خمسة أيام، لم تتوقف خلالها أصداء قرار شركة “أوبك بلس” القاضي بتخفيض إنتاج النفط، بين غضب غربي وتبرير سعودي، حيث وصل الأمر إلى اتهامات طالت الرياض، بمساندة موسكو في غزوها لأوكرانيا.

توتر غير مسبوق

بين مصالح السعودية الاقتصادية، وعلاقاتها السياسية، بدأ الحديث عن توتر في العلاقات السعودية الأميركية، نتيجة قرار “أوبك بلس“، إذ اعتبر بعض المسؤولين الأميركيين تخفيض حجم إنتاج النفط، بمثابة تحدي لواشنطن.

التوتر في العلاقات الناتج عن السياسة النفطية للمملكة العربية السعودية، دفع برئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي السيناتور النافذ بوب منينديز، للتهديد بعرقلة كل مبيعات الأسلحة المقبلة إلى السعودية بسبب “دعمها حرب روسيا في أوكرانيا “بقرارها في إطار تحالف “أوبك بلس” خفض إنتاج النفط.

وقال منينديز في بيان يوم الإثنين، إنه “ببساطة، لا مجال للعب على الحبلين في هذا الصراع، إما أنك تدعم بقية دول العالم الحر في سعيها لمنع مجرم حرب من محو بلد بأكمله من الخريطة، أو أنك تدعمه“.

السيناتور المعروف بانتقاده الصريح للرياض أضاف، إنّ “المملكة العربية السعودية اختارت الخيار الثاني بقرار مريع دافعه مصلحة اقتصادية ذاتية“. وتابع، “يجب على الولايات المتحدة أن تجمّد على الفور كلّ جوانب تعاوننا مع المملكة العربية السعودية، بما في ذلك مبيعات للأسلحة، وأيّ تعاون أمني بما يتجاوز ما هو ضروري بحت للدفاع عن الطواقم والمصالح الأميركية“.

الباحث في العلاقات الدولية محمود علوش، يرى أن الخلاف في السياسة النفطية بين الولايات المتحدة الأميركية والمملكة العربية السعودية، يهدد يتعميق المأزق بين الجانبين، لكنه يشير إلى أن الجانبين لا يرغبان ربما بتعميق أزمة توتر العلاقات في المرحلة الراهنة، فالسعودية اتخذت هذه الإجراءات لأسباب اقتصادية بحتة.

قد يهمك: ما التداعيات الإقليمية والدولية لقرار “أوبك بلس” بخفض إنتاج النفط؟

علوش، قال في حديث خاص مع “الحل نت“، “من الواضح أن الخلاف النفطي بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة، يهدد بتعميق المأزق القائم في الشراكة بين الطرفين، وهذا المأزق هو حصيلة سنوات من حالة انعدام الثقة بين الجانبين، بالإضافة إلى الإفرازات التي أضافتها هذه التعقيدات بعد وصول ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، إلى السلطة، بالتالي، من الواضح أن الولايات المتحدة اليوم تتعاطى بشكل واضح مع التوجه النفطي للسعودية والإمارات، على أنه اصطفاف خليجي إلى جانب روسيا، في قضية الطاقة“.

السياسة النفطية

مسألة السياسات النفطية، سيكون لها أثر واضح على العلاقات بين واشنطن والرياض خلال الفترة المقبلة، حيث قد تلجأ واشنطن للعديد من الخطوات كردّ على قرار “أوبك بلس“، رغم وجود مخاطر من أي ردود محتملة خلال المرحلة الحالية.

حول ذلك يضيف علوش، “من الواضح أن المملكة العربية السعودية لا ترغب في تقديري بالوصول إلى أزمة كبيرة في علاقتها مع الولايات المتحدة، لكن على الأقل تريد إيجاد هامش يتيح لها تحقيق نوع من التوازن بين روسيا والغرب على غرار ما تفعله تركيا مثلا، ويمكن أن نلحظ هذا الأمر بوضوح، من خلال المساعي التي قضتها المملكة، في مطلع هذا الشهر عندما ساعدت للتوصل إلى صفقة تبادل أسرى بين روسيا وأوكرانيا، تحاول دول الخليج أن تلعب دور الوسيط“.

يستبعد الباحث السياسي، أي تراجع من قِبل الرياض عن القرار الأخيرة بسبب الغضب الأميركي، وذلك لعدّة اعتبارات، أبرزها الدافع الرئيسي لهذا القرار، والمتعلق بقلق خليجي، من احتمال تضرر صناعات النفط في حال حدوث ركود اقتصادي عالمي، وبالتالي هذه التحركات النفطية تهدف إلى الحفاظ على منع انهيار أسعار النفط في الفترة المقبلة في حال تصاعد حدّة الأزمة الاقتصادية العالمية“.

مختتما حديث بالقول، “دافع آخر للخطوة السعودية يرتبط بالصراع الكبير بين أوبك بلس والولايات المتحدة الأميركية، على تحدد القوة التسعيرية لشراء النفط، الخليجيون متضررون بطبيعة الحال من المساعي الأميركية لفرض حد أقصى على واردات النفط من روسيا، ويعتقدون أن هذا الأمر سيجعل واشنطن تحاول تغيير قواعد السياسات النفطية العالمية، بحيث تلعب الدول المستهلكة للنفط الدور الرئيسي في تسعير قوة النفط بينما يتراجع تأثير الدول المنتجة له“.

غضب أميركي

بعض المحللون في الولايات المتحدة الأميركية، اعتبروا في وقت سابق أن قرار “أوبك بلس”، يمثل تهديدا للعلاقات السياسية بين واشنطن والرياض، والتي بقيت في وتيرة جيدة طيلة السنوات الماضية، ووصلت إلى مطالبة بعض المشرّعين الديمقراطيين بسحب القوات الأميركية من السعودية والإمارات فورا، وتفعيل قانون “نوبك“، لمعاقبة منظمة أوبك التي تقودها السعودية، إذ اعتبر بعض الأميركيون أن القرار يمثل تحدّيا مباشرا من الرياض لواشنطن.

“لماذا تحدّت السعودية، الولايات المتحدة في خفض إنتاج أوبك من النفط“، هو عنوان لتقرير نشرته شبكة “سي إن إن” الأميركية، لرصد أسباب اعتبار إدارة بايدن، أن القرار يمثل تحدي لواشنطن.

بحسب التقارير فإن: “المسؤولون السعوديون يؤكدون أن المملكة تقدّم مصالحها الاقتصادية على الاعتبارات السياسية الأميركية الداخلية“. وقال وزير الطاقة، الأمير عبد العزيز بن سلمان آل سعود، في مقابلة مع التلفزيون السعودي، الأربعاء، الماضي: “مصالح المملكة تأتي قبل أي شيء آخر“، وأضاف أن الحكومة السعودية تتطلع إلى أن تكون جزءا من نمو الاقتصاد العالمي“.

الولايات المتحدة، بالتأكيد لن تكون راضية على قرارات من هذا النوع، لا سيما وأنه جاء بالتنسيق مع روسيا أحد الشركاء في “أوبك بلس“، حيث أن النتيجة قد تكون مقروءة على أنه تحالف بين الرياض وموسكو، على مستوى سوق النفط.

وبالفعل رد ّالبيت الأبيض على قرار “أوبك بلس“، بالإشارة إلى أن “قرار أوبك بلس وموافقة السعودية عليه يعني أنها تقف بجانب روسيا“.

وقد يشكل ملف أسعار النفط، منعطفا هاما في ملف العلاقات الأميركية السعودية، وذلك على الرغم من العلاقة القوية والمصالح المشتركة بين البلدين، في حين يؤكد محللون أن بعض التوتر في العلاقات لا يعني انهيارها في ظل الظروف الراهنة، لا سيما مع المطالبات بإبعاد الطاقة سواء النفط أو الغاز وأسعارها، عن الابتزاز والمقايضة والانتهازية السياسية.

اعتبر زعيم الأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ الديمقراطي تشاك شومر، المسؤول عن مشروع القانون؛ أن “مساعدة السعودية للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في استكمال حربه الدنيئة الشرسة ضد أوكرانيا، سيُظِل الأميركيين لفترة طويلة“، بحسب ما نقل موقع “عربي 21″.

ضغط إعلامي؟

في المقابل، نقلت مجلة “بوليتيكو“، عن عضو مجلس النواب توم مالينوسكي، مطالبته للإدارة الأميركية بـ“التوقف عن التصرف كالمهزومين” في العلاقة مع السعودية والإمارات، مشيرا إلى ضرورة “التأكيد على أن الخدمات التي نقدمها لهذه البلدان تتطلب منها مراعاة مصالحنا واهتماماتنا المشروعة“ مضيفا، “وإذا لم يكونوا مستعدين للقيام بذلك، فعليهم العثور على صديق آخر“، وفق تعبيره.

مالينوسكي، اعتبر أن قرار خفض الإنتاج سيعزز أسعار النفط بطريقة تساعد روسيا على الاستمرار في غزوها على أوكرانيا، مؤكدا ضرورة عدم تقديم الولايات المتحدة مساعدة عسكرية للدول الراغبة في مساعدة موسكو بهذه الطريقة.

أما بالنسبة لخيارات رد أميركا على السعودية، فمن حيث المبدأ، يمكن أن تمارس ضغوطا إعلامية، خاصة وأن الإدارة الأميركية الحالية ليس لديها الكثير من الوقت، حيث أن أمامها نحو أربعة أسابيع قبل انتخابات التجديد النصفي، على حدّ وصف شحادة.

من الواضح إن الجمهوريين، وفقا للمعطيات والأرقام الحالية، سيأخذون مقاعد الكونغرس، وبالتالي فإن وضع جو بايدن وإدارته حرج، حيث سيتعين عليه اتخاذ قرارات رئاسية، لكن هذه القرارات لا يمكن أن تتحدى “الكونغرس” و”البنتاغون”، وبالتالي فإن خيارات الرد الأميركي ضيقة للغاية.

لكن، يمكن لأميركا أن تزعج دول الخليج، من خلال الملف اليمني، من خلال التصريحات الإعلامية، لأن اختيارات بايدن، محدودة في ظل هذه الظروف الإقليمية والدولية.

كما وترى دول الخليج والمملكة العربية السعودية على وجه الخصوص، أن وصول الجمهوريين إلى الرئاسة الأميركية هو تعاون أو انتصار لهم، وبالتالي فهم لا ينصاعون كثيرا للإدارة الأميركية الحالية (الديمقراطيون)، وينتظرون الانتخابات التجديد النصفية، وأيضا الانتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة، وبالتالي، ستبقى العلاقات على هذه الوتيرة بين واشنطن والرياض، حتى الانتخابات. أما بالنسبة للعلاقات الأميركية السعودية فستكون مستقرة، خاصة وأن بلينكن، قال وشدد على أن العلاقات بين البلدين تاريخية، أي أن هناك عددا من الروابط الداخلية والتجارية والاقتصادية من النفط والغاز. لذلك، فإن جدول العلاقات بين البلدين لن يهتز.

الجدير ذكره، أنه منذ أكثر من عشرين عاما، طُرح في الكونغرس مشروع قانون، أطلق عليه “نوبيك“، يسمح لوزارة العدل الأميركية بمقاضاة أعضاء منظمة “أوبك” بتهمة مخالفة قوانين منع الاحتكار، ومن ثم مصادرة أصولهم في الولايات المتحدة لفرض تنفيذ أي غرامات مالية يحكم بها عليهم. لكن لم يتم إقرار القانون حتى الآن، حرصا على العلاقات مع السعودية، كما يقول المحللون. في الوقت الذي يرون فيه، إن قرار “أوبك بلس“، الأخير قد يعيد إحياء هذا التشريع.

في حين، يرى مسؤولون أميركيون إن فرض حظر على صادرات المازوت والبنزين، أمر ممكن لكنه ليس وشيكا. وقال محللون ومراقبون، إن الإدارة الأميركية من المرجّح أن تنتظر لترى ما إذا كانت الأسعار سترتفع مرة أخرى قبل اتخاذ إجراء صارم.

قد يهمك: اليمين المتطرف الإيطالي.. ما هي تحديات الحكومة الجديدة؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.