بعد أن أصرّت على المشاركة في الانتخابات التشريعية الأخيرة التي أُجريت في تشرين الأول/أكتوبر 2021، رغم دعوات السواد الأعظم من الجماهير بعدم الاشتراك لعدم توفر أجواء مناسبة، وانتشار السلاح المنفلت وسطوة المال السياسي، ها هي القوى المدنية وأعضائها تنقسم مواقفها بشأن المشاركة في الانتخابات المحلية في العراق، المقرر إجراؤها أواخر العام الحالي، مطالبة بتأجيل موعدها بسبب ما وصفته بغياب “التنافس الحقيقي” بين الأحزاب الجديدة الناشئة والأحزاب التقليدية.

إذ تصاعدت مؤخرا دعوات أحزاب وأعضاء مدنية إلى تأجيل الانتخابات مجالس المحافظات المقررة في 18 كانون الأول/ديسمبر المقبل، من أجل تحقيق “تنافس حقيقي”، وذلك حسبما أفاد ناشطون، بسبب سطوة الأحزاب التقليدية الجاثمة على السلطة في البلاد منذ ما بعد العام 2003، حيث لا تزال تعمل على حسم الانتخابات المحلية المقبلة من خلال التأثير على رغبات الناخبين بالمال السياسي، وشراء ذمم المرشحين، فضلا عن حسم مناطق عديدة لصالح قوى بعينها من خلال تأثير السلاح الذي تحمله فصائل تنتمي لهذه الأحزاب وتنتشر في تلك المناطق تحت عناوين رسمية.

القوى المدنية تعتبر أن إجراء الانتخابات المحلية -التي تعول الأحزاب التقليدية عليها كثيرا وتعتبرها ركيزة أساسية ومنطلقا للانتخابات التشريعية-، في هكذا أجواء غير مستقرة، لن تسمح بإحداث أي تغيرات سياسة منتظرة من قبل الشارع العراقي الذي صدح بصوت عال أواخر عام 2019، بضرورة تغير الخارطة السياسية في البلاد وإنهاء سطوة الأحزاب التقليدية التي حكمت لأكثر من عقدين وتسببت في استشراء الفساد وغياب الإدارة وانتشار السلاح وتعاظم دور الإرهاب، بل لن تترك لها فرصة في إثبات حضورها بالمشهد السياسي.

عزوف مدني وإصرار تقليدي

في حين يؤكد تحالف “الإطار التنسيقي” الحاكم، والذي يضم جميع القوى الشيعية المقرّبة من إيران، باستثناء “التيار الصدري”، على ضرورة إجراء الانتخابات المحلية في موعدها، بل يجب تقديم الدعم للحكومة في إجرائها، معلنا أنه سيشارك في الانتخابات بأكثر من قائمة على أن تلتئم جميع القوائم ضمن تحالف واحد بعد الانتخابات.

دعوات سياسية في العراق لتأجيل انتخابات مجالس المحافظات/ إنترنت + وكالات

بينما طالب تحالف “المستقلين”، الذي يضم عددا من أعضاء “مجلس النواب” وقوى سياسية وناشطين، بتأجيل الانتخابات المحلية، وذكر التحالف في بيان، أمس الثلاثاء، أن حمّى الانتخابات تجتاح عددا من الكتل السياسية التي تسعى إلى الهيمنة على مجالس المحافظات بعدما استحوذت على مقاعد “البرلمان”، في وقت أعلنت فيه مفوضية الانتخابات نتائج الإحصائيات المتعلقة بالانتخابات المحلية، والتي أظهرت وجود تراجع ملحوظ وكبير في أعداد المرشحين والناخبين.

هذا التراجع، بحسب البيان، يشير إلى وجود تداعيات جوهرية تتطلب تقييما دقيقا وقرارات فاعلة لضمان نجاح وشفافية العملية الانتخابية، مشيرا إلى أن تحالف “المستقلين” ينظر بقلق إلى انخفاض عدد المرشحين، وهو يدرك أن التنافس الديمقراطي يستند إلى تقديم الخيارات المتعددة للمواطنين، غير أن هذا التراجع قد يؤثر سلبا على طبيعة تشكيل المجالس وتنوع الأفكار والرؤى التي تمثلها، لذلك يدعو التحالف إلى تحليل أسباب هذا الانخفاض واتخاذ إجراءات محفّزة تسهم في تعزيز الحضور الديمقراطي.

