“أصحاب الدكاكين التجارية منذ فترة طويلة قلصوا البيع بالدين، بسبب تدهور الأوضاع المادية للناس، وكذلك تغيّر الأسعار بشكل شبه يومي، وهذا ما يعرضهم للخسارة، و بالطبع هذا حقهم واللوم ليس عليهم. فالتجار الكبار الذين يتحكمون بالسوق والحكومة التي تقف متفرجة أمام مهزلة ارتفاع الأسعار بهذه الطريقة الفوضوية، هم المسؤولون بالدرجة الأولى”، هكذا يشرح هيثم منصور حالة فوضى الأسعار في سوريا، دون قيام دوريات الرقابة والتموين بواجباتهم الفعلية تجاه هذا الأمر.

العديد من المواطنين قالوا في تصريحات صحفية محلية سابقة، أن دوريات الرقابة والتموين الحكومية بالفعل متقاعسة مع البائعين والتجار الكبار، وهم الذين يفتحون الباب على مصراعيه للتلاعب بالأسعار حسب ارتفاع الدولار مقابل الليرة، بل وتحمّلهم مسؤولية هذا التفاوت السعري في الأسواق والمحلات بشكل عام. هذا وقد شهدت الأسعار في السوق السورية، خلال الفترة الحالية ارتفاعات كبيرة نسبيا، الأمر الذي يزيد من معاناة الأهالي أكثر فأكثر، وسط تدني مستوى الرواتب والمداخيل في القطاع العام والخاص أيضا.

“التوقف عن البيع بالدين”

عدد من المواطنين أفادوا لصحيفة “الثورة” المحلية، مؤخرا، أن الكثير من الباعة قرروا وقف الديون للعوائل الفقيرة في الحي لأنهم يبيعون المواطنين بسعر ويشترون بسعر، ما يؤدي للخسارة سيما بعد مرور أسبوع على المبيع.

أحد التجار بيّن للصحيفة المحلية، أنه لم يعد قادرا على اللحاق بالأسعار، وهو صاحب دكان صغير، فكل يوم يشتري البضائع بتسعيرة، واليوم لم يعد قادرا على اللحاق بالسوق، بينما نوّه أحد التجار إلى أنه لم يعد يحسب بل يخزّن ويزيد الأسعار ويفعل أي شيء لكي لا يخسر.

المواطن، هيثم منصور (47 عاما)، يعمل موظف حكومي وهو أحد سكان محافظة اللاذقية، يضيف لـ”الحل نت”، “الأسعار تتغير بشكل يومي وأحيانا بشكل ساعي، وهذا ما يثقل كاهل عموم المواطنين، أصحاب المداخيل الضعيفة. كل هذه الفوضى في الأسعار سببه الرئيسي التجار الكبار والحكومة السورية، التي تقف عاجزة أمامهم”.

منصور أردف في حديثه بالقول، “في الحقيقة، نسبة كبيرة من الناس تشتري بالدَّين حتى يقبضون رواتبهم أو يتلقون حوالة خارجية، وهذا هو حال معظم السوريين اليوم، لكن مع توقف العديد من أصحاب المحال عن البيع بالدَّين، هذا سيخلق وضعا صعبا للناس، وخاصة البعض منهم ينتظر بداية الشهر ليحصل على رواتبه، لذا فالوضع صعب على الطرفين نحن وأصحاب المحلات”.

منصور يقول إنه يعمل في تجارة بيع الموبايلات عبر الإنترنت على مواقع التواصل الاجتماعي، وأحيانا تجارة بعض المواد الإلكترونية الأخرى، إلى جانب وظيفته الحكومية، وإذا تطلب الأمر يعمل في أعمال أخرى مثل العمل على سيارة للطلبات الخاصة خارج المدينة، ذلك لأن مصاريف المعيشة يتطلب خمس رواتب وليس راتب واحد فقط.

قد يهمك: بين ضعف التسويق وارتفاع تكاليف الإنتاج.. “المنتجات الريفية صارت من الماضي”

احتكار التجار الكبار

العديد من أصحاب المحال التجارية الصغيرة في محافظة طرطوس قالوا، “لم نعد نلحق تغيير الأسعار، كل يوم تسعيرة، ولكن هذه المرة غير كل مرة، فالزيادة واضحة وكبيرة”، مؤكدينَ أن الأمر تجاوز حالة ارتفاع أسعار الصرف إلى حالة من الاحتكار والطمع وعدم الاكتراث لأي جهة مسؤولة عن الأمر، وفق تقرير لصحيفة “الثورة” المحلية، مؤخرا.

