بعد تفجير جسر “كريتش”، الذي يربط شبه جزيرة القرم التي احتلتها القوات الروسية عام 2014، مع روسيا، أظهر آخر تحديث نشرته المخابرات العسكرية البريطانية حول الوضع المعارك بين القوات الروسية والأوكرانية، أن المشكلات اللوجستية التي تواجه القوات الروسية في جنوب أوكرانيا أصبحت أكثر حدّة بعد الأضرار التي لحقت بالجسر في الثامن من تشرين الأول/أكتوبر الجاري.

تحديثات المخابرات البريطانية تأتي بعد أن تعرض الجسر الذي يربط بين الأراضي الروسية وشبه جزيرة القرم، التي ضمتها موسكو قبل نحو ثمانية أعوام، لانفجار أدى إلى تدمير جزء منه وتضرر خط سكك الحديد الموازي له.

التحديثات التي نشرتها وزارة الدفاع البريطانية أكدت اليوم الإثنين، وتابعها موقع “الحل نت“، أن جهود إصلاح الجسر جارية، وهو مفتوح لبعض حركة المرور، ورغم ذلك لا يزال هناك طابور كبير من شاحنات البضائع المنتظرة احتياطيا بالقرب من المعبر الحيوي.

وزارة الدفاع البريطانية، أشارت أيضا إلى أن القوات الروسية في جنوب أوكرانيا ستزيد على الأرجح تدفق الإمدادات اللوجستية عبر ماريوبول، في محاولة للتعويض عن تقليص الحركة عبر الجسر.

كما بيّنت أنه مع ضغوط الوجود الروسي في خيرسون، وتدهور طرق الإمداد عبر القرم، أصبح خط الاتصال الأرضي عبر زابوريجيا أوبلاست، أكثر أهمية لاستمرار الاحتلال الروسي، ويأتي ذلك في وقت تحاول روسيا الانتقام من أوكرانيا على خلفية التفجير الذي تتهما فيه، باستمرار شن الهجمات على كييف.

اقرأ/ي أيضا: أثر أزمة الغاز على الصناعات الأوروبية ونقلها للخارج

روسيا تغطي خسائرها بهجمات ضد كييف

إذ أن صافرات الإنذار قد انطلقت خلال ساعات الصباح الأولى في كييف من هذا اليوم، على خلفية وقوع انفجاريين، مكتب الرئاسة الأوكرانية، وقال حولهما، إن العاصمة كييف تعرضت لهجمات بطائرات “كاميكازي“، بإشارة إلى المسيرات الانتحارية. ونقلت وكالة “رويترز” عن رئيس بلدية كييف قوله، إن “بعض المباني السكنية تضررت نتيجة الهجمات، وإن فِرق الإنقاذ تعمل في الأماكن المستهدفة“.

يُعد جسر القرم من أطول الجسور الأوروبية بتكلفة إنشاء بلغت 3.6 مليار دولار، وهو يربط بين روسيا وشبه جزيرة القرم، ويضم طريقا بريا ومسارا للقطارات، ويبلغ طول الجسر 19 كيلومترا، ويمر فوق مضيق “كيرتش”، وهو الرابط المباشر الوحيد بين شبكة النقل في روسيا وشبه جزيرة القرم، التي ضمتها موسكو من أوكرانيا في عام 2014.

كان الجسر مشروعا مهما للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي افتتحه في احتفال كبير قاد خلاله بنفسه إحدى الشاحنات في العام 2018. ويتألف الجسر من طريقين منفصلين، أحدهما بري والآخر للسكك الحديدية، ويقع الجسر فوق نقطة تمر منها السفن بين البحر الأسود وبحر آزوف الأصغر، كما شيّدته شركة يملكها أركادي روتنبرج، وهو حليف مقرب لبوتين.

تأتي أهمية الجسر مما يوفره من خط لإمداد شبه جزيرة القرم بالوقود والمواد الغذائية وغيرها من المنتجات، ويقع في شبه الجزيرة ميناء “سيفاستوبول”، كما صار الجسر طريق إمداد رئيسيا للقوات الروسية بعد أن عزوها لأوكرانيا في 24 فبراير شباط.

كما استُعمل لمرور القوات الروسية التي أرسلت من شبه جزيرة القرم للسيطرة على معظم منطقة خيرسون في جنوب أوكرانيا، وبعض أجزاء منطقة زابوريجيا المجاورة لها.

