“إن تقيد أصحاب الدكاكين وجميع المحال التجارية سواء بالمفرّق أو الجملة بتسعيرة التموين، ضربا من الخيال، بل من المستحيلات، حتى أن صالات السورية للتجارة والتي تعتبر حكومية لا تلتزم بتسعيرة التموين. وبالطبع فتح المجال أمام كل هذه الفوضى والتلاعب بالأسعار هي دوريات الرقابة والتموين الحكومية، وضحية كل هذا الغلاء والاستغلال والاحتكار المواطن السوري فقط لا غير”، هكذا يصف المواطن صالح السبيتي لـ”الحل نت”، المشهد الذي يتكرر منذ سنوات وضحيته السوريين الذين يكافحون يوميا في الداخل، لأجل لقمة العيش.

خلال الأسابيع الماضية شهِد السوق السورية زيادات كبيرة، على إثر قيام وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك برفع أسعار عدد من المواد والسلع الأساسية مؤخرا، وزاد هذا القرار الحكومي من معاناة المواطنين إضافة إلى معاناتهم اليومية الكثيرة، وسط تدني مستوى الرواتب والمداخيل بشكل عام.

قد يهمك: بين ضعف التسويق وارتفاع تكاليف الإنتاج.. “المنتجات الريفية صارت من الماضي”

فوضى الأسعار

بحسب تقرير لموقع “أثر برس” الذي نُشر يوم أمس الخميس، فإن نبرة ارتفاع أسعار السلع خلال الشهر الجاري ارتفعت لتزيد حدتها في الآونة الحالية، إذ ارتفع سعر علبة المحارم 500 ليرة سورية لتصبح بـ 7000 ليرة مع تخفيض عدد مناديل المحارم، كما ارتفع سعر مادة المتة بنسبة تزيد على 70 بالمئة، وارتفع سعر الزيت النباتي بمعدل 4000 ليرة لكل ليتر، والمنظفات بجميع أنواعها ارتفعت أسعارها، وحتى قطع البسكويت، في حين سارعت صالات السورية للتجارة إلى تعديل أسعارها قبل التجار في الأسواق.

فوضى الأسعار في الأسواق بحسب ما رصده الموقع المحلي ليس لها ضوابط، وازدادت حدتها مع التراشق الإعلامي بين وزارة التموين وكبار التجار، عن الجدوى من تطبيق المرسوم /8/ وحبس كبار التجار، وأصبح كل تاجر يسعّر على مزاجه، فعلى سبيل المثال أحد المحال يبيع زعتر من ماركة معروفة في دمشق الكيلو بـ 18 ألف ليرة على حين سعره في الأسواق 14 ألف ليرة، أي بزيادة 4 آلاف ليرة ربح بكل كيلو، وهذا يصور حجم الفوضى الموجودة في الأسواق والغائبة تماما عن الرقابة والمتابعة.

صالح السبيتي (48 عاما)، موظف حكومي ينحدر من العاصمة دمشق، يضيف لـ”الحل نت”، “ليس من المعقول أن ترتفع الأسعار بين الحين والآخر، وكل مرة يكون هناك مبررات سواء من قِبل التجار أو الحكومة، والجملة الوحيدة التي على لسان الباعة هي إذا لم يعجبك السعر فلا تشتري، وكأن الحياة على الفقراء وميسوري الحال حرام”.

السبيتي أشار إلى أنه يعمل بالإضافة إلى وظيفته الحكومية، سائق تاكسي، لأن راتبه الحكومي لا يكفيه لبضعة أيام، ويضطر إلى العمل بعد الظهر مع وردية مسائية، وعلى الرغم من أنه يعمل في عملين، لكنه لا يستطيع توفير كافة احتياجات أسرته المكونة من 5 أفراد، هو وزوجته وأطفاله الثلاثة. وفي الكثير من الأحيان يساعدهم أخوه المغترب، المقيم في أوروبا، عبر إرسال حوالات مالية لهم.

السبيتي نوّه إلى أنه يحتاج إلى خمسة رواتب لتأمين مصاريف تعليم أبنائه واحتياجاتهم اليومية، خاصة أنه صرف مبالغ كبيرة على أبنائه قبل نحو شهرين على المستلزمات المدرسية كالقرطاسية واللباس المدرسي وغيرها من الأشياء التي يحتاجها كل أسرة، مؤكدا لولا مساعدة أخيه له لما تمكن من شراء مستلزمات المدرسة لأبنائه.

هذا وارتفاع أسعار السلع على المستويات كافة، الأساسي منها وغير الضرورية كذلك، وأصبحت أحاديث السوريين اليومية في جلسات المقاهي ووسائل النقل الجماعي العام وفي مواقع التواصل الاجتماعي، كما تمت ملاحظة فقدان بعض المنتجات في الأسواق ليتم تعديل أسعارها كما هو حال النسكافيه والماجي.

قد يهمك: “الحكومة شغالة لراحة الأغنياء“.. قرارات حكومية تزيد من هموم المواطن السوري

الحكومة هي السبب؟

في سياق ارتفاع الأسعار بهذا الشكل الكبير والغير منطقي والذي لا يتناسب مع مستوى رواتب ومداخيل المواطنين أبدا، قال أمين سر جمعية حماية المستهلك المهندس عبد الرزاق حبزه في تصريح للموقع المحلي، أن ارتفاع الأسعار في الأسواق هو ارتفاع عام ومستمر، وشمل معظم السلع والمواد الأساسية، من البيض والدخان والسكر والزيت ومنتجات الألبان والأجبان والحليب.

حبزه عزا سبب الارتفاع إلى تحريك سعر الصرف في السوق السوداء، وإلى القرار الذي صُدر عن وزارة التموين، والتي رفعت به أسعار السكر والزيت والمتة في نشرتها؛ فشرعت ارتفاع الأسعار في الأسواق، موضحا أن العادة التي تجري في الأسواق هي مخالفة التجار لتسعيرة التموين، إذ يرفعون سعر السلعة بنسبة تفوق التسعيرة الرسمية، وعندما سعرت التموين نشراتها على تسعيرة الأسواق الرائجة، رفع التجار الأسعار إلى عتبة جديدة تفوق تسعيرة التموين بحجة وجود سوق سوداء، وهذا من أسباب الارتفاع في الأسعار.

حبزه أشار إلى أن السكر ارتفع سعره إلى 5000 ليرة، والزيت النباتي كان 12600 ارتفع في نشرة التموين إلى 14 ألفا لكنه يباع في الأسواق بـ 18000 ليرة. وعن التهديد بسجن كبار التجار أشار حبزه، ” إن المرسوم رقم /8/ عقوباته قائمة لكن هل يطبق؟ هل هناك متابعة، وقال، “لاحظت أن معظم العقوبات الواردة تتمثل في عدم الإعلان عن الأسعار وزيادة أسعار وشكاوى واردة لكنها قليلة”، على حد وصفه للموقع المحلي.

أبو محمد (62 عاما)، لديه محال في أحد أحياء دمشق، يضيف لـ”الحل نت”، أن “الأسعار تتغير وترتفع لأن التجار الكبار هم الذين يتحكمون بالأسعار وليس نحن أصحاب المحال الصغيرة، حتى أن دوريات الرقابة والتموين لا تقوى سوى على المحال الصغيرة، فهم يخالفون بعض المحال فقط لحفظ ماء الوجه، لأنهم لا يستطيع التكلم أو مخالفة التجار الكبار، الذين هم على صلة بمسؤولين كبار”.

أبو محمد عزا فقدان بعض المواد الغذائية في الأسواق بين الحين والآخر إلى تلاعب كبار التجار بهذا الأمر، حيث يتوقفون عن توزيع هذه المواد لفترة معينة من أجل رفع أسعارها فيما بعد، ويبررون ذلك بارتفاع الدولار مقابل الليرة السورية. في النهاية، ما دامت رواتب الناس ومداخيلهم بالليرة السورية، والتي بدورها تفقد قيمها شيئا فشيئا، ستستمر الأسعار في الارتفاع، وسيكون المواطنون فقط هم الضحايا والذين يدفعون ضريبة هذا الغلاء، ولا أحد يسأل عن كل ما يجري في الحقيقة.

قد يهمك: البيع بالدّين في سوريا ممنوع.. توقيف البيع أفضل من البيع بخسارة؟!

قرارات لرفع الأسعار

مؤخرا أصدرت الحكومة السورية، العديد من قرارات رفع الأسعار في المطاعم والمنشآت السياحية، حيث تُعيد الجهات المعنية النظر في الأسعار الرائجة، لتناسب أسعار الكلفة التشغيلية والمواد الأولية الداخلة في مختلف الصناعات والمنتجات.

أحد المواطنين أكد في وقت سابق لـ”الحل نت”، أن الأسعار لا تتوقف عن الارتفاع في الأسواق، شاملة جميع المواد والسلع الأساسية، مضيفا “رصدت مبلغ 70 ألف ليرة، لشراء الاحتياجات الغذائية والتموينية لهذا الأسبوع، لكن تفاجأت بالأسعار وقد ارتفعت بنسبة لا تقل عن 20 بالمئة لبعض المواد، وهذا مقارنة بالأسبوع الماضي أو الذي قبله فقط“.

معاون وزير السياحة نضال ماشفج، أعلن عن نيّة الوزارة طرح خطة لإعادة النظر في الأسعار الرائجة والمواد وتكاليف التشغيل الخاصة مع وضع نسب محددة للربح، مشيرا خلال تصريحات نقلتها صحيفة “الوطن” المحلية، إلى وجود نشرة أسعار تصدر عن الوزارة وكل من يخالفها يُحاسب وتتخذ بحقه الإجراءات الرادعة، لافتا إلى أن الرقابة لدى السياحة طوعية ووقائية.

الآلية الجديدة في رفع الأسعار، كشفت عنها صحيفة “الوطن” المحلية، مؤخرا، حيث أكدت أن حكومة دمشق، تحضّر لإصدار أسعار المنشآت الإطعام والإقامة الجديدة بما يشمل مختلف المنشآت بالمحافظات كافة، على أن تقرّ وتصبح الأسعار نافذة خلال 15 يوما ليُصار إلى التقيّد بها وفرض الغرامات اللازمة والضبوط بحق المخالفين.

الصحيفة المحلية، نقلت عن مصدر في وزارة السياحة، قوله إن “لجنة الأسعار التي تضم معنيين وممثلين عن اتحاد غرف السياحة السورية، ووزارات التجارة الداخلية وحماية المستهلك والمالية والإدارة المحلية والبيئة، قد أقرّت الآلية الجديدة التي راعت تغير كلف التشغيل من حوامل الطاقة في منشآت الإقامة، لاسيما أن عددا من المنشآت تستخدم خط الكهرباء الخاص غير الخاضع للتقنين“.

قد يهمك: الإكرامية في عيون البسطاء.. سوريا نحو اقتصاد مجهول الهوية؟

غلاء عام

المشكلة الرئيسية لارتفاع الأسعار اليومي في سوريا، من وجهة نظر مسؤولي الحكومة، هي قلة توفر المواد وانعدام التنافسية، حيث قال عضو مجلس إدارة غرفة تجارة دمشق، محمد الحلاق، في وقت سابق، “لن نستطيع الخروج من مشكلة ارتفاع الأسعار أو فقدان المواد ما لم يتم الاتفاق على إستراتيجية وطنية مشتركة، تضم وزارات المالية والتجارة الخارجية والتجارة الداخلية ومصرف سوريا المركزي وسواه”، مضيفا، “لكن للأسف ما زالت كل جهة من هذه الجهات تعزف على الوتر الذي يناسبها وكل جهة أو وزارة، تعمل وفق أولوياتها من دون الأخذ بعين الاعتبار البوصلة الرئيسية وهي المستهلك”.

اليوم مع زيادة الأسعار في سوريا، لم يعُد بمقدور عائلة مؤلفة من 4 أشخاص تناول هذه المأكولات الشعبية، والتي تُعد مرتفعة إذا ما حسبنا تكلفتها الشهرية والتي وصلت لـ 240 ألف ليرة شهريا، في حال تناولها بشكل يومي.

نائب رئيس جمعية حماية المستهلك في دمشق وريفها، ماهر الأزعط، اعتبر خلال حديثه السابق، لصحيفة “الوطن” المحلية، أن المواطن دخل في حالة سبات وبات بحاجة للإنعاش نتيجة معاناته اليومية التي تزداد في ظل غلاء الأسعار اليومي، وعدم تناسبها مع دخله المنخفض.

الأزعط أشار أيضا إلى أن الأسعار في سوريا باتت اليوم أغلى من كل دول الجوار، لافتا إلى أنه في حال لم تتدخل الحكومة وتقوم بتخفيض الرسوم الجمركية بما يتناسب طردا مع أسواق الدول المجاورة، ستزداد معاناة المواطن بشكل أكبر، ورأى أن هَم وزارة المالية الوحيد اليوم هو جباية أموال طائلة من الضرائب ولا يهمها المواطن وارتفاع الأسعار، كما أكد أن وزارة التجارة الداخلية تضع تسعيرة للمواد بشكل آني وغير صحيح ولا تتناسب مع التكاليف، لذا فالأسعار في السوق دائما أعلى من التسعيرة التموينية.

الصحيفة المحلية، قالت في تقريرها إن ارتفاعات شهدتها العديد من المأكولات، ولاسيما الشعبية والعديد من مواد الدواجن ناهيك عن أسعار المعجنات، وذلك خلال العشرة أيام الماضية وسط استمرار التبريرات من بعض أصحاب المحال بعدم مواءمة النشرات الرسمية الصادرة فيما يخص سندويش الشاورما والبطاطا والفلافل، حتى يعمد صاحب المحل إما لرفع السعر وعدم التقيد بالأسعار الرسمية، أو التلاعب بالكمية وحجم السندويشة وخاصة الشاورما.

الجمعية الحرفية للمطاعم والمقاهي والمنتزهات، طالبت بحسب الصحيفة، للمرة الثانية في كتاب لها مقدم إلى المحافظة، برفع أسعار المعجنات بزيادة 200 ليرة، بالنسبة للزعتر والجنبة و400 ليرة للمرتديلا والقشقوان، بما يشمل كل أنواع المعجنات.

حسب عضو الجمعية، سام غرة، فإن المكتب التنفيذي في محافظة دمشق لم يوافق حتى الآن على المقترح المقدم من الجمعية. كما بيّن غرة، أن النقاشات محتدمة ضمن الجمعية وخاصة بعد شكاوى ومناشدات واردة من عشرات المحال تطالب برفع أسعار المأكولات الشعبية، والعديد من المواد في المقاهي والمتنزهات.

وأكد عضو الجمعية، أن هناك نية للمطالبة برفع الأٍسعار، ولاسيما مع التكاليف الكبيرة التي تتكبدها المحال وارتفاع تكاليف المواد التي تؤمنها، وبالتالي باتت الأسعار الحالية لا تتوافق مع هذه المستلزمات، وخاصة مع ارتفاع تكاليف الطاقة بما في ذلك المحروقات وتأمينها من بعض المحال من السوق السوداء وبأسعار مرتفعة، ناهيك عن عدم انتظام حصولهم على المحروقات، وبالتالي تكبدهم تكاليف إضافية جدا.

الجدير ذكره، أن الأسعار تتفاوت من سوق لآخر حسب مزاجية البائع أو مستوى المنطقة الاجتماعية، وعلى مدار السنوات الماضية ورغم إطلاق العديد من الوعود بضبط الأسعار وتسجيل آلاف الضبوط المخالفة، فقد فشلت وزارة التموين السورية، في ضبط أسعار السلع والمواد الغذائية في الأسواق، وذلك تزامنا مع الارتفاع المستمر في أسعار المواد النفطية، والتكاليف التشغيلية على المنتجين، فضلا عن الانخفاض المستمر لقيمة الليرة السورية.

صالح السبيتي، وصاحب المحل الصغير، أبو محمد، كباقي السوريين لا حول ولا قوة لهم، فهم أيضا يعانون من فوضى الأسعار بشكل كبير وعدم التزام أو قدرة دوريات الرقابة والتموين الحكومية على ضبط السوق، ومتخوفين من المصير المجهول للمواطن السوري الذي يكافح يوميا لتأمين لقمة العيش وليس أكثر من ذلك.

قد يهمك: بين ارتفاع تكاليف الإنتاج وغياب الدعم الحكومي.. ماذا حلّ بالمزارع السوري؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.