عمليا، وُضع زعيم “التيار الصدري” مقتدى الصدر، أمام الأمر الواقع، فالحلفاء ابتعدوا عنه واقتربوا من خصمه “الإطار”، ولذا لا خيار أمامه لتحقيق مطلبه بحل البرلمان إلا عبر تشكيل حكومة عراقية جديدة.

كل الطرق تؤدي إلى مطلب الصدر. مطلبه حل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة تشرف عليها الحكومة الحالية بقيادة مصطفى الكاظمي، وهي حكومة تصريف أعمال يومية، أي بمثابة المستقيلة.

“الإطار” الموالي لإيران يتفق مع مطلب مقتدى الصدر، لكنه يختلف بجزئية حل البرلمان، إذ لا يوافق على حلّه إلا بعد تشكيل حكومة جديدة كاملة الصلاحيات، بدل حكومة ناقصة الصلاحيات، وهو ما اتفق عليه بالأمس، حلفاء الصدر من الكرد والسنة.

بالتالي، اتفاق “الحزب الديمقراطي الكردستاني” و”تحالف السيادة” السني وتناغمهما مع رؤية “الإطار”، حصر زعيم “التيار الصدري” في حجر الزاوية، والمتبقي هو الاتفاق على رئاسة الحكومة المقبلة التي ستدير الانتخابات المبكرة الجديدة.

طريق من بين طريقين

كيف ستكون رئاسة الحكومة المقبلة؟ هل بقيادة المرشح الحالي لها، محمد شياع السوداني، أم أن “الإطار” سيستغني عنه؟ وما هي الآلية لاختيار رئيس الحكومة المقبلة؟ وهل يقبل بها الصدر، أم أن رجل المفاجآت الأول بالعراق، له رأي آخر؟

المشهد معقّد، لكنه قد ينتهي بطريق من بين طريقين، بحسب الباحث السياسي فلاح المشعل، الذي يقول في حديث مع “الحل نت”، إن الطريقين يعتمدان على مقتدى الصدر بشكل أساسي، وإن لم تتحقق أي نتيجة، فذلك يعني عودة التصعيد في الشارع.

نوري المالكي، وهادي العامري، وقيس الخزعلي – قيادات “الإطار”

في الطريقين، لا وجود لشياع السوداني بهما؛ لأن “فيتو” الصدر تجاهه لن يسمح بأي اتفاق بين “التيار” و”الإطار”، وفق المشعل، وبالتالي إبعاد المرشح الحالي، إن جرى التوافق والتفاهم بين الفرقاء.

الطريق الأول، هو تقديم “الإطار” اسم شخصية لرئاسة الحكومة ليست إطارية، وغير محسوبة على جهة معينة، تحظى بقبول مقتدى الصدر ومباركته لها، على حد تحليل الباحث السياسي، المشعل.

يردف المشعل، أن الطريق الثاني في حال تعثر “الإطار” باختيار شخصية تحظى بمقبولية عند الصدر، هو أن يقوم الأخير باختيار شحصية وسطية من داخل “الإطار” نفسه، ويقدمها لخصمه “التنسيقي”.

الطريق الثاني، غالبا سيكون عبر اختيار الصدر لزعيم “ائتلاف النصر”، ورئيس الحكومة الأسبق، حيدر العبادي؛ كونه الشخصية الأكثر وسطية واعتدالا من داخل “الإطار التنسيقي”، كما يوضح فلاح المشعل.

ويختتم المشعل، أنه لا طريق آخر غيرهما، وإن تعثر الاتفاق بين الصدر و”الإطار”، فإن ذلك سيعني إصرار “الإطار” على تجاوز زعيم “الكتلة الصدرية” بتشكيل حكومة بقيادة المرشح الحالي، شياع السوداني، ولجوء الصدر للتظاهرات مجددا لمنع تشكيلها وعودته لطلب حل البرلمان الفوري.

اعتزال وتصعيد

في 30 تموز/ يوليو الماضي، اشتدّت الأزمة السياسية العراقية، إذ اقتحم جمهور “التيار الصدري”، المنطقة الخضراء حينها، وأقاموا اعتصاما مفتوحا من داخلها وأمام مبنى البرلمان العراقي، بعد 72 ساعة من الاقتحام الأول لهم للخضراء، الذي لم يتجاوز 5 ساعات قبل أن ينسحبوا بتوجيه من زعيم “التيار“، مقتدى الصدر وقتئذ.

وشهدت العاصمة العراقية بغداد، في 29 آب/ أغسطس الماضي، تصعيدا صدريا على إثر إعلان زعيم “التيار الصدري” مقتدى الصدر، اعتزاله الحياة السياسية نهائيا، من خلال اقتحام آنصاره لكل بقعة في المنطقة الخضراء، وأهمها القصر الجمهوري، قبل أن يتطور المشهد لصراع مسلح.

الميليشيات “الولائية” هاجمت أنصار الصدر لتفريقهم وإخراجهم من الخضراء، فتدخل فصيل “سرايا السلام” التابع للصدر للدفاع عن المتظاهرين الصدريين، واندلعت مواجهة مسلحة داخل الخضراء منذ ليل 29 آب/ أغسطس، وحتى ظهر 30 آب/ أغسطس، عندما دعا الصدر في مؤتمر صحفي، أتباعه للانسحاب وإنهاء اعتصاماتهم.

وسقط جراء العنف المسلح 37 قتيلا و700 جريح، وانتهت اعتصامات الحمهور الصدري بعد شهر من خروجها أمام البرلمان للمطالبة بحله وإجراء انتخابات مبكرة جديدة.

تأتي الأزمة السياسية العراقية، نتيجة لصراع سياسي دام لأكثر من 10 أشهر منذ انتهاء الانتخابات المبكرة الأخيرة، وفوز الصدر فيها وخسارة “الإطار” الموالي لإيرلن، الذي وقف بوجه مشروع “التيار الصدري“، عندما سعى إلى تشكيل حكومة “أغلبية”.

بعد الانتخابات المبكرة، ذهب “التيار الصدري” بقيادة الصدر، إلى تشكيل تحالف ثلاثي مع الحزب “الديمقراطي الكردستاني” وتحالف “السيادة” الجامع لأغلب القوى السنية، وسمي بتحالف “إنقاذ وطن“.

ضياع “إنقاذ وطن”

“إنقاذ وطن”، أصر بـ 180 مقعدا نيابيا على الذهاب نحو تشكيل حكومة “أغلبية” تستثني مشاركة كل “الإطار التنسيقي” أو بعض أطرافه، في وقت استمر الآخير بالدعوة إلى حكومة “توافقية” يشترك فيها الجميع، وذلك ما لم يقتنع به الصدر، ولم ينجح في ذات الوقت بتمرير مشروعه.

الفشل في تمرير مشروع حكومة الأغلبية، جاء بسبب عدم تمكن التحالف الثلاثي من حشد النصب القانوني لجلسة انتخاب رئيس الجمهورية في 3 مناسبات، والذي تكمن أهمية انتخابه في تكليف مرشح الكتلة الأكبر بتشكيل الحكومة، ودونه لا يمكن المضي بحكومة جديدة.

حيدر العبادي ومقتدى الصدر

سبب الفشل كان إلزام “المحكمة الاتحادية العليا” -التي لجأ إليها “الإطار” صاحب 83 مقعدا نيابيا بالتصدي لمشروع الأغلبية- البرلمان العراقي بعقد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية بحضور ثلثي أعضاء المجلس، أي 220 نائبا من أصل 329، وفقا للدستور.

بعد ذلك، شهد العراق انسدادا سياسيا أضطر الصدر للانسحاب من العملية السياسية، وتوجيه أعضاء كتلته بالاستقالة من البرلمان في 12 حزيران/ يونيو الماضي، لتستبشر قوى “الإطار” بعدها بسهولة تشكيل الحكومة، وهذا ما لم يحدث إلى الآن.

ما منع “الإطار” من تشكيل الحكومة، توجيه الصدر لأنصاره بالنزول إلى الشارع، مجرد أن أعلن “الإطار” توصله إلى تفاهمات داخلية أفضت لترشيح السياسي محمد شياع السوداني، لرئاسة الحكومة لتشكيلها وفق عملية التوافق والمحاصصة، وهو الأمر الذي رفض الصدر تكراره جملة وتفصيلا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.