موقف تحالف “المستقلين” جاء بعد يوم من إعلان كلّ من ائتلاف “الوطنية”، بزعامة رئيس الوزراء العراقي الأسبق إياد علاوي، وحركة “امتداد” -المنبثقة من ساحات الاحتجاجات التي اجتاحت العراق أواخر 2019 وسميت بـ “ثورة تشرين”-، والتي تجمع عددا من الشخصيات والقوى المدنية، مقاطعة انتخابات مجالس المحافظات المقبلة.

ائتلاف “الوطنية” ذكر في بيان، أن هذه المجالس هي حلقة زائدة في تركيبة الدولة، وهي باب من أبواب الاستحواذ على مقدرات الشعب، ولكننا أردنا الاشتراك بالانتخابات كونها مجالس خدمية وعدلنا عن رأينا بعدما اتخذنا قرارا نحن وحلفاؤنا، ذلك أن حالة الفساد والنفوذ الأجنبي لا تزال مخيمة على أجواء الانتخابات، إضافة إلى المال السياسي الذي لا يزال لاعبا كبيرا وأساسيا في العملية الانتخابية والديمقراطية الزائفة.

الفشل السياسي ونفوذ الأحزاب التقليدية وراء الدعوات المدنية

أما حركة “امتداد” التي كانت قد أصرّت على المشاركة في الانتخابات التشريعية بدعوى “التغير من الداخل” رغم معارضة كبيرة من الأوساط الاحتجاجية، فقد أشارت إلى أن عدم مشاركتها في انتخابات مجالس المحافظات في موعدها القادم يأتي بسبب تأخرها في انعقاد مؤتمرها العام الأول لانتخاب قيادة جديدة، متمنية التوفيق والنجاح للحركات الوطنية الناشئة المشاركة في الانتخابات.

الإطار التنسيقي يؤكد دعمه لإجراءات الانتخابات المحلية/ إنترنت + وكالات

مشهد يؤكد غياب التنافس الحقيقي، بحسب الصحافي والباحث في الشأن السياسي العراقي مسلم السليطي، الذي تحديث لموقع “الحل نت” قائلا، إنه بعد التجربة الأخيرة التي خاضتها القوى الجديدة الناشئة مثل “امتداد” و”اشراقة كانون” و”المستقلين” التي أقلّ ما يُقال عنها بالتجربة الفاشلة، تضاءلت حظوظ هذه القوى، بسبب عدم قدرتها على الخروج من عباءة الأحزاب التقليدية والتمرد على العرف السياسي، رغم أن الفرصة كانت مواتيةً خاصة في فترة الصِدام بين “التيار الصدري” و”الإطار التنسيقي” وكذلك بين الحزبين الكرديين “الديمقراطي” و”الاتحاد الوطني”. 

بالتالي، وفق السليطي، إنه مع تضاؤل حظوظها وتراجع شعبيتها نتيجة الفشل في تحقيق مكاسب سياسة معتبرة، يبدو أنها توصلت لقناعة بأن الانسحاب من الانتخابات المحلية أمرٌ مبرر بعيدٌ عن كل ما يقال عن أسباب أخرى، مشيرا إلى أن القوى الناشئة والمدنية لم تكن على قدر المسؤولية، كما أن الانشقاقات التي مُنيت بتدبير من القوى التقليدية بهدف إضعافها وكذلك بسبب دخول بعض المستقلين بتحالفات مع قوى المهيمنة على السلطة طمعا بالمناصب، كلها أسباب زعزعت الثقة بين المواطنين وهذه القوى الجديدة مما جعلها تشعر بأن حظوظها في الانتخابات معدومة، وهذا مبررٌ منطقي يجعلها تنسحب من التنافس.

علاوة على ذلك، أشار السليطي، إلى أن عدم اقبال الناخبين على تحديث بياناتهم يُعد مؤشرا واضحا للعزوف الانتخابي من قِبل القاعدة الجماهيرية لقوى التغيير، وهذا أيضا سببٌ للانسحاب، لافتا إلى أن البعض الآخر من القوى الناشئة التي تنوي خوض التنافس الانتخابي، لديها ضمانات أو تفاهمات من خلف الكواليس مع قوى “الإطار التنسيقي” وحزب “تقدم” الذي يقوده رئيس “البرلمان” محمد الحلبوسي، والحزبان الكرديان. 

أما بخصوص القوى التقليدية المتمثلة بتحالف “الإطار التنسيقي” والقوى المنضوية تحته، فهي عازمة على خوض الانتخابات لأنها قد استعدت ونظمت صفوفها منذ زمن، بالتحديد مع تشريع قانون انتخاب مجالس الانتخابات المفصل على مقاسها، وهذا ما يجعلها واثقة من النجاح في الانتخابات، بل تعدى حماس هذه القوى إلى الصراع فيما بينها حول موعد إجراء الانتخابات وشكل التحالفات المقبلة، حتى وصل بعضها إلى تهديد مصالح الأخرى بهدف إضعافها، وبصورة أوضح أن هذه الأحزاب تعتمد بشكل كبير على المال السياسي والسلاح في الحصول على ما تبتغيه من مكاسب سياسية أن لزم الأمر، يؤكد السليطي.

يشار إلى أن هذه الانتخابات المحلية؛ ستشمل 15 محافظة من أصل 18، حيث هناك ثلاث محافظات ضمن إقليم كردستان المتمتع بحكم ذاتي غير مشمولة بالانتخابات، كما أنها ستكون أولى انتخابات مجالس محافظات محلية تجري في العراق منذ نيسان/أبريل 2013 التي تصدرت خلالها القوائم التابعة لرئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، النتائج.

حيثيات الانتخابات المحلية في العراق

آخر انتخابات محلية أقيمت عام 2013، قبيل عام واحد من سقوط عدد من المدن العراقية بيد تنظيم “داعش” عام 2014، مما أدى إلى تأجيل الانتخابات المحلية المقرر إجراؤها عام 2017، وتمديد عملها من قبل “مجلس النواب” العراقي في عام 2018 لحين إجراء انتخابات جديدة، قبل أن يوقف عملها في نهاية 2019 استجابة للاحتجاجات الشعبية التي اجتاحت البلاد في العام 2019، حيث أُجبر “مجلس النواب” بالتصويت على حلّها وإنهاء عملها، بوصفها حلقة فساد زائدة.

القوى السياسية العراق تستعد لخوض انتخابات المجالس المحلية/ إنترنت + وكالات

إلا أنه العام الماضي، عادت مجالس المحافظات لعملها بقرار “برلماني”، ومنذ ذلك الحين بدا كما لو كان بمثابة معركة تستعد لها الكتل السياسية بكل ما أوتيت من قوة، فضلا عن العمل على صياغة التحالفات والمناورات، علاوة على المؤامرات وعمليات التسقيط واسعة النطاق.

استنادا للدستور العراقي، تملك مجالس المحافظات صلاحيات واسعة فهي لا تخضع لسيطرة أو إشراف أي وزارة أو جهة غير مرتبطة بوزارة، كما أن لديها صلاحيات إدارية ومالية واسعة، ومنذ الإطاحة بنظام صدام حسين عام 2003 أُجريت ثلاث دورات انتخابية لاختيار أعضاء مجالس المحافظات العراقية أعوام 2005 و2009 و2013.

مجالس المحافظات المنتخبة تتولى مهمة اختيار المحافظ ومسؤولي المحافظة التنفيذيين، ويملك هؤلاء صلاحيات الإقالة والتعيين وأيضا إقرار خطة المشاريع وفقا للموازنة المالية المخصصة للمحافظة من الحكومة المركزية ببغداد، بحسب الدستور العراقي النافذ بالبلاد منذ عام 2005.

جدير بالذكر أن “المفوضية العليا المستقلة للانتخابات” في العراق كانت قد منحت إجازات لـ 268 حزبا سياسيا تم تسجيلها ككيانات سياسية، في إطار الاستعداد للمشاركة في الانتخابات المحلية، فيما فتحت المفوضية باب التسجيل أمام التحالفات والأحزاب الراغبة بالمشاركة في الانتخابات، نهاية تموز/يوليو المقبل.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات