لم يتضح بعد إن كان اتفاق العراق وأميركا مؤخرا حول أوجه التعاون الأمني المشترك، سيكون كافيا لضمان عدم التعرض للمصالح الأميركية في العراق من قبل جماعات مسلحة موالية لإيران رافضة للتواجد الأميركي، إلا أنه على الأقل قد أكد على تحميل القوات العراقية مسؤولية حمايتها، وفتح الباب على أوسع من هذا النطاق، حيث طُرحت تساؤلات حول ما إذا كان هذا الاتفاق يمكن أن يعكس العمق الاستراتيجي بين البلدين، وأوجه الاختلاف.

فبعد زيارة أجراها وفدٌ عراقي رفيع المستوى إلى الولايات المتحدة الأميركية يوم الإثنين الماضي، لبحث العلاقة المستقبلية لوجود “التحالف الدولي”، والتعاون الأمني الثنائي بين بغداد وواشنطن، أعلن الجانبان في بيان مشترك أمس الثلاثاء، اتفاقهما على تشكيل لجنة عسكرية عُليا لتقييم العملية المستقبلية المتعلقة بمهمة “التحالف الدولي”، وذلك أثناء لقاء الوفد العراقي بالوفد الأميركي.

خلال اللقاء بين الوفدين تم التأكيد مجددا على الالتزام بالتعاون الأمني، والاهتمام المشترك بالاستقرار الإقليمي، وفق ما جاء في البيان، الذي بيّن أن الوفد العراقي برئاسة وزير الدفاع ثابت العباسي، والوفد الأميركي برئاسة مساعدة وزير الدفاع سيليست والاندر، ناقشا مجموعة من القضايا الدفاعية الثنائية، وفقا لاتفاقية “الإطار الاستراتيجي الأميركية العراقية” الموقّعة عام 2008، وكجزء من شراكة شاملة.

التزامات ثنائية حول تطوير القدرات القتالية

فيما التقى الوزير العراقي، بوزير الدفاع الأميركي لويد أوستن، وممثلي الولايات المتحدة من هيئة الأركان المشتركة، ووكالة التعاون الأمني الدفاعي، والقيادة المركزية الأميركية، ووزارة الخارجية، و”مجلس الأمن القومي”، وأكد الوفدان التزامهما بتطوير قدرات العراق الأمنية والدفاعية، وتصميمهما على تعميق التعاون الأمني عبر مجموعة كاملة من القضايا لتعزيز المصالح المشتركة للبلدين في أمن العراق وسيادته واستقرار المنطقة.

الوزير العراقي العباسي، أشار بحسب البيان، إلى أن حوار التعاون الأمني المشترك يعكس الشراكة الاستراتيجية الثنائية الناضجة، ويبني على الأساس الذي أرسته المناقشات الثنائية السابقة، بما في ذلك الحوار الاستراتيجي بين الولايات المتحدة والعراق في تموز/يوليو 2021، ولجنة التنسيق العليا الأميركية العراقية في شباط/فبراير 2023.

كما بيّن أن الجانبين رحّبا بالتنفيذ الكامل للحوار الاستراتيجي، مؤكدين أنه لا توجد قوات أميركية لها دور قتالي في العراق، وأن جميع الأفراد العسكريين الأميركيين لا يزالون في العراق بدعوة من حكومة العراق للتدريب وتقديم المشورة والمساعدة وتبادل المعلومات الاستخبارية، لدعم معركة العراق لضمان الهزيمة الدائمة لـ “داعش”.

فيما استعرض الجانبان التحديات والفرص المشتركة للتعاون، مع التركيز على الإنجازات لحملة هزيمة “داعش”، مؤكدين التعاون المشترك مع قوات الأمن العراقية بما في ذلك البيشمركة والالتزام المشترك بالاستقرار الإقليمي، وذلك في الوقت الذي يواجه فيه رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، ضغوطا من قِبل فصائل مسلحة وقوى سياسية في تحالف “الإطار التنسيقي” بشأن ملف الوجود الأميركي في البلاد، الذي ترفضه تلك الجهات.

بالإضافة إلى ذلك استعرض الجانبان الدعم التشغيلي الحاسم المقدّم من خلال مهمة قوة المهام المشتركة “عملية العزم الصلب”، لتدريب وتقديم المشورة والمساعدة وتبادل المعلومات الاستخباراتية مع قوات الأمن العراقية.

لكن اللافت وسط ذلك، تأكيد الجانبين على عزمهما التشاور بشأن عملية مستقبلية شاملة للتحالف، لتحديد كيفية تطور المهمة العسكرية للتحالف وفقا لجدول زمني يراعي التهديد من “داعش”، والمتطلبات البيئية، ومستويات قدرة قوى الأمن الداخلي، وهو ما أثار تساؤلا حول ما يمثله الاتفاق الحالي، وما سبقه من اتفاقات، طالما لا يزال هناك اتفاق جديد.

رغبة أميركية بعلاقة استراتيجية وإشكالية عراقية

حول ذلك أوضح المحلل السياسي العراق هيثم الهيتي، أنه قبل الإعلان عن هذا الاتفاق الجديد، سبق وسمعنا عن اتفاقيات مشابهة، إلى جانب “اتفاقية الإطار الاستراتيجي”، بالتالي ما يثير السؤال عن أسباب العودة لإعلان اتفاق جديد وبصيغة أخرى ومسمى جديد، مشيرا إلى أن اتفاق “الإطار الاستراتيجي” بين العراق والولايات المتحدة الأميركية، كان يجب أن يتضمن اتفاقا يشمل جميع هذه النقاط.

لقاء وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي مع وزير الدفاع الأميركي لبيد أوستن/ إنترنت. + (واع)

لكن بحسب حديث الهيتي لموقع “الحل نت”، فإن إعادة وتكرار صور مختلفة من الاتفاقات، تعكس أن هناك خللا في العلاقة العراقية الأميركية، وهذا الخلل مبني على اختلافات أيديولوجية وسياسية وفي الاتجاهات العامة، مشيرا إلى أن السياسة العراقية تذهب باتجاه الصين، في الوقت الذي يعلم فيه الجميع أن هناك موقف أميركي من روسيا والصين وإيران وسوريا، غير أن السياسة العراقية تصرّ على خيار الصين.

بالتالي هناك تناقض في شكل العلاقة الأميركية العراقية، قد يصل في لحظة من اللحظات إلى انقطاع الخيط بين الطرفين، وما هذه الاتفاقات إلا محاولة للتغطية على التقاطع الأميركي العراقي، ومحاولة لإظهار أن العلاقة ما زالت موجودة، لكن واقعيا هناك اختلاف سياسي كبير رغم رغبة الولايات المتحدة الأميركية في الاستمرار بالعلاقة مع العراق.

الهيتي، بيّن أن العراق من الناحية الدبلوماسية والسياسية يوقّع اتفاقات ويظهر رغبات معينة، لكن واقعيا يميل باتجاهات أخرى وهي روسية صينية إيرانية سورية، لذا أن العراق غير قادر على إثبات عكس هذا الاتجاه، وبنفس الوقت غير قادر على الانسلاخ من العلاقة مع أميركا، لذلك يتصرف بهذه الطريقة، وهذه هي الإشكالية بإدارة العراق.

المحلل السياسي العراقي أوضح، أن الإشكالية تتمثل بالفضل الأميركي في وجود النخبة وحكمها في العراق، بيد أن إشكالية هذه النخبة هي بالرغبة في العلاقة مع الصين وروسيا، لذلك لا يمكن التّكهن إلى أين ستصل علاقة البلدين، لذلك لا يمكن رؤية تغيير جذري بهذه الاتفاقيات، خصوصا وأنها لا تمثّل شكلا من أشكال التحول أو التطور السياسي الدولي بين العراق وأميركا.

اتفاقيات عراقية أميركية 

على هذا الأساس، يرى الهيتي المقيم في الولايات المتحدة الأميركية، أن السياسة العراقية تنتظر لحظة معينة للسيطرة على الوضع في العراق من ثم تغيير دفته من الاتجاه الأميركي إلى الاتجاه الآخر المناوئ للولايات المتحدة الأميركية وهو الاتجاه الصيني الروسي، لكن واشنطن حتى هذه اللحظة لا تزال راغبة بالتوصل إلى شكل معين من أشكال العلاقات مع العراق الذي لا يستطيع إثبات ذلك.

صورة تذكارية تجمع الوفد العراقي مع الوفد الأميركي/ إنترنت + وكالات

يشار إلى أنه في 26 تموز/يوليو 2021، توصلت بغداد وواشنطن إلى اتفاق يقضي بانسحاب القوات الأميركية القتالية من العراق بحلول نهاية العام ذاته، فيما بقي عدد محدود منها لتقديم المشورة وتدريب القوات العراقية.‎

أما اتفاقية 2008، فهي اتفاقية أمنية بين العراق والولايات المتحدة التي دخلت إلى البلاد ضمن تحالف دولي للإطاحة بنظام الرئيس الراحل صدام حسين، وتضمنت تحديد الأحكام والمتطلبات الرئيسة التي تنظّم الوجود المؤقت للقوات العسكرية الأميركية في العراق وأنشطتها فيه وانسحابها منه مستقبلا.

كما زار وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن، العراق خلال شهر آذار/مارس الماضي، والتقى رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، وأكد الوزير الأميركي حينها، التزام واشنطن بالإبقاء على وجودها العسكري في العراق. أوستن كتب في تغريدة فور وصوله، هبطنا في بغداد، مضيفا أنا هنا لإعادة تأكيد الشراكة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة والعراق، بينما نمضي قُدما نحو عراق أكثر أمنا واستقرارا وسيادة. 

كذلك على هامش لقائه مع السوداني، قال أوستن في تصريحات صحافية، إن التحالف عمل مع الحكومة العراقية من أجل القضاء على تنظيم “داعش”، موضحا أن القوات الأميركية مستعدة للبقاء في العراق بدعوة من حكومته، مشددا على أن هذا هدفنا الوحيد لبقائنا في العراق، مستدركا بالقول إن العمل العسكري وحده لن يضمن القضاء نهائيا على تنظيم “داعش”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات