مأزق كبير يعيشه زعيم “التيار الصدري” مقتدى الصدر وأنصاره، على إثر اعتزال واستقالة المرجع الديني كاظم الحائري من مرجعية آل الصدر، ودعوته لهم إلى تقليد المرشد الإيراني، علي خامنئي، فما مصير المرجعية الشيعية العربية؟

وفق العرف الديني لدى الطائفة الشيعية، فإنه على الشيعي تقليد مرجع ديني روحي لهم، يوجههم في المسائل الدينية والمجتمعية، لحين ظهور الإمام المهدي، وعلى هذا الأساس هناك العديد من المراجع الدينية الشيعية في العالم.

لا تقتصر المراجع الدينية الشيعية على العراق والعرب فقط، فهناك مراجع دينية شيعية في لبنان وأخرى مراجع فارسية إيرانية، ومن بين أهم تلك المراجع هي مرجعية آل الصدر، التي كان مرجعها محمد صادق الصدر، والد مقتدى الصدر، وقبله محمد باقر الصدر، عم زعيم “الكتلة الصدرية”.

البحث عن مرجع

والد مقتدى الصدر قتل في شتاء عام 1999 على يد نطام صدام حسين السابق، وقبله عمه محمد باقر الصدر وعمته نور الهدى، أعدمهما أيضا نظام صدام حسين مطلع الثمانينيات، وبعد مقتل والد مقتدى الصدر، أمست مرجعية ٱل الصدر بقيادة المرجع الحائري.

تولي الحائري لمرجعية آل الصدر كان بوصاية من محمد صادق الصدر قبل مقتله، خاصة وأنه درس الفقه في الحوزة الدينية مع والد مقتدى الصدر، وأوصى ابنه مقتدى بالالتزام في تقليده دينيا، وهو ما فعله.

الاثنين الماضي، وفي بيان مفاجئ أعلن الحائري استقالته واعتزاله بسبب التقدم في العمر والمرض، ودعا أتباعه إلى تقليد خامنئي، ما شكل صدمة لمقتدى الصدر وجمهوره، حتى أن الصدر اعتبر بيان واعتزال الحائري ليس بمحض إرادته.

المشكلة تكمن في أن الصدر وجمهوره يعارضون إيران وخامنئي، وبالتالي دعوة الحائري لهم بتقليد خامنئي تعني تسليمهم لإيران بالمطلق في وقت هم يعارضونها، فكيف سيكون مستقبل مرجعية ٱل الصدر العريقة؟

يقول الباحث السياسي، ورجل الدين المقرب سابقا من “التيار الصدري”، غيث التميمي، إن الأخطر من كل شيء، هو محاولة إيران نسف المرجعية الشيعية العربية وتحويل بوصلتها من النجف إلى قم، وإنهاء مرجعية آل الصدر المعروفة بعدم اتفاقها مع مرجعية خامنئي.

التميمي يردف في حديث مع “الحل نت”، أن الصدريين ومقتدى الصدر من المحال أن يذهبوا لتقليد خامنئي، وذلك بدا واضحا من خلال تغريدة وزير الصدر، صالح محمد العراقي، مؤخرا، بقوله إن التزام مقتدى بتقليد الحائري تنفيذا لوصية والده انتهى مفعوله بعد استقالة الحائري.

بالتالي، فإن الصدريين سيبحثون عن مرجع جديد لتقليده، ليس أي مرجع، بل عن مرجع مجتهد دينيا، ويكون من المتتلمذين على يد المرجع محمد صادق الصدر أو شقيقه محمد باقر الصدر، وذلك للحفاظ على مرجعية آل الصدر، ومنع محاولة دثرها من قبل إيران، حسب التميمي.

المرجع الديني قاسم الطائي – إنترنت

عن الخيارات المتاحة، يبين التميمي أنه من الممكن تقليد المرجع الديني قاسم الطائي الذي يقطن في بغداد، خاصة وأنه دعا الصدريون لتقليده إن أرادوا؛ باعتباره كان من تلامذة محمد صادق الصدر.

عودة الصدر للسياسة

خيار آخر متاح أمام “التيار الصدري” وفق التميمي، وهو تقليد المرجع الديني حسين الصدر، المقيم في الكاظمية، وهذا الخيار قد يبدو أكثر واقعية؛ لأن المرجع حسين إسماعيل الصدر هو ابن عم مقتدى الصدر، وفق التميمي.

هناك خيارات آخرى، هو اللجوء لمن تتلمذوا على يد محمد باقر الصدر، عم مقتدى الصدر وهم كثر، واختيار الأعلم منهم دينيا، بحسب التميمي، الذي يردف أن الصدريين سيحسمون مأزق تقليد مرجع جديد من بين تلك الخيارات، لكنه لا يستطيع الجزم بأي خيار سيختارونه.

ويلفت الباحث التميمي إلى نقطة أخرى، وهي أن اعتزال الصدر للحياة السياسية ليس برغبته بل بسبب مأزق اعتزال واستقالة الحائري، وسيعود للحياة السياسية ما أن يتم اختيار مرجع لآل الصدر، يمنحه ويوكله العودة للحياة السياسية.

في النهاية، يؤكد التميمي أن محاولة إيران لدثر مرجعية آل الصدر باءت بالفشل؛ لأن مرجعية عربية لعائلة مثل آل الصدر لن تزول ما دام هناك رجال دين فيها، ودليل ذلك أن الصدر لم يلتزم بدعوة الحائري لتقليد خامنئي.

المرجع الديني حسين الصدر ورئيس الحكومة العراقية، مصطفى الكاظمي – “تويتر”

كان مقتدى الصدر، أعلن الاثنين الماضي، اعتزاله الحياة السياسية، وربط الاعتزال باستقالة المرجع الحائري؛ ما انعكس بشكل مباشر على المشهد السياسي العراقي، إذ كادت أن تنزق البلاد لحرب أهلية شيعية-شيعية لو لا تدخله لاحقا.

فقد شهدت العاصمة بغداد شهدت، الاثنين الماضي، تصعيدا صدريا على إثر إعلان زعيم “التيار الصدري” مقتدى الصدر، اعتزاله الحياة السياسية نهائيا، من خلال اقتحام آنصاره لكل بقعة في المنطقة الخضراء، وأهمها القصر الجمهوري، قبل أن يتطور المشهد لصراع مسلح.

الميليشيات “الولائية” هاجمت أنصار الصدر لتفريقهم وإخراجهم من الخضراء، فتدخل فصيل “سرايا السلام” التابع للصدر للدفاع عن المتظاهرين الصدريين، واندلعت مواجهة مسلحة داخل الخضراء منذ ليل الاثنين، وحتى ظهر الثلاثاء، عندما دعا الصدر في مؤتمر صحفي، أتباعه للانسحاب وإنهاء اعتصاماتهم.

وسقط جراء العنف المسلح 37 قتيلا و700 جريح، وانتهت اعتصامات الحمهور الصدري بعد شهر من خروجها أمام البرلمان للمطالبة بحله وإجراء انتخابات مبكرة جديدة.

انغلاق سياسي

ما يجدر ذكره، أن الأزمة السياسية العراقية، اشتدّت في 30 تموز/ يوليو الماضي، إذ اقتحم جمهور “التيار الصدري”، المنطقة الخضراء حينها، وأقاموا اعتصاما مفتوحا من داخلها وأمام مبنى البرلمان العراقي، بعد 72 ساعة من الاقتحام الأول لهم للخضراء، الذي لم يتجاوز 5 ساعات قبل أن ينسحبوا بتوجيه من زعيم “التيار“، مقتدى الصدر وقتئذ.

الأزمة السياسية العراقية، تأتي نتيجة لصراع سياسي دام لأكثر من 10 أشهر منذ انتهاء الانتخابات المبكرة الأخيرة، وفوز الصدر فيها وخسارة “الإطار” الموالي لإيرلن، الذي وقف بوجه مشروع “التيار الصدري“، عندما سعى إلى تشكيل حكومة “أغلبية”.

بعد الانتخابات المبكرة، ذهب “التيار الصدري” بقيادة الصدر، إلى تشكيل تحالف ثلاثي مع الحزب “الديمقراطي الكردستاني” وتحالف “السيادة” الجامع لأغلب القوى السنية، وسمي بتحالف “إنقاذ وطن“.

“إنقاذ وطن”، أصر بـ 180 مقعدا نيابيا على الذهاب نحو تشكيل حكومة “أغلبية” تستثني مشاركة كل “الإطار التنسيقي” أو بعض أطرافه، في وقت استمر الآخير بالدعوة إلى حكومة “توافقية” يشترك فيها الجميع، وذلك ما لم يقتنع به الصدر، ولم ينجح في ذات الوقت بتمرير مشروعه.

الفشل في تمرير مشروع حكومة الأغلبية، جاء بسبب عدم تمكن التحالف الثلاثي من حشد النصب القانوني لجلسة انتخاب رئيس الجمهورية في 3 مناسبات، والذي تكمن أهمية انتخابه في تكليف مرشح الكتلة الأكبر بتشكيل الحكومة، ودونه لا يمكن المضي بحكومة جديدة.

سبب الفشل كان إلزام “المحكمة الاتحادية العليا” -التي لجأ إليها “الإطار” صاحب 83 مقعدا نيابيا بالتصدي لمشروع الأغلبية- البرلمان العراقي بعقد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية بحضور ثلثي أعضاء المجلس، أي 220 نائبا من أصل 329، وفقا للدستور.

بعد ذلك، شهد العراق انسدادا سياسيا أضطر الصدر للانسحاب من العملية السياسية، وتوجيه أعضاء كتلته بالاستقالة من البرلمان في 12 حزيران/ يونيو الماضي، لتستبشر قوى “الإطار” بعدها بسهولة تشكيل الحكومة، وهذا ما لم يحدث إلى الآن.

ما منع “الإطار” من تشكيل الحكومة، توجيه الصدر لأنصاره بالنزول إلى الشارع، مجرد أن أعلن “الإطار” توصله إلى تفاهمات داخلية أفضت لترشيح السياسي محمد شياع السوداني، لرئاسة الحكومة لتشكيلها وفق عملية التوافق والمحاصصة، وهو الأمر الذي رفض الصدر تكراره جملة وتفصيلا.
 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.