في الوقت الذي اتجهت فيه الأحداث في العراق إلى اقتتال داخلي على خلفية تدافع سياسي بين “التيار الصدري” وغريمه الشيعي الموالي لإيران – تحالف “الإطار التنسيقي”، بعد تطور المشهد إلى صدامات مسلحة داخل المنطقة الخضراء ببغداد – حيث تجمع المقار الحكومية والدبلوماسية، كشف تقرير لوكالة “رويترز” اليوم السبت، عن دور المرجع الشيعي الأعلى علي السيستاني من خلف الكواليس بوقف الاقتتال.

وذكرت الوكالة في تقريرها، أنه “عندما اقترب العراق من حافة نشوب اقتتال داخلي الأسبوع الماضي، لم يكن يملك القدرة على منع ذلك سوى رجل واحد فقط، التي قالت إن هذا الرجل هو علي السيستاني، والذي أثبت مرة أخرى أنه أقوى رجل في بلده”.  

وأكدت مصادر شيعية مطلعة ومسؤولين حكوميين، أنه “لم يصدر عن السيستاني تعليق علني بخصوص الاضطرابات التي اندلعت في المنطقة الخضراء، إلا إن موقفه من وراء الكواليس هو وحده الذي نزع فتيل الكارثة”.

وبعد أن حاول أتباع الصدر اقتحام المباني الحكومية، حيث كانوا بحلول الليل يتجولون في أنحاء بغداد في شاحنات صغيرة ملوحين بالرشاشات وقاذفات الصواريخ، ومن الجانب الآخر أطلق مسلحون يعتقد أنهم أعضاء في فصيل مسلح موال لإيران النار على المتظاهرين الصدريين الذين كانوا يرشقون الحجارة، وقتل ما لا يقل عن 30 شخصا، كان للسيستاني حراكا من خلف الكواليس، بحسب “رويترز”.

  إذ أنه بعد ذلك، وفي غضون 24 ساعة، انتهى الأمر فجأة كما بدأ، وظهر الصدر في مؤتمر صحفي مقتضب ودعا إلى الهدوء، وبدأ أنصاره المسلحون وأتباعه غير المسلحين يغادرون الشوارع، ورفع الجيش حظر تجول ليلي وخيم هدوء هش على العاصمة.  

وسعيا لفهم كيف اندلعت الاضطرابات وكيف أخمدت، ذكرت “رويترز” أنها تحدثت مع نحو 20 مسؤولا في الحكومة العراقية والتيار الصدري وفصائل شيعية منافسة ينظر إليها على أنها موالية لإيران، وتحدث معظمهم بشرط عدم الكشف عن هويتهم.  

اقرأ/ي أيضا: العراق.. أول موقف للسيستاني ومجلس الأمن الدولي عن أحداث الخضراء

ضغط السيستاني غير المباشر

جميع المقابلات التي أجرتها “رويترز” أشارت إلى تدخل حاسم من وراء الكواليس من جانب السيستاني، الذي يعتبر أكثر رجال الدين نفوذا في النجف – العاصمة الدينية للشيعة.  

حيث سعى مكتب السيستاني إلى أن يوضح للصدر أنه ما لم يوقف عنف أتباعه، فإن السيستاني سوف يندد بالاضطرابات ووفقا للمسؤولين، ووفقا للمسؤولين الذين نقلت عنهم “رويترز”.

وبحسب أحد المسؤولين بالحكومة العراقية أن “السيستاني بعث برسالة إلى الصدر مفادها أنه إذا لم يوقف العنف فسيضطر السيستاني إلى إصدار بيان يدعو إلى وقف القتال”.  

في حين أكدت ثلاث شخصيات شيعية مقرها النجف ومقربة من السيستاني، أنه “كان من الواضح للصدر أن السيستاني سيتحدث قريبا ما لم يوقف الصدر الاضطرابات”، لافتا في الوقت ذاته إلى أن “مكتب المرجع الأعلى لم يبعث برسالة واضحة إلى الصدر”.

 من جهته، مسؤول موال لإيران في المنطقة، قال إنه “لولا مكتب السيستاني لما عقد مقتدى الصدر مؤتمره الصحفي الذي أوقف القتال”.

اقرأ/ي أيضا: “السيستاني بخير ويمارس مهامه”.. بيان رسمي من مستشفى الكفيل

سياق الأزمة التي أخمد نارها السيستاني

وعلى خلفية أزمة سياسية معقدة استمرت منذ أكثر من 10 أشهر، شهدت العاصمة العراقية بغداد الاثنين الماضي، تصعيدا صدريا على إثر إعلان زعيم “التيار الصدري” مقتدى الصدر، اعتزاله الحياة السياسية نهائيا، من خلال اقتحامهم للمنطقة الخضراء، وأهمها القصر الجمهوري، قبل أن يتطور المشهد لصراع مسلح.

المواجهات المسلحة جاءت بعد أن هاجمت القوات المكلفة بحماية الخضراء والتي من ضمنها “الحشد الشعبي”، أنصار الصدر بالرصاص الحي وقنابل الدخان والغاز المسيل للدموع لتفريقهم وإخراجهم من الخضراء، ما أسفر عن سقوط عدد من القتلى والجرحى.

دفعت تلك الأحداث، ميليشيا “سرايا السلام” الجناح المسلح لـ “التيار الصدري” للتدخل بالمشهد للدفاع عن المتظاهرين الصدريين، لتندلع مواجهة مسلحة استخدمت بها أسلحة خفيفة ومتوسطة وثقيلة داخل الخضراء منذ ليل الاثنين، وحتى ظهر الثلاثاء، عندما دعا الصدر في مؤتمر صحفي، أتباعه للانسحاب وإنهاء اعتصاماتهم، خلال 60 دقيقة وهذا ما حصل بالفعل.

المواجهات المسلحة، تسببت بمقتل 37 شخصا وجرح نحو 700 أخرين، لتنتهي اعتصامات الجمهور الصدري داخل الخضراء وبمحيط البرلمان للمطالبة بحله وإجراء انتخابات مبكرة جديدة، منذ 30 تموز/يوليو الماضي.

يأتي ذلك بعد أجواء مشحونة عاشتها العاصمة العراقية، بغداد منذ الـ 23 آب/أغسطس الماضي، على خلفية محاولة متظاهري “التيار الصدري”، نقل اعتصاماتهم من محيطات البرلمان، إلى أمام مجلس القضاء الأعلى، بمحاولة للضغط على المحكمة لإصدار قرار بحل البرلمان.

مماحكات ما قبل تدخل السيستاني بكثير

 خطوة الصدريين تلك دفعت القضاء إلى تعليق نشاطاته كافة والمحكمة الاتحادية، واتهام أشخاص بـ “التيار الصدري”، بتهديد المحكمة الاتحادية من خلال الهاتف، وإصدار مذكرات قبض بحق ثلاثة من القيادات الصدرية، ليوجه زعيم التيار أنصاره بالانسحاب بعد ساعات.

ويعتقد زعيم “التيار الصدري” وأنصاره، أن القضاء العراقي والمحكمة الاتحادية طرفا رئيسا في المعادلة بالانحياز إلى الطرف الثاني من الأزمة المتمثل بتحالف “الإطار التنسيقي“، من خلال إصدار قرارات تخدم مصالحهم، وهي من ساهمت في فشل مشروع التيار وحلفائه بتشكيل حكومة “أغلبية وطنية“، وتأزم الوضع.

هذا التصعيد الصدري في الموقف، جاء بعد أن أمهل مقتدى الصدر، القضاء العراقي، في نهاية الأسبوع الأول من شهر آب، مهلة حتى 18 من ذات الشهر لإصدار حكم قضائي بحل البرلمان الحالي، غير أن القضاء رد بأنه لا يملك أي صلاحية دستورية أو قانونية لإصدار مثل ذلك القرار.

يشار إلى أن الأزمة السياسية العراقية، تأتي نتيجة لصراع سياسي دام لأكثر من 10 أشهر منذ انتهاء الانتخابات المبكرة الأخيرة، وفوز الصدر فيها وخسارة “الإطار”، الذي وقف بوجه مشروع “التيار الصدري“، عندما سعى إلى تشكيل حكومة “أغلبية“.

بعد الانتخابات المبكرة، ذهب “التيار الصدري”، بقيادة الصدر، إلى تشكيل تحالف ثلاثي مع الحزب “الديمقراطي الكردستاني”، وتحالف “السيادة”، الجامع لأغلب القوى السنية، وسمي بتحالف “إنقاذ وطن“.

اقرأ/ي أيضا: كواليس اشتباكات المنطقة الخضراء ببغداد.. من أطلق النار أولا؟

سبب فشل المشروع الصدري

أصر “إنقاذ وطن“، بـ 180 مقعدا نيابيا على الذهاب نحو تشكيل حكومة “أغلبية”، تستثني مشاركة كل “الإطار التنسيقي”، أو بعض أطرافه من تشكيل الحكومة، في وقت استمر الأخير بالدعوة إلى حكومة “توافقية”، يشترك فيها الجميع، وذلك ما لم يقتنع به الصدر، ولم ينجح في ذات الوقت بتمرير مشروعه.

الفشل في تمرير مشروع حكومة “الأغلبية“، جاء بسبب عدم تمكن التحالف الثلاثي من حشد النصب القانوني لجلسة انتخاب رئيس الجمهورية في 3 مناسبات، والذي تكمن أهمية انتخابه في تكليف مرشح الكتلة الأكبر بتشكيل الحكومة، ودونه لا يمكن المضي بحكومة جديدة.

سبب الفشل كان إلزام “المحكمة الاتحادية العليا“، التي لجأ إليها “الإطار”، صاحب 83 مقعدا نيابيا بالتصدي لمشروع الأغلبية، البرلمان العراقي بعقد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية بحضور ثلثي أعضاء المجلس، أي 220 نائبا، من أصل 329، وفقا للدستور، وهذا ما لم ينجح تحالف الصدر بحشده رغم وصولهم لأكثر من 200 نائب، في إحدى جلسات انتخاب رئيس الجمهورية التي فشلت.

بعدها، شهد العراق انسدادا سياسيا أضطر الصدر للانسحاب من العملية السياسية، وتوجيه أعضاء كتلته بالاستقالة من البرلمان في 12 حزيران/يونيو الماضي، لتستبشر قوى “الإطار”، بعدها بسهولة تشكيل الحكومة، وهذا ما لم يحدث إلى الآن.

ما منع “الإطار”، من تشكيل الحكومة، توجيه الصدر لأنصاره بالنزول إلى الشارع، مجرد أن أعلن “الإطار”، في الـ25 من تموز الماضي، توصله إلى تفاهمات داخلية أفضت لترشيح رئيس “تيار الفراتين”، وعضو مجلس النواب الحالي، محمد شياع السوداني، لرئاسة الحكومة لتشكيلها وفق عملية التوافق والمحاصصة، وهو الأمر الذي رفض الصدر تكراره جملة وتفصيلا.

اقرأ/ي أيضا: ماذا بعد اعتزال مقتدى الصدر.. قرار نهائي أم مناورة سياسية؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.