بعد يوم ساخن من المواجهات المسلحة والتوترات الأمنية التي شهدها العراق، على إثر قرار زعيم “التيار الصدري” مقتدى الصدر، اعتزاله العمل السياسي، وفي ظل القرارات المشابه العديد التي سبق واتخذها رجل الدين الشيعي القوي بمناسبات سابقة قبل أن يعود مجددا للمشهد السياسي، ظل الباب السؤال مفتوحا حول إذا ما كان قرار الصدر هذه المرة قطعيا أم مناورة سياسية جديدة؟

حيث أعلن مقتدى الصدر أمس الاثنين، اعتزاله الحياة السياسية نهائيا وإغلاق المؤسسات التابعة له، وذلك بعد يومين من تقديمه مقترحا بتخلي جميع الأحزاب عن المناصب الحكومية، لحل الأزمة السياسية في العراق.

مقتدى الصدر، في بيان نشره على حسابه الرسمي بموقع “تويتر”، وتابعه “الحل نت“، قال: “يظن الكثيرون بما فيهم السيد الحائري أن هذه القيادة جاءت بفضلهم أو بأمرهم، مبينًا “كلا، إن ذلك بفضل ربي أولا ومن فيوضات السيد الوالد الذي لم يتخل عن العراق وشعبه“.

وأضاف الصدر: “وعلى الرغم من استقالته، فإن النجف هي المقر الأكبر للمرجعية كما هو الحال دومًا.. وإنني لم أدع يوما العصمة أو الاجتهاد ولا حتى (القيادة) وإنما أنا آمر بالمعروف وناه عن المنكر، ولله عاقبة الأمور، وما أردت إلا أن اقوم الاعوجاج الذي كان السبب الأكبر فيه هو القوى السياسية الشيعية باعتبارها الأغلبية وما أردت إلا أن أقربهم إلى شعبهم وأن يشعروا بمعاناته عسى أن يكونوا بابا لرضا الله عنهم“.

كما اعتبر الصدر أن “اعتزال الحائري لم يكن من محض إرادته وما صدر من بيان عنه كذلك أيضا، مبينا “إلا أنني كنت قد قررت عدم التدخل في الشؤون السياسية، فإنني الآن أعلن الاعتزال النهائي وغلق كافة المؤسسات إلا المرقد الشريف والمتحف الشريفة وهيئة تراث آل الصدر الكرام، والكل في حل مني، وإن مت أو قتلت أسألكم الفاتحة والدعاء“.

قرار الصدر جاء على خلفية، إعلان المرجع الديني كاظم الحائري، الذي يقلده الصدريين دينا، تخليه عن التصدي لمرجعية “آل الصدر” التي يحملها خلفا لوالد مقتدى، محمد محمد صادق الصدر المعروف بالشهيد الثاني، ودعوته لأتباعه إلى اتباع المرشد الإيراني علي خامنئي بدلا عنه.

اقرأ/ي أيضا: العراق.. “الإطار” ينهي اعتصاماته والمالكي يبدي أول تعليق حول الأزمة

مقتدى الصدر ومسار تطور الأحداث

هو القرار الذي ستتبعه عدة إجراءات من قبل مقربي الصدر، وأتباعه المعتصمين داخل المنطقة الخضراء منذ أكثر من أربعة أسابيع، قبل التحول مع حلول الظلام يوم أمس إلى المواجهات المسلحة محتدمة ستندلع داخل الخضراء – شديدة التحصين ومعقل الحكومة والمقار الدبلوماسية، حتى فجر اليوم الثلاثاء دون هوادة، وقبل أن تعلن الحكومة العراقية حظرا شاملا للتجوال في عموم البلاد وتعطيل الدوام الرسمي.

بعد قرار الصدر مباشرة، أغلق صالح محمد العراقي المعروف بـ “وزير الصدر“، حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي، وذلك بعد إعلان زعيم “التيار الصدري” مقتدى الصدر، الاعتزال عن التدخل بالشؤون السياسية وإغلاق المؤسسات التابعة له كافة. والعراقي شخصية غير معروفة، مقربة من زعيم التيار الصدري، وحساباته تمثل توجهات التيار، وأحيانا تكون ناطقة باسم الصدر.

وفي السياق، أعلنت اللجنة المركزية المنظمة لاعتصامات “التيار الصدري” في المنطقة الخضراء، الامتثال لقرار زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، بتعليق عمل اللجنة، وذكرت في بيان: “بعد انتهاء التكليف المبارك نعتذر إن كان لدينا تقصير في الأيام السابقة وقد حافظنا على السلمية طيلة الفترة الماضية.. الآن نمتثل لقرار سماحة السيد مقتدى الصدر (أعزه الله) بتعليق عمل اللجنة والله خير حافظ ومعين“.

من جهته، المكتب الخاص لزعيم “التيار الصدري” مقتدى الصدر، أصدر تعليمات مشددة إثر إعلان اعتزال زعيم التيار، وقال في بيان، “يمنع منعا باتا التدخل في جميع الأمور السياسية والحكومية والإعلامية ورفع الشعارات والأعلام والهتافات السياسية واستخدام أي وسيلة إعلامية بما في ذلك منصات التواصل الاجتماعي باسم التيار الصدري“.

وفي تسارع للأحداث، توجه أنصار “التيار الصدري” إلى القصر الحكومي داخل الخضراء واقتحامه بأعداد كبيرة جدا ما أثار حالة من الفوضى الأمنية التي تطورت إلى استخدام القوات الأمنية للرصاص الحي وقنابل الدخان والغاز المسيل للدموع بمحاولة لأخراج المتظاهرين من القصر.

 ما أدى لسقوط عدد من القتلى والجرحى لم يتسنى معرفة عددهم، إلى حين تطور المشهد ونزول ميليشيا “سرايا السلام” التابعة للصدر إلى الشوارع وتحول المشهد إلى مواجهات مسلحة داخل الخضراء، ستصدر الصحة العراقية بيان حول عدد ضحاياها وسنوجزها بالتفاصيل أدناه، بعد أن نحاول الإجابة عن السؤال الذي فتحته خطوة الصدر من خلال التواصل مع مختصين في الشأن السياسي.

اقرأ/ي أيضا: العراق.. الصدر يأمر أنصاره بالانسحاب وتأجيل النظر بدعوى حل البرلمان

مقتدى الصدر وقرار العودة

محمد طه المختص في الشأن السياسي، قال في حديث لموقع “الحل نت”، إن “في الحقيقة مواقف السيد الصدر لا يمكن الجزم فيها، وعلى الرغم من أن الجميع صار يتحدث عن معرفة استراتيجيته لكنه في حال أراد الاقدام على خطوة وذهبت لتسأل من يدعون خبرتهم بخطواته لن يجيبونك، سياسية الصدر واقعا هي معروفة لكن لا يمكن توقع نوع خطواتها”.

بالتالي أنه “لا يمكن التوقع حول خطوات الصدر، ومع ذلك لكن خطوة الاعتزال والانسحاب من السياسية هي خطوة معروفة جدا، فالصدر ببساطة لا يمكنه أن يترك المشهد السياسي كما أن تحدياته تحتم عليه أن يبقى فاعلا في المشهد فهناك متربصين ينتظرون سقوطه للانتقام منه وهو يعرف ذلك تماما لذلك سيحافظ على السلطة”.

كما أن “واجب الصدر الديني وبتقديري يفرض عليه استخدام تأثيره في السياسية، من وفق ما يعتقد به أنها ممارسات إصلاحية، لذلك لا يمكنه الابتعاد عن المشهد السياسي وسيعود حينما يجد الفرصة مناسبة، وطبعا حينما يرى أنه بإمكانه إحداث فارق في المعادلة”.

وفي إطار ذلك، قضت العاصمة العراقية بغداد ليلة من الأحداث الدامية على إثر المواجهات المسلحة استخدم بها داخل المنطقة الخضراء، ما تسبب بمقتل نحو 30 شخصا، وإصابة 700 آخرون جراء الاشتباكات التي شهدتها المنطقة الخضراء، بينهم 110 من أفراد القوات الأمنية، وفق إحصائية غير رسمية وغير نهائية.

واليوم كان زعيم “التيار الصدري”، مقتدى الصدر قد أمهل أنصاره ساعة للانسحاب تماما من أمام البرلمان وإلغاء اعتصامهم، مقدما اعتذاره للشعب العراقي الذي اعتبره “المتضرر الكبير مما يجري“.

وانتقد الصدر في مؤتمر صحفي أقامه في محل إقامته بمدينة الحنانة، في محافظة النجف، ظهر اليوم الثلاثاء، وحضره مراسل “الحل نت”، ما أسماه “ثورة التيار الصدري”، كما انتقد “ثورة تشرين” من قبل، وفق تعبيره، وقال إن التيار الصدري منضبط ومطيع، وإنه سيبرأ منه إذا لم ينسحب من أمام البرلمان خلال 60 دقيقة.

https://twitter.com/awadh_jasim/status/1564215015019872257?s=21&t=AZV9NUibX-iD4I8N3tP-4A

مقتدى الصدر ولومة الفصائل “الولائية”

كما شدد على أنه “لو جرى حل الفصائل من قبل كما طالبنا مرارا لما وصلنا إلى المشهد الحالي“، مؤكدا أن “العراق بات الآن أسيرا للفساد والعنف“، وأن “أفراد الحشد الشعبي لا علاقة لهم بما يحدث على العكس من قادة الحشد الذي قد يكون لهم ارتباط بما يحدث“.

وقدم مقتدى الصدر، اعتذاره للشعب العراقي الذي وصفه بـ “المتضرر الكبير مما يجري“، كما شكر القوات الأمنية التي وقفت موقف الحياد مع كل الأطراف.

بالمقابل، سريعا ما استجاب أنصار “التيار الصدري”، للانسحاب من محيط المنطقة الخضراء بعد كلمة زعيمهم، وعادت الحياة إلى طبيعتها في أغلب مدن العاصمة بغداد، بعد أن أعلنت قيادة العمليات المشتركة إلغاء حظر التجول من عموم البلاد، وإعادة الطرق الرئيسية المؤدية إلى المنطقة الخضراء.

يأتي ذلك بعد أجواء مشحونة عاشتها العاصمة العراقية، بغداد منذ الثلاثاء الماضي، على خلفية محاولة متظاهري “التيار الصدري”، نقل اعتصاماتهم من محيطات البرلمان، إلى أمام مجلس القضاء الأعلى، بمحاولة للضغط على المحكمة لإصدار قرار بحل البرلمان.

 ما دفع القضاء إلى تعليق نشاطاته كافة والمحكمة الاتحادية، واتهام أشخاص بـ “التيار الصدري”، بتهديد المحكمة الاتحادية من خلال الهاتف، وإصدار مذكرات قبض بحق ثلاثة من القيادات الصدريين، ليوجه زعيم التيار، أنصاره بالانسحاب بعد ساعات.

ويعتقد زعيم “التيار الصدري”، وأنصاره، أن القضاء العراقي والمحكمة الاتحادية طرفا رئيسا في المعادلة بالانحياز إلى الطرف الثاني من الأزمة المتمثل بتحالف “الإطار التنسيقي“، من خلال إصدار قرارات تخدم مصالحهم، وهي من ساهمت في فشل مشروع التيار، وحلفائه بتشكيل حكومة “أغلبية وطنية“، وتأزم الوضع.

اقرأ/ي أيضا: توترات أمنية جديدة في العراق.. ما الذي يحصل؟

سياق التدافع بين مقتدى الصدر و“الإطار”

هذا التصعيد الصدري في الموقف، جاء بعد أن أمهل مقتدى الصدر، القضاء العراقي، في نهاية الأسبوع الأول من هذا الشهر، مهلة حتى 18 آب/ أغسطس الجاري، لإصدار حكم قضائي بحل البرلمان الحالي، غير أن القضاء رد بأنه لا يملك أي صلاحية دستورية، أو قانونية لإصدار مثل ذلك القرار.

والأزمة السياسية العراقية، تأتي نتيجة لصراع سياسي دام لأكثر من 10 أشهر منذ انتهاء الانتخابات المبكرة الأخيرة، وفوز الصدر فيها وخسارة “الإطار”، الذي وقف بوجه مشروع “التيار الصدري“، عندما سعى إلى تشكيل حكومة “أغلبية“.

بعد الانتخابات المبكرة، ذهب “التيار الصدري”، بقيادة الصدر، إلى تشكيل تحالف ثلاثي مع الحزب “الديمقراطي الكردستاني”، وتحالف “السيادة”، الجامع لأغلب القوى السنية، وسمي بتحالف “إنقاذ وطن“.

أصر “إنقاذ وطن“، بـ 180 مقعدا نيابيا على الذهاب نحو تشكيل حكومة “أغلبية”، تستثني مشاركة كل “الإطار التنسيقي”، أو بعض أطرافه من تشكيل الحكومة، في وقت استمر الأخير بالدعوة إلى حكومة “توافقية”، يشترك فيها الجميع، وذلك ما لم يقتنع به الصدر، ولم ينجح في ذات الوقت بتمرير مشروعه.

الفشل في تمرير مشروع حكومة “الأغلبية“، جاء بسبب عدم تمكن التحالف الثلاثي من حشد النصب القانوني لجلسة انتخاب رئيس الجمهورية في 3 مناسبات، والذي تكمن أهمية انتخابه في تكليف مرشح الكتلة الأكبر بتشكيل الحكومة، ودونه لا يمكن المضي بحكومة جديدة.

سبب الفشل كان إلزام “المحكمة الاتحادية العليا“، التي لجأ إليها “الإطار”، صاحب 83 مقعدا نيابيا بالتصدي لمشروع الأغلبية، البرلمان العراقي بعقد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية بحضور ثلثي أعضاء المجلس، أي 220 نائبا، من أصل 329، وفقا للدستور، وهذا ما لم ينجح تحالف الصدر بحشده رغم وصولهم لأكثر من 200 نائب، في إحدى جلسات انتخاب رئيس الجمهورية التي فشلت.

بعدها، شهد العراق انسدادا سياسيا أضطر الصدر للانسحاب من العملية السياسية، وتوجيه أعضاء كتلته بالاستقالة من البرلمان في 12 حزيران/يونيو الماضي، لتستبشر قوى “الإطار”، بعدها بسهولة تشكيل الحكومة، وهذا ما لم يحدث إلى الآن.

ما منع “الإطار”، من تشكيل الحكومة، توجيه الصدر لأنصاره بالنزول إلى الشارع، مجرد أن أعلن “الإطار”، في الـ25 من تموز الماضي، توصله إلى تفاهمات داخلية أفضت لترشيح رئيس “تيار الفراتين”، وعضو مجلس النواب الحالي، محمد شياع السوداني، لرئاسة الحكومة لتشكيلها وفق عملية التوافق والمحاصصة، وهو الأمر الذي رفض الصدر تكراره جملة وتفصيلا.

اقرأ/ي أيضا: “العراق لن يكون محافظة إيرانية”.. ما الذي سيفعله أنصار الصدر بالعملية السياسية؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.