ارتفاع معدلات الطلاق في سوريا والمهجر.. ما تأثير وسائل التواصل الاجتماعي؟

معدلات الطلاق ازدادت مؤخرا بشكل لافت في المجتمع السوري، سواء بالداخل السوري أو في بلاد المهجر، إذ أن بعض الزيجات انتهت بعد أشهر قليلة من الزواج وأخرى انتهت بعد زواج دام سنوات، ومرد ذلك وفقا لبعض وجهات النظر، يعود لسوء استخدام مواقع التواصل الاجتماعي التي تقوم بتضخيم المشكلات والتحريض على الطلاق، بينما يقرن آخرون فشل العلاقة الزوجية بسوء الظروف الاقتصادية والمادية، وآخرون يربطونها بعوامل كثيرة أخرى لا تعد ولا تحصى، وفي النتيجة تتعدد الأسباب والنتيجة واحدة. تهدم الأسرة وبالتالي النسيج الاجتماعي بكامله.

للاستفاضة أكثر في الحديث عن هذه الظاهرة الاجتماعية، التي باتت تهدد النسيج الاجتماعي الذي يمر بظروف قاهرة بسبب الحرب والوقوف على أسبابها وآثارها، يسلط “الحل نت” الضوء للبحث في حيثيات هذه الظاهرة، للكشف عن جوانبها، بالاستناد على آراء أخصائيين نفسيين، وباحثين اجتماعيين نستدل من خلالهم على أقرب صورة للواقع في ظل المجتمع الحالي. 

الحرب بالدرجة الأولى

مؤشرات الطلاق ازدادت في الآونة الأخيرة ضمن آخر الإحصائيات، فقد سجلت حوالي 11 ألفا حالة طلاق بين سوريا ودول المهجر، بينما بلغت حالات الزواج 28 ألفا في الداخل السوري، بحسب حديث الباحثة الاجتماعية حسنا بركات، لـ “الحل نت”. ارتفاع حالات الطلاق لا تعتمد أسبابها فقط على مواقع التواصل الاجتماعي، فظروف الحرب التي تعيشها معظم الأسر، تفرز العديد من حالات التفكك الأسري بل وتعتبر أبرز الأسباب في حدوث الطلاق.

قد يهمك: ازدياد حالات الزواج الثاني في سوريا.. أعلى مهر 15 ألف ليرة ذهبية

النزوح والزواج من أشخاص ذوو ثقافات وعادات وتقاليد مختلفة، يعد سببا آخر لتفكك العلاقات الأسرية، بالإضافة لارتفاع نسبة البطالة ووضع أكثر من نصف الشعب تحت خط الفقر في سوريا، وهذا يؤدي بالمقابل إلى تدهور الحالة النفسية لدى الرجال والنساء معا، فالضغط النفسي يسبب حالات طلاق في غالب الأحيان، وحالات انتحار أحيانا أخرى، كما حدث مؤخرا في الشمال السوري، وفق بركات.

على وقع تجربتها كمستشارة إلكترونية مرت بركات بحالات وصفتها بعدم التواصل الصحيح، التي تفرز نوع من المقارنات التي تجري بين الرجال والنساء، ويحصل ذلك عندما يقارن الرجل زوجته مع غيرها من النساء أو الزوجة، إذ تعتبر بركات، المقارنة هي بداية طريق الانهيار التي تتمثل بالمقارنة بالشكل والحياة الاجتماعية من حيث طبيعة التعامل والردود.

زواج الأقارب

العادات والتقاليد كانت السبب الأبرز برأي رولا العمر 29 عاما في فشل بعض العلاقات الزوجية، حيث تقول في حديثها لـ “الحل نت”، بأنها أحبت شابا كان يسكن بالقرب من منزلهم بريف حلب، إلا أن أهلها أجبروها على الزواج من ابن عمها الذي لا تكن له أي مشاعر، عدا أنه شخص غير مبال وعاطل عن العمل، حيث استمر زواجهم 4 سنوات.

إحدى صديقاتها فتحت عيونها على التكنولوجيا بحسب تعبيرها، وأدخلتها عالم التواصل الاجتماعي التي تعتبره العمر عالم الأحلام، حيث تعرفت من خلاله على شاب وتعلقت به ووعدها بالزواج، إلا أنه اختفى عندما انفصلت عن زوجها، ولم يعد يجيب على رسائلها. عادت إلى منزل أهلها وبدأت تتحدث مع مجموعة من الشبان منتظرة أي منهم يأتي ويطلب يدها. بعد مدة ليست ببعيدة طرق شاب بسيط باب منزلهم لخطبتها، وبعد أن تزوجته وجدته نسخة مشابهة عن زوجها السابق.

 مضى على زواج العمر سنة، وهي ما تزال تواصل عادتها التي لازمتها منذ زواجها الأول، بالتحدث مع شبان في مواقع التواصل الاجتماعي، وتعتبر أن هاتفها هو فسحة الأمل بالنسبة لها، وبدونه لا يمكن أن تعيش وأن حياتها التي تريدها لم تجدها بزواجها الثاني، وتستبعد أن يكون عدم إنجابها هو السبب إذ تؤكد بأنها تعيش فراغ لا يوجد من يمليه أو يحتويها من خلاله.

تمرد على الواقع

هدى الحسين التي اعتبرت نفسها من أكثر النساء حظا، فقدت الشعور بالحب اتجاه زوجها بعد زواج 10 سنوات، وإنجاب ابنتين حيث وجدت نفسها تعيش في روتين ممل، فبعد أن بدأت تعمل في إحدى الشركات في ولاية غازي عنتاب التركية، تعرفت على شاب يعمل معها في نفس الشركة، وأعجبت به واتفقا على الزواج، حيث كانت تعود من عملها وتباشر الحديث معه عبر تطبيق “الواتس أب” إذ كانت لا تقوى على فراقه، بحسب تعبيرها.

بعد أشهر من زواجها الثاني تقول الحسين في حديثها لـ “الحل نت” بأن زوجها الثاني لم يعد يهتم بها، حيث اكتشفت أنه يحادث امرأة غيرها وبدأ بمواعدتها سرا، فطلبت الطلاق منه، بعد أن صرفت عليه الكثير من الأموال وأصبحت وحيدة، لأن طفلتيها فضلتا البقاء مع والدهم بعد زواجها الثاني، معتبرة أن الثقة الكبيرة التي منحها لها زوجها الأول، هي السبب الرئيسي في تفكيرها بأن تطلب الطلاق بعد أن شجعها على العمل خارج المنزل، بحسب رأيها.

“الفيسبوك” أصبح ساحة لنشر قضايا عائلية، لم يكن الاطلاع عليها متاحا في الماضي، بحسب حديث منير الراضي، (الذي انفصل عن زوجته بسبب مشاكل تتعلق باستخدامها لمواقع التواص الاجتماعي) لـ “الحل نت” فعندما تقارن الزوجة بين واقعها الذي تعيشه مع زوجها والذي قد لا تسمع فيه كلمة طيبة، وبين المدائح التي تنهال عليها عبر التعليقات في مواقع التواصل الاجتماعي، فتثور وتتمرد على زوجها.

هذه الحالة وفق الراضي، أدت إلى انهيار الكثير من الأسر حتى وصلت إلى الطلاق، فالإنترنت يظهر جوهر الشخص، وهناك حالات زواج ناجحة كانت بسبب وسائل التواصل لسهولة التقرب من الطرفين، واختزال بعض الإجراءات المكلفة لذا يمكن اعتباره سلاح ذو حدين وفق وصفه.

رأي الطب النفسي

 حول دور الحالة النفسية في رفع معدلات الطلاق، حذّر الطبيب النفسي معتز الصالح، في حديثه لـ “الحل نت”، من حالة العزلة والفراغ العاطفي التي تفرضها منصّات التواصل الاجتماعي على رُوّادها من الأزواج.

لا يوجد سبب واحد لحالات الطلاق بل هناك مجموع أسباب، وفق الصالح، من أهمها انعدام التواصل بين الزوجين، وعدم الانسجام الفكري بينهما، بالإضافة إلى التغير الديمغرافي الذي لاحق الكثير من السوريين، وكان له دور بارز في ارتفاع مؤشر الطلاق.

في تقرير لوكالة “سبوتنيك” تحدثت فيه عن ارتفاع معدلات الطلاق في سوريا خلال السنوات الأخيرة بشكل ملحوظ حتى باتت مقاربة لمعدلات الزواج، إذ كشفت آخر إحصائية رسمية بأن كل 29 ألف حالة زواج، يقابلها 11 ألف حالة طلاق.

كشف التقرير أن سوء الأوضاع الاقتصادية التي يعيشها السوريون من الأسباب الرئيسية لارتفاع معدلات الطلاق، وهذه حالة طبيعية أفرزتها الحرب التي امتدت لأكثر من عشر سنوات.

كان للخيانة الزوجية وتحديدا عبر مواقع التواصل الاجتماعي، الحصة الأكبر في حالات الطلاق تلك، وخاصة مع غياب أحد الطرفين لساعات طويلة في العمل خارج المنزل، بحسب ما أوضحت الوكالة.

نسبة حالات الطلاق وصلت إلى 50 بالمئة من نسبة حالات الزواج، بحسب تصريح للقاضي المستشار وليد كلسلي، أوضح فيه بعد مراجعة المحاكم الشرعية وأثناء التمحيص فيما تم ذكره من الزوجين أثناء جلسات التحكيم السرية، تبين أن أسباب طلبات التفريق التي وردت للمحاكم هي اقتصادية واجتماعية وثقافية.

إلى اليوم تستقبل المحاكم يوميا عشرات الدعاوى التي موضوعها التفريق بسبب الخلاف أو بسبب الخيانة الزوجية، حيث أصبحت الخيانة الزوجية في يومنا هذا سهلة جدا باستخدام مواقع التواصل الاجتماعي عبر برامجها المختلفة، حيث تنوعت قصص وحكايات الخيانة الإلكترونية أكثر، وذلك بسبب وجود الفراغ وإدمان الجلوس على الهاتف والإنترنت لساعات طويلة.

قرارات قضائية وقصص حية وواقعية تمر يوميا في محاكم سوريا ودول الشتات، والتي تؤكد وتوثق استخدام وسائل التواصل الاجتماعي من قبل أحد الزوجين أو كلاهما في بعض الأحيان، والتي تسببت بمشاكل اجتماعية أدت إلى الطلاق وتفكك الأسر.

اقرأ أيضا: كارثة في المجتمع السوري.. ما علاقة كبار السن؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.