في جولة على الأسواق بناء على شكاوى كثيرة وصلت مكتب صحيفة “الثورة” بطرطوس، حول ارتفاع الأسعار الجنوني لأغلب المواد التموينية والذي تحول إلى حالة من الفوضى تبيّن أن الارتفاع الحاصل هذه المرة كبير جدا. فعلبة المحارم قاربت 8 آلاف، وكيس مسحوق غسيل الملابس سعة 2 كيلو بلغ 15ألف ليرة، ومسحوق الجلي بـ 5500 ليرة والسمنة سعة 2 كيلو بلغت 40 ألف ليرة، وكيلو السكر وصل سعره إلى 5 آلاف، وارتفعت الفاصولياء الحَب إلى 12 ألفا، بينما تجاوز صحن البيض 18 ألف ليرة، وعلبة ليتر الزيت النباتي إلى 16500 ليرة، وكيلو الزعتر إلى 10800 ليرة، والطحينية بسعة كيلو واحد إلى عشرين ألف ليرة، وكيلو الجبن إلى 30 ألف ليرة.

الصحيفة أشارت في تقريرها، إلى أن أنواع الدخان والمعسل تجاوزت زيادتها ٢٠ بالمئة، وأن التجار أنفسهم لم يتقبلوا هذه الزيادة، متسائلين أين وزارة التجارة الداخلية وأين الرقابة، حيث اعتبروا أن هذه الزيادة وهمية وغير منطقية وكلها بسبب طمع التجار الكبار، فهل من المعقول أن يبيع التاجر قطعة بسكوت بالمفرق بـ 2000 ليرة سورية، وعندما يريد أن يشتريها مرة أخرى يتفاجأ أنها أصبحت بـ 2100 ليرة بالجملة.

أبو هادي (64 عاما)، يقول في تعليقه على فوضى الأسعار في الأسواق وفي المحال التجارية أيضا، “الأسعار منذ نحو ثلاث سنوات في حالة تدهور وفوضى غير مسبوقة، كل يوم بتسعيرة، لذلك قمنا أنا وزوجتي بتقنين نفقاتنا اليومية، إلى جانب وضع جزء كبير من مدخولنا حصريا على شراء المواد الغذائية اللازمة بكميات تكفينا لمدة شهرين تقريبا، وذلك لتلافي الخسائر بسبب ارتفاع الأسعار”.

أبو هادي الذي يعمل مدرسا في مدرسة إعدادية بطرطوس، يضيف لـ”الحل نت”، أنه قدّم عدة شكاوى لدوريات الرقابة والتموين حول عدم التزام أصحاب المحلات بتسعيرة التموين. لكنهم لم يستجيبوا ولم يضعوا حدّا لهذه الفوضى، وفق حديثه لـ”الحل نت”.

أبو هادي قرر أن يصرف معظم راتبه وراتب زوجته في بداية كل شهر لشراء المواد الغذائية الضرورية؛ مثل الشاي والمتة والأرز والسكر وغيرها من المواد، وهذه الطريقة تجنّبهم من احتكار والتلاعب بالأسعار من قبل التجار. يعمل أبو هادي في إعطاء دروس خصوصية للطلاب في أوقات المساء، وإلا فلن يتمكن من إعالة أسرته براتبه الحكومي فقط.

قد يهمك: أسعار المأكولات الشعبية في سوريا إلى ارتفاع.. “مسلسل الغلاء ما اله حلقة أخيرة”

أسباب ارتفاع الأسعار

ارتفاع الأسعار في سوريا، لا يزال ذلك الهم الذي يستيقظ السوريون عليه منذ عدة سنوات دون أن يجدوا تفسيرا لما يجري، أو إجابة واضحة تبيّن لهم حقيقة الارتفاعات المتتالية وغير المنطقية، حتى باتت الفجوة بين دخل السوريين والأسعار يصعب ردمها.

من جانبها تتذرع الحكومة في كل مرة بحجج مختلفة لتبرير ارتفاع الأسعار، كما تقدم مقترحات ووعود لخفضها، ولكن في الحقيقة تشير غالبية المعطيات إلى أن الخلل هو في المؤسسات الحكومية وغرف التجارة والجهات المختصة، التي من المفترض أن تعمل جمعيا وفق منظومة واحدة وبخطط محددة حتى تتمكن من تحقيق نتيجة، إلا أن هذا غير موجود أبدا ما جعل الحكومة تغرّد في واد بعيد عن معاناة السوريين، التي أصبحت كمستنقع يشدهم ليغرقوا أكثر فأكثر.

الأسعار المرتفعة لا تقتصر على مادة أو مادتين، فكل شيء ارتفع سعره ومستمر بالارتفاع، فالاحتياجات من حيث المبدأ لا يمكن أن تتجزأ، لكن نظرا للواقع فكل شيء ممكن.

عضو مجلس إدارة غرفة تجارة دمشق، محمد الحلاق، بيّن، أن المشكلة الرئيسية التي تؤدي إلى ارتفاع الأسعار اليومي، هي قلة توفر المواد وانعدام التنافسية، وقال، “لن نستطيع الخروج من مشكلة ارتفاع الأسعار أو فقدان المواد ما لم يتم الاتفاق على استراتيجية وطنية مشتركة تضم وزارات المالية والتجارة الخارجية والتجارة الداخلية ومصرف سوريا المركزي وسواه”، مضيفا: “لكن للأسف مازالت كل جهة من هذه الجهات تعزف على الوتر الذي يناسبها وكل جهة أو وزارة، تعمل وفق أولوياتها من دون الأخذ بعين الاعتبار البوصلة الرئيسية وهي المستهلك”، وذلك بحسب تقرير لصحيفة “الوطن” المحلية، مؤخرا.

بحسب الحلاق، فإن قرار رفع سعر صرف الدولار من المصرف المركزي مؤخرا يجب ألا يكون له تأثير من حيث المبدأ على الأسعار بأكثر من 3 بالمئة، موضحا أن أعضاء غرفة التجارة على اطلاع دائم على واقع السوق، ويسعون للوصول إلى تقاطعات بالنسبة للسوق، مبيّنا أن هناك الكثير من التجار أو المستوردين عزفوا عن الاستيراد لعدة أسباب منها الربط الإلكتروني، وتخوف قطاع الأعمال من هذا الربط إضافة إلى صعوبات التمويل، ودفع قيم البضائع من قِبلهم أكثر من مرة، وتأخر التسديد فضلا عن التسعير وعدم توافقه مع التكاليف الحقيقية، وأسباب أخرى متعددة منها زيادة التهريب، وهذا يمكن ملاحظته حاليا في السوق، كما أشار إلى ازدياد التهريب الذي بات ينافس المستورد الحقيقي، ويؤدي إلى عزوفه عن الاستيراد والعمل.

من جهته، عضو غرفة تجارة دمشق، فايز قسومة، بيّن أن تكاليف المواد تتغير بشكل يومي من حوامل طاقة وكهرباء وأجور نقل وتكاليف أخرى، الأمر الذي يؤدي إلى ارتفاع الأسعار بشكل يومي، كما أن الرسوم الجمركية ارتفعت بنسبة 12 بالمئة، منذ أكثر من أسبوعين الأمر الذي انعكس على أسعار المواد وأدى إلى ارتفاعها.

قسومة، أوضح أن الفجوة بين الدخل والأسعار باتت كبيرة جدا، مشيرا إلى أن التسعيرة التموينية التي يتم وضعها لمعظم المواد غير منطقية حاليا، ولا تتناسب مع التكاليف الحقيقية.

نائب رئيس جمعية حماية المستهلك في دمشق وريفها، ماهر الأزعط، اعتبر أن المواطن دخل في حالة سبات وبات بحاجة للإنعاش، نتيجة معاناته اليومية التي تزداد في ظل غلاء الأسعار اليومي وعدم تناسبها مع دخله المنخفض.

الأزعط، أكد أنه بعد قرار رفع سعر صرف الدولار من المصرف المركزي ارتفعت الرسوم بشكل تلقائي بنسبة 10 بالمئة، والبضائع الموجودة في الأسواق تم احتكارها نوعا ما من بعض التجار، موضحا أن ارتفاع سعر صرف الدولار ليس هو فقط العامل الوحيد الذي أثّر على الأسعار كما يظن البعض إنما ارتفاع الرسوم الجمركية كذلك.

كما بيّن أن الأسعار في سوريا باتت اليوم أغلى من كل دول الجوار، مشيرا إلى أنه في حال لم تتدخل الحكومة ،وتقوم بتخفيض الرسوم الجمركية بما يتناسب طردا مع أسواق الدول المجاورة ستزداد معاناة المواطن بشكل أكبر، لافتا إلى أن أسعار حوامل الطاقة بازدياد مستمر والضرائب كذلك، ورأى أن همّ وزارة المالية الوحيد اليوم، هو جباية أموال طائلة من الضرائب ولا يهمها المواطن وارتفاع الأسعار، كما أشار إلى أن وزارة التجارة الداخلية تضع تسعيرة للمواد بشكل آني وغير صحيح ولا تتناسب مع التكاليف، لذا فالأسعار في السوق دائما أعلى من التسعيرة التموينية.

قد يهمك: “مو رايحة غير عالمواطن“.. غياب الكهرباء يزيد تكلفة الإنتاج في المعامل ويرفع الأسعار

رفع الأسعار بشكل فوضوي

حسب التقارير المحلية السابقة، أثبتت أحوال الأسواق أن كل القرارات والحلول التي قدمتها الحكومة لتجاوز أزمة الغلاء والسيطرة على الأسواق لم تجد نفعا، وكل ذلك مجرد قرارات وكلمات ووعود، هذا يعني أن هناك خللا واضحا جليا أصبح لا يمكن التغاضي عنه لأنه حالة يومية يعيشها المواطن السوري.

في وقت سابق من هذا الشهر، وتعليقا على تدني الرواتب والأجور في سوريا، أكد عضو غرف تجارة دمشق فايز قسومة، على ضرورة ازدهار الاقتصاد حتى يعيش المواطن السوري، مشيرا إلى أن ذلك يعني بالضرورة تحسين وضع الكهرباء ورفع مستوى الدخل.

قسومة، قال في تصريحات نقلتها إذاعة “أرابيسك” المحلية، إن دخل الموظفين في سوريا، لا يتناسب أبدا مع أبسط الاحتياجات الأساسية، وأضاف، “حتى لو أصبح الراتب بالحد الأدنى 500 ألف ليرة، فإنه لا يكفي لإطعامه أكثر من خبزة وبصلة“.

أمين سر جمعية حماية المستهلك، عبد الرزاق حبزه، في حديثه لصحيفة “الوطن” المحلية، مؤخرا، أشار إلى أن مشكلة الغلاء مستمرة ولا يمكن أن تُحل مادامت انسيابية المواد بالأسواق منخفضة، لافتا إلى أن ارتفاع الأسعار متواتر لعدة أسباب أولها عدم استقرار سعر الصرف، وارتفاع أجور الشحن، وكذلك الرسوم الجمركية، وانقطاع البنزين لفترة والذي بدأت تظهر آثاره اليوم، كذلك موضوع حوامل الطاقة له تأثير على ارتفاع الأسعار كل ذلك تسبب في تناقص بعض المواد من الأسواق.

الجدير ذكره، أن الأسعار تتفاوت من سوق لآخر حسب مزاجية البائع أو مستوى المنطقة الاجتماعية، وعلى مدار السنوات الماضية ورغم إطلاق العديد من الوعود بضبط الأسعار وتسجيل آلاف الضبوط المخالفة، فقد فشلت وزارة التموين السورية، في ضبط أسعار السلع والمواد الغذائية في الأسواق، وذلك تزامنا مع الارتفاع المستمر في أسعار المواد النفطية، والتكاليف التشغيلية على المنتجين، فضلا عن الانخفاض المستمر لقيمة الليرة السورية.

في ظل تدهور الليرة السورية وارتفاع الأسعار بشكل غير مسبوق، يعيش غالبية السوريين اليوم تحت خط الفقر، وفق تقارير لـ”الأمم المتحدة”. كما ويعاني 12.4 مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي، وفق برنامج الأغذية العالمي، في وقت تسجل البلاد ارتفاعا كبيرا في معدلات التضخم والأسعار وشحّا في المحروقات ما انعكس انقطاعا للتيار الكهربائي لنحو عشرين ساعة في اليوم.

هيثم منصور وأبو هادي، كغيرهم من السوريين يعانون من فوضى الأسعار بشكل كبير، وسط غياب دوريات الرقابة والتموين، ومتخوفون من زيادة في ارتفاع الأسعار خلال الفترة المقبلة، خاصة بعد تدهور الليرة السورية أمام الدولار، وتجاوز عتبة الـ 5 آلاف ليرة سورية.

قد يهمك: “الحكومة شغالة لراحة الأغنياء“.. قرارات حكومية تزيد من هموم المواطن السوري

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.