مرحلة الهدوء التي تعيشها المطارات السورية مؤخرا بعد التصعيد الجوي الإسرائيلي عليها والذي امتد من حزيران/يونيو إلى ما بعد منتصف أيلول/سبتمبر الماضي، وركز بشكل كبير على مطاري دمشق وحلب، لا تعني بطبيعة الحال توقف الضربات الإسرائيلية نهائيا، وإنما يمكن اعتبارها أحد المؤشرات على اقتناع طهران بضرورة تحييد المطارات السورية ولو مؤقتا، عن نقل الشحنات العسكرية إلى سوريا ولبنان.

مراقبون للوضع يرون بتراجع وتيرة الضربات الإسرائيلية التي تستهدف بها المطارات السورية، مؤشرا على تناقص عدد الشحنات العسكرية التي تحاول إيران تمريرها للميليشيات التابعة لها من جهة، وإلى انشغال النظام الإيراني بمتابعة الاحتجاجات الداخلية التي لا زال نطاقها الجغرافي يتوسع منذ أسابيع، على خلفية وفاة الشابة مهسا أميني بعد أن احتجازها من شرطة الأخلاق، من جهة أخرى.

آخر الضربات الإسرائيلية التي سُجلت فجر السبت 17 أيلول/سبتمبر الماضي، استهدفت مطار دمشق الدولي ومواقع عسكرية جنوب دمشق، ونُفذت برشقة صواريخ  مصدرها شمال شرق بحيرة طبريا، وأسفرت وفق وكالة الأنباء السورية “سانا” عن مقتل خمسة عسكريين ووقوع بعض الخسائر المادية، وقبلها بأيام تم استهداف مطار حلب الدولي لمرتين في غضون أسبوع.

سادت التهدئة بعد ذلك، وهو ما يرجعه عادل ياسين الباحث الفلسطيني المختص بالشأن الإسرائيلي، خلال حديثه لـ “الحل نت” إلى طبيعة المعلومات التي تتمكن أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية من الحصول عليها، حول نقل أسلحة ومعدات من إيران إلى سوريا، ومنها إلى “حزب الله” اللبناني.

إيران تمتلك رؤية استراتيجية بعيدة المدى لترسيخ وجودها في سوريا ونفوذها في المنطقة ولن توقف محاولاتها إمداد “حزب الله” بالأسلحة والوسائل التي تمكنه من تطوير منظومته الصاروخية الدقيقة والطائرات المسيرة من خلال طرق إمداد عديدة برا أو جوا أو بحرا، وفق ياسين.

تبديل طرق الإمداد

مصادر متقاطعة كانت قد عزت تكثيف الضربات الإسرائيلية على المطارات السورية إلى زيادة الرحلات الجوية “المدنية” من طهران إلى مطاري دمشق وحلب، مرجحة أن تكون الرحلات التي تتم بغطاء مدني قد نقلت أطنانا من الأسلحة وعناصر “الحرس الثوري” الإيراني.

إيران توجهت إلى الطريق الجوي بسبب اضطراب حركة نقل الأسلحة برا، وفق ما أكدت وكالة أنباء “رويترز”، التي نقلت عن مصادر دبلوماسية واستخبارية قولها في 1 أيلول/سبتمبر الماضي، أن إسرائيل كثفت غاراتها على المطارات السورية لمنع إيران من نقل أسلحة إلى جماعات موالية لها في سوريا وإلى “حزب الله” في لبنان.

مصدر مخابراتي يعمل في المنطقة ومنشق عن الجيش السوري على دراية بأهداف الضربات يقول للوكالة، إن الدافع وراء هذا التحول هو استخدام إيران المتزايد لشركات الطيران التجارية في نقل الأسلحة إلى المطارين السوريين الرئيسيين بدلا من النقل البري، بعد اضطراب حركة النقل بالبر.

إيران زادت من اعتمادها مؤخرا على الرحلات الجوية لنقل الأسلحة إلى سوريا، بعد ارتفاع منسوب الخطر في النقل البري، حيث تتعرض الشحنات البرية للاستهداف من قبل طائرات التحالف الدولي والإسرائيلية، بحسب، حديث رئيس مركز “رصد للدراسات الاستراتيجية” العميد عبد الله الأسعد، لـ”الحل نت”.

كذلك يبدو أن الانقسام بين الميليشيات المدعومة من إيران في سوريا، نتيجة تضارب مصالحها والصراع على المعابر غير الشرعية وصعوبة ضبط الميليشيات، وفق الأسعد،  قد أسهم كذلك في دفع طهران إلى تكثيف النقل الجوي.

في الفترة الأخيرة، تواترت الأنباء عن خلافات بين مجموعات مختلفة من الميليشيات التابعة لإيران، في دير الزور وريفها الشرقي قرب حدود العراق، ومرد هذه الخلافات الصراع على المعابر وعدم تجانس الميليشيات، كما يؤكد المحلل السياسي فواز المفلح لـ”الحل نت”.

إلى جانب منظومة الاستطلاع المتطورة التي تمتلكها إسرائيل، حسب المفلح، هناك تعاون أمني واضح بين واشنطن وتل أبيب حول الشحنات العسكرية الإيرانية، وهو ما يقلل من حظوظ وصول الشحنات برا إلى وجهتها في سوريا ولبنان بأمان.

تحييد المطارات السورية

فيما يبدو أن ثمة مطالبات لطهران بضرورة تحييد المطارات السورية عن الشحنات العسكرية، وذلك تفاديا لتعرض هذه المنشآت الاستراتيجية للضرر نتيجة الضربات، وكذلك لتجنيب حكومة دمشق الخسائر والتقليل من حرجها الذي يسببه استهداف المطارات، بما يتعارض مع مزاعم “الانتصار” الذي تحاول حكومة دمشق الترويج لها.

مفوضية الأمم المتحدة في سوريا، أكدت في منتصف أيلول/سبتمبر الماضي، أن الضربة الجوية الإسرائيلية على مطار دمشق في حزيران/يونيو الماضي أوقفت وصول مساعدات المنظمة للمحتاجين من السوريين حوالي أسبوعين.

الضربات أسهمت في تعليق تسليم الأمم المتحدة للمساعدات الإنسانية بالغة الأهمية، وفق تصريحات المفوضة للصحفيين.

من وجهة نظر المفلح، لا تكترث إيران إلا بمصالحها، وهي لذلك تستخدم المطارات والموانئ والمعابر الحدودية السورية لنقل الأسلحة، دون التفات للخسائر البشرية والمادية التي تتسبب بها الضربات الإسرائيلية التي تستهدف الشحنات.
 

تهدئة إسرائيلية من جانب واحد

يُعرف عن إيران أنها تتبع استراتيجية “النفس الطويل” في سبيل تمكين أذرعها العسكرية خارج حدودها، ولذلك تجمع مصادر على أن الشحنات العسكرية الإيرانية لن تتوقف.

عدم توقف إيران عن إرسال الشحنات العسكرية، يُحتم على إسرائيل مواصلة الضربات، وهنا يقول العميد عبدالله الأسعد إن التهدئة الحالية ليست إلا استراحة محارب، وهي تهدئة من جانب واحد (إسرائيل)، وربما تواصل القصف في وقت قريب، أو في حال وصول شحنة متطورة جديدة، لأن إسرائيل ليست لديها مشكلة في وجود إيران بسوريا، وإنما مشكلتها في الأسلحة الإيرانية التي تشكل تهديدا لأمنها، ونقصد هنا الصواريخ والدفاعات الجوية والمسيرات.

الأمر الذي أكده المدير العام لوزارة الدفاع الإسرائيلي، عمير إيشل، عندما قال في مقابلة أجرتها معه صحيفة “معاريف” الإسرائيلية، في أواخر أيلول/سبتمبر الماضي، إن هدف إسرائيل هو تقليل الوجود الإيراني في سوريا، وخلق الدرع أمامها، لا منع هذا الوجود.

استراتيجية المعركة بين الحروب التي بدأت، منذ عشر سنوات في سوريا، ما تزال مستمرة رغم عدم وجود مؤشرات على انهيار الوجود الإيراني، كما يقول المسؤول الإسرائيلي، مضيفا أن الاستراتيجية الإسرائيلية كانت تقوم على تقليل الوجود الإيراني في سوريا لخلق الردع أمامها، وبدا واضحا أنه من المستحيل منع الوجود تماما، بل التقليل من قدراتها بشكل كبير من خلال سلاح الجو أساسا.


إيران منشغلة بالاحتجاجات

من بين القراءات الأخرى التي تُفسر التهدئة حاليا، انشغال إيران بالاحتجاجات التي تشهدها مدنها منذ حادثة وفاة مهسا أميني، وخاصة أن الاحتجاجات باتت تنذر بثورة شاملة.

شبكات محلية سورية كشفت مؤخرا، عن انسحابات للقوات الإيرانية من “السيدة زينب” في ريف دمشق وبعض المناطق المحيطة بمطار دمشق الدولي إلى جهة مجهولة.

عملية الانسحاب بدأت بعد انطلاق الاحتجاجات في إيران وبشكل يومي، وغالبا ما يجري نقل العناصر بعد منتصف الليل من مقراتهم المتواجدة في المنطقة، وسط تشديد أمني على الطرق الرئيسية والفرعية التي تسلكها سيارات القادة والعناصر خلال دخولهم وخروجهم من المنطقة، مرجحة أن تكون عملية الانسحاب بهدف إرسال القناصين الذين سبق أن تلقوا دورات في سوريا ولبنان إلى إيران لقمع الاحتجاجات هناك.


ربما، تُقدم هذه الأنباء تفسيرا لسبب غياب الضربات الإسرائيلية، بمعنى أن النظام في إيران صرف اهتمامه على التهديدات الداخلية حاليا، بدلا من التركيز على الملفات الخارجية.

لكن، عادل ياسين الباحث في الشأن الإسرائيلي لا يؤيد ذلك، حيث يقول ليس للأحداث الجارية في إيران صلة بانقطاع الضربات الإسرائيلية المرحلي، مع العلم أن إسرائيل تقوم بدور في تأجيج تلك الاحتجاجات بطريقة أو بأخرى، باعتبارها وسيلة فعالة لزعزعة الاستقرار في إيران وإحراجها أمام الرأي العام الدولي، على أمل ان يتمكن الشارع من إزاحة النظام الإيراني الحالي، واستبداله بنظام يتماشى وينسجم مع مصالح إسرائيل كما كان الحال في حقبة حكم شاه إيران.

نفوذ إيران في سوريا آخذ في التمدد، رغم الضربات الإسرائيلية التي تستهدف بالدرجة الأولى شحنات الأسلحة المتطورة، ويمكن تلمس ذلك من خلال تتبع خارطة الضربات الإسرائيلية التي تكاد أن تشمل كل المحافظات السورية من درعا جنوبا إلى حلب شمالا، ومن الساحل السوري غربا إلى البوكمال في أقصى الشرق السوري.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة