ليست مبالغة، أن زيارة رئيس مجلس النواب العراقي محمد الحلبوسي رفقة رئيس تحالف “السيادة” خميس الخنجر، إلى زعيم الحزب “الديمقراطي الكردستاني” وما خرج عنها في بيان أول أمس الأحد، أشبه بحجر في بركة ماء راكدة فيما يتعلق بخارطة التحالفات السياسية في العراق ومستقبلها.

 لاسيما إذا ما تم مقاطعة مخرجات الزيارة مع ما كان زعيم “التيار الصدري” مقتدى الصدر، حليف الحزبين، قد دعاهم إليه قبيل موعد اجتماعهم في عاصمة إقليم كردستان العراق، أربيل، جهارا وصراحة إلى الانسحاب من البرلمان، ليأتي الرد سريعا بأن الجانبان يؤكدان على أهمية استمرار عمل المجلس.

زيارة خلطت التوقعات، خاصة بعد ما يتم التداول خلف الكواليس منذ أمس الاثنين وحتى اليوم الثلاثاء، عن أنباء حول زيارة مرتقبة يقدم من خلالها رئيس إقليم كردستان، نيجرفان بارزاني، وحليفه الحلبوسي، إلى جانب رئيس تحالف “الفتح”، المنضوي في “الإطار التنسيقي” هادي العامري، من مبادرة إلى الصدر.

مبادرة وحسب معلومات انتشرت على نطاق محصور، تهدف لإعادة الصدر، إلى ميدان الحوار السياسي والاتفاق على صيغة إجراء انتخابات مبكرة، وحل البرلمان ضمن أطر دستورية، بعد أن أعلن في 29 آب/أغسطس الماضي اعتزاله السياسة نهائيا، ولجوئه إلى استخدام ورقة الشارع، بتحريك جماهيره للضغط على غرمائه في “الإطار”، الذي عطّل مشروعه السياسي، وبمحاولة لحل البرلمان، قبل فشله حتى بعد تطور الأحداث إلى صدام مسلح.

سيناريو لا تبدو ملامحه واضحة حتى الآن، فيما إذا كان يعزز الرواية التي تتحدث عن أن موقف الجانبين الكردي، والسني المضاد لموقف حليفهم الزعيم الشيعي البارز، مقتدى الصدر، هو بمثابة انسلاخ من التحالف المشترك فيما بينهما، وخطوة باتجاه التقرب من “الإطار“، أو فيما إذا ما كانت مناورة سياسية تخرج حليفهم من الزاوية التي حشر بها بعد استنفاد خياراته، بدءا من توجيه كتلته للاستقالة من البرلمان، ومن ثم اعتزاله السياسية ونزول أنصاره إلى الشارع، وأخرها الصدامات المسلحة بين أنصاره، وقوات حكومية وأخرى تابعة للحشد الشعبي، الموالي لـ”لإطار”.

وسط تلك التكهنات، يكشف عضو الحزب “الديمقراطي”، مهدي عبد الكريم، عن فحوى المبادرة المطروحة، قائلا في تصريحات لموقع “الترا عراق“، إن “هذه الزيارة مقترحة منذ أيام عدة، وقد جرى تشكيل لجنة ثلاثية بين الفتح، والديمقراطي الكردستاني، وتحالف السيادة للترتيب حول زيارة وفد مشترك إلى الحنانة، ولقاء الصدر“.

اقرأ/ي أيضا: العراق.. خيارات مقتدى الصدر بعد تخلي الحلفاء عنه

ما أهدف الزيارة إلى الصدر؟

 عبد الكريم، أشار أيضا، إلى أن “هذه الزيارة هي استكمال للمبادرة التي طرحها زعيم الحزب الديمقراطي، قبل أحداث الخضراء الأخيرة، حيث كان من المفترض زيارة نيجرفان بارزاني، إلى بغداد والحنانة“.

عن توقيت الزيارة وأهدافها، يبيّن عضو “الديمقراطي”، أن “الزيارة من الوفد المشترك من العامري، والحلبوسي، والبارزاني ممكن أن تحدث بعد الزيارة الأربعينية“، وتهدف إلى “مناقشة ما تم طرحه في اجتماع أربيل بين الديمقراطي، والسيادة بضرورة تشكيل حكومة بكاملة الصلاحيات، واستمرار مجلس النواب بعمله لفترة معينة لحين إجراء الانتخابات، وحل المجلس وفقا للأطر الدستورية والقانونية“.

ويختتم عبد الكريم حديثه بالقول، إن “مخرجات اجتماع البارتي، والسيادة هي ما سيذهب بها الوفد الثلاثي المشترك إلى الحنانة، لطرحها على زعيم التيار، مقتدى الصدر، من أجل إنهاء حالة الانسداد السياسي وتعطيل مفاصل الدولة“.

الحلبوسي، والبارزاني، كانا قد أكّدا على “أهمية إجراء انتخابات مبكرة بعد تهيئة المتطلبات القانونية ومستلزماتها وفق الآليات الدستورية، يسبقها تشكيل حكومة تتمتع بكامل الصلاحية، وتحظى بثقة واطمئنان الجميع ببرنامج حكومي متفق عليه، مع التأكيد على ضرورة استمرار مجلس النواب بعمله لحين موعد الانتخابات“.

غير أن الصدر، كان قد دعا عبر حساب المقرب منه صالح العراقي، حلفائه “الديمقراطي، والسيادة” إضافة إلى المستقلين إلى “موقف شجاع ينهي الأزمة برمتها“، عبر انسحابهم من البرلمان لإسقاطه، كما دعا إلى الإبقاء على رئيسي الجمهورية، والحكومة الحاليين على رأس السلطة لتصريف الأعمال، والإشراف على الانتخابات المبكرة.

لكن بين تلك السيناريوهات، تشير القيادي في البارتي، وفاء محمد، إلى مخاوف حلفاء الصدر، من تطبيق دعوته للانسحاب من البرلمان، إذ في “حال لم يصل عدد النواب المنسحبين من المجلس إلى 165 لن يفقد البرلمان شرعيته وستكون خطوة خاسرة، ومن شأن هذه الخطوة أن تجعل الإطار التنسيقي أن يحصد مقاعد البدلاء كما حصد مقاعد الصدريين بعد انسحابهم، وبالتالي يخسر التكتلان سلاح الثلث المعطل الموجود حاليا بأيديهم“.

اقرأ/ي أيضا: العراق.. مقتدى الصدر بلا حلفاء

ما هو الثلث المعطل الذي بيد حلفاء الصدر؟

الثلث المعطل، هو تكتل نيابي من 110 نائبا، من أصل 329 مقعدا، يمكنهم من خلاله تعطيل جلسة انتخاب رئيس الجمهورية التي يشترط الدستور لانعقادها حضور ثلثي أعضاء المجلس أي 220 نائبا، والذي تكمن أهمية انتخابه بتكليف مرشح الكتلة النيابية الأكبر بتشكل الحكومة، ودون انتخابه لا يمكن تشكيلها، وهو ما استخدمه “الإطار” لتعطيل مشروع الصدر، الذي فشل تحالفه ثلاث مرات في انتخاب رئيس للجمهورية، والمضي بمشروع تشكيل حكومة “أغلبية وطنية“، تستثني مشاركة كل أطراف “الإطار” أو بعضها.

حول جدوى تلك المبادرة، تحدث موقع “الحل نت“، مع وائل الركابي، عضو “ائتلاف دولة القانون”، بزعامة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، وبيّن أن “الزيارة في الأساس هي ليست مبادرة كما يُشاع عنها، بل هي إحدى مخرجات جلسات الحوار الوطني التي قادها رئيس الوزراء الحالي مصطفى الكاظمي، والتي تمخضت عن تشكيل لجنة ثلاثية تلتزم بضرورة اقناع جميع الأطراف بالمضي مع قرار المحكمة الاتحادية العليا، برد دعوى حل البرلمان“.

كانت المحكمة الاتحادية العليا (أعلى سلطة قضائية في العراق) قررت رد دعوى حل البرلمان العراقي التي تقدم بها “التيار الصدري“، وشددت على أنه لا يجوز لأي سلطة الاستمرار في تجاوز المدد الدستورية إلى ما لا نهاية، لافتة إلى أن استقرار العملية السياسية يفرض على الجميع الالتزام بأحكام الدستور.

الركابي، بيّن أن “اللجنة تعمل على التواصل مع زعيم التيار الصدري، ومن المتوقع ستكون لها نتائج إيجابية في إقناعه بالمضي مع قرار المحكمة الاتحادية“، مشيرا إلى أن “هناك حوارات تجري من خلف الكواليس وتشي بخير“.

كما أشار، إلى أن “من مصلحة الجميع الالتزام بالسياقات الدستورية، وأن الالتزام بها من شأنه تحقيق مطالبات الإصلاح التي يطالب بها التيار الصدري، أو غيرهم“، لافتا إلى أن “الهدف هو العودة إلى الاتفاق حول صيغة دستورية تمهّد إلى التفاوض حول تشكيل حكومة أصيلة بكامل الصلاحيات، والذهاب إلى انتخابات جديدة من خلال البرلمان“.

نتائج تعتمد على قرارات الصدر؟

من جهته، تحدث مصدر من داخل “التيار الصدري”، لموقع “الحل نت“، اشترط عدم الكشف عن اسمه، قائلا إن “القضية لا تتعلق بإطلاق مبادرة أو غيرها، لأن الموضوع يرتبط بقرار الصدر، الذي أعلنه بكل وضوح اعتزاله السياسة، بالتالي أنه لا جدوى من الزيارة دون أن يرفع الصدر ذلك الشرط، وهو حتى الآن لم يتحدث عن عودته إلى هذا الميادان“.

تطورات المواقف الأخيرة تأتي بعد أن كانت الأزمة السياسية في العراق، قد اشتدت منذ الـ30 تموز/يوليو الماضي، بعد أن اقتحم جمهور “التيار الصدري“، المنطقة الخضراء حينها، وأقاموا اعتصاما مفتوحا من داخلها وأمام مبنى البرلمان العراقي، بعد 72 ساعة من الاقتحام الأول لهم للخضراء، الذي لم يتجاوز 5 ساعات، قبل أن ينسحبوا بتوجيه من زعيم “التيار“، مقتدى الصدر وقتئذ.

بعد أن عاد المشهد ليتطور في 29 آب/أغسطس الماضي، شهدت بغداد تصعيدا صدريا، على إثر إعلان زعيم “التيار الصدري“، مقتدى الصدر، اعتزاله الحياة السياسية نهائيا، من خلال اقتحام أنصاره للمنطقة الخضراء، والقصر الجمهوري – الحكومي-، قبل أن يتطور المشهد لصراع مسلح.

الصراع جاء بعد أن هاجمت القوات الحكومية مع فصائل تابعة لـ “لحشد الشعبي“، وموالية لـ “الإطار” أنصار الصدر لتفريقهم وإخراجهم من الخضراء، ما دفع “سرايا السلام“، الجناح المسلح التابع للصدر للتدخل للدفاع عن المتظاهرين الصدريين، لتندلع مواجهة مسلحة داخل الخضراء، انتهت عندما دعا الصدر في اليوم التالي من خلال مؤتمر صحفي، أتباعه للانسحاب وإنهاء اعتصاماتهم.

جراء العنف المسلح سقط 37 قتيلا و700 جريح، وانتهت اعتصامات الجمهور الصدري، بعد شهر من خروجها أمام البرلمان للمطالبة بحله وإجراء انتخابات مبكرة جديدة.

تلك التطورات جاءت نتيجة لصراع سياسي، دام لأكثر من 10 أشهر، منذ انتهاء الانتخابات المبكرة الأخيرة، وفوز كتلة الصدر فيها أولا، وخسارة قوى “الإطار“، الموالي لإيران، الذي وقف بوجه مشروع “التيار الصدري“، عندما سعى إلى تشكيل حكومة “أغلبية وطنية“.

اقرأ/ي أيضا: العراق.. فيديو القبلة يتسبّب بخلع عمامة الشريفي والصدر يحميه

سبب فشل مشروع الصدر

بعد الانتخابات المبكرة، ذهب “التيار الصدري” بقيادة الصدر، إلى تشكيل تحالف ثلاثي مع الحزب “الديمقراطي الكردستاني“، وتحالف “السيادة” الجامع لأغلب القوى السنية، وسمي بتحالف “إنقاذ وطن“.

“إنقاذ وطن” أصر بـ 180 مقعدا نيابيا، على الذهاب نحو تشكيل حكومة “أغلبية“، تستثني مشاركة كل “الإطار التنسيقي“، أو بعض أطرافه، في وقت استمر الأخير بالدعوة إلى حكومة “توافقية“، يشترك فيها الجميع، وذلك ما لم يقتنع به الصدر، ولم ينجح في ذات الوقت بتمرير مشروعه.

الفشل في تمرير مشروع حكومة “الأغلبية“، جاء بسبب عدم تمكن التحالف الثلاثي من حشد النصاب القانوني لجلسة انتخاب رئيس الجمهورية في 3 مناسبات، والذي تكمن أهمية انتخابه في تكليف مرشح الكتلة الأكبر بتشكيل الحكومة، ودونه لا يمكن المضي بحكومة جديدة.

سبب الفشل كان إلزام “المحكمة الاتحادية العليا” -التي لجأ إليها “الإطار” صاحب 83 مقعدا نيابيا بالتصدي لمشروع الأغلبية – البرلمان العراقي بعقد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية بحضور ثلثي أعضاء المجلس، أي 220 نائبا من أصل 329، وفقا للدستور، وهو ما لم يتمكن “إنقاذ وطن” من تحشيده.

بعد ذلك، شهد العراق انسدادا سياسيا أضطر الصدر للانسحاب من العملية السياسية، وتوجيه أعضاء كتلته بالاستقالة من البرلمان في 12 حزيران/ يونيو الماضي، لتستبشر قوى “الإطار“، بعدها بسهولة تشكيل الحكومة، وهذا ما لم يحدث إلى الآن.

ما منع “الإطار” من تشكيل الحكومة، توجيه الصدر لأنصاره بالنزول إلى الشارع، مجرد أن أعلن “الإطار“، توصله إلى تفاهمات داخلية أفضت لترشيح السياسي، محمد شياع السوداني، في الـ25 من تموز الماضي، لرئاسة الحكومة لتشكيلها وفق عملية التوافق والمحاصصة، وهو الأمر الذي رفض الصدر تكراره جملة وتفصيلا.

اقرأ/ي أيضا: هكذا أجبر السيستاني الصدر على وقف معارك الخضراء ببغداد

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.