابينت“.

كذلك يمكن استنتاج رغبة لبنان من عدم خوض حرب في المرحلة الراهنة، حيث صرح رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي الخميس، أن ترسيم حدود بلاده البحرية مع إسرائيل على مشارف الإنجاز، معتبرا أنه عبر ذلك “نتفادى حرباً أكيدة في المنطقة“.

المتخصصة في شؤون الطاقة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لوري هايتيان، تعتقد أن كل من الحكومتين اللبنانية والإسرائيلية، تريدان الإسراع في حل الملف، للتخفيف من تصعيد نصر الله، الذي كان يهدد بحرب بين البلدين في بداية أيلول/سبتمبر الحالي.

وأضافت هايتيان، في حديث سابق لـ“الحل نت“: “ثم عاد مهددا بالحرب في نهاية الشهر، هو يضغط جدا على إسرائيل ولكن قد يكون هناك مماطلة نوعا ما، إذ ترد معلومات حول تأجيل المفاوضات إلى ما بعد الانتخابات الإسرائيلية والأميركية وحتى اللبنانية، فيما “حزب الله”، يريد حسم الموضوع قبل رحيل الرئيس اللبناني ميشال عون، ليُقال، أن الاتفاق تمّ على عهده لكونه حليف الحزب، حيث تحقّق أكبر وأهم ملف لبناني“.

إحياء المفاوضات

بعد سنتين من انطلاق المفاوضات، قررت واشنطن إحياء الملف لحله جذريا، وفي حزيران/يونيو الماضي، تصاعد التوتر بين لبنان وإسرائيل، حين وصلت إلى المنطقة البحرية المتنازع عليها سفن تابعة لشركة “إنيرجيان”، مخصصة لاستخراج الغاز استؤجرت لحساب إسرائيل.

“حزب الله”، حذر مرارا إسرائيل من القيام بأي نشاط في حقل “كاريش”، قبل التوصل لاتفاق بهذا الشأن مع لبنان. وفي الثاني من تموز/يوليو الفائت، قالت إسرائيل إنها اعترضت ثلاث مسيّرات تابعة لـ “حزب الله”، كانت متجهة إلى منطقة حقول الغاز في البحر المتوسط.

هذا الجدل القائم بين الجانبين، يتمحور حول تمسك لبنان بأحقيته الكاملة في حقل “كاريش”، كونه يقع داخل جزء من المياه المتنازع عليها مع إسرائيل، فيما كانت الأخيرة تقول، إن “الحقل بأكمله يقع في منطقتها الاقتصادية الخالصة“.

“توتال” ستنقب وتدفع لإسرائيل حصتها

الوسيط الأميركي هوكشتاين، قدّم حلّا في شهر آذار /مارس الماضي، شرح فيه، أن بلوك تسعة، يكون للبنان وبلوك ثمانية، يتقاسمه لبنان مع إسرائيل، وعن بلوك تسعة قال، إذا كان هناك وجود لحقل “قانا” الأولوية ستكون للبنانيين وهم من سيبدؤون بالتنقيب؛ أما إذا تعدت “قانا” الخط 23 حتى الحدود الإسرائيلية، يتم معالجة الموضوع بإعطاء إسرائيل حقها، لكن يبقى لبنان المسؤول بمفرده في العمل على حقل “قانا“. لكن لبنان رفض هذا المقترح وطلب بأن يستفيد بمفرده منه، وأن يكون بلوك ثمانية، له فقط،.

هوكشتاين، عرض المقترح اللبناني على الجانب الإسرائيلي الذي بدوره أصرّ على أن المفاوضات تكون فقط حول 860 كيلومتر مربع، وبالتالي تريد إسرائيل إسقاط المطلب اللبناني الذي ينادي بحقل “كاريش”، مقابل “قانا“، وأن الحكومة الإسرائيلية تصرّ على أن أي حق لها في المنطقة المتنازع عليها ستطالب به من باب الإنصاف، وفق عجاقة.

في وقت سابق طالب نواب لبنانيون من رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية التوقيع على تعديل المرسوم 6433 واعتماد الخط 29 بدل الخط 23. وأعلن العميد بسام ياسين، رئيس الوفد اللبناني التقني العسكري المفاوض، أن تمسك لبنان بالخط 29 بدل الخط 23 يضمن حقوقه بحقل “كاريش” النفطي، كحقل متنازع عليه رسميا.

الجانب اللبناني لا يريد التقاسم مع الإسرائيليين لكن لم يذكر بأنه لن يعطي حقهم بالأرباح، وعرضت شركة “توتال” مثل تسوية، قالت فيها بأن لبنان سيأخذ كل “قانا” لكن عليه إعطاء مثل تعويضات لإسرائيل، ولكن ستدفعها شركة “توتال” من حصتها في الأرباح، وقد يقبل لبنان بهذا الحل مقابل الحصول على ضمانات من الشركة الفرنسية بالبدء جديا وقريبا في التنقيب، والضغط هنا يبقى على الفرنسيين الذين عليهم الضغط على شركة “توتال” للإعلان عن موعد للبدء بالتنقيب.

حقل “كاريش” للنفط والغاز الطبيعي، يقع في المياه الإقليمية بحوض البحر الأبيض المتوسط، ويبعد 100 كلم عن السواحل الإسرائيلية، وحوالي 75 كلم عن ساحل حيفا، تقدر مساحة الحقل بنحو 150 كيلومترا مربعا، ووفقا لوزارة الطاقة اللبنانية، فإن الحقل يبعد نحو 4 كلم فقط عن حدودها مع إسرائيل، وتحديدا في البلوك رقم 8، و7 كلم عن البلوك رقم 9، وهما تابعان للمياه الإقليمية اللبنانية.

حجم الاحتياطات من الغاز الطبيعي في حقل “كاريش“، يقدر بنحو 1.3 تريليون قدم مكعب، في حين تشير تقديرات أخرى إلى أن حجم الاحتياطات يتراوح بين 1.5 تريليون إلى 2 تريليون قدم مكعب، بحسب تقرير لموقع قناة “الجزيرة“.

مجمل مساحة المياه الإقليمية اللبنانية يقدر بنحو 22 ألف كيلومتر مربع، في حين تبلغ المساحة المتنازع عليها مع إسرائيل 854 كيلومترا مربعا.

يُقدّر حجم الاحتياطي البحري اللبناني من النفط بنحو 865 مليون برميل، وتقدر حصة لبنان من الغاز الطبيعي الذي يحتضنه البحر المتوسط بنحو 96 تريليون قدم مكعب.

جذور أزمة حقل “كاريش”، تعود إلى عام 2011، بحسب التقرير، حين أودع لبنان لدى الأمم المتحدة إحداثيات حدوده البحرية الجنوبية، معتمدا الخط رقم 23، بينما اعتمدت إسرائيل الخط رقم واحد.

اقرأ أيضا: مقترح نهائي لحل الخلاف الإسرائيلي– اللبناني حول حقل “كاريش”

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.