بعد تفجير جسر القرم أو ما يعرف بجسر كيرتش، ما تسبب في اندلاع حريق كبير في هذا المعبر الرئيسي بين شبه الجزيرة الأوكرانية التي ضمتها موسكو والبر الرئيسي الروسي، وتعطيل أهم خط إمداد للقوات الروسية المقاتلة في جنوب أوكرانيا ووجه ضربة محرجة لموسكو، أما رد موسكو فقد جاء بهجمات صاروخية خلال اليومين الماضيين، كما نفّذت موسكو، صباح الإثنين، ثلاثة انفجارات عنيفة في العاصمة الأوكرانية كييف، الأمر الذي بات لافتا أن استراتيجية جديدة بدأ الطرفان باتباعها، خاصة بعد نجاح القوات المضادة للطائرات في إلحاق خسائر فادحة بطائرات الطرفين. مما أدى إلى انخفاض ملحوظ في استخدام القوات الجوية (الطائرات) في الحرب.

فبعد أن كان الطيران دائما الذراع الطويلة للجيوش وقوتها الضاربة التي تلعب الدور الحاسم في المعارك، يبدو أن الروس والأوكرانيين، يبتعدان عن هذا التكتيك العسكري، ويلجأون إلى استراتيجية جديدة وهي تنفيذ انفجارات في مناطق وأماكن حيوية وحساسة للغاية لمسارات الإمدادات العسكرية.

لذا، من هنا يُجدر التساؤل عما إذا كان استخدام القوة الجوية أصبح تكتيكا قديما أو أصبح غير مجدٍ، بعد تبادل الانفجارات بين الجانبين (جسر القرم والانفجارات العنيفة التي حدثت في كييف)، وهل سيكون هناك استراتيجية جديدة للحرب في الفترة المقبلة بعيدا عن القصف الجوي والقتال على الأرض، كما أن هناك العديد من التساؤلات حول جدوى وتداعيات الهيكل الاستراتيجي هذا، على المستويين العسكري والمدني، وما إذا كانت الحرب في أوكرانيا خلال المرحلة المقبلة ستشهد تبني الطرفان لاستراتيجيات جديدة في القتال.

استراتيجية جديدة؟

مسؤولون أوكرانيون، قالوا إن انفجارات ضربت العاصمة كييف، اليوم الإثنين، مما أدى إلى سقوط قتلى وجرحى، في حين قال عمدة المدينة، فيتالي كليتشكو، إن عدة انفجارات هزت منطقة شيفتشينكيفسكي بكييف.

وقالت وسائل إعلام غربية، إن انفجارات كبيرة هزت العاصمة الأوكرانية عقِب سماع صوت صواريخ قادمة، كما أكد متحدث باسم خدمات الطوارئ الحكومية وقوع قتلى وجرحى. وقال شاهد لوكالة “رويترز”، إن الدخان الأسود شوهد يتصاعد من مبنى في وسط المدينة بعد سماع صوت انفجار.

وقعت الانفجارات قرابة الساعة 8,15 (5,15 بتوقيت غرينتش)، بعد أكثر من ساعة على انطلاق صفارات الإنذار. حيث أكد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، وقوع قتلى وجرحى بعد التفجيرات التي استهدفت عددا من المدن الأوكرانية بينها كييف.

وسُمع دوي انفجارات في لفيف وترنوبيل غرب أوكرانيا، ودنيبرو وسط البلاد، تزامنا مع تواصل القصف على كييف، حسب وكالة “رويترز”.

وأكد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، سقوط قتلى وجرحى بعد التفجيرات التي استهدفت عددا من المدن الأوكرانية بينها كييف، صباح الاثنين، داعيا المواطنين إلى “البقاء في الملاجئ”، مشيرا في قناته على “تليغرام”، بأن روسيا “تحاول تدميرنا ومسحنا من على وجه الأرض تماما”.

