“مكثت لعدة سنوات نازحا في العاصمة دمشق. إلا أن المعيشة تبقى غالية في دمشق مقارنة بباقي المحافظات الأخرى، خاصة إيجار المنازل، لذا عدت منذ حوالي عامين إلى مدينتي حمص، لكن لم أستطع العودة إلى منزلي، لأنه شبه مدمّر ويتطلب مبالغ كبيرة لإعادة ترميمه، وهذا يفوق قدرتي المادية. لذلك قررنا استئجار منزل في أحد الأحياء الشعبية في حمص”، هذا حال السيد هشام الفيصل، مع التنقل بين المدن والأحياء، من أجل إيجاد منزل مستأجر يتناسب مع دخله، لإيواء أسرته.

يقول الفيصل، (وهو رجل في الستينيات من عمره)، إنه على الرغم من عمله نهارا وليلا، إلا أنه لا يستطيع تأمين متطلبات الحياة اليومية، نتيجة الارتفاع الدوري للأسعار بين حين وآخر، بالإضافة إلى تأثر أسعار العقارات بهذا الارتفاع، وبالتالي يجد نفسه في مواجهة غلاء إيجارات المنازل المتزايدة بشكل دوري أيضا، فيضيف لـ”الحل نت”: “البيت الذي أسكن فيه مع عائلتي يتجاوز قيمة راتبي الحكومي الذي لا يتجاوز 140 ألف ليرة سورية، وكل ثلاثة أو ستة أشهر يأتي صاحب المنزل ويرفع الإيجار، ويبرر ذلك بارتفاع الأسعار. وأن له أيضا الحق في رفع إيجار منزله”.

إن الأرقام المرتفعة التي وصلت إليها أسعار إيجارات المنازل مؤخرا في سوريا، لا تزال تسجل زيادات مستمرة، ما يضاعف من الأعباء التي باتت تثقل كاهل المواطنين بشكل كبير. فقد وصل إيجار الشقق في أحد أحياء دمشق إلى 5 ملايين ليرة سورية، أي نحو 1100 دولارا أميركيا، وفي محافظة حمص يتجاوز آجار البيوت في أحد الأحياء، المليون ليرة سورية، بينما لا يتجاوز راتب الموظف الحكومي عتبة الـ 165 ألفا، أي حوالي 30 دولارا.

ارتفاع بنسبة 100 بالمئة

في بلد أرهقته الحرب منذ أكثر من عشر سنوات، حيث يزال الوضع يتدهور للأسوأ، ويضيق الخناق على السوريين في الداخل يوم بعد يوم، تشهد أسعار إيجارات العقارات الشهرية للمنازل السكنية والمحال التجارية في مدينة حمص حاليا أرقاما جنونية غير مسبوقة، وتضاعفت هذه الأجور هذا العام لذات العقارات بنسبة تزيد على 100 بالمئة، مقارنة بالعام الماضي.

في إطار قيم الإيجارات خلال هذه الآونة بمدينة حمص في كل من الأحياء الشعبية والمخالفات والأحياء المتوسطة والحديثة أو القريبة من مركز المدينة أو المواقع الخدمية، فقد سجّل متوسط إيجار المنزل في الأحياء الشعبية والمخالفات، مثل أحياء وادي الذهب وكرم الزيتون وحي الورود والبيّاضة، ما بين 150 ألفا إلى 250 ألف ليرة سورية شهريا، وفق تقرير لصحيفة “الوطن” المحلية، اليوم الإثنين.

أحد أحياء حمص المدمرة “إنترنت”

فيما كان متوسط الإيجار في الأحياء نفسها خلال العام الماضي يتراوح ما بين 50 ألفا إلى 100 ألف ليرة سورية، فيما يتراوح متوسط إيجار المنازل والمحال في الأحياء المتوسطة، مثل النزهة وعكرمة القديمة والعدوية وكرم الشامي والخضر، ما بين 300 ألف إلى 450 ألفا شهريا، وكان متوسط الإيجار في العام الماضي لا يتجاوز 150 ألف ليرة سورية، وأما أسعار الإيجارات في الأحياء الحديثة أو القريبة من مركز المدينة والخدمات، مثل شارع الحضارة والدبلان والغوطة والحمرا والإنشاءات والمحطة، فيتراوح حاليا ما بين 400 ألف إلى ما يزيد على مليون ليرة سورية بحسب حالة العقار الفنية وإكسائه ومساحته وموقعه.

قد يهمك: رفع الأسعار في سوريا.. “لا حسيب ولا رقيب”!

الإيجارات تفوق قيمة الراتب

في إطار ارتفاع أسعار الإيجارات في سوريا، والتي باتت تفوق بعدّة أضعاف لرواتب الموظفين الحكوميين ومتوسطي المداخيل، فقد بيّن عدد من المستأجرين، بأن بدل الإيجار الشهري الذي يدفعونه للمؤجر يفوق قدرتهم المادية وأكثر من رواتبهم بكثير، إلا أنهم مضطرون للإيجار لكونهم لا يملكون أي عقار يقطنون به ما يضطرهم لعمل إضافي إلى جانب عملهم الأساسي لتلبية متطلبات الحياة المعيشية الصعبة، لافتين إلى أن عملية البحث عن عقارات للإيجار في المدينة كل ستة أشهر أو عام بعد انتهاء عقد الإيجار تؤرق حياتهم، ويزيد ضغط الطلب على العقارات الأمر الذي يؤدي لارتفاع إيجارات المنازل مجددا، وما تزيد صعوبة الأمر والضغط على المستأجرين، هو أن أغلبية أصحاب العقارات السكنية يطلبون دفع قيمة الإيجار مقدما لمدة عام كامل أو لمدة 6 أشهر وفق عقد الإيجار المنظّم مع المؤجر.

بالعودة إلى الرجل الستيني، هشام الفيصل، فقد أضاف: “أنا أعمل موظفا حكوميا، وراتبي لا يكاد يقارب 140 ألف ليرة سورية، وهذا الراتب لا يكفي لمصروف بضعة أيام، لذا فأعمل منذ سنوات سائق لسيارة أجرة، أو تكسي كما يقولون، وبدوام مسائي، لأؤمن ما يمكن تأمينه من احتياجات عائلتي المعيشية، التي باتت تثقل كاهلنا”.

الفيصل، يقطن في حي شعبي في حمص، ويسكن في منزل للإيجار مع عائلته، بقيمة 250 ألف ليرة سورية، شهريا. ويطالبه صاحب المنزل حاليا بزيادة إيجار المنزل، بسبب غلاء الأسعار وغلاء المعيشة بشكل عام، بحسب ما قال لـ “الحل نت”.

بدورهم، قال عدد من المؤجرين للصحيفة المحلية، أن ارتفاع الأسعار طال كل شيء بشكل جنوني وغير مسبوق، وإيجار العقارات مثلها كمثل أي شيء ارتفع وتضاعف ثمنه، مشيرين إلى أن ثمن العقار في حي النزهة على سبيل المثال كان منذ سنوات لا يتجاوز 30 مليون ليرة سورية وكان بدل إيجاره نحو 20 إلى 25 ألفا وحاليا يزيد سعره على 150 مليون ليرة سورية ومن الطبيعي أن يصبح بدل إيجاره يزيد على 300 ألف.

قد يهمك: مصروف “الجيبة” بالآلاف.. هم جديد على السوري

ما الأسباب؟

في إطار أسباب ارتفاع إيجارات العقارات في سوريا، أشار عدد من أصحاب مكاتب الوساطة العقارية إلى أن تحديد أجرة العقارات إن كان شقة أو محلا، يتم وفق اعتبارات معينة بحسب الطلب والموقع والخدمات وقربها من المؤسسات، كالجامعة والمشافي ومحطات الانطلاق وغير ذلك، علاوة على موضوع مدى تجهيز العقار والإكساء الذي يتميز به، مبيّنين أنه ليس بمقدور كل المواطنين الاستئجار في تلك المواقع لذا يتّجهون إلى الأحياء الشعبية ومناطق المخالفات الواقعة خارج المخطط التنظيمي لمدينة حمص لكون العقارات تكون فيها أرخص، وهذا ما زاد الطلب على العقارات وبالتالي ارتفاع بدل إيجارها.

من جانبه، رد رئيس مجلس مدينة حمص عبد الله البواب، أسباب ارتفاع الإيجار إلى تضخم، الأسعار على وجه العموم والغلاء المعيشي على وجه الخصوص، مبينا أن من يمتلك عقارا للإيجار يتحكم فيه، ولاسيما أن هناك الكثير من العقارات في المدينة تهدمت ولم يتمكن أصحابها من إعادة ترميمها ما زاد الطلب على العقارات للاستئجار.

