زيارة رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة إلى روسيا، جاءت في توقيت حساس جدا، نظرا للعديد من التوترات الإقليمية والدولية، مما يثير تساؤلات، حول أهداف هذه الزيارة، فيما إذا كان لإطلاق وساطة إماراتية بين موسكو والغرب لحل الملف الأوكراني فقط، أم تأتي أيضا في إطار مناقشة قرار مجموعة “أوبك بلس”، التي تضم منتجي النفط، بما في ذلك الإمارات وروسيا، لخفض إنتاج النفط بمقدار مليوني برميل يوميا، الذي أثار غضب الغرب وعلى رأسهم واشنطن، حيث اعتبره الكثيرون من المحللين والخبراء أنها خطوة من شأنها أن تساعد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في تمويل غزو موسكو لكييف.

من هنا يُجدر التساؤل حول حقيقية ما إذا كان قرار “أوبك بلس” منحاز إلى روسيا، وفيما إذا نوقش قرار “أوبك بلس” ضمن الزيارة الإماراتية الروسية بشكل واسع، وهل سيكون هناك اتفاقيات أو قرارات جديدة ضمن إطار ملف الطاقة مع الجانب الروسي، وسط أزمة الطاقة العالمية.

واشنطن ستبقى الشريك الأول

الرئيس الروسي لدى استقباله الشيخ محمد بن زايد في سانت بطرسبرغ، يوم الثلاثاء الفائت، أشاد بالعلاقات بين البلدين باعتبارها مهمة للاستقرار الإقليمي والعالمي، كما أشاد بجهود الوساطة الإماراتية التي ساعدت في حل بعض القضايا الإنسانية الحساسة في أوكرانيا، وفق تقارير صحفية.

بوتين، أردف بالقول: “إنني أدرك رغبتك في المساهمة في تسوية جميع القضايا المتنازع عليها، بما في ذلك الأزمة الحالية في أوكرانيا”.

بوتين، أشار أيضا إلى دعم آل نهيان لقرار مجموعة “أوبك بلس”، قائلا إن قراراتنا وإجراءاتنا ليست موجهة ضد أحد، بل تهدف لضمان الاستقرار في أسواق الطاقة العالمية لجعل مستهلكي موارد الطاقة وأولئك الذين يتعاملون مع الإنتاج والإمدادات يشعرون بالهدوء والاستقرار والثقة، وللمساعدة في تحقيق التوازن بين العرض والطلب.

ضمن هذا السياق، يرى الأكاديمي الإماراتي والأستاذ في كلية الدفاع الوطني في دولة الإمارات، البدر الشاطري، أن “هناك قراءة تقول إن قرار أوبك بلس، بخفض الإنتاج هو نوع من التحيز تجاه موسكو. كما وهناك نظرية مؤامرة تشير إلى أن بعض العواصم الخليجية تسعى لتقويض فرص فوز الحزب الديمقراطي بزعامة جو بايدن، في الانتخابات النصفية الأميركية في تشرين الثاني/نوفمبر المقبل. ومع ذلك، لا يوجد دليل يدعم هذه الادعاءات على الرغم من أن توقيت خفض الإنتاج قد يفيد روسيا. لكن دول الخليج تستفيد أيضا من التخفيض من حيث زيادة دخلها من النفط والغاز”.

الشاطري، أردف في حديثه الخاص لـ”الحل نت”، أن دول الخليج وعلى رأسها المملكة العربية السعودية ما زالت تعتبر الولايات المتحدة الأميركية الشريك الأول خاصة في مجال الأمن والتسليح. على الرغم مما يُرى اليوم من إدانة ووعيد من واشنطن، لكن العلاقة ستبقى مهمّة لكلا الجانبين. واستدرك الشاطري ذلك بالقول: “يتضح موقف دول الخليج من خلال تصويتها في الأمم المتحدة أنها إلى جانب الشرعية الدولية التي تدعمها الدول العربية وعلى رأسها الولايات المتحدة”.

قد تأتي مساعي الإمارات لإيجاد حلول وتقليل التصعيد ضمن هذا الإطار الذي يؤكد على ضرورة إيجاد حلول سلمية ودبلوماسية للمشاكل بين الدول. وإذا ما نجحت الإمارات في مساعيها المستمرة حاليا، فإن مسألة قرار “أوبك بلس” بخفض الإنتاج سيكون ثمنا بسيطا من أجل تخفيف التوترات التي قد تنفجر وتؤدي إلى اندلاع حرب عالمية ثالثة، وفق قول الشاطري.

في سياق متّصل، فإن موعد زيارة الإمارات تم تحديده مسبقا، وفقا للإعلام الإماراتي، وهذا يعني أن أبو ظبي يمكن أن تجادل بأن هذه مجرد زيارة عادية؛ لا ينبغي أن يُنظر إليها على أنها مرتبطة بقرار “أوبك بلس”، بشأن خفض كمية إنتاج النفط.

قد يهمك: توتر العلاقات بين أميركا والخليج بسبب “أوبك بلس” فرصة للتمدد الإيراني؟

هل من وساطة إماراتية بخصوص “أوكرانيا”؟

ضمن إطار زيارة الشيخ بن زايد لروسيا، التي تعتبر الزيارة الخارجية الثالثة له منذ توليه منصبه في أيار/مايو الماضي، بعد السعودية وفرنسا، فقد أكدت دولة الإمارات على استعدادها التام لدعم الجهود الهادفة إلى إيجاد حل سلمي للأزمة في أوكرانيا، مجددة موقفها المتمثل في الدعوة إلى الدبلوماسية والحوار واحترام قواعد ومبادئ القانون الدولي.

وزارة الخارجية والتعاون الدولي، بيّنت في بيان رسمي لها أن زيارة رئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة المقررة إلى روسيا، الثلاثاء، تأتي في إطار سعي دولة الإمارات المستمر للإسهام في تحقيق الأمن والاستقرار بالمنطقة والعالم، وتعزيز التعاون المثمر والبنّاء مع القوى الإقليمية والدولية، والتواصل مع كافة الأطراف المعنية في الأزمة بأوكرانيا للمساعدة في التوصل إلى حلول سياسية فاعلة.

الوزارة لفتت إلى أن المباحثات الثنائية ستتطرق إلى آخر التطورات والمستجدات المتعلقة بالأزمة في أوكرانيا، حيث تسعى الدولة للوصول إلى تحقيق نتائج إيجابية لخفض التصعيد العسكري والحد من التداعيات الإنسانية والتوصل إلى تسوية سياسية لتحقيق السلم والأمن العالميين.

بالعودة إلى الأكاديمي الإماراتي، البدر الشاطري، يقول أنه بحسب ما هو معروف، فإن الزيارات الرسمية مقررة ومجدولة لفترة زمنية معينة، خاصة على مستوى القمة السياسية في أي دولة. ووفق رأي الشاطري، فإنه لا شك أن العلاقات الإماراتية الروسية متميزة. ويعود السبب إلى تقاطع وجهات النظر في البلدين حول العديد من القضايا مثل “مكافحة الإرهاب والتطرف بكافة أشكاله، وحماية مؤسسات الدولة، واحترام المصالح المتبادلة بين الدول”.

قد يهمك: رئيس الإمارات في روسيا.. لخفض تصعيد الأزمة الأوكرانية؟

الحث لعدم استخدام “النووي”؟

الشاطري، أشار في حديثه إلى أن ملف الحرب الروسية الأوكرانية احتل موقعا متقدما على أجندة الزيارة والمحادثات بين أبوظبي وموسكو. وتعتبر قضايا الأمن والسلم الدوليين من أهم القضايا التي توليها الإمارات أهمية كبرى والحرب الدائرة في أوكرانيا لها أبعاد وتأثيرات متعددة على الجانب الإنساني والاقتصادي والعلاقات الدولية ككل، على حدّ تعبير الشاطري لـ”الحل نت”.

بحسب الشاطري، فإن الاستراتيجية الدولية لدولة الإمارات تستند إلى القانون الدولي والأعراف والقيم التي تعترف بها جميع الدول، بما في ذلك عدم جواز الاستيلاء على الأراضي بالقوة وحل النزاعات بالحوار والدبلوماسية. حيث وصل التصعيد بين روسيا وأوكرانيا إلى مستوى خطير. وإن استخدام الأسلحة المحظورة دوليا سيشكّل “سابقة خطيرة”، على اعتقاد الشاطري، والدول النووية ملزمة أيضا بموجب معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية بعدم استخدام الأسلحة النووية ضد الدول غير النووية. وإذا وصل الصراع إلى حرب نووية، فإنه سيخالف اتفاقية “حظر الانتشار النووي”.

لهذا ربما جاءت زيارة بن زايد في إطار حث بوتين لعدم التهور والتوجه إلى استخدام السلاح النووي، لما لها من عواقب وخيمة على الجميع وفي مقدمتها روسيا.

في حين أدان دول العالم الغزو الروسي لأوكرانيا، تجنّبت غالبية دول مجلس التعاون الخليجي الست، وتحديدا السعودية والإمارات، إدانة موسكو بشكل مباشر، داعيين إلى حل سلمي. وامتنعت الإمارات عن التصويت على مشروع قرار صاغته الولايات المتحدة وألبانيا، يدين الغزو الروسي لأوكرانيا. ويبدو جليا أن أبوظبي تحاول أيضا عدم الإضرار بعلاقاتها مع الدول الأوروبية جراء موقفها هذا.

لطالما كانت الإمارات شريكا إقليميا استراتيجيا لواشنطن، لكنها، على غرار جيرانها الخليجيين الآخرين، تحاول إيجاد توازن في علاقاتها مع تنامي روابطها السياسية والاقتصادية مع موسكو. لكن، ستتعرض الدول التي تجد نفسها صديقة للغرب وكذلك مع روسيا والصين لضغوط لاختيار جانب في الاستقطاب العالمي المتصاعد.

قد يهمك: هل تُقر واشنطن قانون “نوبك” لمعاقبة “أوبك”؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة