“بس بالاسم مكَنكين”. عبارة دارجة في العراق، يختزل فيها الناس معاناتهم مع خدمة الإنترنت السيئة، رغم مطالباتهم التي لا تنضب لتحسين واقع الشبكة العنكبوتية في البلاد منذ سنوات عديدة.

“يضحكون علينا كفيلك الله، ومن لا چارة باقين وياهم”، هكذا يصف سلمان كريم، مطالباته المتكررة لمزودي خدمة الإنترنت بتحسينها، لكنهم يِعِدون ولا ينفّذون بحسب قوله.

توجد في العراق العديد من الشبكات التي تزود الناس بخدمة الإنترنت، أبرزها “إيرثلنك والجزيرة وأرض السواد والسهد وسكوب سكاي وناس العراق”، لكنها كلها مثل بعضها، سيئة جدا.

ما يزيد الطين بلّة الأسعار المرتفعة لاشتراكات الإنترنت، على حد قول سلمان كريم، وهو شاب من العاصمة بغداد، ويشترك مع شبكة “إيرثلنك” لتزويد منزله بخدمة الإنترنت.

“يعني شنو معناها أقل اشتراك بـ 35 ألف ويوتيوب بالگوة يفتح، ماكو ذمة ماكو ضمير”، يتساءل كريم، ويعبر في حديثه مع “الحل نت”، عن تذمره من غلاء الأسعار مقابل خدمة هزيلة.

أسعار الاشتراكات

أسعار الاشتراكات الشهرية تبدأ من 35 ألف دينار عراقي، وتصعد لتبلغ 200 ألف دينار عراقي، في وقت يشترك نحو 70 بالمئة من العراقيين، في باقتي الـ 35 ألفا و50 ألف دينار، ويكاد لا يستخدم اشتراك الـ 200 ألف دينار غير السياسيين والتجار الكبار.

“عالَة علينا هالخدمة الزفت، بس من قلّة الحيلة باقين وياهم. إذا نعوفهم وين نروح، لازم نظل بدون إنترنت”، يقول سلمان كريم، ويستطرد بأن المسؤولية تقع على عاتق الحكومة في تحسين الخدمة وتقليل الأسعار.

سابقا، حتى منتصف عام 2021، كانت أقل تسعيرة شهرية تبلغ 25 ألف دينار عراقي بدل 35 ألفا، وتسعيرة الـ 50 ألفا كانت تبلغ 40 ألف دينار عراقي، وهكذا. أي أن كل تسعيرة زاد سعرها بنحو 10 آلاف دينار، مقابل وعود بتحسين خدمة الإنترنت، لكن شيئا من ذلك لم يحصل.

الحكومة العراقية متمثّلة بـ “هيئة الإعلام والاتصالات”، وعدت قبل 3 سنوات بإنهاء رداءة خدمة الإنترنت، من خلال تنفيذ مشروع الكيبا الضوئي، ومَدّ الإنترنت إلى المنازل تحت الأرض.

3 أعوام مرت على الوعد الحكومي، ولم تنجز سوى 65 بالمئة من المشروع، لكن المفاجأة كانت عكسية. خدمة الكيبل الضوئي أسوأ مما تقدّمه الشبكات الأهلية الحالية بضعفين، بحسب رصد “الحل نت”.

“مهزلَة والحكومة مغَلسَة”

سلام عادل، مواطن من محافظة البصرة جنوبي العراق، أكّد في حديث مع “الحل نت”، سوء خدمة الكيبل الضوئي، حتى أنه بعد شهر واحد من اشتراكه بها، تركها وعاد ليشترك مع شبكة “الجزيرة” الأهلية.

“وحدة أتعس من الأخرى، بس الكيبل الضوئي أصلا ما يفتح بي لا اليوتيوب ولا أي فيديو على فيسبوك وتويتر وإنستا”، يقول عادل، ويردف أن المصيبة تتمثّل بتشابه أسعار الخدمة الحكومية مع أسعار الشبكات الأهلية.

“وحق العباس إذا يكنكون 4 نفرات من البيت على اشتراك أبو الـ 35 ألف مال الكيبل الضوئي، تگوم كلشي متسمع من تتصل بالواتساب وتليجرام، مهزلة ولعبان نفس والحكومة مغلسة عاللي جاي يصير”، يقول عادل.

كانت الحكومة العراقية وضعت تسعيرات ثابتة للاشتراكات الشهرية للشبكات الأهلية التي تزوّد خدمة الإنترنت، عبر إعادتها إلى أسعارها السابقة، أي أن اشتراك 35 ألفا يعود إلى 25 ألف دينار عراقي وهكذا.

لم تلتزم أي شركة أهلية بالقرار الحكومي، نتيجة عدم تطبيق القانون بحقها، وبدلا من مراقبة الالتزام بالتسعيرات التي ثبّتتها الحكومة بنفسها على الشركات الأهلية، رفعت الحكومة أسعار خدمة الكيبل الضوئي لنفس أسعار الشركات الأهلية.

تبريرات غير مقنعة؟

“يا أخي هضيمة. بالگوة مدبّر اللگمة، وعندي بنات بالكلية يحتاجن النت علمود دراستهن ودا أهد بروحي گد ما أگدر حتى أدبر فلوس الاشتراك الشهري، وفوگ كل هذا يجيك النت تَسيورَة. ربع ساعة زين وساعة ونص ضعيف كلش”.

تلك الكلمات البسيطة والعميقة لما تحمله من وجع، يقولها صادق جعفر، مواطن يبلغ من العمر 50 عاما، يعمل كاسبا في سوق الشورجة وسط بغداد، ولا يملك وظيفة رغم امتلاكه ماجستير في الآداب، من الجامعة المستنصرية.

تبرّر الشركات الأهلية سوء خدمة الإنترنت على أنها تصلها من المصدر من مصر وتركيا وإقليم كردستان ضعيفة، في وقت لا تمتلك الدولة بنية تحتية حديثة لمنظومة الإنترنت كي يتم توفير الخدمة بشكل جيد.

“هاي مشكلتهم همه والحكومة. إحنا مالنا ذنب، صارلهم 12 سنة يمصّون بفلوسنا مص والنت مالتهم يضحكون بي عالناس، كل هالفلوس اللي ياخذوها ما يسوون بيها بنية تحتية بيها خير ويفضوها”، بتلك الجمل يعبّر جعفر، عن استيائه مما وصفه التبرير غير المقنع لسوء خدمة الإنترنت في حديث مع “الحل نت”.

لا يبدو أن خدمة الإنترنت ستتحسن قريبا وربما لن تتحسن حتى بعد 5 سنوات، طالما لا تتحرك الحكومة لبناء منظومة تحتية حديثة، وتترك الطبقة السياسية الحالية صراعاتها على تقاسم الحصص والمناصب الوزارية، دون أي اهتمام بمعاناة الناس.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.