هذا ولقى 5 أشخاص على الأقل مصرعهم، وأصيب 12 آخرين في القصف الروسي على العاصمة الأوكرانية كييف، صباح اليوم الإثنين، حسب الشرطة الأوكرانية، مشيرة في بيان على صفحتها الرسمية على منصة “فيسبوك”، إن “معظم الاصابات سجلت بوسط العاصمة”، مبرزة بأن الحصيلة تبقى أولية.

وساد الهدوء في كييف إلى حد كبير منذ الشهور الأولى لبدء الحرب في شباط/فبراير الفائت، حيث توجه اهتمام روسيا نحو شرق وجنوب البلاد بعد “عجزها” عن الإطاحة بحكومة الرئيس فولوديمير زيلينسكي.

ضمن هذا الإطار، يرى الباحث والمحلل السياسي في الشأن الروسي، ديمتري بريجع، أن “هذه التفجيرات التي وقعت بفعل من قبل الجانبين هي بالطبع استراتيجية مختلفة، أو يمكننا تسميتها هجمات تشبه إلى حدّ ما تلك التي استخدمتها الجماعات الإسلامية المتطرفة في الماضي، تنظيم داعش الإرهابي على سبيل المثال، حيث بدأ كل طرف في استخدام هذه الاستراتيجية، الأمر الذي يشير إلى أن هناك ارتباكا وتخبطا في ساحة المعركة أو في خط المواجهة بينهما، لذلك بدأ في اتباع مثل هذه الأساليب”.

بريجع، رجح إلى أن هذه الطرق ستتحول على الأرجح إلى قصف لمناطق ومراكز مهمة للطرفين، خلال الأشهر المقبلة، بالنظر إلى أن هذه الاستراتيجية بات من الواضح أن الجانبين يتابعانها، من خلال الأحداث الأخيرة، خاصة بعد قيام موسكو باستهداف، كييف، بالطائرات المسيرة، على حدّ تعبير بريجع لموقع “الحل نت”.

من الواضح، وفق اعتقاد بريجع، أن هذه الاستراتيجية قد تستمر لفترة معينة، وفي العام المقبل سيشهد المزيد من التصعيد بين الطرفين، وقد يستخدم الطرفان استراتيجية التفجيرات لاستهداف مراكز القرار؛ المراكز السياسية والعسكرية والمهمة مثل الجسور الحيوية التي تربط المناطق المختلفة والمرتبطة بنقل اللوجستيات إلى القوات العسكرية.

قد يهمك: ما سيناريو انتهاء الغزو الروسي لأوكرانيا؟

“استراتيجية خطيرة”

الباحث والمحلل السياسي في الشأن الروسي، ديمتري بريجع، نوّه إلى نقطة هامة، وهي أن هذه الاستراتيجية استخدمتها الجماعات الإرهابية في حروبها، مثل تنظيمي “القاعدة” و”داعش” الإرهابيين، عندما كانوا يفجرون جسورا وطرقا حيوية مهمة، وقد استخدموا ذلك في سوريا (الرقة ودير الزور)، والعراق.

الفرق، وفق بريجع، أن روسيا، إلى جانب الانفجارات التي بدأتها، قد استخدمت الطائرات بدون طيار في حربها ضد أوكرانيا، من أجل استعادة بعض المناطق، وقد تستفيد القوات الروسية في استعادة بعضها، إذا كثّفت استخدامها لهذه الاستراتيجية.

ويأتي القصف الروسي بعد ساعات من أول تصريح لبوتين، حول الانفجار الذي وقع يوم السبت، على جسر مضيق كيرتش، والذي عطّل أهم خط إمداد للقوات الروسية التي تقاتل في جنوب أوكرانيا ووجه ضربة محرجة للكرملين.

الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، وصف الهجوم على الجسر بـ”الإرهابي”، وأضاف أنه يهدف إلى تدمير البنية التحتية المدنية ذات الأهمية الحاسمة للاتحاد الروسي”.

وطيلة اليومين الماضيين، صعّدت موسكو من هجوماتها على أوكرانيا، في أعقاب الانفجار الذي تعرض له جسر “كيرتش”، الذي يربط شبه جزيرة القرم المحتلة مع البر الرئيسي لروسيا.

قد يهمك:  المفاوضات بين روسيا وأوكرانيا.. هل تغيّرت المعادلة وما مصير التهديدات النووية؟

هجوم روسي واسع

الهجوم الروسي، لم يقتصر على كييف فقط، بل شمل عدة مدن روسية، وأعلن الرئيس الأوكراني أن روسيا استهدفت البنية التحتية للطاقة في حملة القصف التي شنتها، مشيرا إلى استخدام عشرات الصواريخ وطائرات مسيرة إيرانية.

وقال زيلينسكي، في فيديو نشره على مواقع التواصل الاجتماعي، “يريدون بث الذعر والفوضى، يريدون تدمير نظام الطاقة” مضيفا أن ضربات بواسطة “عشرات الصواريخ” وطائرات مسيرة إيرانية من نوع “شاهد”، استهدفت جميع أنحاء أوكرانيا، ولا سيما كييف ومناطق خميلنيتسكي ولفيف ودنيبرو وفينيتسيا وزابوريجيا وسومي وخاركيف وجيتومير.

هذا وأبلغت السلطات بمدن لفيف وترنوبيل غرب أوكرانيا، ودنيبرو وسط البلاد عن تعرضها لهجمات صاروخية صباح الإثنين، تزامنا مع تواصل القصف على كييف، وفق وكالة “رويترز”.

رئيس الإدارة العسكرية الإقليمية بدنيبرو، فالنتين ريزنيشنكو ، كشف بأن “هجوما صاروخيا مكثفا استهدف المنطقة، وتسبب في سقوط قتلى وجرحى”.

وأعلن، رئيس الإدارة العسكرية في سومي، دميترو تشيفيتسكي، عن تعرض المنطقة لهجوم بصاروخين أصابا منشأتين للبنية التحتية، وتسببا في سقوط جرحى وتسجيل انقطاع للتيار الكهربائي وإمدادات المياه بعدّة مناطق”.

في حين، اعتبر وزير الخارجية الأوكراني دميترو كوليبا، بأن الضربات الصاروخية الروسية تظهر بأن فلاديمير بوتين، “إرهابي يتحدث بلغة الصواريخ”، مضيفا، أن “تكتيك بوتين الوحيد هو الإرهاب ضد المدن الأوكرانية المسالمة، لكنه لن ينجح في كسر أوكرانيا”.

هذا وكان الكرملين، قد أمر لجنة التحقيق بالنظر في الانفجار الذي هزّ الجسر الحيوي، حيث التقى باستريكين مع بوتين، الأحد، لاطلاعه على النتائج التي تم التوصل إليها حتى الآن.

جسر القرم أو جسر كيرتش

وكان الجسر فوق مضيق كيرتش يمثل الجزء الأكبر من إمدادات الوقود والغذاء لشبه جزيرة القرم ويمثل الطريقة الوحيدة للسفر من شبه الجزيرة وإليها للروس العاديين. وشكّل تفجير الجسر، ضربة وإهانة شخصية لبوتين، الذي افتتح الجسر في 2018 في خطوة أراد منها أن يقول لروسيا ولأوكرانيا وللعالم أن شبه جزيرة القرم التي احتلها وضمها في 2014 قد عادت إلى حضن روسيا الأم إلى الأبد، وفق مراقبين.

يبدو أنه بعد استهداف جسر “كيرتش”، باتت طموحات بوتين، في أوكرانيا تتضاءل. وفي الأشهر المقبلة، سيراقب العالم بقلق عميق كيف ستتكشف الحرب في أوكرانيا، والتكتيكات العسكرية الجديدة التي ستجلبها الحرب هناك، والتي قد تكون لها مزاعم سلبية كبيرة؛ على المستويين البشري والمادي، وخاصة من خلال استهداف أهم المراكز مثل الجسور الكبرى.

قد يهمك: “الاغتيالات القسرية”.. استراتيجية جديدة لبوتين للانتقام من الغرب؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة