إلى جانب أزمة الجفاف وتداعيات الغزو الروسي لأوكرانيا، يواجه المغرب تحديات كبيرة، نتيجة ارتفاع معدلات التضخم في البلاد، وعلى الرغم من إعلان الحكومة المغربية في الثامن عشر من أيار/مايو الماضي، عزمها إقرار اعتمادات مالية إضافية بموازنة 2023، لمواجهة تلك التحديات، إلا إن تلك الإجراءات على ما يبدو لم تؤتِ أُكلها، ما ينذر بتفجر الأوضاع في البلاد، بخاصة في ظل ارتفاع تكاليف المعيشة.

فبينما وعدت الحكومة المغربية مواجهة مجموعة الاختلالات التي تواجه البلاد عبر زيارة التخصيصات المالية، تظاهر مئات النقابيين اليساريين المغاربة، أمس الأحد، في مدينة الدار البيضاء احتجاجا على غلاء المعيشة وما وصفوه بـ “تقاعس الحكومة”، وذلك في محاولة للتعبير عن استيائهم من ارتفاع الأسعار وتراجع القدرة الشرائية.

ذلك جاء، وفق وكالة الصحافة الفرنسية “فرانس برس”، في ظل حظر التظاهر في البلاد الواقعة شمال القارة الإفريقية، والتي تعاني كواحدة من أكثر البلدان في العالم تأثرا بتغييرات المناخ، وتداعيات الجفاف، الذي انعكس سلبا على الواقع الزراعي ليترك أثره بشكل مباشر على حياة المواطنين، الذين يتهمون الحكومة بالتقصير في إيجاد حل لكل تلك التحديات.

الحكومة المغربية بمرمى الاتهامات النقابية

على هذا الأساس، تجمع نقابيون من “الكونفدرالية الديمقراطية للشغل”، قدِموا من أنحاء البلاد إلى الوسط التاريخي للعاصمة الاقتصادية الدار البيضاء، مرددين شعارات من بينها “معيشة العمال في خطر”، فيما ارتدى غالبيتهم سترات وشارات وقبعات صفراء مثّل لون شعار النقابة، وقالوا نحن هنا للتعبير عن استيائنا من ارتفاع الأسعار والاعتداءات على القدرة الشرائية، فيما تساءل عدد منهم “كيف يمكن للأشخاص الأكثر فقرا أن يعيشوا” في ظل ارتفاع أسعار المواد الغذائية. 

قبل ذلك، كانت “الكونفدرالية الديمقراطية للشغل” تعتزم تنظيم مسيرة وطنية في الدار البيضاء، لكن السلطات المحلية حظرتها، بحسب ما نقلت “فرانس برس”، عن القيادي النقابي طارق علوي الحسيني، الذي أشار إلى تمسكهم بالتظاهر، في حين جرت التظاهرة من دون وقوع حوادث كبيرة ولم تتخللها سوى بعض المشادات مع الشرطة.

هذا ويشهد المغرب ارتفاعا حادا في الأسعار، لا سيما المنتجات الغذائية، مما يؤثر في الأُسر الأشد فقرا، حيث تواصل أسعار المواد الغذائية الارتفاع بأكثر من 16.3 بالمئة، على الرغم من تراجع معدلات التضخم إلى 7.8 بالمئة على أساس سنوي، في نيسان/أبريل الماضي، بعد أن وصل إلى معدل قياسي خلال شباط/فبراير الماضي عندما بلغ 10.1 بالمئة، قبل أن يسجل تباطؤا طفيفا في شهر آذار/مارس الماضي، وصل إلى 8.2 بالمئة، بحسب الإحصاءات الرسمية.

بسبب ذلك، تواجه حكومة عزيز أخنوش سيلا من الانتقادات والمطالب باتخاذ إجراءات عاجلة لحماية القدرة الشرائية للمواطنين، في ضوء الارتفاع غير المسبوق لأسعار المواد الغذائية، بيد أن الحكومة المغربية عزت تلك الزيادة بالتضخم، إلى عوامل خارجية وظرفية، مثل موجة برد أخّرت جني محاصيل الطماطم.

وسط ذلك، وفي ظل الحديث عن تقاعس الحكومة المغربية، والتحذير من مآلات الأوضاع الاقتصادية في البلاد وسبل العلاج، يقول خبير الاقتصاد المغربي مهدي فقير، إن الحديث عن عدم نجاعة الإجراءات الحكومية في الواقع أمر غير دقيق، بحكم أن التضخم اليوم هو ظاهرة كونية، بيد أنه يؤكد أن ذلك قد انعكس على الأسعار، حيث بات تأثير ذلك ملموسا بشكل كبير من خلال تأثّر القدرة الشرائية في البلاد.

إجراءات ظرفية وهيكلية مغربية

فقير وفي حديث لموقع “الحل نت”، أشار إلى أن الحكومة قد قامت بعدد من الإجراءات ذات الطابع الظرفي، والشروع بسياسات وورش ذات طابع هيكلي، مبينا أن الإجراءات ذات الطابع الظرفي تمثّلت بعدم رفع تعريفات الكهرباء والماء، ما أبقى على أسعارها رغم ارتفاع كلف الإنتاج، بفعل الجفاف وارتفاع المواد الأولية، التي منها المواد الطاقية التي يحتاجها المغرب في المحطات الطاقية والحرارية.

التضخم يهدد الاقتصاد المغربي/ إنترنت + وكالات

كذلك، في السياق، ركزت الحكومة المغربية على العمليات الرقابية التي أعادت ضبط توازن الأسواق والأسعار، وهو ما نتج عنه انخفاض ملموس للعديد من المواد، خصوصا الاستهلاكية مثل الخضراوات، بحسب خبير الاقتصاد المغربي، الذي أشار إلى أن ظاهرة التضخم يمكن معالجتها من خلال ورش الدولة الهيكلية التي تعتمد على تحقيق الاكتفاء الذاتي والسيادة الطاقية والغذائية، حيث يسمح ذلك على المديين البعيد والمتوسط بحل جذري لهذه الإشكالية.

أما حول تداعيات ذلك على مستوى الشارع المغربي، وما يمكن أن ينتهي به الأمر، لفت فقير إلى أن، الأمر موضع نقاش عام كما أن هناك زخم حوله، لكنه يعتبر أن ذلك أمرا طبيعيا في الرأي العام، وبما أن المغرب بلد حرية التعبير، لذلك من حق كل مواطن المطالبة بالمزيد من الإجراءات من أجل الحد من هذا الارتفاع في الأسعار، بيد أن الإجراءات قد أثبتت نجاعتها ولو بشكل نسبي.

فقير أوضح، أن واقع أزمة التضخم تنقسم إلى نوعين؛ المستورد والهيكلي، يعتمد النوع الأول على ارتهان المغرب للأسواق الدولية، خصوصا ببعض المواد، مشيرا إلى أن الحل لذلك يكمن في ورش هيكلية وسياسات مهيكلة، الهدف منها تحقيق الاكتفاء الذاتي عن طريق تشجيع الصناعات المحلية، وكذلك إيجاد بدائل من خلال اللجوء إلى الطاقات المتجددة والأريحية، عوض الطاقات الأحفورية.

ذلك سيمكّن المغرب، بحسب فقير، من توفير هامش مهم لسيادته الطاقية، وبالمحصلة سيحد ذلك من التضخم وكلفة المواد المستوردة من الخارج، لافتا إلى أن التضخم المحلي، يحتاج إلى إعادة ضبط سلاسل الإنتاج وسلاسل التوزيع، الكفيلة بإعادة التوازن إلى السوق، ليلحق بعد ذلك إجراءات الرقابة للحد من المضاربة والاحتكار وتعزيز العمليات المتعلقة بعمل المؤسسات التي تسهر على تطور هذا القطاع، بالتالي أن كل ذلك مهم لعزل ظاهرة التضخم بحجمها الحقيقي، ومعالجتها بالسياسة التي تقتضيها.

آراء حكومية

في المقابل، اختلفت آراء الحكومة المغربية و”البنك المركزي” بخصوص مصدر التضخم الذي يعرفه البلد، حيث يعتقد البعض أن التضخم كان مستوردا في البداية، لكن ساهم في تسريعه التضخم المحلي، لوجود سياسات سابقة كانت تدفع في اتجاه خفض معدلات الفائدة والرفع من الكتلة النقدية من أجل تشجيع الاستثمار.

التضخم في المغرب يؤجج عضب المواطنين/ إنترنت + وكالات

في حين كان “بنك المغرب” يقول إنه يجب المحافظة على حقوق المستثمرين الأجانب، الذين يستثمرون أموالهم في المغرب، في ظل وضعية تعرف تحكما في نسب التضخم، خصوصا أن أي تسامح مع ظاهرة التضخم يهدد مصالحهم، وذلك مقابل رأيا للحكومة يقول إن رفع نسب الفائدة سيؤدي إلى فرملة عجلة الاستثمار وخلق نسبة البطالة.

خلال آذار/مارس الماضي، قرر “البنك المركزي” المغربي رفع سعر الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس إلى 3 بالمئة، صعودا من 2.5 بالمئة، في محاولة لفرملة التضخم المرتفع، وذلك بعد أن خفّض سعر الفائدة مرتين في 2020، الأولى في آذار/مارس بمقدار 100 نقطة أساس إلى 2 بالمئة، والثانية في تموز/يوليو من العام نفسه بمقدار 50 نقطة أساس إلى 1.5 بالمئة.

قبل أن يعود “البنك المركزي” المغربي، في 27 أيلول/سبتمبر الماضي، ليرفع أسعار الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس، ثم رفع مجددا خلال كانون الأول/ديسمبر الماضي بمقدار 50 نقطة أساس.

في غضون ذلك، يبدو أن المغرب لا يزال بحاجة إلى المزيد من الوقت، للتعافي من تداعيات ارتدادات الاقتصاد العالمي المتأثر بالغزو الروسي لأوكرانيا، وجائحة “كورونا”، مع ضرورة تكثيف الحكومة لجهود الحفاظ على قوت المواطنين، بالتزامن مع محاولات إيجاد حلولٍ جذرية للأزمة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات