بعد أيام قليلة من الصراع المسلح الذي شهده العراق بين أتباع الزعيم الشيعي البارز مقتدى الصدر، وجماعات لم يكشف النقاب عنها حتى الآن، لكن مصادر وتقارير تتحدث عن إنها تابعة لـ “الحشد الشعبي” وفصائل منخرط فيه موالية لإيران، داخل المنطقة الخضراء – شديدة التحصين ومعقل الحكومة العراقية وحيث المقار الدبلوماسية، وفي إطار الصراع الدائر بين الطرفين حول تشكيل الحكومة، الذي دفع بالصدر لإعلان اعتزال السياسة نهائيا، لتشتعل الأحداث، كشف تقرير أميركي كواليس الليلة الدامية التي شهدتها بغداد.

التقرير الذي نشره “معهد واشنطن” اليوم الجمعة، سلط الضوء على الأحداث التي شهدتها العاصمة العراقية، على خلفية اقتحام أنصار “التيار الصدري” للخضراء والقصر الحكومي – الجمهوري، بعد إعلان زعيمهم اعتزال السياسية، وبعد شهر من اعتصامهم داخل المنطقة الدولية وتعطيل أعمال البرلمان، بمحاولة للضغط لحله وإجراء انتخابات مبكرة، وعن الطرف الأول الذي فتح النار عليهم، والذي أدى بالمشهد إلى صدام مسلح.

وحمل التقرير المسؤولية لأول من بادر بإطلاق النار على المتظاهرين من أنصار الصدر، إلى وحدات تابعة لقوات “الحشد الشعبي”، مما دفع المحتجين الصدريين إلى اللجوء إلى إطلاق نار من أسلحة ثقيلة، بحسب التقرير الذي أعده الخبير بالشأن العراقي وزميل “برنشتاين” في “معهد واشنطن” مايك نايتس، وتابعه موقع “الحل نت”.

وقال إنه “في ليلة 29-30 آب/أغسطس الماضية، أطلق المقاتلون بقيادة الصدر وابلا من الرصاص وقذائف الهاون والصواريخ على المنطقة الخضراء – الدولية، التي تضم الوكالات الحكومية الرئيسية والمجمعات الدبلوماسية في البلاد. 

لكن التقرير أردف، إنه “مع ذلك لم يتم تسليط الضوء كثيرا عن حقيقة أنه في وقت سابق من ذلك اليوم، أطلقت تشكيلات مدعومة من إيران الطلقات الأولى بالقرب من القصر الحكومي – الجمهوري، مما دفع المحتجين التابعين للصدر، الذين كانوا في الغالب غير مسلحين في ذلك الوقت، إلى الانسحاب وحشد عدد أكبر من المؤيدين، واللجوء إلى إطلاق النار من أسلحة ثقيلة”.

وسرد تفاصيل توترات الخضراء بالقول، إنه ” في 29 آب، اقترب أنصار التيار الصدري الذين شقوا طريقهم نحو القصر الحكومي الواقع وسط الخضراء والذي يعتبر موقعا رمزيا لاستقبال الشخصيات الأجنبية البارزة ما يكسبه أهمية كبيرة، للمرة الأولى خلال سلسلة احتجاجات”.

اقرأ/ي أيضا: العراق.. أول موقف للسيستاني ومجلس الأمن الدولي عن أحداث الخضراء

“الحشد الشعبي يستهدف الصدرين”

الأهم في ذلك، أن “أرض القصر والشوارع المحيطة به تضم أيضا مكاتب وثكنات تابعة لفصائل مدعومة من إيران على غرار “كتائب حزب الله” و”عصائب أهل الحق” و”حركة النجباء”، وهي جماعات تصنفها الولايات المتحدة في قائمتها الخاصة بالإرهاب”، وفقا للتقرير.

ويلفت إلى أنه “حينما بدأ الصدريون بالتوافد إلى المنطقة والقصر الحكومي، أطلقت هذه الوحدات التابعة لـ “الحشد الشعبي” النار وأرغمتهم على العودة إلى المداخل الشمالية للمنطقة الدولية”.

في مقابل ذلك، ذكر التقرير أن “قوات الصدر أعادت تعبئة صفوفها وبدأت مجددا برد النيران على المنطقة الخضراء – الدولية، لكن قوات الأمن أظهرت درجة عالية من ضبط النفس من خلال عدم الرد على النيران بنيران قاتلة، إذ كانت تعمل بأوامر مباشرة من رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي ضمن “قيادة العمليات المشتركة”.

 لكن “قناصي وحدات تابعة لقوات -الحشد الشعبي- واصلوا إطلاق النار على مناصري الصدر الذين ردوا بدورهم”، مبينا أنه “بحلول الليل عمت الفوضى المكان وخرج محتجو الصدر عن السيطرة تماما وهاجموا الخضراء بالرشاشات والقذائف الصاروخية (آر بي جي)”.

ويشير التقرير إلى أنه “خلال المواجهات أظهر كل عنصر من عناصر قوات الأمن العراقية درجة عالية من ضبط النفس، باستثناء قوات “الحشد الشعبي”، وفصائل تابعة للتيار الصدري”.

وأكد أن ” مقاتلو قوات الحشد بدأوا باستخدام الذخائر الحية ضد مدنيين غير مسلحين داخل الخضراء”، ويشدد معد التقرير على ضرورة “طرد جميع وحدات الحشد الشعبي من المنطقة ليس فقط حفاظا على سلامة الحكومة العراقية بل على عناصر السلك الدبلوماسي فيها أيضا”.

 اقرأ/ي أيضا: العراق.. ما مصير مرجعية آل الصدر بعد اعتزال الحائري؟

حجم قوات “الحشد” داخل المنطقة الحكومية

وتقدر أعداد عناصر “الحشد الشعبي” المتواجدين داخل المنطقة الخضراء، من 500-10 آلاف مقاتل، وهذا رقم كبير ربما يتغير بحسب الظروف المختلفة، وفقا للقرير، مشيرا إلى أنه، وخلال عهد الكاظمي، تم تقليص عدد القوات إلى جانب أسلحتها الثقيلة التي وضعتها داخل المنطقة المتمثلة بالمدافع المضادة للطائرات من عيار 23 ملم، وهامش حريتها في تعزيز صفوفها متى شاءت”.

ونوه التقرير إلى ضرورة “إقامة مركز حكم تسيطر عليه قوات الأمن العراقية بالكامل ويتمتع بالولاء للحكومة العراقية، وذلك بغض النظر عن المستقبل السياسي للحكومة الحالية”، مؤكدا أنه “في حال لم تتدارك بغداد ناقوس الخطر هذا وتترك المحرضين الذين تسببوا بمعركة الشوارع التي دارت هذا الأسبوع في مواقعهم، فسيكون ذلك مؤشرا آخر على وجود حكومة ضعيفة وغياب الشركاء الخارجيين”.

وكانت العاصمة العراقية بغداد شهدت الاثنين الماضي، تصعيدا صدريا على إثر إعلان زعيم “التيار الصدري” مقتدى الصدر، اعتزاله الحياة السياسية نهائيا، من خلال اقتحامهم المنطقة الخضراء، والقصر الحكومي – الجمهوري، قبل أن يتطور المشهد لصراع مسلح.

المواجهات المسلحة جاءت بعد أن هاجمت القوات المكلفة بحماية الخضراء والتي من ضمنها “الحشد الشعبي”، أنصار الصدر بالرصاص الحي وقنابل الدخان والغاز المسيل للدموع لتفريقهم وإخراجهم من الخضراء، ما أسفر عن سقوط عدد من القتلى والجرحى.

دفعت تلك الأحداث، ميليشيا “سرايا السلام” الجناح المسلح لـ “التيار الصدري” للتدخل بالمشهد للدفاع عن المتظاهرين الصدريين، لتندلع مواجهة مسلحة استخدمت بها أسلحة خفيفة ومتوسطة وثقيلة داخل الخضراء منذ ليل الاثنين، وحتى ظهر الثلاثاء، عندما دعا الصدر في مؤتمر صحفي، أتباعه للانسحاب وإنهاء اعتصاماتهم، خلال 60 دقيقة وهذا ما حصل بالفعل.

المواجهات المسلحة، تسببت بمقتل 37 شخصا وجرح نحو 700 أخرين، لتنتهي اعتصامات الجمهور الصدري داخل الخضراء وبمحيط البرلمان للمطالبة بحله وإجراء انتخابات مبكرة جديدة، منذ 30 تموز/يوليو الماضي.

سياق الأزمة

يأتي ذلك بعد أجواء مشحونة عاشتها العاصمة العراقية، بغداد منذ الـ 23 آب/أغسطس الماضي، على خلفية محاولة متظاهري “التيار الصدري”، نقل اعتصاماتهم من محيطات البرلمان، إلى أمام مجلس القضاء الأعلى، بمحاولة للضغط على المحكمة لإصدار قرار بحل البرلمان.

 خطوة الصدريين تلك دفعت القضاء إلى تعليق نشاطاته كافة والمحكمة الاتحادية، واتهام أشخاص بـ “التيار الصدري”، بتهديد المحكمة الاتحادية من خلال الهاتف، وإصدار مذكرات قبض بحق ثلاثة من القيادات الصدرية، ليوجه زعيم التيار أنصاره بالانسحاب بعد ساعات.

ويعتقد زعيم “التيار الصدري” وأنصاره، أن القضاء العراقي والمحكمة الاتحادية طرفا رئيسا في المعادلة بالانحياز إلى الطرف الثاني من الأزمة المتمثل بتحالف “الإطار التنسيقي“، من خلال إصدار قرارات تخدم مصالحهم، وهي من ساهمت في فشل مشروع التيار وحلفائه بتشكيل حكومة “أغلبية وطنية“، وتأزم الوضع.

هذا التصعيد الصدري في الموقف، جاء بعد أن أمهل مقتدى الصدر، القضاء العراقي، في نهاية الأسبوع الأول من شهر آب، مهلة حتى 18 من ذات الشهر لإصدار حكم قضائي بحل البرلمان الحالي، غير أن القضاء رد بأنه لا يملك أي صلاحية دستورية أو قانونية لإصدار مثل ذلك القرار.

يشار إلى أن الأزمة السياسية العراقية، تأتي نتيجة لصراع سياسي دام لأكثر من 10 أشهر منذ انتهاء الانتخابات المبكرة الأخيرة، وفوز الصدر فيها وخسارة “الإطار”، الذي وقف بوجه مشروع “التيار الصدري“، عندما سعى إلى تشكيل حكومة “أغلبية“.

بعد الانتخابات المبكرة، ذهب “التيار الصدري”، بقيادة الصدر، إلى تشكيل تحالف ثلاثي مع الحزب “الديمقراطي الكردستاني”، وتحالف “السيادة”، الجامع لأغلب القوى السنية، وسمي بتحالف “إنقاذ وطن“.

اقرأ/ي أيضا: البصرة تشتعل ومناوشات حادة بين الصدر والخزعلي

سبب فشل المشروع الصدري

أصر “إنقاذ وطن“، بـ 180 مقعدا نيابيا على الذهاب نحو تشكيل حكومة “أغلبية”، تستثني مشاركة كل “الإطار التنسيقي”، أو بعض أطرافه من تشكيل الحكومة، في وقت استمر الأخير بالدعوة إلى حكومة “توافقية”، يشترك فيها الجميع، وذلك ما لم يقتنع به الصدر، ولم ينجح في ذات الوقت بتمرير مشروعه.

الفشل في تمرير مشروع حكومة “الأغلبية“، جاء بسبب عدم تمكن التحالف الثلاثي من حشد النصب القانوني لجلسة انتخاب رئيس الجمهورية في 3 مناسبات، والذي تكمن أهمية انتخابه في تكليف مرشح الكتلة الأكبر بتشكيل الحكومة، ودونه لا يمكن المضي بحكومة جديدة.

سبب الفشل كان إلزام “المحكمة الاتحادية العليا“، التي لجأ إليها “الإطار”، صاحب 83 مقعدا نيابيا بالتصدي لمشروع الأغلبية، البرلمان العراقي بعقد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية بحضور ثلثي أعضاء المجلس، أي 220 نائبا، من أصل 329، وفقا للدستور، وهذا ما لم ينجح تحالف الصدر بحشده رغم وصولهم لأكثر من 200 نائب، في إحدى جلسات انتخاب رئيس الجمهورية التي فشلت.

بعدها، شهد العراق انسدادا سياسيا أضطر الصدر للانسحاب من العملية السياسية، وتوجيه أعضاء كتلته بالاستقالة من البرلمان في 12 حزيران/يونيو الماضي، لتستبشر قوى “الإطار”، بعدها بسهولة تشكيل الحكومة، وهذا ما لم يحدث إلى الآن.

ما منع “الإطار”، من تشكيل الحكومة، توجيه الصدر لأنصاره بالنزول إلى الشارع، مجرد أن أعلن “الإطار”، في الـ25 من تموز الماضي، توصله إلى تفاهمات داخلية أفضت لترشيح رئيس “تيار الفراتين”، وعضو مجلس النواب الحالي، محمد شياع السوداني، لرئاسة الحكومة لتشكيلها وفق عملية التوافق والمحاصصة، وهو الأمر الذي رفض الصدر تكراره جملة وتفصيلا.

اقرأ/ي أيضا: رؤية من العبادي لتصفير الأزمة السياسية العراقية

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.