في حين، رأى آخرون أن عددا كبيرا من العائلات التي كانت نازحة خلال سنوات الحرب عادت إلى المدينة، وليس بمقدورها ترميم منازلها ما زاد الطلب على عمليات البحث عن شقق للإيجار، خاصة أن زيادة الطلب لم يواكبها تشييد أبنية حديثة، ما أثر على حركة العرض وأدخل العقارات في الكثير من المناطق والأحياء ضمن معادلة المضاربة، مشيرين إلى أنه ومع الضغط على طلب العقارات المعروضة للإيجار بدأ الارتفاع في الإيجارات سواء للعقارات السكنية أم التجارية وتضاعفت عاما بعد عام.

ونوّه البواب، إلى أن الموضوع يخضع للعرض والطلب ومدى قرب العقارات للمدينة، ولاسيما مع قلة المحروقات ووسائط النقل ما دفع الكثير من القاطنين بالريف إلى التوجه إلى المدينة والإقامة فيها ما زاد الطلب على الإيجار.

في تقرير سابق لصحيفة “الوطن” المحلية، نُشر مؤخرا، اعتبرت جميع المكاتب العقارية، أن الأوضاع الحالية للصناعات السكنية والعقارية تتسم بالركود وتراجع الربحية.

وقال مجد، وهو أحد مالكي مكاتب العقارات في جرمانا، إن الإجراءات التي اتُخذت فيما يتعلق بعمليات الشراء والبيع (قانون بيع العقارات)، أثرت بشكل كبير على سوق العقارات بسبب أوضاع التحويلات المالية والمصرفية والموافقات الأمنية، واللجان التي أنشئت لتحديد متوسط أسعار المنازل في كل منطقة.

دمشق

فبالإضافة إلى مواد البناء الباهظة الثمن والكسوة التي قد تصل تكلفة الإكساء إلى 600 ألف ليرة للمتر المربع، يفضّل المغتربون شراء المنازل في مناطق إقامتهم، بعد مقارنة الأسعار ببلاد الاغتراب فيجد أن السعر ذاته، وعليه فقد تأثر هذا السوق بسبب عزوف بعض المغتربين عن الشراء نهائيا.

قد يهمك: المزارع والمواطن في كفة واحدة أمام ارتفاع تكاليف الإنتاج.. الأسعار في تزايد؟

الإيجارات في دمشق

في إطار أسعار الإيجارات العقارية في العاصمة دمشق، فإن الأمر مشابه لمحافظة حمص، ولكن بأرقام أكبر، حيث أن عبارة “لم نعد نستطيع التحمّل”، بات يرددها الكثير من المستأجرين الذين أثقلت كاهلهم الإيجارات واستنفدت مدّخراتهم، وأصبحوا أقرب إلى التشرد، إذ أن موجة ارتفاع الأسعار التي شهدتها جميع الأسواق مصحوبة بارتفاعات متتالية في الإيجارات في طريقة تواكب المتغيرات السعرية الضاربة بقوة في الواقع المعيشي.

في وقت سابق، أكد أصحاب المكاتب العقارية أن أسعار الإيجارات تتفاوت من منطقة إلى أخرى حسب تصنيف هذه المنطقة وقربها من وسط المدينة أو في الضواحي، فتراوح إيجار الشقة المكسية في منطقة كفرسوسة، من 5 ملايين إلى 10 ملايين ليرة شهريا للمنزل الذي لا يتجاوز 70 م2، وفق ما أوردته صحيفة “البعث” المحلية، مؤخرا.

يحيى خليل، أحد طلاب الجامعة، يدرس في كلية الطب البشري بجامعة دمشق، من سكان محافظة الحسكة، مستأجر مع أحد زملائه في منطقة الشيخ سعد بدمشق، وقيمة الشهرية لإيجار المنزل يبلغ 800 ألف ليرة سورية، ويريد صاحب المنزل حاليا زيادته، مبررا ذلك بارتفاع الأسعار، إثر تدهور الليرة السورية مقابل النقد الأجنبي.

الطالب الجامعي، أضاف لـ”الحل نت”، قائلا:” أنا طالب في السنة الثالثة بكلية الطب بدمشق، وحقيقة لم أحصل على سكن جامعي، لأنني لم اترفع خلال عامي الدراسي. لذا اضطررت لاستئجار منزل مع رفاقي، ونحن 3 أشخاص، وكل واحد منا يدفع شهريا قرابة 275 ألف ليرة سورية، ونحن طلاب ولا نزال نأخذ مصروفنا من أهالينا”.

وأردف خليل، بالقول: “آخذ مصروفي شهريا من أحد إخوتي أو والدي، لكن هذا بات يشكل عبئا عليهم أيضا، فكل شهر أحتاج إلى حوالي مليون ليرة سورية، وأحيانا أكثر، من إيجار المنزل، لمتطلبات الدراسة والمواصلات والمعيشة وخاصة الغاز وما شابه”.

وفقا لتقرير الصحيفة المحلية في وقت سابق، فإن أسعار العقارات لم تزد إلا بنسبة لا تتجاوز 5 بالمئة منذ بداية العام الجاري، ولكن في عامي 2020 و2021، أي بعد تفشي وباء فيروس “كورونا”، ارتفعت الأسعار بنحو 50 بالمئة.

وبحسب مالك المكتب، فإن سعر أي منزل بأسوأ منطقة في جرمانا يتجاوز الـ 100 مليون ليرة، أما المناطق الجيدة فيتراوح سعر المنزل فيها بين 300 – 600 مليون ليرة، وينخفض السعر إلى نحو 60 مليون ليرة في مناطق الغوطة.

وأشار، إلى أن سعر المتر في العاصمة يصل إلى 20 مليون ليرة، أي إن سعر الشقة التي تبلغ مساحتها 100 متر في منطقة كفرسوسة يتراوح بين 2-3 مليارات ليرة، أما سعر ذات الشقة في ضاحية قدسيا فيصل إلى 500 مليون ليرة، أي إن سعر المتر الواحد يبلغ 5 ملايين ليرة.

أسعار العقارات في سوريا، تشهد ارتفاعا مستمرا منذ عدة سنوات، وذلك لعدة أسباب، من بينها زيادة أسعار مواد البناء، وانخفاض قيمة الليرة مع بقاء الانخفاض في الدخل، وأخيرا أسباب تتعلق بتصرفات حكومية خاطئة، رافق ذلك ركود في السوق.

من جهته، أوضح الخبير الهندسي، الدكتور محمد الجلالي، أن التجارة الداخلية حاليا في حالة ركود بسبب تراجع القدرة الشرائية لليرة السورية وتقلبها المستمر، مضيفا: “أما الذين يلجأون حاليا إلى بيع منازلهم للمتاجرة بها واستئجار منزل آخر للسكن. وهو يفعل هذا لأن تكاليف العقارات مرتفعة نسبة إلى الدخل، الأمر الذي يجعل الإيجار أقل أشكال الاستثمار تكلفة. ونتيجة لذلك، قد يساعد شراء وبيع المساكن الشخص على زيادة قيمة مضافة”.

واعتبر الجلالي، أن الارتفاع في أسعار العقارات أمر طبيعي وخاصة أمام التضخم الجامح، الذي تعيشه البلاد؛ وبعبارة أخرى، فمع ارتفاع الأسعار بشكل عام مقارنة بما كانت عليه قبل عام 2011، انخفضت أسعار العقارات، حسب تعبيره.

أحد مناطق العاصمة دمشق “إنترنت”

ونوّه الجلالي، في تصريحات صحفية سابقة، إلى تأثير أزمة المحروقات على أسعار الإسمنت، وأضاف: “ما بين 60 و70 بالمئة من تكاليف إنتاج الإسمنت هي مازوت وفيول، إذ إن عملية تكسير الصخر وحرقه من أجل صناعة الإسمنت تحتاج إلى الطاقة ومع ارتفاع أسعار الطاقة عالميا نجد أن تكاليف الإنتاج باتت مرتفعة“.

هذا ويعاني الأهالي من ارتفاع الأسعار وضعف القوة الشرائية، الأمر الذي زاد الطين بلّة مع الارتفاع الأخير في أسعار المحروقات والمواد الأولية الأخرى، في ظل انهيار الليرة السورية أمام النقد الأجنبي وتلاشي قيمتها الشرائية مع تدني الرواتب في القطاعين العام والخاص.

قد يهمك: الإنترنت في سوريا.. “أسعار فضائية وغياب للتغطية”

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.