اقرأ/ي أيضا: مخاوف مصرية من اتفاق سوداني أثيوبي حول سد “النهضة” دون القاهرة

أهمية جسر القرم

إضافة إلى ذلك يتمتع جسر القرم بأهمية استراتيجية في الغزو الذي تقوده روسيا ضد أوكرانيا، إذ أنه يقع فوق مضيق “كيرتش” الذي يربط بحر آزوف بالبحر الأسود، أطول جسر في روسيا.

يبلغ ارتفاع الجسر خمسة وثلاثين مترا عند قوسه المركزي، وخُصص الجسر لعبور 14 مليون مسافر، وحوالي 13 مليون طن من البضائع سنويا، ولذلك عدّت موسكو أن تفجير الجسر إعلان حرب.

الانفجار الذي استهدف الجسر أدى إلى سقوط أجزاء من الطريق البري في أحد اتجاهيه، وهو ما تم تعليق حركة المرور في بداية الحادث بسببه، ما تسبب بإعاقة حركة مرور الشاحنات الثقيلة وناقلات البضائع.

وسط ذلك، وفي كل الأحوال، باتت الخدمات اللوجستية التي يؤمنها الجسر أمام اختبار صعب لوقت غير محدد حتى الآن، فإلى جانب قيمته الرمزية، يُعتبر جسر القرم شريانا مهما للنقل، بما في ذلك إمداد المجموعات القتالية الروسية بالقرم وخيرسون، فيما يتمتع جسر القرم بأهمية حيوية ليس في شبه جزيرة القرم وسيفاستوبول، بل جنوب روسيا بأكمله.

ومنذ لحظة استهداف الجسر ولأهميته، أشارت وسائل إعلام لأزمة في محطات الوقود بالقرم وطوابير من السيارات، فيما قدرت الأضرار نتيجة الانفجار في جسر القرم بنحو 500 مليون روبل، وقالت حينها سلطات القرم، إن مخزون السلع الأساسية يكفي لمدة شهرين على الأقل.

القيمة الرمزية لجسر القرم

لا تقتصر أهمية الجسر على النقل والإمدادات العسكرية فقط، وإنما يمثل أهمية رمزية للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، خاصة مع انتشار لافتات تحمل اسمه على طول الجسر، ويأتي الانفجار في وقت يواجه فيه الجيش الروسي وبوتين، انتقادات من دوائر مقربة من الكرملين بشأن الخسائر العسكرية التي تكبدتها روسيا في أوكرانيا مؤخرا.

وليس ذلك فحسب، بل يرى خبراء سياسيين أن التفجير المثير لجسر “كيرتش” الاستراتيجي، هو ضربة سياسية ورمزية ونفسية وإلى حد أقل عسكرية لروسيا، وإهانة شخصية للرئيس فلاديمير بوتين، الذي افتتح الجسر في 2018 في خطوة أراد منها ان يقول لروسيا ولأوكرانيا وللعالم، إن شبه جزيرة القرم التي احتلها وضمها في 2014 قد عادت إلى حضن روسيا الأم إلى الأبد.

فيما اعتبر الهجوم انتكاسة كبيرة لموسكو من الناحيتين الرمزية والعملية، حيث أضر بفترة تحمل أهمية شخصية لبوتين، وهي ضرورية لإعادة إمداد القوات الروسية أثناء دفاعها ضد هجوم مضاد أوكراني مكثف على طول الجبهة الجنوبية.

ويتضاعف ذلك التأثير بعد أن نجحت أوكرانيا من خلال استخدام أنظمة صواريخ “هيمارس” بعيدة المدى التي قدمتها الولايات المتحدة، في تعطيل معظم جسور منطقة خيرسون عبر نهر دنيبرو، الذي يفصل مدينة خيرسون التي تحتلها روسيا والمناطق المحيطة بها عن الأراضي الأخرى، التي تسيطر عليها روسيا.

وتأكيدا لذلك، يرى أخرين إن خطاب بوتين الأخير حول استخدام الأسلحة النووية، على خلفية استهداف جسر القرم، وإلى جانب خسائر قواته في ساحة المعركة، يعكس “المخاطر الكبيرة” التي تواجه موسكو.

اقرأ/ي أيضا: مناقشة قرار “أوبك بلس” خلال الزيارة الإماراتية لروسيا.. ما النتائج؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة