“الوعود للمواطن والقرارات الإيجابية لأصحاب المنشآت “، يقول إبراهيم الصابوني (أب في عائلة مؤلفة من خمسة أفراد)، تعليقا على قرارات حكومة دمشق الأخيرة، المتعلقة برفع الأسعار لتتماشى مع تكاليف الإنتاج وأرباح أصحاب المنشآت دون الاكتراث لمستوى الدخل المعيشي للمواطنين.

قرارات لرفع الأسعار

مؤخرا أصدرت الحكومة السورية، العديد من قرارات رفع الأسعار في المطاعم والمنشآت السياحية، حيث تُعيد الجهات المعنية النظر في الأسعار الرائجة، لتناسب أسعار الكلفة التشغيلية والمواد الأولية الداخلة في مختلف الصناعات والمنتجات.

الصابوني قال في حديثه لـ“الحل نت“، “لا مشكلة في أن تتناسب الأسعار مع التكاليف ونسبة الربح، حق التاجر وصاحب المطعم أن يربح، لكن ألم تفكر الحكومة في آلية، أن تتناسب الأسعار مع مستوى الدخل للمواطن!، هل من خطة يا ترى لرفع الأجور“.

كذلك أكد أن الأسعار لا تتوقف عن الارتفاع في الأسواق، شاملة جميع المواد والسلع الأساسية، وأضاف، “رصدت مبلغ 70 ألف ليرة، لشراء الاحتياجات الغذائية والتموينية لهذا الأسبوع، لكن تفاجأت بالأسعار وقد ارتفعت بنسبة لا تقل عن 20 بالمئة لبعض المواد، وهذا مقارنة بالأسبوع الماضي أو الذي قبله فقط“.

قد يهمك: الكهرباء لمواجهة الشتاء في سوريا.. “على الوعد يا كمّون”

معاون وزير السياحة نضال ماشفج، أعلن عن نيّة الوزارة طرح خطة لإعادة النظر في الأسعار الرائجة والمواد وتكاليف التشغيل الخاصة مع وضع نسب محددة للربح، مشيرا خلال تصريحات نقلتها صحيفة “الوطن” المحلية، إلى وجود نشرة أسعار تصدر عن الوزارة وكل من يخالفها يُحاسب وتتخذ بحقه الإجراءات الرادعة، لافتاً إلى أن الرقابة لدى السياحة طوعية ووقائية.

الآلية الجديدة في رفع الأسعار، كشفت عنها صحيفة “الوطن” المحلية، في تقرير نشرته قبل أيام، حيث أكدت أن حكومة دمشق، تحضّر لإصدار أسعار المنشآت الإطعام والإقامة الجديدة بما يشمل مختلف المنشآت بالمحافظات كافة، على أن تقرّ وتصبح الأسعار نافذة خلال 15 يوما ليُصار إلى التقيّد بها وفرض الغرامات اللازمة والضبوط بحق المخالفين.

الصحيفة المحلية، نقلت عن مصدر في وزارة السياحة، قوله إن “لجنة الأسعار التي تضم معنيين وممثلين عن اتحاد غرف السياحة السورية، ووزارات التجارة الداخلية وحماية المستهلك والمالية والإدارة المحلية والبيئة، قد أقرّت الآلية الجديدة التي راعت تغير كلف التشغيل من حوامل الطاقة في منشآت الإقامة، لاسيما أن عددا من المنشآت تستخدم خط الكهرباء الخاص غير الخاضع للتقنين“.

خطة جديدة لرفع الأسعار

بحسب مصادر وزارة السياحة، فإن خطة تعديل الأسعار، جاءت نتيجة، “التغييرات التي طرأت على أسعار المواد الأولية لمكونات الخدمات المقدمة في المنشآت السياحية، لاسيما اللحوم والدواجن وغيرها في الفترة الماضية، ناهيك عن رصد مختلف التغييرات الحاصلة في الكلف والمستلزمات الداخلة في التشغيل“.

تزامنا مع ارتفاع الأسعار، يقف الموظف الحكومي عاجزا عن تأمين الاحتياجات الأساسية، مع فقدان القدرة الشرائية لراتبه، حيث يضطر معظم الموظفين إلى إيجاد عمل آخر بعد دوامهم اليومي، بهدف تحسين الدخل لمواجهة الارتفاع المستمر لأسعار مختلف السلع والمواد الغذائية.

باستياء وخيبة تؤكد رانيا آغا، (موظفة في مؤسسة الهاتف بحلب ولديها طفلين)، أن راتبها من الوظيفة الحكومية، لم يعُد يكفي لعشاء في مطعم متوسط، وتقول تعليقا على حكومة دمشق ووزارة السياحة، “السياحة لدينا هي في الأسواق للحصول على أرخص الأسعار، دائما هناك غلاء، الراتب يفقد جزء من قيمته بشكل شهري“.

“حتى أسعار الخضار أصبحت عبئا ثقيلا” تضيف آغا، خلال حديثها لـ“الحل نت“، مشيرة إلى أن أسعار بعض الخضار والفاكهة أصبحت تحتاج لميزانية شهرية مخصصة.

عضو مجلس الشعب السوري محمد زهير تيناوي، أكد قبل أيام أن أجور العاملين في الجهات العامة باتت منفصلة عن الواقع، ومن غير المنطقي أن تعطي أجرا لموظف عن شهر كامل لا يكفيه لأكثر من يومين.

تيناوي أوضح، في تصريحات صحفية سابقة، أن: “حاجة الأسرة السورية اليوم لا يقل عن 1,5 مليون ليرة شهريا، وهو ما يعادل 10 أضعاف الأجور التي يحصل عليها معظم العاملين في الجهات العامة وللذين لا يزيد أجرهم الشهري على 150 ألف ليرة“.

استقالة أصحاب الكفاءات

نتيجة لتدني الأجور والرواتب في القطاع الحكومي، فقد شهِد الأخير خلال السنوات الماضية، آلاف الاستقالات لأصحاب الكفاءات في مختلف الاختصاصات، ذلك ما اعتبره تيناوي، “مؤشرا واضحا على تردي الحالة المعيشية وبحث أصحاب الاستقالات عن فُرص عمل بديلة“، محذرا من تحول “الاستقالات إلى ظاهرة تسهم في تفريغ المؤسسات العامة من الخبرات والعاملين الذين لديهم مؤهلات“.

الحكومة في دمشق تقف عاجزة أمام انهيار قيمة الرواتب والأجور أمام المواد الغذائية والسلع الأساسية للأسر السورية، فضلا عن انهيار العملة المحلية، الذي أفقد الرواتب في سوريا نسبة كبيرة من قيمتها، وهذا ما دفع المئات من موظفي المؤسسات الحكومية السورية إلى الاستقالة مؤخرا.

تعليقا على تدني الرواتب والأجور في سوريا، أكد عضو غرف تجارة دمشق فايز قسومة، على ضرورة ازدهار الاقتصاد حتى يعيش المواطن السوري، مشيرا إلى أن ذلك يعني بالضرورة تحسين وضع الكهرباء ورفع مستوى الدخل.

في تصريحات نقلتها إذاعة “أرابيسك” المحلية، قبل أيام، قال قسومة، إن دخل الموظفين في سوريا، لا يتناسب أبدا مع أبسط الاحتياجات الأساسية، وأضاف، “حتى لو أصبح الراتب بالحد الأدنى 500 ألف ليرة، فإنه لا يكفي لإطعامه أكثر من خبزة وبصلة“.

قسومة زاد بالقول: “أما عندما يكون راتب الموظف 200 ألف ولديه ولدين، فلا يكفيه هذا الراتب أن يُطعم كل ولد سوى نصف سندويشة فلافل، ثلاث وجبات في اليوم، وذلك دون أن يدفع كهرباء وماء ومصاريف أخرى“.

متوسط تكاليف المعيشة

بحسب آخر الدراسات فإن متوسط تكاليف معيشة الأسرة السورية، شهِد نهاية شهر أيلول/سبتمبر 2022، ارتفاعا بمقدار 563 ألف و970 ليرة سورية، عن التكاليف التي سُجلت في شهر تموز/يوليو الماضي، لتصل إلى ما يقارب الـ 3.5 ملايين ليرة.

الدراسة التي نشرتها صحيفة “قاسيون“، الإثنين الماضي أشارت إلى أنها اعتمدت طريقة محددة في حساب الحد الأدنى لتكاليف معيشة أسرة سورية من خمسة أشخاص، تتمثل بحساب الحد الأدنى لتكاليف سلة الغذاء الضروري (بناء على حاجة الفرد اليومية إلى نحو 2400 سعرة حرارية من المصادر الغذائية المتنوعة).

وجاء في الدراسة أيضا، “ارتفع الحد الأدنى لتكاليف معيشة الأسرة بنحو 352,481 ليرة، منتقلا من 1,881,858 ليرة في تموز/يوليو إلى 2,234,339 ليرة في أيلول/سبتمبر، ما يعني أن التكاليف ارتفعت بنسبة وصلت إلى 19 في المئة، خلال ثلاثة أشهر فقط“.

سوريا تختلف عن العالم

على الرغم من استقرار الأسعار العالمية في الآونة الأخيرة، والتي ارتفعت بُعيد الغزو الروسي لأوكرانيا، وتوقف سلاسل التوريد العالمية، التي عادت مؤخرا بعد اتفاق استئناف تصدير الحبوب، بقيت الأسعار تميل للارتفاع بشكل مستمر في سوريا، دون وجود أي مبرر لذلك.

تقرير سابق لـ“الحل نت“، أشار إلى قرار وزارة المالية الصادر منذ أيام قليلة، والذي رفع الحد الأدنى للأسعار الاسترشادية للسكر والزيوت النباتية المستوردة، والتي تُعد من المواد الغذائية الأساسية، حيث أصبح الحد الأدنى للسكر الخام 500 دولار للطن الواحد، و600 دولار للسكر المكرر، ورفع السعر الاسترشادي لزيت عباد الشمس إلى 1500 دولار، ولزيت النخيل إلى 1300 دولار، ليليه قرار آخر لوزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، برفع سعر السكر (النادر وجوده في الأسواق) إلى 4400 ليرة سورية للكيلوغرام المعبأ، مع توقعات برفع سعر الزيت لاحقا.

التقرير أوضح، أنه ما بين دراسة التخفيض وقرار الرفع، لم يكن لأسعار مختلف المواد الغذائية سوى أن ازدادت بنسب كبيرة ومتسارعة، فضلا عن نقص في المخازين وندرة بعض المواد في الأسواق، ليشهد الأسبوع الأخير بمفرده ارتفاعا جديدا لمختلف السلع دون أي مبّرر، حتى حجة التأثر بالأزمات العالمية ومشكلات الشحن لم تعُد تنفع بعد استقرار الأسعار العالمية، بما فيها أسعار البورصات العالمية وأسواق النفط.

الجدير ذكره، أنه منذ بداية العام الجاري، تفاقمت الأزمة الاقتصادية في سوريا، مع وصول معدلات التضخم إلى أعلى مستوياتها، تزامنا مع فشل وعجز الحكومة السورية، عن ضبط أسعار السلع والمواد الأساسية في الأسواق. ولا يبدو أن حكومة دمشق قادرة على ضبط الأسعار، وتأمين المواد الأساسية والغذائية بشكل يكفي حاجة الأسواق السورية، وذلك على الرغم من الوعود الكثيرة التي أطلقتها مؤخرا بهذا الصدد.

وهنا يبقى السؤال، هل سيستطيع المواطن العادي تذوق المأكولات الشعبية إذا ما استجابت الحكومة لمقترح الجمعية الحرفية للمطاعم والمقاهي والمنتزهات، وبذلك تصبح سندويشة الفلافل والشاورما أحلام تخطر في بال السوريين، ويشتهيها أطفالهم خلال مرورهم بالأسواق.

قد يهمك: ما التداعيات الإقليمية والدولية لقرار “أوبك بلس” بخفض إنتاج النفط؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.